من وحي الهزيمة

من وحي الهزيمة

بدوي الجبل

رمـل سينـاء قبـرنـا المحفور    وعلـى القبـر منكـر ونكير

كبرياء الصحـراء مرغهـا الذل    فغاب الضحى وغار الزئيـر

لا شهيد يرضي الصحارى،  وجلى    هارب فـي رمالها  وأسيـر

أيهـا المستعـيـر ألـف عـتاد    لأَعاديـك كـل ما  تستعيـر

هدك الذعر لا الحـديد ولا   النار    وعبء على الوغى المذعور

أغرور على الفـرار؟! لقـد ذاب    حيـاء  من الغـرور الغرور

القلاع المحصنـات ـ إذا  الجبن    حماها ـ  خورنق وسديـر !

لم يعان الوغى (لواء) ولا  عانى    (فريـق) أهوالهـا و (مشير)

رتب صنعة الدواوين.. ما  شارك    فيهـا قـرُّ الوغـى والهجير

وتطيـر النسور في زحمة النجم،    وفي عشـه البغـاث  يطيـر

جَـبُـنَ القـادة الكبـار وفـروا    وبكـى للفرار جيـش جسور

تركوه فوضى إلى الدور، فيحاء،    لقـد ضمت النسـاء الخدورُ !

هُزِم الحاكمـون، والشعب  في    الأصفاد، فالحُكْمُ وحده المكسور

هُزِم الحاكمون، لم يحزن  الشعب    عليهم، ولا انتخـى الجمهـور

يستجيرون ! والكريم لدى الغمرة    يلقــى الردى ولا  يستجير !

لا تسل عن نميرها غوطةَ الشام    ألح الصـدى وغـاض النمير

وانس عطـر الشآم، حيث يقيـم    الظلم تنأى.. ولا تقيـم العطور

أطبقوا.. لا ترى الضياء جفوني    فجفوني عـن الضياء ستـور

بعض حريتي السماوات والأنجم    والشمس و الضحـى و البدور

بعض حريتـي الملائـك والجنة    والـراح و الشـذا   و الحبور

بعض حريتـي الجمـال الإلهي    ومنـه المكشـوف  و المستور

بعض حريتـي ويكتحـل العقل    بنـور الإلهـام،  و التفـكيـر

بعض حريتـي، ونحن القرابين    لمحرابهــا، ونحـن النـذور

بعض حريتي، من الصبح أطياب    ومن رقـة النسيـم حـرير

ثم أملى الطغاة أن يبغض  النـور    علينـا ويعشـق  الديجـور

نحن أسرى، ولو شَمَسْنا على القيد    لمـا نـالنـا العـدو المغير

لاقتحمنـا  علـى الغـزاة لهيباً    وعبـرنا وما استحال العبـور

سألوني عـن الغـزاة فجاوبت:    ريـاح هبـت ونحـن ثبيـر

سألوني عـن الغـزاة فجاوبت:    رمـال تسفى ونحن  الصخور

سألوني عن الغـزاة فجاوبـت:    ليال تمضـي  ونحن الدهور !

هل درت عدن أن مسجدها الأقصى    مكان مـن  أهلـه مهجور

أين مسرى البراق، والقدس والمهد    وبـيـت مـقـدس معمور؟

لـم يرتـل قـرآن أحمد  فيـه    ويـزار المبكى ويتلى الزبور

طوي المصحف الكريم، وراحت    تتشـاكى آياتـه والسـطور

تستبى المدن والقـرى هاتفات    أين...  أين الرشيد والمنصور !

