قصائد من الشعر العبري

ليهودا عميحاي

ترجمة: نمر سعدي

[email protected]

[ ولد يهودا عميحاي عام 1924 في المانيا وتوفي في القدس عام 2000, في عام 1982 فاز بجائزة الدولة التقديرية , شعره من الأعمدة الأساسية للقصيدة العبرية الحديثة , يتجلى تجديدهُ في النزول من القمة الشعرية التعبيرية الرصينة إلى اليومي والعادي , وفي الإنتقال من القومي  إلى الشخصي , المواضيع التي يتناولها شعره تتمحور حول الذات بانكساراتها وإنطلاقاتها , حول الإنسان ومصيره , الحياة وما بعدها , الحرب والحب ,الله ,الطفولة ,الزمن ,الأرض , كل هذا في نزوع واضح المعالم إلى الرؤى والقضايا الكونية التي تهمُّ جميعنا .

البحر والشاطئ

البحرُ والشاطئ متجاوران , كلاهما

يريدُ تعلَّمَ الكلام , تعلَّمَ قولَ كلمةٍ واحدةٍ فقط

البحر يريدُ أن يقولَ "شاطئ"

والشاطئُ يريدُ أن يقولَ "بحر"

هما يقتربان منذ ملايين السنين ِ من الكلام ,

من قول الكلمة الواحدة

حين يقولُ البحرُ "شاطئ"

وحينَ يقولُ الشاطئ "بحر"

سيأتي الخلاصُ إلى العالم

يعودُ العالمُ إلى الفوضى

*****************

روح الإنسان

روحُ الإنسان مصنوعة ٌ

مثلَ قائمة أوقاتِ القطاراتْ

قائمة ُ أوقاتٍ دقيقة ٌ ومفصلَّة ٌ  

لقطاراتٍ لن تسافرَ بعدُ أبداً

*****************

أمي خبزت لي كلَّ الدنيا

أمي خبزت لي كلَّ الدنيا كعكاً لذيذاً

حبيبتي ملأت نافذتي بفواكه النجومِ المجَّففة

والأشواقُ مُغلقة ٌ بي كفقاعاتِ الهواءِ

 في ميدانِ الخبز

من الخارجِ أنا أصلعُ وهادئٌ وحنطيُّ البشرة ,

ألدنيا تحبُّني

لكنَّ شَعري حزينٌ مثلَ قصبِ البرديِّ

في المستنقعِ الآيلِ إلى الجفاف والفناءْ

كلُّ الطيور النادرةِ والجميلة الريش تهربُ مني

********************

إلهي ,,,روحي التي وهبتنيها

إلهي : إنَّ روحي التي وهبتنيها دخانٌ

من حرائقَ دائمة الإشتعال لذكرياتِ الحُبْ

نحنُ نولدُ وحالاً نبدأ بالإحتراقْ

وهكذا , حتى دخاننا كالدخانِ يفنى

*********************

مطارات مهجورة

هناكَ مطارات مهجورة منذ أمدٍ بعيد

كأمكنة عبادةٍ قديمةٍ مع بقايا مذابحَ لها

وهناكَ محطة كهرباءٍ في المصبيَّن من مرج الأردن

مثل أطلال قلعةٍ صليبيَّةٍِ ملأى بالأساطير

وهناكَ مصانعُ مسحورة ٌ ,,, في منتصف الليلِ

الأشباحُ والأرواحُ ترقصُ فيها , بينَ آلاتها الصدئة

هناكَ علامات إهمالٍ طريٍّ جداً في الحفر الأركيولوجي

جريدة قديمة , قشورُ برتقالْ , وخيوطُ عنكبوتْ

وفي شجيراتُ غار بركة سباحة لم يستعملوها

صيفاً واحداً أو صيفين , تبدو شقوقٌ مُزمنة

مثلما في حائط المبكى ,, لذكرى وإنتحابِ ما قد مضى

أسمُ شخصٍ ميِّتٍ بقيَ على بابهِ

وجيلٌ فتيٌّ ينتظر بعنفوانِ قدمينْ

كي يدخلَ إلى الحقوق ِ والقوانينْ

************************

الجسدُ هو سببُ الحُبْ

الجسدُ هو سببُ الحُبْ

بعدَ ذلكَ هو القلعة التي تحرسهُ

بعدَ ذلكَ هو سجنُ الحُبْ

لكن عندما يموتُ الجسدْ

يخرجُ الحبُّ حرَّاً  من داخلهِ

وبفيضٍ كبير

مثلَ آلةِ حظوظٍ إنكسرتْ

وبلحظةٍ واحدةٍ

تسكبُ من داخلها وبرنينٍ هادرٍ

كلَّ نقودِ عصورِ الحظوظ

**********************

اللقاء الأخير

كان هذا اللقاء الأخيرَ ,كلا ,

كان هذا اللقاء الأوَّلَ للقاءاتِ الأخيرة

الشبيهةِ بمجموعة طوابع بريديَّة فريدة

اللقاء عرف أنهُ الأخيرُ , أمَّا نحنُ فلم نعرف

السنون المارةُ تدورُ بسرعةٍ

كمصباح ِ صفارة الإنذار على سيارة مطفئةِ الحرائق

وأيضاً هذا المصباح تعلمُّ لدى برج إنارة

في شاطئ بحرٍ تعلمُّ هو الآخر لدى الشمس ,

أنت ستفهمُ ذلكَ بعد سنينْ

***********************

نافذة مضاءة / الظلامُ عندي

حديقةٌ عامةٌ أصبحت وحيدة ً

أنتَ لستَ بحاجةٍ للرجوعِ إلى الحديقة

فقط عليك لمس بوابة الحديقة دون الدخول

فقط عليك لمس السياج من دون أن تنظر إلى داخلهِ

مثلما يلمسون رزمةً ملفوفة من الرسائل

من دون إزالة الخيط , من دون فتح الرسائل ,

من دون قراءتها

مثلما يلمسون بقبلة شفاهٍ أو بقبلة يدٍ

كتابَ توراةٍ مدوَّرٍ , مغلقٍ على أزمنتهِ وعجائبهِ

أنت لست بحاجةٍ إلى بسطهِ ولا القراءة فيه ,

لكنك بحاجةٍ فقط إلى الحبِّ بكل قلبكَ وروحكَ

نافذة مضاءةٌ تقتطعُ نوراً من الظلام

هكذا جسدكِ أراني جزءاً من عالمِ لا نهائيٍ

للآخرين ,,, للآخر ,,,,للأخرى ,,,,

الظلامُ عندي