حرب الصيف في سوريا ومصير النظام

حرب الصيف في سوريا ومصير النظام

جيفري وايت

باحث عسكري في معهد واشنطن

مع اشتداد حدة النزاع السوري يستمر تقلص المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. والسؤال المطروح الآن هو سرعة سقوط النظام.

زادت حدة ونطاق الحرب الداخلية في سوريا بشكل كبير على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. فقد تضاعفت المواجهات التي أوردتها التقارير بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في شهر مايو، ثم في يونيو، ومرة ​​أخرى في يوليو. وقد كان الشهر الماضي هو الأكثر عنفاً خلال الحرب، حيث أفادت التقارير عن وقوع 552 مواجهة، وقتل أو جرح نحو 1100 من أفراد النظام.

ورغم أن الثوار  المسلحين تعرضوا لخسائر أيضاً (قُدرت بحوالي 624 محارباً في يوليو)، إلا أنه يبدو أن قوتهم من حيث الأفراد والتشكيلات القتالية آخذة في التنامي.

وفي غضون ذلك، فإن الاغتيال المثير لأربعة مسؤولين كبار في 18 يوليو في دمشق -رغم أنه لم يكن ضربة قاتلة- قد كشف نقاط ضعف النظام في أقرب دوائره الداخلية.

وعلى نحو مماثل، فإن فقدانه لمنطقة في شمال غرب البلاد على طول معابر حدودية محددة كشف ضعفه عند الحدود الخارجية. وتبرز هذه التطورات تهاوي إستراتيجية النظام في التعامل مع الثورة، رغم قراره بتوظيف مستويات مرتفعة للغاية من العنف، والتعمق في استخدام ترسانته من الأسلحة، والاعتماد بشكل أكبر على القوات غير النظامية.

* الحرب تصل إلى عقر دار الأسد:

بعد أن انتقل القتال إلى داخل مدن دمشق وحلب -وهي مراكز السلطة السياسية والعسكرية والاقتصادية للنظام- تحولت طبيعة الحرب.

المعركة على دمشق: وترتبط المعركة على العاصمة بالقتال في ريف دمشق، وهي المحافظة المحيطة بالمدينة. وتعمل هذه المناطق الخارجية كقاعدة لكل من النظام والثوار، حيث ينتقل الأفراد والمؤن عبر المحافظة أو يأتون منها للقتال في دمشق.

وقد تصاعد القتال في ريف دمشق في يونيو وزاد بشكل أكثر إثارة في تموز/يوليو، متزامناً مع القتال في العاصمة. ويشير ذلك إلى وجود قوات كبيرة من الثوار  في كلا المنطقتين كما يشير إلى قيام درجة من التنسيق فيما بينهم.

لقد شهدت دمشق أولى عملياتها القتالية الكبرى في هذه الحرب بدءاً من 15 يوليو، عندما استمرت المواجهات لمدة خمسة أيام. كما انتشر القتال على نطاق واسع عبر أرجاء المدينة، وإن كان بدرجات متفاوتة. وأفادت التقارير عن وقوع ما معدله ستة عشر مواجهة يومياً في أربع وعشرين موقعاً مختلفاً خلال فترة الذروة، وقد شمل ذلك عملية التفجير القاتلة في 18 يوليو ضد زوج أخت الرئيس ومسؤولين كبار آخرين.

وقد رد النظام بقوة على هذه التحديات، حيث نقل القوات المقاتلة إلى داخل المدينة واستخدم أسلحة ثقيلة دون أي تمييز، بما في ذلك المروحيات الهجومية. وبحلول 20 تموز/يوليو، تم إجبار معظم عناصر الثوار على الانسحاب من القتال.

 المعركة على حلب: ازدادت وتيرة المواجهات في محافظة حلب بشكل كبير في تموز/يوليو. وقد تركز الكثير من القتال حتى منتصف الشهر في الريف، سيما على طول خط الاتصال بين باب السلام (نقطة عبور على الحدود التركية) ومدينة حلب.

وقد نجحت قوات الثوار في السيطرة على عدد من المدن على طول هذا المسار إلى جانب المعبر الحدودي، وتم طرد قوات النظام أو إجبارها على الانسحاب من مناطق كثيرة في الريف. وهذا بدوره ساعد المعارضة على نقل قواتها إلى داخل المدينة وتعزيز أوضاعها أثناء القتال في الأسابيع اللاحقة.

