القط المخيف

كان لفلاح عجوز قط دائم الأذية ، فمله وعافه ، وفكر في حاله مليا ، ثم أخذه وحطه في كيس وأوكاه عليه ، ومضى به صوب الغابة ، وألقاه فيها ليتدبر شأنه بذاته . فجال في أنحائها حتى انتهى إلى كوخ حطاب ، فصعد إلى عليته واتخذها ملاذا . وكان كلما جاع يبارحها لصيد الطيور والفئران ، فيأكل حتى يشبع ، ثم يعود إليها . وهكذا سارت حاله وفق ما يشتهي . وخرج مرة للتنزه ، فلقي ثعلبة تملكها العجب والانبهار من بهائه وهيبته  ، وحدثت نفسها : " لم أر في حياتي حيوانا له روعة هذا القط وهيبته " ، وانحنت أمامه تجلة وتعظيما وسألته : حدثني يا سيدي الكريم من أنت ؟! وما جاء بك إلى هذه الأنحاء ؟! وأرجو أن تنبئني باسمك .

فنفش فراءه وقال جريئا : بعثوني من غابات سيبيريا لأصير واليا جديدا لكم ، واسمي كاتافي إيفانوفيتش .

قالت الثعلبة : آه ! كاتافي إيفانوفيتش ! لم أسمع بهذا الاسم قبل اليوم . تفضل بالذهاب إلى بيتي لتكون ضيفي !

فذهب معها ، وقدمت إليه كل صنوف الفرائس التي في حوزتها ليطعمها ، وبعد ذلك قالت له  : حدثني يا كاتافي إيفانوفيتش : متزوج أنت أم أعزب ؟

قال : أعزب .

فقالت : وأنا عزباء . تزوجني !

فقبل واحتفل الاثنان بزفافهما السعيد .

وخرجت الثعلبة ثاني يوم لصيد ما تغذو به عريسها ، ولبث هو في البيت . وقاطع دربها فجأة ذئب أخذ يمازحها : أين كنت يا حبي ؟ فتشت كل جحور الثعالب دون لقياك .

فقالت : خل سبيلي يا أحمق ! كفى مزاحا ! أنا الآم امرأة متزوجة .

فسألها : من زوجك يا ليزا ؟!

_ ألم تسمع أنه صار لنا والٍ جديد قدم من غابات سيبيريا اسمه كاتافي إيفانوفيتش  ؟ أنا الآن زوجة هذا الوالي .

_  لم أسمع يا ليزا ، اسمحي لي برؤيته !

_ كلا ! زوجي كاتافي ضارٍ عنيف ، ومن يغضبه يأكله في اللحظة . هات حملا وقدمه إليه إجلالا لقدره ، واختف من وجهه ؛ لأنه لو رآك لكان خيرا لك أن تقرأ صلاتك على روحك !

فانطلق الذئب في لحظته لجلب حمل .

واستأنفت الثعلبة سيرها ، فلقيت دبا راح من فوره يفاكهها ، فردت عليه محتدة مغضبة : أمسك لسانك يا مقوس الأرجل ! أنا امرأة متزوجة الآن .

فسألها : من هو زوجك يا ليزا ؟

_ والينا الجديد ، بعثوه من غابات سيبيريا ، اسمه كاتافي إيفانوفيتش ، هو زوجي .

فقال : اسمحي لي برؤيته يا ليزا !

_ كلا ! رباه ! زوجي كاتافي ضارٍ عنيف ، وكل من يغضبه يأكله في اللحظة . هات ثورا وقدمه إليه إجلالا لقدره . انصرف الذئب قبلك لجلب حمل . أوقف الثور أمامه ، واختف من وجهه ؛ لأنه لو رآك يا أخي لكان خيرا لك أن تقرا صلاتك على روحك !

فركض الدب لجلب ثور . وصاد الذئب حملا ، ونحره وسلخه ، ووقف يتفكر في مآل حاله ، وبغتة شهد الدب يسحب ثورا ، فحياه : طاب يومك يا أخي الدب !

فرد الدب تحيته : طاب يومك يا أخي الذئب ! رأيت الثعلبة وزوجها ؟

_ لا والله يا أخي ! أتحرق لهفة لرؤيته .

_ إذن زرهما !

_ لا ، ما أنا بمن يفعل هذا يا أخي الدب ! زرهما أنت ! أنت أشجع مني .

واندفع قربهما أرنب ، فصاح به الدب : تعال يا شيطان يا أحول !

فقدم الأرنب الفزع يعدو نحوهما ، فقال له الدب : طيب ، أخبرني يا عداء يا أحول : تعرف أين تقيم الثعلبة ؟

_ أعرف يا سيدي .

_ ما دمت تعرف اذهب إليها وقل لها إن الأخ الدب والأخ الذئب ينتظران رؤيتها ورؤية زوجها ، ومهيآن لتقديم فروض الإجلال حملا وثورا .

واندفع الأرنب إلى الثعلبة بأقصى ما تهبه أرجله السرعة ، وانشغل الدب والذئب في تدبر كيفية الاختباء من القط الضاري المخيف . قال الدب : سأصعد صنوبرة .

فقال الذئب : وماذا أفعل أنا ؟! أين أختبىء ؟! لا أستطيع صعود شجرة مثلك يا أخي الدب ، أتوسل إليك ، كن معيني لإيجاد مكان أختبىء فيه !

فخبأه الدب في الشجيرات وستره بالأوراق اليابسات ، ثم صعد هو إلى ذؤابة صنوبرة ، وشرع يجيل بصره حوله لملاحظة قدوم القط كاتافي والثعلبة ليزا . وحينئذ كان الأرنب انتهى إلى بيت الثعلبة ، فدق بابه وقال لها : أرسلني الأخ الدب والاخ الذئب لأخبرك أنهما مهيآن لاستقبالك مع زوجك ، وأنهما في ذروة الحماسة لتقديم فروض الإجلال إليكما حملا وثورا .

فقالت : ارجع إليهما يا احول ، وأخبرهما أننا قادمان !

وقدمت مع زوجها ، فرآهما الدب ، وقال للذئب أسفل منه : أخي الذئب ! الثعلبة وزوجها آتيان نحونا . زوجها ضئيل كثيرا .

وبسرعة انقض القط على الثور منفوش الفروة ، وراح يقطع لحمه بانيابه ومخالبه ، ويموء كأنه غاضب من شيء .

قال الدب : عجبا ! صغير إلا أنه نهوم لهوم . عنده لحم يكفي أربعتنا غير أنه يطمع في المزيد . ماذا يصيبنا إن هو انقض علينا بعد أكله الثور ؟!

ورغب الذئب في رؤية الوالي المخيف إلا أنه أخفق في رؤيته من بين الأوراق ، فراح يزيحها جانبا ، وسمع القط حفيفها ، فحسبه حركة فأر ، ووثب بكل قوته لتهوي مخالبه على خطم الذئب ، فوثب عاليا وفر مرتاعا ، وارتعب القط بدوره ، واندفع إلى الشجرة التي يعتليها الدب ، فحدث الدب نفسه : رباه ! رآني .

وما كان لديه وقت للنزول ، فاسلم نفسه لمشيئة الله ووثب ، فسقط سقطة عنيفة قلبت أحشاءه ، واندفع فارا ، والثعلبة تهيب به : سيكافئك ، قف !

وخافت كل الحيوانات من القط بعد ما حدث للذئب والدب . وتوفر له وللثعلبة لحم كافٍ طول الشتاء ، وعاش الاثنان في نعمة ، وما برحا كذلك إلى يومنا هذا .

*من القصص الشعبي الروسي .

وسوم: العدد 652