(كيف أصبحت الطفلة الحلبية ذات الأعوام السبعة على موقع تويتر " آن فرانك" المعاصرة

*Caitlin Gibson

- 13 كانون الأول 2016 ( The Washington Post) -

جاءت رسالة الوداع يوم الأحد مرعبة واقتصرت على جملٍ ثلاث، تقول الرسالة:" أصبحنا متيقنين أن الجيش بات يحاصرنا الآن، سنلتقي يوماً ما، وداعاً أيها العالم".

كانت الرسالة تحمل توقيع " فاطمة" وهي والدة الطفلة الحلبية "بانا العابد" ذات الأعوام السبعة، والتي جمعت أكثر من مئتي ألف متابع على موقع "تويتر" في الوقت الذي وثقت فيه الطفلة وعائلتها صراعهم للبقاء على قيد الحياة في مدينة حلب التي أنهكتها الحرب.

أشارت "فاطمة" في الرسالة إلى أن الجيش السوري كان يتقدم ويطبق الحصار على الأحياء التي يسيطر عليها الثوار، حيث تقيم العائلة بعد أن دمر قصف جوي الأسبوع الماضي منزلها الكائن في حي آخر.

وبعد ذلك، وبشكل مفاجئ حُذِف حساب "بانة" على تويتر"

أعادت والدة "بانة" الحساب على تويتر أواخر سبتمبر الماضي، وسرعان ما أصبحت "بانة" تلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر البني الطويل والعينين البنيتين الواسعتين والصوت الجزل، رمزاً للفظائع التي تتكشف في سوريا.

شاركت" بانة" على "تويتر" خوفها من القصف الليلي، و نشرت صوراً تظهر المباني وقد سويّت بالأرض، كما وثقت تلك اللحظات الهادئة التي أمضاها مع إخوتها وأخواتها الصغار. وبسرعة كبيرة، استرعت قصة "بانة" اهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية.

بعد مضي أكثر من سبعين عاماً على صياغة المراهقة الهولندية "آن فرانك" لمذكرات تؤرخ حياة عائلتها التي كانت تختبئ خوفاً من النازيين، أصبحت "بانة" "النسخة السورية" من "فرانك" بفارق وحيد وهو أن العالم يراقب الحكاية السورية بأم عينيه، وهي تتكشف أمامه لحظة بلحظة في ظل غياب أي شعور عن كيفية نهايتها.

يوم الرابع من أكتوبر الماضي، وقفت "بانة" في حديقة مليئة بالركام وقالت:" هذه حديقتنا التي تم قصفها. لقد اعتدت أن ألعب هنا، والآن لم يعد هناك مكان آخر للعب.

وفي الرابع عشر من الشهر ذاته، كانت " بانة" تجلس مع أحد أخويها يكتبان كلمات في دفاتر فارغة. غردت "بانة" يومئذٍ قائلة:" نكتب لننسى الحرب".

بعد أربعة أيام، كانت "بانة" تقف وسط شارع مدمر، رافعة يديها إلى السماء وهي تبتسم ابتسامة عريضة مرتدية قميصاً أبيضاً ذو قبعة، وكتبت :" أنا سعيدة جداً لأنها تمطر".

وفي الثلاثين من تشرين الثاني الماضي، عاودت الأم استخدام حساب" بانة" وغردت برسالة موجهة للرئيس أوباما. تقول الرسالة:" نحن عائلة تعاني حالها حال الكثير من العوائل في شرق حلب، هلا ساعدتمونا لنخرج بعيداً عن ميدان القتال؟!

وإليكم هنا ما نعرفه عن "بانة".:

تشتاق"بانة" لمدرستها وتحلم أن تصبح معلمة يوماً ما، مثل أمها التي ساعدت مهارات لغتها الإنكليزية التي تغرد بها في اكتساب شهرة حتى في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وتتمنى "بانة" أن تؤلف كتاباً، و فقدت مؤخراً أحد أسنانها اللبنية الذي أظهرته وهي تبتسم للكاميرا، وكتبت: "الجنية التي أخذت السن خائفة من القصف هنا وهربت للاختباء في حفرتها لكنها ستعود حال انتهاء الحرب".

كما فقدت" بانة" أصدقاء لها في هذه الحرب، حيث غردت أواخر شهر سبتمبر الماضي ناشرة صورة لمنزل مهدم :" هذا منزل صديقتي وقد تم قصفه، ماتت صديقتي في هذا القصف، افتقدها كثيراً".

تحب" بانة" القراءة وتوجه شكرها لموقع "تويتر". تواصلت" بانة" مع المؤلفة J.K. Rowling" " التي أرسلت لها نسخاً رقمية من كتب سلسلة" هاري بوتر"

بانة شخصية حقيقية بكل المقاييس. بعد عقد من الزمن على ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، هناك شك طبيعي بالشخصيات التي تبدو أنها تفرض نفسها بالقوة على الانترنت: كم رتبوا واعتنوا بحياتهم لأجلنا؟! و هل حقاً هم موجودون على أرض الواقع؟!.

