لماذا تقتل الولايات المتحدة أعدادا كبيرة من المدنيين في سوريا والعراق؟

نيويورك تايمز

قبل أسبوعين، اعترف الجيش الأمريكي أخيرا بما كات تدعيه منظمات رقابية غير حقوقية لعد أشهر: وهو أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يقاتل داعش منذ أغسطس 2011 قام بقتل مدنيين عراقيين وسوريين بمعدلات عالية خاصة في الأشهر الأربعة الأولى لتولي الرئيس ترامب الرئاسة. والنتيجة كانت "خسائر هائلة في أرواح المدنيين"، كما قال رئيس لجنة الأمم المتحدة المستقلة المختصة في التحقيق في الحرب الأهلية السورية الأسبوع الماضي.   

كما ذكرت القيادة المركزية للجيش الأمريكي، أو ما يطلق عليها سينتكوم المسئولة عن الشرق الأوسط في 2 يونيو في بيان صدر عنها:" على الأقل هناك 484 مدني قتلوا دون قصد بسبب ضربات التحالف". وذكرت القيادة إن هناك 199 مدني على الأقل قتلوا حتى ذلك الوقت بسبب حملة القصف. ولكن تقديرات المراقبين المستقلين تشير إلى أرقام أعلى من ذلك بكثير. تقول منظمة إير ورز وهي منظمة رقابية بأن غارات التحالف أدت إلى مقتل حوالي 4000 مدني.

ازداد عدد القتلى من المدنيين بصورة ملحوظة لأن المعركة انتقلت بصورة أكبر إلى المدن الرئيسة. ولكن حتى مع ارتفاع عدد القتلى المضطرد من المدنيين، إلا أن الجيش الأمريكي خفف من الرقابة والتحقيق والمساءلة حيال الإصابات المرتفعة بين المدنيين. إن البحث عن أسباب ارتكاب هذه الأخطاء المأساوية ورؤية ما يمكن تعلمه منها وتطبيق معايير الجيش الأمريكي العسكرية يمكن أن تنقذ حياة الكثير من الأشخاص.

أعطى الرئيس ترامب الجيش "التفويض الكامل" لتحديد كيفية وما هو حجم القوة اللازمة، وهي السلطة التي كانت أكثر قربا من البيت الأبيض أيام أوباما. ولكن وزير الدفاع جايمس ماتيس أصر يوم 28 مارس بأن قواعد الاشتباك لم تتغير. حيث قال :" ليس هناك أي تخفيف من عزمنا على حماية الأبرياء".              

أحد أسباب الزيادة الهائلة في عدد القتلى من غير المقاتلين هو أن الولايات المتحدة أصبحت تلقي المزيد من القنابل – زيادة لا تقل عن 20% عن الأشهر الأربعة الماضية من رئاسة أوباما إلى أول أربعة أشهر من رئاسة ترامب.

كما وقعت المزيد من الهجمات أيضا في مناطق مأهولة، مثل الموصل، آخر معقل للدولة الإسلامية في العراق. تم إلقاء قنبلة تزن 500 كيلو من أجل قتل قناصين اثنين في إحد المباني الذي يحوي مخزنا لمواد متفجرة، حيث انهار المبنى كاملا مما أدى إلى مقتل 105 مدني عراقي في يوم 17 مارس، وذلك وفقا للقيادة المركزية الأمريكية. وبسبب استخدام داعش المتزايد للمباني السكنية كمراكز للقيادة، ومخازن للسلاح ومواقع قتالية، فقد ازداد احتمال ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين.

كما ظهرت عوامل أخرى أكثر إثارة للقلق.

وحتى مع زيادة الجيش الأمريكي لعمليات القصف، ليس هناك أي تقييم مستقل للمعلومات الاستخبارية التي ساهمت في تحديد الأهداف. اعترف العميد ريتشارد كو، الذي كان يحقق في هجوم خاطئ شن على قافلة للجيش السوري في سبتمبر بان ليس هناك "فريق أحمر" للتدقيق في عملية صنع القرار، وهو أسلوب متبع في العديد من عمليات القيادة. حيث قال:" كل شخص يتوقع أن يقوم بذلك بنفسه، ومن ثم، يتم نقل الإيجابيات والسلبيات إلى صانع القرار". الأشخاص المنخرطون في تحديد أهداف العدو لا يمكن أن يقيموا في نفس الوقت أحكامهم الخاصة.

حتى 13 يونيو، كان لدى الجيش الأمريكي شخصين فقط يحققان في الإصابات التي وقعت بين المدنيين العراقيين والسوريين. هناك الآن سبعة محققين يعملون بتفرغ، وهو التزام هزيل بالنظر إلى وجود حوالي 10000 جندي في قطر في مركز القيادة المختص في الحرب الجوية. عشرات من مثل هؤلاء الأشخاص كانوا يحققون في مثل هذه المزاعم في ذروة الحرب الأفغانية عام 2011. إذا كان الجيش الأمريكي يشعر بالقلق حيال القتلى بين المدنيين، فإن هناك حاجة لتعيين المزيد من المحققين ذوي الخبرة والتدريب للقيام بهذا العمل.

كما أنه لم يعد هناك مساءلة عامة. في 26 مايو، أكد ضابط الصحافة في الجيش الأمريكي بأن البنتاغون سوف يتوقف عن الاعتراف بمسئولية طائراته عن الحوادث التي تؤدي إلى الإصابات بين المدنيين، وبدلا من ذلك فإنه سوف يختبئ تحت مظلة التحالف. الجيش الأمريكي كان مسئولا عن 95% من الضربات الجوية في سوريا و68% في العراق. على القيادة المركزية الأمريكية أن تتحمل مسئولية أعمالها بدلا من تشتيت المسئولية.

لم يظهر الكونغرس اهتماما كبيرا في تحديد الأسباب الجذرية التي تقف خلف الإصابات بين المدنيين، وحمل القادة منخفضي أو متوسطي الرتب على ذلك، أو أنه أكد على أن الدروس المستفادة من الضربات الخاطئة يجب أن تؤخذ في الحسبان في العمليات المستقبلية. يمكن أن يمارس الكونغرس دوره الرقابي من خلال تكليف البنتاغون بإرسال التقارير حول الخطوات التي يجب اتخاذها للتخفيف من الضرر بين المدنيين، وتمويل المزيد من التدريب لصالح زيادة الوعي بين الضباط الأمريكان وضباط التحالف الآخرين، وعقد جلسات استماع علنية مع مسئولين رفيعين سواء كانوا عسكريين أو مدنيين.

منذ بداية الحرب الجوية نفذت حوالي 22000 طلعة جوية، وادعى المسئولون العسكريون دائما أنهم يقومون بكل ما يمكن القيام به من أجل حماية المدنيين. هذا الوعد الجيد ليس هو الأمر الصحيح الوحيد الذي يمكن القيام به، حيث أنه من الحيوي استراتيجيا الالتزام بذلك من أجل زيادة فعالية محاربة الإرهاب. 

وسوم: العدد 725