عقاب المسيء

بنت ثعلبة لنفسها كوخا نعمت بدفئه في خير حال ، لكن الشتاء قدم ، وبرد جو الكوخ كثيرا ، فأسرعت الثعلبة صوب القرية المجاورة لاستحضار قبس نار توقد به كانونها . وقصدت بيت عجوز وقالت لها : صباح الخير يا جدة ! هلا وهبتني قبس نار ، وسأرد إليك جميلك يوما !

قالت العجوز : زين كل الزين أختي الثعلبة ! اقعدي استدفئي حتى أخرج الكعك من الفرن !

وكانت تطهو بعض كعك بذور الخشخاش  . وتأملت الثعلبة الكعك الساخن اللذيذ ، وخطفت كعكة وفرت بها . وفي الطريق التهمت لبابها ، وحشت غلافها قشا ، وتابعت جريها . وخلال الجري قابلت راعيين فتيين يسوقان سرب بقر إلى مورد ماء ، فحيتهما : صباح الخير أيها الفتيان الحلوان !

فردا تحيتها : صباح الخير أختنا الثعلبة !

قالت : لنتبادل ! تهبانني عجلا وأهبكما كعكة الخشخاش  هذه .

_ موافقان .

_ لا تأكلا الكعكة حتى أبتعد عن القرية !

ووهبتهما الكعكة بدل عجل انطلقت به إلى الغابة ، وهم الراعيان بأكل الكعكة ، فوجداها حشيت قشا . وبلغت الثعلبة كوخها ، وقطعت شجرة صنعت من خشبها مزلجة شدتها إلى العجل وساقته . وبعد مسافة صغيرة ما كان لأحد أن يقابلها سوى الأخ الذئب الذي حياها قائلا : صباح الخير أختي الثعلبة !

فردت تحيته : صباح الخير أخي الذئب .

_ من أين لك المزلجة والعجل ؟!

_ دبرتهما .

_ ركبيني معك لبعض الطريق أختي الثعلبة !

_ كيف أركبك ؟! ستكسر مزلجتي .

_ لا ، لن أكسرها ، سأضع فيها رجلا واحدة .

_ قبلت ، اركب !

ومضى الاثنان ، وبعد لحظة قال الذئب : أحب وضع  رجلي الثانية في المزلجة  أختي الثعلبة !

_ لا تضعها ! ستكسر المزلجة أخي الذئب !

_ لا ، لن أكسرها .

_ زين ، ضعها إذن !

فوضعها ، ومضى الاثنان ، وفجأة سمعا صوت انكسار عاليا ، فصرخت الثعلبة : آه منك ! كسرت مزلجتي أخي الذئب !

_ لا ، لم أكسرها أختي الثعلبة . كنت أكسر بندقة .

_ لا بأس إن كان مثلما تقول .

وتابعا طريقهما ، ثم قال الذئب : أحب وضع رجلي الثالثة في المزلجة أختي الثعلبة !

_ لا تكن سخيفا ! ستكسر المزلجة ، وعندها فيم أحمل حطبي ؟!

_ لن أكسرها ، لن أكسرها  يا متوحشة !

_ زين ، ضعها !

فوضعها ، وانكسر شيء جديد في المزلجة ، فقالت الثعلبة : عجبا ! الخير في أن تنزل أخي الذئب وإلا ستنكسر مزلجتي .

_ لا يا أختي الثعلبة ، كنت أكسر بندقة .

_ أعطني واحدة !

. لم يبق معي شيء ، كانت آخر حبة .

واستأنفا سبيلهما ، وقال الذئب : أحب أن أركب بالكامل في مزلجتك أختي الثعلبة !

_ لا يا أخي الذئب ! ستكسرها .

_لا ، لن أكسرها ، سأكون حذرا جدا .

_ زين ، أرنا حذرك !

وركب ، فانكسرت المزلجة من ثقله وتناثرت قطعا ، وأحنق ذلك الثعلبة ، فعنفته  وأسرفت في تعنيفه ، وقالت : انصرف واقطع شجرة يا ذميم يا خسيس ! وجزىء خشبها بما يسمح بإيقاد نار لتدفئة بيتي وصنع مزلجة جديدة ، ثم ضع الخشب في هذا المكان !

قال : كيف أفعل كل ذلك ؟! لا أعلم أي شجرة تقصدين .

فصاحت به : يا ذميم يا خسيس ! علمت كيف تكسر مزلجتي ، فلما طلبت منك قطع شجرة زعمت أنك لا تعلم كيف تقطعها .

وعنفته ثانية ، وأسرفت في تعنيفه وقالت : حين تصل الغابة قل : اسقطي يا شجرة عوجاء وعدلاء ، عوجاء وعدلاء !

