فتى الجامعة

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية من مشهدين

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

غرفة في منزل , عادية الأثاث , عادية الإضاءة

الأب وقد جلس متكئا على الأريكة , وأمامه إبريق الشاي ,  ملأ كأسا ورشف منه عدة رشفات , وبدت عليه سيما الإرتياح

الزوجة رائحة جائية تلحظ زوجها وتبدي استعدادها لتلبية طلباته بصمت ورضى , وبعد أن أنهت بعض مهماتها جلست إلى جانب زوجها تحتسي معه الشاي

الزوج (دون أن يتحرك) : ماذا فعل عماد يا أم عماد , هل عاد من الجامعة ؟

الزوجة : نعم عاد وتناول معنا طعام الغداء ثم غادر لزيارة بعض أصدقائه كما قال

الزوج: ألم تلاحظي أنه صار قليل المكث في البيت , يقضي معظم أوقاته خارج البيت حتى لانكاد نراه , او نسأله عن أعماله ؟

الزوجة : إنه شاب .. دعه يمارس حياته ويتمتع بشبابه  لا حرمنا الله منك ولا منه

الزوج : ولكن يا أم عماد ألا ترين معي أن هناك تغيرا في سلوكه وعاداته منذ أن التحق بالجامعة , وأنه صار عصبيا , وقلقا, وصامتا . أين مرحه ؟ اين ضحكه ومزحه معنا ومع إخوته وأخواته ؟ صار يدخل ويخرج لا يكاد يلقي التحية !

الزوجة : كان الله في عونه , إن الدراسة في الجامعه ليست بالشيء الهين ولا القليل , وهو يبذل قصارى جهده كي يحصل على معدلات عالية طمعا في منحة أو عمل مباشر بعد تخرجه

الزوج : هكذا الأمهات يدافعن عن أولادهن بحق وبدون حق !

الزوجة: سامحك الله يا أبا عماد  أهكذا أنا !؟

الزوج : لم الاستغراب  ألست أم  تحب ولدها ؟

الزوجة : نعم أنا أم أحب اولادي وأفديهم بروحي كي يكونوا أحسن الناس دينا وخلقا وتربية وتعليما   اتراني مقصرة في ذلك !؟

الزوج : أشهد أنك أم مثالية , ونعم الأم , ونعم المربية  وكل الذي اريده منك  أن تلاحظيه على الدوام , أن تسأليه , أن تستفسري  عن أحواله , فالأم مستودع أسرار ابنها , وحاله لا يعجبني وأشك أن هناك أمرا طارئا في حياته فالجامعة كما تعلمين يا أم عماد عالم آخر غير الإعدادية أو الثانوية  أم أنا مخطىء ؟

الزوجة : لا بأس يا أبا عماد لا تحمل الأمر أكثر مما يحتمل فأنت ربيت عماد  وتعلم من هو وما هو معدنه  إن شاء الله لن يسوءك في حياتك ولا بعد مماتك ــ بعد عمر طويل ــ فاهنأ بالا ولا تذهب بك الظنون ..

الزوج : يا أم عماد ..  يا أم عماد .. إنه لا يزال طري العود , قليل الخبرة والتجربة , سهل الانزلاق ولو كان في الجامعة  ولا بدّ من مراقبته , وتحذيره , وتوعيته حتى لا نخسره ونبوء بالندم والحسرة

الزوجة : صدقت في هذا يا أبا عماد , لا تقلق سوف آتيك بأخباره بالتفصيل , وسأنبش داخل عقله وقلبه حتى أعلم ما فيهما بإذن الله  , اطمئن .. اطمئن

الزوج : شكرا لك ... وماذا فعل الصغير فتحي ؟ هل لايزال يشاكس المعلم في الصف , أم ارعوى  وثاب إلى رشده ؟

