منقذ القرية

كان بودو ميكي في قرية جاليسي ابنا لوالدين فقيرين فقرا مدقعا . وكان جبلٌ صغير كثير القرب من القرية .

وعلى سفح الجبل محجر مهجور . وفي يوم أضرم راعٍ أو فلاح نارا صغيرة في الدغل . وطبيعي أن أحدا لم يهتم

بأمر تلك النار ؛ فالناس في الريف يشهدون دائما مثل تلك النيران ، ثم إنه لا ريح ولا حصاد ولا غابات ولا سكان قريبون . كل الموجود عمود دخان صغير ساكن . ومباغتة ، هاج الفتى بودوميكي _ كان تقريبا في

الحادية عشرة _ الذي كان في البيت مع والديه؛ هياجا عظيما ، وقال لهما مرتجفا باكيا شيئا من قبيل : أضرع إليكما ، أنقذونا الآن ، وقولوا للجيران أن يسهموا في الإنقاذ وإلا فسنموت جميعا .

واهتم الوالدان بما كان يقوله للمألوف من جديته ولحكمته ، كذلك أثرت فيهما سيماؤه وصوته . وبإيجاز :

اعتزما الخروج وسألا الابن : لكن لم تقول هذا ؟

-          النار .

-          أي نار ؟

-          فوق الجبل .

كانا يريان عمود الدخان الصغير . قالا له : أنت تسخر منا لكنك لن تخيفنا لأن أناسا أوقدوا حفنة عشب يابس .

_ ليست نار العشب اليابس ، وإذا  لم تصدقوا فسنموت جميعا .

وواصل الارتجاف . كان مرتعب العينين . كان يبكي . وخرج بعض الجيران . وأرعب انفعال الفتى القوي

وربما أسلوبه الحاسم في بث النبأ أولئك الناس البسطاء . ثم ، ما عسى أن تكلفهم مطاوعته ؟ في سعتهم

العودة إلى بيوتهم إن لم يكن وقع شيء . وهاهم _ ما خلا حفنة من المرتابين _ ماضون في النحو الذي

أشار إليه الفتى والذي قد يكون أقصى أنحاء الجبل . ومع ذلك قال أحد الرجال : إن كانت النار التي في

العالي ستجلب لنا الضر فسأخمدها بنفسي ، وسأل الفتى : هل علي يا صغيري أن أقصد ذلك المكان العالي ؟

فأصدر الفتى حركة مقصودها : لا أعرف . نعم . ربما . لك أن تقرر هذا .

وعندئذ صعد الرجل في حين كان غالب القرويين يبتعدون عن المكان صحبةَ الفتى . كانت النار اتسعت

قليلا وامتدت في الهشيم واخترقت الصخور . عمل الرجل لإخمادها بضربها وخبطها بالأغصان ، ونجح

في هذا بسرعة كافية إلا أنه لبث يرقب الرماد ؛ ذلك أنه لابد من محو كل أثر للنار . وبعد أن كسر الأماليد

التي ينبعث منها الدخان في صدع بين صخرتين لحظ أن الصدع يشرف على تجويف يغطيه النبت الكثيف . لم يرَ هذا التجويف من قبل ويريد التوكد من أن النار خبت تماما ؛ فالنبت في التجويف قادر على

التقاطها ثم إنه ( الرجل ) لا يريد أن يهلك من الدخان هلكة ثعلب ؛ لهذا انزلق في التجويف . كان وسيعا

جدا . إنه حجرة تحت الأرض ذات أساس طبيعي وإن كانت ربما تغيرت نوعا ما . وميز في الظلال

كتلا مسنودة على الجدار ، مسها حذرا ، وقدر أنه تعرف براميل صغيرة وأخرى كبيرة قائمة . وحين

مسها بإصبعه انبعث منها صوت يوحي بأنها مليئة رملا لا سوائل . كانت حوالي عشرين برميلا

متراصة . وانتهى بأن ألفى برميلا مكشوف الغطاء ، فأدخل يده فيه ، فأحس رملا مفرط النعومة ، فأخذ

منه قبضة ، ورجع إلى المخرج . في يده الآن غبار أسود له هيئة المسحوق ورائحته . وبعد إلقاء نظرة

أخيرة للتأكد من انطفاء النار في كل مكان انحدر مسرعا صوب القرية يحمل قبضة المسحوق . عاد الناس

إلى بيوتهم بعد وقت وبعد أن صاروا لا يرون دخانا على طرف الجبل . كانوا يضحكون من خوفهم ، ويناكدون الفتى الذي كان هادئا وإن ظل شاحبا كثيرا وصامتا . توسط الرجل الناس رافعا يده المغلقة ،

فخرج المسحوق من بين أصابعها . كان لا يستطيع نفخه ولا يعرف نطق ولو كلمة . وأخيرا نثر ما في قبضته فوق حجر وطلب بإشارة عود ثقاب أدناه من المسحوق فاضطرم في الحال حارقا رموشه .

كانت البراميل العشرون ملأى بمسحوق الألغام ، وكانت هناك ربما من زمن إخلاء المحجر ، واستعمل

قدامى المستغلين التجويف مخزن متفجرات .

* : للكاتب الفرنسي : جول رومان .

وسوم: العدد 647