140 شخصاً إلى غلاسكو و70 ناقلة نفط إماراتي إلى “إيلات”.. إسرائيل تجمع الأضداد

لم يسبق أن كان لدينا حدث كهذا. شركة حكومية توجهت في الأسبوع الماضي إلى المستشار القانوني للحكومة بشكوى ضد وزيرة في الحكومة لأنها -حسب هذه الشكوى- أساءت استخدام صلاحياتها الوزارية.

“مع أخذ هذا السلوك في الحسبان، ومن أجل الدفاع عن سلطة القانون وعن المعايير الإرهابية التي يلتزم بها أعضاء الإدارة، نطلب من المستشار إعطاء تعليماته للوزيرة ووزارتها للكف عن ذلك والعمل ضمن نطاق الصلاحيات المعطاة لهم في إطار القانون فقط”، كتب محام من الخارج استأجرته الشركة الحكومية. وقد أشار إلى أن سلوك الوزيرة لا ينطبق مع القانون، على أدنى تقدير.

الشركة المشتكية هي شركة “كاتسا” (خط أنبوب إيلات – أسدود)، وهي شركة البنى التحتية التي تحصل منذ عشرات السنين على امتيازات مشكوك فيها من الحصانة، وتعرف بنفسها شيئاً أو شيئين عن السلوك الخارق للقانون. “الزعرنة، التي وصفتها كاتسا في الشكوى، تتعلق بالوزيرة تمار زيندبرغ، وزيرة حماية البيئة. سبب الرسالة غير المسبوقة هو تعليمات إعطتها الوزيرة لموظفي وزارتها بعدم الالتقاء من الآن فصاعداً مع مندوبي كاتسا وقطع الاتصال معهم، احتجاجاً على الصفقة التي وقعتها الشركة مع الإمارات لاستيراد النفط الخام من الإمارات إلى ميناء إيلات ونقله بواسطة أنبوب إيلات – عسقلان وتصديره من ميناء عسقلان إلى أوروبا.

في تشرين الأول 2020 فاجأت “كاتسا” عندما بشرت بأنها وقعت على مذكرة تفاهمات ملزمة لنقل نفط الإمارات عبر محطاتها. وزارة المالية لم تعرف عن الصفقة، وكذا وزارة الطاقة. وعرفت وزارة حماية البيئة عن الصفقة من خلال تقارير في وسائل الإعلام. مع ذلك، قائمة الشخصيات المهمة التي شرفت احتفال التوقيع بوجودها، دلت على أن الجميع لم يتفاجأوا من العملية التي جرت في إسرائيل.

الصورة التي نشرتها الشركة وثقت في حفل التوقيع: وزير المالية الأمريكي في حينه ستيف منوتشن، وآفي باركوفيتش، ومبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في المنطقة، ووزير الاقتصاد في الإمارات عبيد حميد الطاير، إلى جانب رئيس “كاتسا” ايرز حلفون، والمدير العام لـ”كاتسا” ايتسيك ليفي، واثنين من رجال الأعمال في إسرائيل كانا يعملان في شركة “اينرجي باز” وهما المدير العام يونا فوغل، والمدير العام السابق لمحطة التكرير في أسدود، ملاخي البر.

في هذه التشكيلة المقدرة للمشاركين، يكمن سبب الصمت الذي فرضه مكتب رئيس الحكومة في حينه على نفسه (الصمت الذي أملاه أيضاً على آخرين بعد ذلك). بكلمات أخرى، ما كان صحيحاً في زمن بيع الغواصات لمصر وطائرات اف35 للإمارات، كان صحيحاً أيضاً بخصوص صفقة الوساطة لنفط أجنبي.

       مؤتمر مناخ؟ هذا ما كان ينقصنا

بعد بضعة أيام على توقيع مذكرة التفاهمات، تبين أن نموذج الصفقة الآخذة في التراكم معقد أكثر مما تم وصفه في البداية. وهو يذكر بصورة مثيرة للشبهة نموذج “إي.ام.جي” المصري، التي كانت وسيطة في موضوع بيع الغاز الطبيعي المصري لشركة الكهرباء، قبل عقد.