اتصل عدد قليل من الصحفيين مع عائلة" بانة", ففي أكتوبر الماضي، أجرت محطة. NBC لقاء مصوراً مع العائلة في حلب كما أجرت "بانة" ووالدتها مكالمة فيديو مع محطة BBC. أكدت والدة "بانة" أن العائلة ليست جزءاً من جمعية خيرية أو امتداداً إعلامياً لإحدى الجماعات السياسية ، وإنما مجرد عائلة عادية محاصرة في منطقة حرب.

لم يكن الجميع متقبلاً لرسالة العائلة، إذ أنكر الرئيس السوري "بشار الأسد" مؤخراً وجود "عمران دقنيش" الطفل المصدوم والذي تم التقاط صور له بينما كان يجلس في سيارة الإسعاف مغطىَ بالدماء والغبار بعد قصف أودى بحياة شقيقه. آنذاك قال الأسد إن هذه الصور كاذبة. وكان الأسد قد أخبر أحد الصحفيين الدنماركيين أن حساب "بانة" على موقع تويتر ليس إلا كذبة إعلامية مشابهة، وسخر الأسد قائلاً:" إنها لعبة دعاية اليوم".

وفي مقابلات لها مع صحفيين على موقع تويتر، قالت والدة "بانة" أن عائلتها تستخدم هاتفاً خلوياً وشاحناً يعمل بالطاقة الشمسية لإرسال إشارات متفرقة. يعاد نشر التغريدات آلاف المرات وتنهال الردود من شتى بقاع الأرض مثل فرنسا واسكتلندا والولايات المتحدة وأستراليا والبيرو. 

ولهذا، عند اختفاء "بانة" من موقع "تويتر" يوم الأحد الماضي، غرد متابعوها بقلق تحت هاشتاغ " أين بانة"؟!.

هل كانت هذه هي نهاية قصة "بانة"؟! ما الذي يمكن فعله لمساعدتها؟!. لقد ساد شعور بالإلحاح والعجز. ثم وبعد ذلك في ظهيرة يوم الاثنين عاد حساب بانة ليظهر مجدداً وبشكل مفاجئ، ونَشرر رسالة أليمة أخرى مفادها" نحن تحت الهجوم ، لا مكان نلجئ إليه الآن، ونشعر بالموت في كل لحظة، صلوا من أجلنا". لقد كان "بانة" ووالدتها على قيد الحياة واستمرت قصتهما.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تغرد فيها العائلة من على شفير الهاوية، ففي الرابع والعشرين من شهر أكتوبر الماضي كتبت "فاطمة" والدة "بانة": نحن نموت أيها العالم" وأرفقت مقطع فيديو يظهر سماء سوداء تدوي فيها الانفجارات. الرسالة الأخيرة "في ظل هذا القصف المكثف الآن لا يمكن لنا أن نبقى أحياء، وعندما نموت استمروا بالحديث من أجل 200 ألف إنسان لا يزالون في الداخل". كانت هذه تغريدة "فاطمة" يوم السابع والعشرين من الشهر ذاته.

لم تكن "آن فرانك" على قيد الحياة في الوقت الذي أصبحت فيه مشهورة، ولم تكن تعلم أبداً أن عشرات الملايين سيقرؤون مذكراته،ا ولكن "بانة" لطالما كانت تعي أن الغرباء يتابعون كلماتها، كما أخبرت والدتها الصحفيين. لم تكن رسائلها تأملات خاصة، بل صرخة على الملأ بهدف الحصول على المساعدة . نراها هناك في زمن واقعي تقف بجانب النافذة في مقطع فيديو آخر طويل نُشِرَ على موقع تويتر في شهر أكتوبر، بينما كانت تطيل النظر إلى المدينة المظلمة تزامناً مع دوي القنابل في المنطقة.

وتغرد بانة: "مرحبا أيها العالم، أتسمع هذه الانفجارات؟!"، حيث يكسوا كتفاها قميص أخضر فضفاض وتضع أصابعها في أذنيها وينكمش جسمها الصغير مع كل انفجار.

كان ذلك قبل أن يتم تدمير منزلها، قبل أن تمرض، وقبل أن تفرّ عائلتها، وقبل أن يتم حذف حسابها على موقع تويتر لأسباب مجهولة ومن ثم استعادته.

في صباح الثلاثاء، وصلت رسالة أخرى من حلب لكنها كانت تحمل أملاً كبيراً هذه المرة جاء فيها:و "مرحبا أصدقائي، كيف حالكم؟!، أنا بخير وأتماثل للشفاء من دون دواء في ظل هذا القصف الكثيف. افتقدكم كثيراً".

كانت تلك التغريدة بمثابة تأكيد عابر، وبمرور الساعات عاد حساب "بانة" ليصمت تزامناً مع مناشدات وصلوات أطلقها متابعي الطفلة. وكان العالم يراقب من على الشاشات منتظراً اسم "بانة" ليظهر من جديد!.

*ترجمة وتحرير "السوري الجديد".

وسوم: العدد 698