يـا لـذل الإسلام. إرث  أبي    حفـص بديد مضيـع مغمور

يا لذل الإسلام: لا الجمعة الزهراء    نعـمى، ولا الأذان جهيـر

كـل دنيـا للمسلميـن مناحات    وويـل لأهـلـها وثـبـور

لبسـت مكـة السواد، وابكت    مشهـد المرتضى ودك الطور

هل درى جعفر؟ فرف جناحاه    إلى المسجـد الحزيـن يطير

ناجت المسجد الطهور وحنت    سدرة المنتهى وظـل طهـور

أين قبر الحسين ؟(1) قبر غريب!   من يضم الغريب أو من يزور

أين آي القرآن تتلى على الجمع    وأيـن التهـليـل والتكبيـر ؟

أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل   عطـر وضوأ الكـون نـور

أين روما ؟ وجَلَّ حَبْـرٌ بروما    مهد عيسى يشكو ويشكو البخور

النصـارى و المسلمـون أسارى    وحبيب إلـى الأسيـر الأسير

صلب الروح مرتيـن الطواغيتُ!    جـراح كمـا يضـوع العبير

يا لـذل الإسـلام والقـدس نهب    هتكـت أرضـه فأين  الغَيور

قد تطـول الأعمار لا مجد فيهـا    ويضـم الأمجـاد يـوم قصير

من عذولي على الدموع؟ وفي المروة    والركن والصفـا لـي عذير

وحـرامٌ علـي أن ينـزل البشر    بقـلبـي وأن يـلـم الحُبـور

كحلت بالثـرى الخضيـب جفون    وهفت للثـرى الحبيـب ثغور

لا تشق الجيـوب في  محنة القدس    ولكنهـا تـشـق   الصـدور

حبست أدمع الأبـاة  مـن الخوف    ويبكي الشـذا وتبكـي الطيور

أنـا حزن شخص  يـروح ويغدو    ومسائـي مع الأسـى والبكور

أنـا حزن يمـر  فـي كل بـاب    سائل مثقـل الخطـى مقـهور

طردتني الأكواخ،   والبؤس قربى    وتعالت على شقائي  القصـور

يحتويني الهجير حيناً،  ولا يرحم    أسمـال فـقـري  الزمهـرير

وعلى الجوع والضنى  والرزايـا    في دروبـي أسيـر ثـم أسير

نقلتني الصحراء حيناً..   وحينـاً    نقلتنـي إلى الشعوب البحـور

حامـلاً محنتـي أجـرر  أقدامي    ويومـي سَمـْحُ الغَمام مطيـر

حامـلاً محنتـي أوزعها  فــي    كـل دنيـا وشـرها مستطير

محنتـي الغيـث إن أرادوا   وإلا    فهديـر البركـان  والتدمـير

حامـلاً محنـة الخيام،  فَتـَزْوَرُّ    وجـوه عنـي وتغلـق  دور !

