طرطوس.. ذاكرة الدولة كما يريدها النظام

فايننشال تايمز:

طرطوس.. ذاكرة الدولة كما يريدها النظام

أبيغاييل فيلدنغ سميث - طرطوس

نقلت صحيفة الفايننشال تايمز في تقرير لها عن مدير المشاريع في برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية بيتر هارلنغ أن الإحباط يتصاعد تدريجيا بين مؤيدي نظام الأسد في المناطق الساحلية في سوريا. وذلك بعد تصاعد أعداد القتلى في صفوفهم، وعدم إحراز قوات الأسد تقدما في التغلب على الثورة.

في تقرير لها بعنوان "منطق التضحية يُسحق في سوريا"، تشير الصحيفة إلى صور من حياة الأقلية العلوية في المدن الساحلية وطرطوس بشكل خاص، وتبدأ من المتجر الذي يصنع صور القتلى من أقرباء الأهالي، والتي تملؤ شوارع المدينة وتتزايد بمقدار سبعة صور يوميا من هذا المتجر وحده.

تقع طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتضم حسب الصحيفة التركيز الأكبر للأقلية العلوية التي ينحدر منها نظام الأسد وأشرس مقاتليه، وتبعد عن الحدود التركية مسافة أكبر من اللاذقية التي تنحدر منها عائلة الأسد. وقد ظلت المدينة معزولة بشكل غير مفهوم عن الاضطرابات والدمار الذي يجتاح بقية سوريا، بصرف النظر عن الجنازات.

خارج مشفى عسكري يصور التقرير خروج ثلاثة توابيت عليها علم الدولة السورية يليها طابور من الجنود، حُمِلت في سيارة إسعاف لتعيدها إلى أهاليها. يصرخ أحد الجنود "هذا هو الجيش - أناس يقدمون نفوسهم لأجل البلاد!" فيما يمسح آخر دموعه. تمر لحظات قبل أن تصرخ مجموعة صغيرة من الجنود "بالروح بالدم نفديك يا بشار!".

يصور التقرير كذلك امرأة تبكي ولدها الذي قتل في ريف دمشق، ويشير إلى أنه بالنسبة للثوار لم يكن ولدها إلا مقاتلا في صفوف نظام كان قد أطلق العنان لدمار لا يمكن تصوره تجاه أحياء السنة: قتل وتعذيب وإفلات من العقاب.

تقول والدة ذلك القتيل إنه "كان يقاتل ضد متمردين مسلحين لا يهتمون بالناس أو المدنيين، لا يريدون السلام، لا يريدون الحرية أو الديمقراطية، يريدون فقط تدمير هذه الدولة". يبدأ مقطع فيديو تذكاري لنفس القتيل بكلمات لحافظ الأسد يصف فيها الشهداء بـ"نور من نار".

يشير التقرير إلى ازدياد عمق الخطوط الفاصلة بين مؤيدي نظام الأسد وما يصفونه بـ"القوى المتطرفة المدعومة من الخارج" مع ارتفاع حصيلة القتلى بين المؤيدين. 

 

وحيث ينقل صورة سيدة تشرح للناس كيفية حذف القنوات العربية وقناتي الجزيرة والعربية من قوائم التلفاز كونها قنوات مؤيدة للمعارضة، يقول الكاتب إن الخوف من العدو الخارجي والطابور الخامس يشكلان قوة قادرة مجمعة في معاقل النظام الساحلية. 

على خلاف العادة، ينقل الكاتب عن أحد الشبيحة اعترافا بأن قتل السوريين بعضهم أمر خاطئ، لكنه يصر في الوقت نفسه على أن من يقاتلهم "ليسوا أصدقائنا، إنهم سلفيون".

فيما يزداد الصراع ضراوة بعيدا عن طرطوس وتشير تقارير موثوقة إلى ظهور التطرف لدى الثوار، تسود عقلية الحصار داخل طرطوس. البعض يرفض مغادرة المدينة. وداخل تلك الحدود، يبدو العامان الماضيان كأنهما لم يكونا.

تحت أعين المخابرات، تصور الصحيفة جلوس كبار السن "يحتسون العرق ويمجدون فضائل حزب البعث، في حين يتنزه الفتيات بملابسهم الأنيقة صعودا ونزولا على الشاطئ"، تقول إحداهن "إنها سوريا الجميلة كما في السابق... نتمنى أن تظل كذلك".

تشير الصحيفة إلى تجاوز عدد السكان في المدينة المليون نسمة بعد ابتلاعها مئات الآلاف من الباحثين عن الأمان منذ بداية الصراع، حسب أحد الشيوخ. وعلى الرغم من معاناة بعض القادمين من مناطق ساخنة شمال سوريا من الفقر، إلا أن نظام الأسد قد عمل على احتواء أي اضطراب محتمل جراء ذلك بتقديم المساعدات لهم. يقول مدير مشاريع مجموعة الأزمات الدولية "يحتفظ النظام بمدينة طرطوس لإحياء ذكرى الدولة كما يريدها السوريون".

يقول الكاتب "تبدو المدينة هذه الأيام أقرب إلى سوريا "القديمة" من دمشق"، لافتا إلى أن صور الأسد وملصقات التأييد لنظام الأسد والسيارات ذات الزجاج الأسود التي قد بدأت تغيب عن العاصمة تنتشر في طرطوس بشكل كبير.

تختم الصحيفة بأنه ليس من الواضح ما إذا كان التوافق على النظام قويا كما تدعي الأسر التي تتحمل تكاليف الحرب. ولكن "مع اندماج أفكار عبادة الاستشهاد مع الدولة والنظام والمجتمع، ومع تربص العدو على الأبواب، يظل منطق التضحية سيد الموقف وعنوان المرحلة".