لقد بدأت معركة حلب بشكل جدي في 20 يوليو، رغم وقوع بعض المناوشات الأولية في وقت سابق. وسرعان ما أصبحت أيضاً منطقة صلاح الدين -الواقعة جنوب غرب البلاد- مركزاً للقتال العنيف استمر حتى 9 أغسطس، عندما قامت قوات النظام -مستعينة بالهجمات الجوية والمدفعية- بدفع وحدات الثوار إلى خارج المنطقة.

ومنذ ذلك الحين والنظام يحاول طرد الثوار  من معاقل أخرى في المدينة، إلا أن نجاحه محدود حتى الآن. ولا يزال القتال مستمراً في المدينة حتى كتابة هذه السطور، بما في ذلك منطقة صلاح الدين.

والنجاح المحدود للنظام في حلب صاحبته تكلفة هائلة من حيث الخسائر البشرية وتشتيت القوات من أجزاء أخرى من البلاد (على سبيل المثال، إدلب ومنطقة دمشق)، وإدانة دولية للهجمات الجوية والمدفعية. كما أنه أعاد الحديث عن فرض مناطق حظر طيران بين معارضي سوريا على الساحة الدولية.

وتُظهر المعارك على حلب ودمشق قدرة المعارضة المتنامية على تنظيم القوات وترتيب صفوفها وتعزيزها، فضلاً عن رغبة النظام وقدرته على الرد باستخدام القوة الهائلة ضد التهديدات التي تواجه مراكز قوته. ورغم أن بشار الأسد قد يتنازل عن الأراضي في بعض المناطق ويرضى بالجمود في مناطق أخرى، إلا أن هناك أماكن سيكرس لها ما يلزم من الموارد لقمع المقاومة.

* المعركة للفوز بالعمود الفقري لسوريا:

شهدت المحافظات الغربية -درعا وحمص وحماة- زيادة حادة في القتال في شهري يونيو ويوليو. كما شهدت إدلب تراجعاً طفيفاً في المواجهات، وهذا يعكس على الأرجح فقدان النظام للأراضي لصالح قوات الثوار  ونقل الوحدات القتالية إلى حلب للتعامل مع الأزمة هناك.

وهذه المحافظات الأربع -إلى جانب ريف دمشق- تشكل "العمود الفقري" للنظام ولا يسعه أن يفقد أياً منها. وبالفعل يتعرض خط الاتصالات من دمشق إلى حلب لهجمات متكررة من جانب الثوار ، سيما في محافظة إدلب.

* تحدي الثوار في شرقي البلاد:

ازدادت حدة القتال أيضاً في المحافظات الشرقية -دير الزور والرقة والحسكة- وإن لم تكن بحدة المعارك في الغرب. كما أن قوات النظام منهكة على طول وادي الفرات، حيث تعمل فرقة واحدة بصفة أساسية من الرقة إلى أبو كمال التي تبعد عنها حوالي 150 ميلاً.

كما تشكل محافظة دير الزور تحدياً خاصاً للنظام. فالقتال أصبح حدثاً يومياً في مدينة دير الزور، وتحدثت التقارير عن وقوع مواجهات في ست مناطق أخرى على الأقل داخل المحافظة. كما ذكرت التقارير أن عدداً من المدن والقرى أصبح خاضعاً لسيطرة المتمردين، وفي 20 تموز/يوليو فقد النظام السيطرة (على الأقل مؤقتاً) على المعبر الحدودي مع العراق في القائم.

كما أفادت التقارير أن محافظة الرقة شهدت أيضاً نشاطات من قبل الثوار  في سبع محافظات مختلفة، وإن كانت أقل حدة بشكل كبير منها في دير الزور.

كما تحدثت التقارير عن عدد متنامي من الحوادث في الحسكة، حيث يبدو أن النظام يعتمد على الموالين الأكراد لقمع المقاومة (رغم أن بعض قوات الأمن التابعة للنظام لا تزال نشطة هناك). كما أن تهديد الثوار لخطوط الاتصال الرئيسية بين الشرق والغرب آخذ في التصاعد، حيث هناك تواجد للمعارضة المسلحة في تدمر (في محافظة حمص الشرقية)، ومدينة الطبقة والرقة (في محافظة الرقة)، ومسكنة (في القسم الشرقي من محافظة حلب).