فذهب إلى الغابة وقال : اسقطي يا شجرة عوجاء وعوجاء ، اسقطي عو ... وعوجاء !

فسقطت معوجة الأغصان كثيرة العقد حتى ليصعب صنع عصا منها ، فما بالنا بمزلجة ؟!

وأخذ الأغصان إلى الثعلبة ، فنظرت إليها وأخذت توبخه أعنف من ذي من قبل ، قالت : يا ذميم يا خسيس ! لابد أنك أخطأت القول للشجرة .

_ لا يا أختي الثعلبة ! قلت : اسقطي يا شجرة عوجاء وعوجاء !

_ عرفت أنك قلت هذا ! ما أغباك ! اقعد هنا ! سأذهب وأقطع بنفسي شجرة .

فقعد حيث أمرته ، وبدأ جوعه يشتد ، وفتش كل موضع في كوخ الثعلبة ، ولم يعثر على ما يؤكل ، وأطال التفكر في حاله ، ثم حدث نفسه : أحسبني سآكل العجل وأفر .

وبقر خاصرته ، والتهم أحشاءه ، وحشا الفراغ بالعصافير ، وغطى موضع البقر بالقش ، ومضى هاربا . وبعد وقت وجيز رجعت الثعلبة ، وصنعت لنفسها مزلجة جديدة جميلة ، ركبتها وقالت : هيا سر أيها العجل الصغير !

لكنه لم يتحرك ، فالتقطت عصا وضربته ضربة عنيفة أسقطت القش من خاصرته ، ففرت العصافير ، وبكت الثعلبة وقالت : أيها الذئب الشرير ! رويدك ! سأعاقبك على جريمتك الكبيرة هذه .

وغادرت المكان ، حتى إذا بلغت طريقا استلقت فوقه تامة السكون . وبعد لحظة قدم رجال يسوقون قافلة عربات تحمل سمكا . كانت الثعلبة منطرحة ساكنة تتظاهر بالموت ، فرآها الرجال ودهشوا كثيرا ، وقالوا لبعضهم : لنأخذ الثعلبة ونبعها يا إخوان ! ولنحرص على أخذ ثمن كاف لها نشتري به بعض الشراب .

وقذفوها في آخر عربة وتابعوا سيرهم . ولحظت أنهم لا يلتفتون نحوها ، فشرعت ترمي السمك واحدة واحدة على الطريق ، وبعد رمي نصف العربة نزلت منها  بينما تابع الرجال سيرهم ، ولمت السمك وقعدت تأكل . وبعد لحظة وفد الذئب يعدو ، قال : مرحبا أختي الثعلبة !

فردت تحيته : أهلا أخي الذئب !

_ ما تفعلين يا أختي ؟

_ آكل سمكا .

_ هبيني منه !

_ اذهب تصيده بنفسك !

_ ليس في مقدوري . لا أعلم كيف أصيده .

_ زين . هذا شأنك . لن تنال مني ولو قدر عظمة .

_ على الأقل علميني كيف أصيده !

وناجت الثعلبة ذاتها : رويدك أخي الصغير ! أكلت عجلي الصغير ، وحان الآن وقت عقابك .

والتفتت إليه وقالت : امضِ إلى النهر ، وضع ذيلك في نقرة جليد ، ثم حركة يمنة ويسرة وقل : تعال أيها السمك وكن مصيدا لي ما كبر منك وما صغر ! وبهذا تصيد ما حلا لك منه .

فقال : شكرا لك على هذا التعليم .

وقصد النهر مسرعا ، وغمس ذيله في نقرة جليد ، وحركة في بطء يمنة ويسرة وقال : تعال أيها السمك وكن مصيدا لي ما كبر منك وما صغر !

وتطلعت إليه الثعلبة من بين شجر البوص على الضفة ، وقالت : تجمد ، تجمد يا ذيل الذئب !

فاشتد تجمد الجليد ، وتابع الذئب تحريك ذيله يمنة ويسرة معيدا عبارته السابقة .

وكررت الثعلبة عبارتها داعية ذيله للتجمد مع الجليد . وتابع هو صيد السمك حتى تجمد ذيله ضمن الجليد ، وعندئذ جرت الثعلبة إلى القرية ونادت : تعالوا يا أهل القرية الكرام اقتلوا الذئب !

فقدموا جريا بمحاريك النار والشوك والفئوس ، وانهالوا على الذئب التعس وقتلوه . وما فتئت الثعلبة تقيم في كوخها ناعمة بدفئه في أحسن حال .

*من القصص الشعبي الروسي .

وسوم: العدد 647