نفط الإمارات، هكذا تم الاتفاق، سيتم بيعه لشركة وساطة خاصة اسمها “ام.آر.ال.بي”، التي ستتعاقد مع “كاتسا” لغايات صفقة التنزيل والتخزين والشحن للنفط الخام.

مثلما في شركة “إي.ام.جي” كانت تملكها جهات مقربة من نظام الحكم في مصر (حسين سالم) ورجل أعمال إسرائيلي (يوسي ميمان) ولاعب دوري له علاقات مع الولايات المتحدة (سام فيشر)، فإنه في “ام.آر.ال.بي” ثمة شراكة ثلاثية أيضاً بين شركة بترو ميل، التي هي ذراع النفط والغاز في شركة ناشيونال هولدينغ” في أبو ظبي والتي تسيطر عليها العائلة الحاكمة، وشركة “إي.اف. انتريبريميرشيب” التي هي بملكية شخصيات رفيعة سابقة في باز، فوغل والبر، وشركة مجهولة باسم لوبر لاين كابيتال. هذا ما كشفه حاغي عميت في “ذي ماركر”، سجل في ملاذ ضريبي في جبل طارق قبل شهر من التوقيع، وتقف خلفه عدة شركات بملكية ياريف الباز، رجل الأعمال اليهودي المغربي، المقرب من ملك المغرب ومن صهر ترامب جاريد كوشنر.

بعد مرور شهرين فقط على التوقيع على مذكرة التفاهمات، وقعت الأطراف على اتفاق ملزم. هذه المرة لم يتم نشر ذلك بصورة رسمية.

استغلت شركة “كاتسا” حصانتها تحت غطاء التحكيم الذي استمر لسنوات كثيرة أمام إيران من أجل إخفاء صفقة تجارية لا ترتبط أبداً بذلك. ضجة عامة والتماس قدمته هيئات خضراء للمحكمة، هي التي أدت إلى نشر جزئي للصيغة. من البيانات التي نشرت والتي لم تنشر بعد، يتبين أن الأمر يتعلق بإنزال 50 – 70 ناقلة نفط في السنة (70 – بدءاً من السنة الخامسة للصفقة)، هذا طوال عقد مع احتمالية عقد آخر، أي نقل يقدر بـ 14 مليون طن من النفط الخام في السنة بمداخيل قدرت بمئات ملايين الدولارات. وهناك من يقولون إن المبلغ قد يصل إلى مليار دولار (عند استكمال الصفقة).

المشكلة هي أن الرخصة التجارية لميناء شركة “كاتسا” في إيلات تقيد الشركة باستيعاب 2 مليون طن من النفط في السنة، التي تبلغ سنوياً 10 – 12 ناقلة نفط.

بناء على ذلك، عملت “كاتسا” بسرعة ودقة. في البداية تصرفت كـ “رأس صغير”. والشركة أبلغت الأعضاء الميدانيين في وزارة حماية البيئة عن نيتها زيادة النشاطات (الروتينية) في إطار نشاطها (العادي) وإضافة بضع ناقلات على الوتيرة السنوية التي تتراوح الآن حول 5 – 10 ناقلات في السنة فقط.

         أرادت الشركة من وحدة حماية البيئة البحرية توجيهات سريعة للسماح بذلك، والموظفون الذين لم يكونوا متيقظين في حينه للصورة الكبيرة، ابتلعوا الطعم وبدأوا في مناقشات تقنية مع “كاتسا”.

في أعقاب انتقاد عام، أدركت الوزارة ذلك، لكن متأخرة جداً. كان الاتفاق النهائي قد تم توقيعه. اتفاقات إبراهيم مدت عليه حمايتها. إن طلب وزيرة حماية البيئة في حينه، غيلا غملئيل (الليكود)، التي قدمتها لسكرتاريا الحكومة وهيئة الأمن القومي لإجراء نقاش في الحكومة، تم تجاهله. تدحرجت الكرة إلى الساحة العامة مرة أخرى.