الخيـام الممـزقـات..      وأمّ    في الزوايا وكسـرة  وحصير

وفتـاة أذلـها العـري والجوع    ويلهـو بالرمـل طفـل صغير

كلمـا أن فــي الخيـام   شريد    خجل القصر والفراش الوثيـر

خجـل الحاكمـون شرقـاً وغرباً    ورئيـس مسيـطـر و  وزير

هيئـة(2) للشعوب تمعن في الذنـب    ولا تـوبـةٌ ولا    تكفيـر

شـارك القـوم كلهـم فـي أذانا    ومن القـوم غُيَّـبٌ و حضور

مـن قوانينهـا المـداراة للظلـم    ومنـها التغريـب والتهجيـر

ويقام الدستور، أضحوكة  الساخر    منــا ويـوأد     الدستـور

كل علـم يغـزو النجـوم ويغزو    بالمنايا الشعـوب علـم حقير

والحضـارات بعضهـن  بشيـر    يتهـادى وبعـضـهم  نذيـر

نعميات الشعوب شتى،  فنعمـى    حمـدت ربها ونعمـى كفـور

لن يعيش الغازي وفـي الأنفس    الحقد عليه، وفي النفوس  السعير

يحرق المـدن، والعـذارى سبايا    وصغيـر لذبحـه وكبيـــر

دينـه  الحـرق والإبـادة والحقد    وشتـم الأعـراض و التشهير

صورتـه التوراة بالفتك  والتدمير    حتــى ليفـزع التـصـوير

من طبـاع الحـروب كـرٌّ  وفرٌّ    والمجلّي هـو الشجاع الصبور

ليـس يبنـى الفجـاءات فتــح    علمي فـي غـد هـو المنشور

تنتخـي للوغـى سيـوف معـد    ويقوم الموتـى وتمشـي القبور

عربـي     فـلا حمـاي مباح    ـ عند حقدي ـ ولا دمي مهدور

نحن أسـرى،  وحين ضيمَ حمانا    كاد يقضي من حزنه  المأسور

كـل فـرد مـن الـرعـة عبـد    و من الحكـم كـل فـرد أمير

ومع الأسر نحن نستشرف الأفلاك    والدائـرات كـيـف تــدور

نحن موتى! وشر ما ابتدع الطغيان    موتـى علـى الدروب تسير

نحن موتى ! وإن غدونـا ورحنا    والبيـوت المزوَّقـات قبــور

نحن موتى !  يسـر جار لجـارٍ    مستريباً: متـى يكـون النشور

بقيت سبة الزمـان على  الطاغي    ويبقـى لنـا العُلى و الضميـر

سألوا عن ضناي،  محـض تشف    هـل يَصِـحُّ المعـذب الموتور

أمن العدل  أيهـا الشاتـم التاريخ    أن تلعـن العصـور  العصور ؟

أمن النبـل  أيهـا الشاتـم الآباء    أن يشتـم الكبيــر الصغيـر

وإذا رفـت الغصـون  اخضراراً    فالـذي أبدع الغصـون الجذور

اشتراكيـة ؟! وكنـز مـن  الدر    وزهــو ومنـبـر  وسـرير

اشتراكيـة تعاليمـهـا:   الإثراء    والظـلـم والخنـا و الفـجور

اشتراكيـة ! فـإن مـرّ    طاغ    صـف جنـد له ودَوّى  نفيـر

كل وغد مصعـر الخـد لا سابور    فـي زهـوه   ولا   أزدشـير

يغضـب القاهـر المسلـح بالنار    إذا أنَّ أو  شـكـا   المقهـور

ينكـر الطبـع   فلسفـات عقول    شأنـهـن التعقيـد والتعسـير

كــل شـيء متـمــم لسـواه    ليـس فينـا مستأجـر و أجير

بارك الله فـي الحنيفيـة السمحاء    فيهـا التسهيـل و  التيسـيـر

ورقيـب على الخيال.. فهل  يسلم    منـه المسـمـوع والمنظـور

عازف عن حقائـق الأمـر  لؤماً    وكفـى أن يـلفـق التـقـرير

فيجافــي أخ أخـا ويشـقـى    بالجواسيــس زائـر ومـزور

لصغار النفوس كانـت  صغيرات    الأمانـي وللخطيـر   الخطير

يندُرُ المجد، والدروب إلى المجـد    صعـاب، ويكـثـر التزويـر

علمـوا أنـه عسـيـر  فهـابوه    ولا بـدع فالنفـيـس عسيـر

محنة الحاكميـن جهـل  ودعوى    جبـن فاضـح و مجـد عَثور

نهبوا الشعب، واستباح حمى المال    جنـون النعـيـم والتبـذيـر

كيف يغشى الوغـى ويظفـر فيها    حاكـم مترف وشعـب فقيـر

