الوردة الزرقاء

اتصفت أميرة بكل الصفات الحسنة التي يتمناها أي إنسان .  كانت عيناها  العميقتا الزرقة تضيئان محياها الفتان ، وكل الناس أحبوا أسلوبها الجذاب في سرد الحكايات . وقد ماتت أمها في المخاض بها ، وأحبها أبوها حبا جعله لا يأبى لها أي رغبة . ومع كل هاتيك المحاسن كان للأميرة عيب وحيد ؛ إذ لما كانت ترى نفسها كاملة الصفات فإنها كلفت كل من حولها أن يكونوا مثلها كاملي الصفات ، ولم تكن تتردد في طرح قطعة حلوى جانبا إذا لم يكن   الذي يكسوها في شكلها ولونها ، وكان واضحا أنه ما من خطيب يليق بها لجمال عينيها ،  وألح عليها أبوها بأن تتزوج إلا أنها رفضت كل الشبان الذين عرضهم عليها ، وحين توسل إليها يوما أن تتزوج وعدته بأن تتزوج من يأتيها بوردة زرقاء ، فلم يفرحه وعدها لعلمه أنه لا وجود للورود الزرقاء . الورود بيضاء وحمراء وصفراء ، أما الورود الزرقاء ! إلا أنه انقاد لرغبة ابنته المستحيلة ، وأعلن في أنحاء البلاد أن أول من يحضر إليها وردة زرقاء في لون عينيها سيزوجها له في ذات اليوم . فانطلق كثيرون من الشبان بحثا عن تلك الوردة ، وكل واحد منهم يأمل أن يكون زوجا لابنة الملك ، وما لبث كثيرون منهم أن تخلوا عن البحث ، ولم يتابعه سوى ثلاثة بينهم تاجر ثري ، قصد زهارا وطلب منه أن يعثر له على وردة زرقاء وإلا قتله ، فعصف القنوط والخوف بالزهار ، ولاذ بحيلة استبقاءً لحياته  بأن غمس وردة بيضاء في سائل أزرق ، فاكتسبت اللون الأزرق المطلوب ، فشكر التاجر الزهارَ ، ووهبه مالا جما حين رجع إليه لمعرفة ما فعل استجابة لرغبته في الحصول على وردة زرقاء ، وهرول من لحظته إلى قصر الملك لتقديم تلك الوردة إلى الأميرة حتى يتزوجها . وسر الملك بها أيما سرور  ، وقال لابنته  : " ها قد وجب عليك الوفاء بوعدك !  هاهي الوردة التي تمنيتها ! سنستعد للزفاف ."

إلا أنها اكتشفت الحيلة ، فقالت له : " كيف تسمح لنفسك  بالوقوع السهل في الخطأ ؟!  هذه الوردة اكتسبت زرقتها صباغة ! هذا ليس لونها الطبيعي . " ، وأمرت بالإتيان بعصفور ، ومات العصفور حال وقوعه على الوردة ! أهلكه السم الذي استعمل في صبغ الوردة بالأزرق . وكان الخطيب الثاني جنديا ، فارتحل إلى بلاد الأنهار الخمسة المشهورة بماسها ، وفحص فيها  كثيرا من نفائس الحجارة الكريمة ، وانتهى بالعثور على جوهرة صُفير زرقاء كبيرة جدا ، فابتاعها وقصد بها جوهريا ليصوغ له منها جوهرة في صورة وردة . ولما رأى الملك الجوهرة الجديدة انبهر لروعتها ، وشعر شعورا قويا بأن ابنته ستقبل الزواج بهذا الجندي ، فقصدها وقال لها : " ها قد وجب عليك الوفاء بوعدك ! حصلت على الوردة التي تمنيتها ! سنستعد للزفاف . " إلا أنها صاحت حين رأتها : " هذه ليست وردة يا أبي ! ترى تماما أنها ليست سوى صفير صيغ على شكل وردة . عندي كثير من الجواهر أجمل منها ، وأنتظر دائما أن تحضروا لي وردة زرقاء حقيقية . " . وكان الخطيب الثالث نبيلا شابا من أسرة كريمة ، وقد دعا أشهر رسام في البلاد ، وكلفه برسم أجمل وردة زرقاء يمكن لإنسان تخيلها ، وذهب بها بعد رسمها إلى الملك الذي شعر هذه المرة أنها سترضي ابنته ، فتجد في النهاية زوجها المأمول ، فقصدها وقال : " ها قد وجب عليك أن تفي بوعدك ! حصلت على الوردة التي تمنيتها ! سنستعد للزفاف ! " ، فأجابته أنها تريد وردة حية لا صورة وردة حتى وإن كانت جميلة ، ورفضت الخطيب الثالث مثلما رفض سابقيه .

وفي يوم صيفي  راق الأميرة غروب شمسه ، سمعت شاعرا ينشد . كان شابا وسيما ذا صوت مطرب عذب ، فهبطت مسرعة من القصر للقائه ، وحين رأته انبهرت روحها به ، وأجابته عندما عرض عليها الزواج : " يا أسفي ! حلفت ألا أتزوج سوى من يأتيني بوردة زرقاء ، وحتى اللحظة لم يأتِ بها أحد . " ، فقال : " سآتيك بها . هذا ليس عسيرا . الورود الزرقاء في كل مكان . " .

وجاء ثاني يوم إلى القصر ومعه وردة بلون الكريمة ( القشدة ) ، قدمها إلى الملك ،  فسخر منه إلا أنه نادى ابنته ، وقال  : " هو ذا  يا ابنتي شاعر يزعم أنه وجد وردة زرقاء . " ،

ولعظيم دهشته ردت : " أجل يا أبي هي زرقاء ، وهي أجمل وردة رأيتها في حياتي . فائقةُ الزرقة ! " .

واعترى الذهول الذي اعترى الملك كل من في القصر . كلهم رأوا وردة بلون الكريمة لا وردة زرقاء ، وصارت الأميرة تقول للناس في كل مكان : " أؤكد لكم أنها زرقاء . أنتم الذين لا ترون ، وزرقتها بديعة جدا ، وأنا سعيدة أعظم سعادة ؛ لأنني سأتزوج من جاء بها إلي ." ، وهذا ما كان ، سعدت الأميرة بزواجها ، وتخلصت من بحثها الدائم عن الكمال المستحيل .

*موقع " قصص وأساطير قصيرة " الفرنسي .

وسوم: العدد 846