جمعية حماية البيئة ومنظمة الإنسان والطبيعة والقانون وجمعية “تسالول”، قدمت التماساً في أيار للمحكمة العليا، وطالبت بإلغاء الاتفاق لأنه لم يحصل على مصادقة الحكومة. يبدو أن هذه المنظمات أشارت إلى نقطة صحيحة، حيث إنه إذا كانت شركة الكهرباء تحضر اتفاقات الغاز التي توقع عليها للحصول على مصادقة الكابنت الاقتصادي – الاجتماعي، فلماذا لا تفعل “كاتسا” ذلك مع الاتفاق الذي يقيد شركة حكومية بصفقة طويلة المدى مع دولة أجنبية وبصفقة تعدّ فيها دولة عظمى ضامنة لها كما يبدو؟

في المقابل، قالت “كاتسا” إنه لا يوجد في الاتفاق منح حقوق أو أخذ تعهدات قد تقيد الحكومة في المستقبل. لذلك، لا حاجة إلى تقديمه من أجل مصادقة الحكومة عليه. مع ذلك، لم يأت رد الدولة على الالتماس حتى الآن بسبب استبدال الحكومات، وبعد الاستبدال تجد الحكومة صعوبة في بلورة جبهة موحدة من أجل الرد على المحكمة العليا.

سبب ذلك يكمن في موقف متشدد للوزيرة الجديدة لحماية البيئة، تمار زيندبرغ (ميرتس)، وفي الحذر الذي يظهره الوزراء وعلى رأسهم رئيس الحكومة، خوفاً من أن يتم تصنيفهم، لا سمح الله، في الرأي العام كأعداء للبيئة، لا سيما عشية عقد مؤتمر المناخ في غلاسكو.

       مسح أخطار، لا يساوي الورق الذي كتب عليه

منذ سنوات و”ميرتس” يركب انتخابياً على الموجة الخضراء. ولكن كان من المنطقي أنه فور تولي رئيسة الحزب منصبها، أنها ستوضح بأن سياستها صفر زيادة للأخطار في ميناء إيلات. وأن صفقة النفط مع الإمارات لن يتم تطبيقها.

مع ذلك، رفضت المحكمة العليا طلب منظمات البيئة إصدار أمر مؤقت ضد تنفيذ الصفقة. واستمرت “كاتسا” في الاتصال مع وزارة حماية البيئة. هذا في حين أنه في موازاة ذلك، استثمرت 15 مليون شيكل في الاستعداد لأخطار مختلفة (منها شراء “عائق بحري” في حالة التسرب ووضع كاميرات).

بعد رفض وزارة حماية البيئة لمسوحات الأخطار التي أجرتها “كاتسا” بذريعة أنها لا تساوي الورق الذي كتبت عليه، طلب كبار شخصيات الشركة الحكومية الالتقاء مع أعضاء الرقابة البيئية حتى يبلوروا معهم، وجهاً لوجه، قائمة الطلبات التي يجب عليهم الإيفاء بها. ولكن في حينه، قال موظفو وزارة حماية البيئة بأنه محظور عليهم فعل ذلك بتعليمات من الوزيرة المسؤولة عنهم، وأنها تطالب أولاً بعقد جلسة للحكومة لمناقشة الموضوع.

للوهلة الأولى، يبدو أن زيندبرغ على حق. فمن واجبها الدفع قدماً بأجندة بيئية، وهذه الأجندة لا تتساوق مع 70 ناقلة نفط في وسط مدينة تعتبر شواطئها ذخراً اقتصادياً – استراتيجياً، ولا تتساوق أيضاً مع ملايين الأمتار المكعبة من النفط في أنبوب بري سبق وشهد حالات تسرب. هذا الموقف، بالمناسبة، غير اعتباطي، وهو مدعوم من قبل مهنيين وأكاديميين عبروا عن صدمتهم من الصفقة.