مزقوه، ولن يمزق الشعب،  فالشعب    عليـم بــا أرادوا  خبيـر

حكمـوه بالنـار فالسيف مصقول    على الشعـب حـده مشهـور

محنـة العُـرْبِ أُمَّـةٌ لـم تهادن    فاتحيـها وحـاكـم  مأجـور

هتكوا حرمة المساجد لا  جنكيـر    بـاراهــم و  لا تيمــور

قحموهـا علـى المصليـن بالنار     فشِلْـوٌ يعلـو  وشِلْـوٌ يغور

أمعنوا فـي مصاحـف الله تمزيقاً    ويبدو علـى الوجـوه السرور

فقئـت أعيـن المصـليـن تعذيباً    وديسـت مناكـب و صـدور

ثم سيقوا إلى السجون،  ولا تسأل،    فسجـانـها عنيـف مـريـر

يشبع السـوط من لحـوم الضحايا    وتأبـى دموعـهـم و الزفير

مؤمـن بيـن آلتيـن من الفـولاذ    دام،  ممــزق،  معـصـور

هتفوا باسـم أحمد فعلى الأصوات    عطر وفـي الأساريـر نـور

هتفوا باسم أحمد  فالسياط الحمـر    نعمـى وجـنـة و حـريـر

طرف أتباع أحمد في  السماوات    وطرف الطاغي كليـل حسير

عبـرة للطغـاة مصرع   طـاغ    وانتقام مـن عـادل  لا يجور

المصلـون في حمـى الله يُرديهم    مُـدِل بجـنـده   مخـمـور

جامـع شاده علـى النـور فحل    أمـوي مُعـَرِّقٌ   منـصـور

لم ترع فيه قبـل حكـ الطواغيت    طيـور ولا استبيحـت  وكور

مطلق النار فيه، في الجمعة الزهراء    شِلْـوٌ دام وعـظم  كسيـر

والذي عذب الأبـاة رأى التعذيب    حتـى استجـار من لا  يجير(3)

قدمـاه لـم تحمـلاه إلـى الموت    فزحف على الثـرى لا  مسير

وخزتـه الحـراب وهـو مسـوق    لـرداه،    محطـم مجـرور

ويجيل العينين فـي إخـوة الحكم    وأين الحـاني وأيـن  النصير؟

كـل فـرد منهـم  لقتـل أخيـه    يصـدر الـرأيُ منـه والتدبير

وغـداً يذبـح الرفيـقَ رفيــقٌ    منهم والعشيـرَ فيهـم عشيـرُ

يأكل الذئب، حين يردى، أخـوه    ويعض العقـورَ كلـب عقـورٌ

ارجعـوا للشعـوب يـا حاكميها    لن يفيـد التهويـل والتغـرير

صارحوها..  فقـد تبدلـت الدنيا    وجـدت بعـد الأمـور أمور

لا يقـود الشعـوب ظلـم وفقـر    وسبـاب مكــرر مسعـور

والإذاعات! هل تخلعـت  العاهر؟    أم هــل تقـيـأ   السكيـر؟!

صارحوها.. ولا يُغَطِّ على الصدق    ضجـيـج مـزور و هـدير

واتقوا ساعـة الحسـاب إذا دقت    فيوم الحسـاب يـوم عسيـر

يقـف المتهمـان وجهـاً لـوجه    حاكـم ظالـم وشعب  صبور

كـل حُكْـم له ـ وإن طـالـت    الأيام ـ يومان: أول و أخـير

كل طاغ ـ مهما استبدـ ضعيف   كل شعب ـ مهما استكان ـ قدير

وهــب الله بعـض  أسمائـه    للشعب، فهو القدير وهو الغفور

يبغض الظلـم ناصحيـه،   وإني    لملـوم فـي نصحكم معذور!

يشهـد الله مـا بقلبـي  حقــد    شـفَّ قلبـي كما يشف الغدير

وجراحي ينطفـن شهـداً وعطراً    أدمعي رحمة وشعـري شعور

يرشف النـور مـن بيانـي فإن    غنيت فهـو المدلـه المخمور

وطباعي ـ على ازدحام الزرايا ـ    لم ينلهـا التبديـل والتغيـير

مسلم..    كلمـا سجـدت  لربي    فاح من سجدتي الهدى و العبير

ومـع الشيـب والكهـولة قلبـي    ـ كعهود الصبا ـ بريء غرير

لـي حريتـي وإيمانـي السمــح    فحلمـي هـان وجفني  قرير!

لـم أهادن ظلمـاً وتدري الليالي    في غـد أيـنـا هـو المدحور!


(1) الحسين بن علي زعيم الثورة العربية مدفون في جوار الأقصى.

(2) هيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن نكبة فلسطين.

(3) الطاغية الذي يقترف الآثام انتهى به الأمر إلى أن يحاكم ويقتل.