على رصيف في شارع عربي (3)

د. عامر أبو سلامة

-         أفكر في أمر يلح عليّ كثيراً، حتى أكاد أن أشعر بالاختناق، أمام ضغطه وعضه.

-         أرجوك أن لا تقل لي: أنصحك أن تقرأ الكتاب الفلاني، أو العلاني..............أرجوك تجربة القوقعة كفت ووفت.

-         مالك يا رجل !! هل تعقدت؟

-         لا والله، ولكني فعلاً ما عدت أطيق سماع وقراءة مثل هذه الأخبار... الجارحة... المؤلمة... المفطرة للقلب.

-         ولكن....

-         يا أخي الناس قدرات، وأنا اكتفيت بما قرأت، وتكونت عندي صورة كاملة عن الموضوع.

-         لم تفهمني، أراك اليوم متعجلاً أكثر من اللازم.

-         معذرة، قل أسمع.

-         هناك سؤال ينقدح في ذهني دائماً.

-         وهو.

-         وهو، أن هؤلاء الطغاة، لماذا يفعلون بشعوبهم هكذا؟ لم كل هذا البطش؟ لماذا كل هذه القسوة؟ ما معنى هذا الطغيان الأليم بحق الإنسان؟

-         حتى يحافظوا على كراسيهم، ويضمنوا مناصبهم، ويستمروا في متع الجاه.

-         سبحان الله!! ولا يكون هذا إلاّ من خلال هذه الوسائل الإجرامية، والأساليب الإبليسية؟؟!! لو كانوا يعقلون، لو كانوا يفهمون، لساسوا الناس بالحسنى، وحكموا بالعدل، وحرصوا على حرية المواطن، وأمّنوا سبل العيش الكريم له، وقسموا الثروة بالإنصاف، فتكون البلد لهم ولغيرهم، من أبناء الشعب، فهذا هو السبيل الأنجع، للمحافظة على مناصبهم، والاستمرار في حكمهم، العدل أساس الحياة.

-         فعلاً لو كانوا كذلك، لحملهم الناس على الأكف، ولحموهم بدمائهم...............هؤلاء يفهمون الأمور بصورة مقلوبة.

-         العدل، سبب الأمان، أمنت لما أقمت العدل بينهم، رضي الله عن عمر الذي كان يقود مملكة عظيمة، وكان ينام على الرمال، على مرأى ومسمع كل الناس، بلا حرس، ولا جهاز خاص، ولا مخابرات، ولا...ولا...ولا....

-         وهنا تحضرني مقولة رائعة ل أزدشير، قال فيها: إذا رغبت الملوك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة.

-         الظلم مرتعه وخيم، وكارثة فظيعة على الفرد والمجتمع، وهو سبب القلق والحيرة، وعدم الثقة بالناس، حتى يصبح الظالم يشك بأقرب المقربين منه، بل يشك بأصابع نفسه، وهذا هو سر انقلاب الطغاة على زملائهم، ومن كانوا معهم على نفس الدرب...........عدم الثقة مرض مربك يصاب به الدكتاتور المستبد.

-         لأنه يعلم أن الناس يكرهونه، يدري ما صنع بهم، ويعلم قدر الإساءة التي فعلها، فمصادرة حرية البشر، والاستبداد في الحكم، سبب كل شر يكون من بعده، وفاتحة كل سوء، وقص شريط لمصائب لا تعد ولاتحصى.

-         جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وكره من أساء لها.

-         الحاكم الصالح، الذي يبحث عن خير الشعب، هو الذي يحبه الشعب، ولا خير في حاكم لا يحبه شعبه.

-         الحكم بالحديد والنار، لم ولن يكون سبباً في السيطرة على مقاليد الأمور، وحكم البلد، حتى يبقى القائد إلى الأبد، يمكن أن يقمع سنة.... سنتين، قد يضبط البلد لفترة، بسجن بعض الأحرار، فيسكت الناس، قد يخاف الناس من المخابرات ردحاً من الزمن، ولكن هذا لا يدوم، بل دوام الحال هذا من المحال.

-         والتاريخ بكل قوة، يصرخ مؤكداً هذا المعنى، فيذكر لنا ذلك الصنف العادل، الذي أمن وأحبه الناس، فيذكر ويشكر، وكتبت صفحات حياتهم بالنور، وماء الذهب، وصارت سيرهم، محل درس الناس وعبرتهم، حتى صاروا أعلاماً يقتدى بهم، وبالمقابل ذلك الصنف الذي ظلم وبطش وكمم الأفواه، وأكل أموال الناس بالباطل، صاروا في مزابل التاريخ، وسلال الشر، يذكرون لأخذ العبرة.

-         على ذكر الدروس والعبر، لم لا يتعظ الظالمون، وهم يرون مصير الظالمين، ويقرؤون تاريخ المجرمين وما فعل بهم؟؟

-         الله لا يصلح عمل المفسدين، وأنى لمن اسود قلبه وقسا، بما ظلم، وبما أجرم، وبما ارتكب من فظائع بحق الشعب، أن يتعظ ويعتبر!!!؟؟؟

-         حقاً ( إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).