الخيول البرية 10

الخيول البرية

(10)

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من قصص الأطفال الغربية

من كتاب :

(The Big Story Book)

وقف الحصان البري الأبيض في زهو وخيلاء على قمة التل يراقب قطيعه من الخيول البرية ، إنه كنج  قائد هذا القطيع الذي يعيش في السهول بعيدا عن الناس .

ومن قديم بقدر ما يتذكر كينج كانت الخيول البرية تأكل الحشائش في ساحة معينة من الأرض ، ثم تنتقل وراء منطقة جديدة جريا وراء الكلأ . وفي بعض الأحيان كان بعض الرجال يحاولون صيدها . ولكن كنج وقطيعه من الخيول البرية كانوا من السرعة والشجاعة بحيث لم يستطع أحد صيد واحد منهم . وحتى في حالة سقوط البعض في البشر كانت تقاوم وتشب على أرجلها الخلفية ، وتضرب بأرجلها الأمامية ، وتتمرد على التدريب ، مما يجبر الناس في أغلب الأحيان إلى الاستسلام وإطلاق سراحها .

وقلت الخيول البرية في السهول وهي تزداد قلة بمرور الزمن .

وقد أصبح كنج قائدا لهذا القطيع من الخيول البرية بأنها أكبر وأقوى حصان في القطيع كله . وقد أثبت ذلك بالعراك مع الخيول الآخرى . التي حاولت أن تنازعه الزعامة ، وتمكنه من الانتصار عليها ، وعمله كزعيم لهذا القطيع يتلخص في أن يقوده إلى أغنى المناطق بالحشائش . والخيل تستلهم منه الإرشاد والتوجيه وعليه أن يحذرها من أي خطر ( يترصد لها ) .

والآن يواجه كنج مشكلة تقلقه . فقد انقطيع المطر لعدة أسابيع ... والينابيع الأرضية جفت كذلك على وجه التقريب ، وجفت الحشائش ، فصارت ذابلة اللون ، وأصبحت الأرض متصلبة كأنها الصخر ، وكنج يعلم أن صغار الخيل من الذكور والإناث سيصيبها الضعف والذبول ، بل إنها ستموت إذا لم يوفر الحشائش لطعامها .

وتطلعت كل الخيول إلى كنج ، ولكنه لم يكن يعرف ماذا يفعل . لقد قادها ميلا ... وراء ميل دون أن يجد أي أثر لطعام ... والآن يقف في أرض شاسعة وقد استبد بها الععطش والجوع والتعب .

وقال كنج في نفسه :

ـ " أينما ذهبنا سنجد الجفاف هو هو  إلى أن يسقط المطر  " .

وفجأة دوا هدير من السماء ، صك أذني كنج .

 وأصغى بانتباه شديد ، وصهل بصوت عال قائلا للخيل :

ـ " لا شيء يدعو للفزع ... إنني أعرف هذا الصوت إنها صوت طائرة ... لقد حلقت الطائرات فوقنا من قبل مرات عديدة " .

وأدار كنج أذنيه في كل اتجاه ، وزاد توتر أعصاب القطيع كلما ارتفع ضجيج الطائرة ، حينئذ أدرك كنج أنه لم يسمع مثل هذا الصوت الصاخب من قبل . وقال محدثا نفسه :

ـ "  إنه يشبه الطائرة ، ولكنه يختلف عما سمعناه من أصوات الطائرات

ثم تفرق القطيع مفزوعا من الصوت المرعب كل اتجاه بأسرع ما يستطيع . وتوترت أعصاب كنج كذلك ، ولكنه ثبت في مكانه " .

ثم نظر إلى أعلى فرأى شيئا ضخما في الهواء فوقه مباشرة ، وفي قمته نصال عريضة كبيرة تدور في سرعة . وفجأة بدأت أشياء تسقط من الطائرة .

إنها حزم ضخمة تسقط هنا وهناك ، ثم تنفتح بقوة عند اصطدامها بالأرض ، ويتناثر كل ما فيها في كل اتجاه ، كان كنج خائفا ، فهو لم يشهد في حياته شيئا يشبه ما يرى ، وجرى كنج نحو القطيع ، وبعد أن جرت مسافة معقولة توقف وأخذ يراقب الطائرة وهي تحلق فوق المنطقة الشاسعة ، عدة مرات وتلقي بمزيد من الحِزم . ثم أقلعت بعد ذلك ، والتفت عن الأنظار ، وعاد كل شيء هادئا كما كان ونظرت كل الخيول إلى كنج متساءلة عما تفعله بعد ذلك .

