الصبية التي أخلفت الوصية

كان لوالدين ابنة وابن يصغرها سنا . ويوما قالت الأم لابنتها : سنذهب للعمل ، وسنحضر لك كعكة شعر، ونحيك لك ثوبا ، ونشتري لك منديلا . حذار يا ابنتي ! راقبي أخاك ولا تفارقي البيت !

وارتحل الوالدان ، ونسيت الصبية وصية أمها ، فأجلست أخاها فوق العشب تحت نافذة البيت ، وانطلقت إلى الشارع ، وانهمكت في اللعب . وجاء سرب من طيور الإوز المسحورة ، وخطف الطفل وطار به . وما لبثت الصبية أن عادت إلى البيت ، فاكتشفت غيبة أخيها ، فارتاعت واندفعت تبحث عنه في كل زاوية . وحزنت وبكت ؛ لأن والديها سيلومانها أعنف اللوم وأقساه . ولما لم تجد أخاها اندفعت إلى حقل خالٍ من الشجر والزرع والعمران ، وبغتة لمحت لمعة سرب إوز في المدى القصي إلا أنه ما لبث أن انحجب في ظلمة إحدى الغابات . وللإوز سمعة قديمة موسومة بالقبح والسوء ؛إذ إنه أحدث أضرارا جمة للناس ، واسترق أطفالا كثيرين . وخمنت الصبية أن الإوز هو الذي خطف أخاها ، فمضت وراء سربه ، ووالت مضيها المندفع حتى انتهت إلى موقد ، فقالت : أخبرني أيها الموقد أين طار الإوز ؟!

فقال : سأخبرك إن أكلت كعكي المصنوع من الجودار .

فقالت : في بيتنا لا نأكل حتى الكعك المصنوع من القمح .

فلم يحطها علما ، فمضت في سبيلها وبلغت شجرة تفاح ، فسألتها : رأيت يا تفاحة أين طار الإوز ؟!

فأجابتها : سأخبرك إن أكلت من ثماري البرية .

فقالت : في بيتنا لا نأكل حتى التفاح الحلو .

وتابعت سبيلها ، فوصلت نهر حليب ضفافه من الحلوى ، فسألته : رأيت يا نهر الحليب وضفاف الحلوى أين طار الإوز ؟!

رد : سأخبرك إن أكلت من حلواي وشربت عليها من حليبي .

فقالت : في بيتنا لا نأكل حتى القشدة .

وكان المقدر أن توالي عدوها في الحقول وشرودها في الغابات لولا أن يسر الله لها قنفذا همت بأن تكزه بمرفقها لولا أنها خشيت من وخز شوكه ،فسألته : رأيت يا قنفذ أين طار الإوز ؟!

فقال مشيرا إلى ناحية : هنالك !

فانطلقت إلى حيث أشار ، وبلغت كوخا صغيرا يقوم على عمد رفيعة ، فطافت حوله . كانت بابا ياجا ( ساحرة ) هي التي تقيم فيه ، ولها خطم مبرقع وساقان من صلصال . كان الطفل جالسا فوق مقعد مستطيل يلهو بتفاح ذهبي ، فلمحته أخته وانسلت خلسة إليه ، وخطفته وابتعدت مسرعة. وطار خلفها الإوز ، وفكرت أين تحميه قبل أن يلحق بها سارقوه .

هنالك عب نهر الحليب وضفاف الحلوى ، فتضرعت إليه : خبئني يا نهر ، يا أمنا الصغيرة !

فقال : إن أكلت من حلواي . ..

وما كان لها مندوحة ، فأكلت  من حلواه ، فوارها في ضفته ، وجاز بهما الإوز طائرا .

وخرجت من مخبئها وقالت للنهر : شكرا وافيا لك .

وركضت حاملة أخاها ، فعاد الإوز وانتحاها . ماذا تفعل تخلصا من المصيبة ؟! وشهدت التفاحة ، فتوسلت إليها : يا تفاحة ، يا أمنا الصغيرة ، خبئيني !

فأجابتها : إن أكلت  من ثماري البرية ...

وأكلتها في اللحظة ، فوارتها في قلب أغصانها وورقها .

وجاز بهما الإوز ، فخرجت وتابعت جريها بأخيها ، ورآها الإوز ، وطاردها ، واقترب منها ، وأخذ يصفعها بأجنحته ، وبدا أنه سينتزع أخاها من يديها بين دقيقة وأخرى ، وطاب حظها ، فبلغت الموقد ، وتوسلت إليه : خبئني يا سيدي !

رد : إن أكلت  كعك الجودار ...

فحشته في فمها من فورها ، ودخلت الموقد وجلست . وحام فوقها الإوز مطلقا صرخاته ، وما لبث أن ابتعد دون استعادة فريسته . ومضت الصبية بأخيها إلى البيت ، ومن حسن حظها أنها بلغته قبل عودة والديها بوقت وجيز .

*من القصص الشعبي الروسي .

وسوم: العدد 651