 في النهاية، إذا كان من المسموح لوزير الدفاع أن يدافع عن زيادة مخصصات التقاعد لزملائه في الخدمة النظامية، فمطلوب من جميع من هم في الائتلاف أن يعضوا على الشفاه والتصويت معه من أجل الحفاظ على كرامته ومكانته في الائتلاف، لماذا لا يسمح لرئيسة “ميرتس” السابقة أن ترسم خطاً أحمر حول المصالح البيئية في جنوب البلاد، ثم تتوقع تفهماً من قبل شركائها في الحكومة.

اذهبوا وابحثوا عن موظف يوافق على التوقيع

التهديد الوجودي الذي تواجهه الشركة هو الذي يقف من وراء طلبها الاستثنائي من مندلبليت، الذي يقف خلف محاولة إشراك هيئة الأمن القومي في هذا الصراع، بذريعة أن إخراج نشاطات “كاتسا” من ميناء إيلات سيشل طريقاً استراتيجية لاستيراد الوقود للاقتصاد، وسيفرغ مخزون الاحتياطي الاستراتيجي لإسرائيل (أنبوب إيلات – عسقلان) وسيقرب موعد إغلاق بوابة الدولة الجنوبية.

في هيئة الأمن القومي لم تتدخل حتى الآن. وهكذا يحذر رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت والبديل يئير لبيد من تثبيت مسامير في هذه القضية، خوفاً من حملة جماهيرية خضراء من جهة، وخوفاً من المس بالعلاقات الخارجية مع الإمارات من جهة أخرى. وزيرة الطاقة، كارين الهرار، دحرجت حبة البطاطا الساخنة من يدها، وقالت في “ذي ماركر” بأنها “غير مبالية بهذه القضية”.

في الوقت الذي ينتظر فيه كل هؤلاء أن يخرج شخص ما الكستناء من النار، فإن من أدخل يده في النار هي وزارة المالية، المسؤولة عن شبكة الشركات الحكومية والتي تراهن في كل سنة على مكاسب كبيرة من أرباحها.

المدير العام للوزارة، رامي بلنكوف (ليس الوزير افيغدور ليبرمان)، هو الذي أرسل في نهاية الأسبوع رسالة أيد فيها “كاتسا” وأيد الدفع قدماً بالصفقة. “موقفنا أن لا مجال لاستخدام صلاحيات الحكومة، على اعتبارها صاحبة الشركة الحكومية، من أجل التدخل في الصفقة مدار الحديث”، هكذا تطرق بلنكوف لاحتمالية أن تأمر الحكومة “كاتسا” بإلغاء الاتفاق حسب المادة (4أ) في قانون الشركات الحكومية.

“استخدام هذا الحق قد يتسبب بضرر كبير لشركة كاتسا بشكل خاص وللشركات الحكومية بشكل عام، ولدولة إسرائيل، سواء بالنسبة لمداخيلها أو سمعتها أو مصداقيتها في عقد الصفقات”، حذر بلنكوف.

ولكن لا تلوح في الأفق أي عملية حكومية لإلغاء الصفقة. وفعلياً، هي أيضاً غير مطلوبة. الصفقة يمكن “قتلها” بعدة طرق دون التدخل وبصورة سلبية. على سبيل المثال، بواسطة تأخير رد مندلبليت إلى ما بعد خط النهاية لبداية قدوم الناقلات بشكل متزايد، المتوقع في الأشهر القريبة القادمة، أو من خلال إبطاء الإجراءات البيروقراطية الضرورية في وزارة حماية البيئة.

بكلمات أخرى، حتى لو قام مندلبليت بتطويع زيندبرغ، إلا أنه ما زال مطلوباً توقيع موظف من أجل المصادقة على الصفقة. من هنا يجب عليكم الذهاب والعثور على موظف يتحمل مسؤولية (حصرية) عن قدوم 70 ناقلة نفط إلى إيلات، لا سيما في السنة التي ترسل فيها إسرائيل وفداً يتكون من 140 شخصاً إلى مؤتمر المناخ العالمي في غلاسكو.

وسوم: العدد 953