وقال في نفسه :

ـ " إن علي ّ أن أذهب وأرى ما حدث " . ومشى في بطء وهو في منتهى اليقظة لكل صوت وكل حركة ، ووصل إلى بعض الحزم وفتح أنفه ليشم رائحة جميلة ممتعة تتنسم منها الرائحة الطيبة إنه طعام ، وتناول بعضه بشفتيه ، ولم يصدق ذوقه ... إنه تبن ... تبن حلو لذيذ المذاق وصهل مناديا القطيع :

ـ " تعالو فكلوا شيئا على ما يرام ... تعالو وكلوا ... " .

ومشت الخيول إليه ، ولكنها كانت ما تزال مفزوعة حينما تأكدت من أنه ليس هناك ما يخيف ، أخذت تأكل التبن بنهم شديد .

وخلال أسبوعين كاملين كان نفس الصوت يسمع في السماء ... كانت الخيول تتطلع كل يوم للحظة التي تصل فيها الطائرة وإلى حزم التبن التي تسقط من أعلى ... ولم تعد الخيول تخاف ضجة الصوت ... أو الأشياء الساقطة منها .

 وكان كنج دائما ـ كعادته ـ أول من يشم الحزم للتعرف على طبيعتها ، وحينما يتحقق من انعدام الخطر يصهل مناديا للخيل فتسرع إليه لتتناول طعامها .

ولم يكن كنج أو القطيع يملكون الوسيلة التي يعرفون بها سر ما يحدث ، إنهم يجهلون أن الناس في هذا الجزء من أمريكا كانوا على علم بهذا القحط الرهيب ، وقد سمعوا بما تعانيه الخيول البرية ، فحرصوا على ألا تموت جوعا ، لذلك جمعوا الأموال واشتروا التبن ، وتقدم اثنان ليحملا حزم التبن بطائرتهما الهليوكبتر ، ويلقوا بها في المناطق التي تعيش فيها هذه الخيول .

واستطاع الطياران أن يريا القطعان من أعلى قال الأول وهو يطير فوق القطعان :

ـ  " انظر إلى هذا الجمال الفاتن " ونظر إلى كنج يقف وحيدا وقال " إنه بالتأكيد انفصل عن الآخرين " .

فقال الطيار المساعد :

ـ " لابد أنه قائد القطيع " .

وذات يوم لم يستطع الطياران أن يعلقا . قال الطيار لمساعده :

ـ " لن نستطيع الطيارن اليوم يا " توم tom " فقد ذكرت النشرة الجوية أنه ينتظر أن يكون هناك رعد شديد ، ومطر ثقيل " .

فرد عليه زميله قائلا وهو يبتسم :

ـ  " إنها أخبار طيبة يا برت " pat  " ... فالبمطر ستنموا الحشائش من جديد وتمتلئ الآبار والينابيع بالماء ، وذلك ينقذ الخيل من الهلاك " .

وكالعادة وقف كنج في مكانه المفضل على التل ، ينتظر التبن الذي سيسقط من الطائرة ، ولكن بدلا من أن يسمع أزيز الطائرة من بعيد ... سمع قصف الرعد ، وشهد ضوء البرق الخاطف ، ففتح أنفه وتنسم رائحة مطر قادم .

وجرى إلى القطيع رافعا رأسه صاهلا في سعادة :

ـ" هل تشمون رائحة الماء القادم ؟ " .

ولم تكن الخيول متوترة الأعصاب بسبب الرعد والبرق ولكنها تجمعت متجاورة في مجموعة ضخمة قال حصان :

ـ " أنا أشمه فعلا " .

وقال ثان :

ـ " وأنا كذلك " .

وصهل الجميع واحدا واحدا في سعادة فياضة ، وفجأة أحس كنج بنقطة ماء تسقط على أنفه فصاح بأعلى صوته لقد بدأ المطر .

ووقف ساكنا والمطر يهطل فوقه ، واشتد هطول المطر شيئا فشيئا ... حتى ابتلت الخيل ، وحاولت المهاري الاحتماء بأمهاتها ... ولكن الأمهات ظلت واقفة توتع نفسها بالمطر الذي يبلل أجسادها الجافة المتصلبة .

وصهل كنج بابنتهاج وسعادة ... فهو أن الحشائش ستخضر بسرعة مرة ثانية ، وأن الآبار والينابيع ستفيض بالماء ، وأن مشكلات القطيع سرعان ما تنتهي.