الزوجة : الولد..ولد  ولو عمّربلد ــ كما يقول المثل ــ ولكن أخباره أفضل من السابق بكثير , وقد أخذ معلمه يثني عليه ويمدحه بل ويشجعه بعد تلك المشادّة التي حدثت منذ شهرين  ولولا تدخلك وتفاهمك  مع المعلم والإدارة لتدهور الحال أكثر

الزوج:  إنما هم أولادنا يا أم عماد وهم أمانة في أعناقنا  ولا نريد أن نفرط بالأمانة  أليس كذلك ؟

الزوجة : كلامك صحيح يا أبا عماد ولقد صدق الذي قال :

(إنما أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض) ولا أكتمك ياأبا عماد أن عماد صار قليل الاكتراث بصلاته وقراءة ورده القرآني  لا أقول لايصلي  بل إنه دائما في عجلة من أمره كثير الحركة كأنه في حيرة ويعيش في دوامة وأظن السبب هو الدراسة وضخامة المنهاج

الزوج : ــ يملأ كأس الشاي من الإبريق ــ  لا أظن ذلك أظن السبب هو الجامعة وما فيها من أخلاط .. لهذا السبب أصر عليك أن تسبري غوره وتعرفي ما يشغله  لا نريد يا أم عماد بعد كل هذا الجهد أن نتركه للآخرين يوجهونه ويسحبونه من بين أيدينا ونحن ننظر ولا نفعل شيئا

الزوجة : سأحاول .. سأحاول  يا أبا عماد ولن ترى ولن تسمع إلا ما يسرك بإذن الله فلا أظن أن تربيتنا وجهدنا يضيع هكذا وبسهولة

الزوج : لا حول ولا قوة إلا بالله , أبعد أن صار شابا واقترب حلمنا من التحقيق نفرط به أو نهمله  لا والله هذا لن يكون

الزوجة : إهدأ يا ابا عماد واهنأ بالا  لقد ربيت وتعبت ,وأسست بناء من خلق ودين على أساس من تقوى الله ومعاذ الله أن ينهار كل هذا   ثق بالله يا رجل

الزوج : هه .. أسمع صوت الباب يفتح .. كأنه هو قد جاء قومي له يا أم عماد .. قومي ..

تسدل الستارة    تطفأ الأنوار   انتهى المشهد الأول

المشهد الثاني :

الأم مع ابنها عماد في غرفة بعيدين عن مكان الأب

أم عماد : أرجو أن يكون قد أعجبك الطعام !! هل شبعت يا بني ؟

عماد : تسلم يديك يا أحلى وأعظم أم في الدنيا .. هاتي دعيني أقبلهما

أم عماد : لماذا لم تبدل ملابسك   هل أنت خارج ؟

عماد : والله يا أمي محتار  هل أذهب ؟  هل ابقى ؟ لا أعرف !!

أم عماد : بل إبق.. هذا أمر من أم عماد

عماد : امرك مطاع.. وعلى العين والراس .. سأبقى وسأبدل ملابسي  غايتي فقط أن تكوني راضية

أم عماد : راضية .. الله يرضى عليك وعلى إخوتك أيضا  لماذا لا أكون راضية وحبيبي معي يحادثني  ويخبرني عن الجامعة   وأصدقاء الجامعة و... صديقات الجامعة .. أليس كذلك ؟

عماد : إيه ... إيه.. مهلا .. مهلا يا أم عماد لقد ابتعدت كثيرا .. لا .. ليس كذلك  !!

أم عماد : أنا أم يا بني   وأفهم ابني من حركته  وأعرف ما به من نظرته   وقلب الأم لا يخطىء يا عماد .. تعال .. تعال واجلس هنا بجانبي وكلمني بصراحة ..