 * انهيار العمليات:

 تبرز الصعوبات الأخيرة التي يواجهها النظام عدد من العمليات التي يعمل تأثيرها المتراكم على إنهاك النظام:

 ·تصاعد المواجهات في تسع محافظات من بين أربع عشرة محافظة في يوليو.

 · زيادة استنزاف الأفراد والمعدات جراء العمليات القتالية والانشقاقات والاغتيالات.

 ·وجود مؤشرات على فقدان قوات النظام للرغبة في القتال (مثل الاستسلام وترك المواقع والعجز عن شن هجمات مباغتة)

 الفشل العملياتي والتكتيكي، بما في ذلك فقدان الأراضي والمواقع.

 فقدان السيطرة على البنية التحتية بسبب هجمات الثوار المنسقة بشكل جيد (على سبيل المثال، على مراكز الشرطة ونقاط التفتيش والمواقع الحدودية ومكاتب الاستخبارات والأمن ومراكز حزب البعث وميليشيا "الجيش الشعبي" التابعة للنظام)

 ·تحسين القدرات العسكرية للمتمردين من حيث التنظيم والأعداد والأسلحة

 · شن هجمات على وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو المرافق المرتبطة بها وكذلك الأفراد التابعين للنظام بما يضعف قدرة الأسد على التحكم في الناس والأرض.

 * التداعيات:

 واشتداد حدة القتال هذا الصيف وانتقاله إلى عقر دار النظام يشير إلى أن الحرب بلغت مرحلة حرجة. وبالنظر للمعارك الأخيرة في دمشق وحلب، لم يعد النظام واثقاً حتى من تأمين الأجزاء الأكثر حيوية في البلاد.

ويُظهر القتال أيضاً المدى الذي وصلت إليه المعارضة المسلحة، ومدى صعوبة الوضع العسكري للنظام. فمن مجرد عدد صغير من "الكتائب" المنعزلة المسلحة بشكل متباين وغير المدربة جيداً، ظهرت معارضة مسلحة أكثر كفاءة بكثير قادرة على تحدي النظام في مناطق حيوية رغم عيوبها المتواصلة. وبالنسبة للنظام فإن مسار الحرب آخذ في الانحدار بشكل كبير. ولا تزال سرعة هذا الانحدار محل شك، لكن ليس هناك أي شك في العملية ذاتها.

ويرجح أن يتداعى النظام ويتهاوى في المستقبل غير البعيد. وسوف يقاتل بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على حلب ودمشق ومعقل العلويين، لكنه سيفقد مناطق أخرى خلال ذلك. وتتقلص أجزاء البلاد الخاضعة لسيطرة الحكومة بشكل كامل وسوف تتقلص بشكل أكبر في المستقبل.

وهذا لا يعني أن الحرب قد انتهت، فقد قاوم النظام وسجل نجاحات عارضة وإن كانت غير مكتملة (على سبيل المثال، القتال في دمشق في يوليو)، وربما ينجح في طرد معظم قوات الثوار من حلب. لكن قبضته اهتزت في كلا المدينتين، كما أن جهوده هناك تُضعف قبضته في أماكن أخرى من البلاد.

وفي غضون ذلك، انطوى النجاح النسبي للمعارضة على تحديات بالنسبة للثوار. فمع اكتسابهم لمزيد من الأراضي، يتعين عليهم إدارة شؤونها والدفاع عنها. وعندما يتحرك النظام لإعادة السيطرة على تلك المناطق، فإنه يتمتع بحرية الحركة في عملياته إلى حد كبير، حيث يستخدم القوات الجوية والمدفعية بشكل كامل وبدون مراعاة للخسائر في صفوف المدنيين.

وفي ضوء هذه الظروف، فإن فرض مناطق لحظر الطيران / أو حظر القيادة سيكون بمثابة منحة كبيرة للثوار، فهذا التحرك سيكون له التأثير الأكبر والأكثر مباشرة على الوضع العسكري والسياسي لأنه سينزع أسلحة أساسية من أيدي النظام، ويرفع معنويات المعارضة وفعاليتها، ويعطي النظام إشارة واضحة على أن نهايته قد أوشكت.

ومن دون ذلك، يمكن إعطاء الثوار الوسائل لتعويض الميزات التي يحظى بها النظام، سيما الدفاعات الجوية والأسلحة المضادة للدبابات وأسلحة النيران غير المباشرة. فهم قد أظهروا بالفعل الإرادة والقدرة على القتال، وتوفير وسائل أفضل من شأنه أن يساعدهم على حسم المعركة سريعاً.