عماد : وعن أي شيء أكلمك يا أمي ؟

أم عماد : كلمني عن كل ما يحدث معك من وقت ما تغادر هذا الباب لحين ما تعود .. هيّا

عماد : حاضر  ولكن .. ولكن عديني أن يبقى هذا الكلام سرا بيني وبينك

أم عماد : ومن يحفظ هكذا أسرار مثلي .. هيّا فضفض ولا تقلق

عماد : هل أنت جادة .. هل فعلا تريدين أن تعرفي ؟

أم عماد : هيّا يا ولد .. ليس لدي وقت أضيعه معك

 عماد : يضحك .. يضحك حتى كاد أن يستلقي على قفاه ثم .. ينظر إلى أمه نظرة جادة عندما يرى تقطيبها  ويقول حاضر .. حاضر سأحكي كل شيء

أم عماد : هيّا تكلم قبل أن ...

عماد : لا..لا .. ساتكلم   ما إن أخرج من هذا الباب يا أمي ــ ويشير إلى الباب ـــ حتى يستحوذ علي الذهول   هل تدرين لماذا؟

أم عماد:  بجفاف مصطنع   لماذا ؟

عماد : لأني أرى يدا تلوح لي من بعيد فأنجذب نحوها حتى أصل إليها    ثم نمضي معا ..

أم عماد : وإلى أين تمضيان ؟

عماد : إلى السينما .. أو إلى الحديقة   ثم يضحك

أم عماد : تنهره بقوة ... والجامعة .. ألا تذهب إلى الجامعة  !!؟

عماد: لا يزال يضحك .. لا يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك

أم عماد تقوم غضبى  .. سأخبر والدك .. لا بدّ أن أخبره

عماد : أمي .. أمي .. مهلا يا أمي إني أمزح

أم عماد :  أتهزأ بي يا ولد  ! ؟ عماد : معاذ الله يا أمي .. أنا أهزأ بك ؟ خبت وخسرت إذن خبت وخسرت .. خبت وخسرت .. ثم يبعد وجهه عن عيني أمه وهو يستغفر الله

أم عماد : ما بك يا ولدي !؟ ــ تتقدم منه  تمسكه بكلتا يديها من كتفيه تهزه بقوة  وتصرخ ــ عمــاد .. لقد كانت الدموع تغرق وجنتيه   تحضنه وتبكي ايضا

عماد : ثقي يا أمي أن تربيتكما لي أنت ووالدي لم ولن تضيع سدى .. إن توجيهاتكما ووصاياكما هما النور الذي يضيء لي دربي وبدونه لا يمكنني أن أسير فلا تقلقا   تعالي يا أمي نتحدث أمام والدي   تعالي

أبو عماد : ما بكما .. لماذا تبكيان .. لا تغرقاني في الهم والقلق  حسبي الذي بي

عماد:  لا شيء يا أبي    لا شيء  فقط نريد أن نتحدث اليوم  مع بعضنا  نحن الثلاثة بقلوب مفتوحة عن حياتنا وعلى الأخص عن مستقبلي كي تطمئنوا بل وتفخروا بتربيتكما لي

أبو عماد : ولدي .. حبيبي       يهجم عليه ويحضنه ثم يجلسون صامتين لفترة قبل أن يتابعوا حديثهم الهادىء الودود 

عماد : أشكركما يا والدي ويا والدتي على تعبكما من أجلي وأحب أن أعترف لكما بالفضل والجميل الذي قدمتماه لي في حياتي   ولن اسيء إليكما أبدا ما حييت  وهاجس الفتيات والبنات في الجامعة إطرحاه أرضا   ولا تشغلا بالكما به أبدا وأنتما تعرفان من أنا

ابو عماد : أبشر يا ولدي   لك عندي مفاجأة تسر قلبك وقلب أمك أيضا

أم عماد : وما هي يا أبا عماد !؟

عماد : بارك الله فيك يا أبي أرى الخير يلوح من شفتيك !!

أبو عماد : لقد عزمت على تزويجك .. سمّ البنت التي تريد وسوف تخطبها لك أمك من الغد

عماد : بشيء من الخجل : الأمر إليك يا أبي كما وأثق بذوق أمي ... الذي ترضياه لي أنا راض به

أم عماد : تطلق زغرودة تشق بها عنان السماء

تسدل الستارة   انتهى