المهرج والحكيم(13)

عبد الله عيسى السلامة

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

المروءة والسياسة

سأل المهرج الحكيم: أصحيح يا سيدي الحكيم، أن العمل في السياسة ينقص المروءة!؟

نظر إليه الحكيم مدققاً في معالم وجهه، وقال جاداً: لقد سألت عن عظيم يا عزيزي المهرج.

قال المهرج باسماً: لقد سررتني يا سيدي الحكيم، إذ أشرت إلى أنني صرت أهتم بالأمور العظيمة.

قال الحكيم بهدوء: الأمر أخطر مما تظن يا عزيزي.

قال المهرج بقلق: لقد أخفتني بعدما سررتني يا سيدي الحكيم.

قال الحكيم: إن الأمر لا يتعلق بشخصك، ولا بسرورك وخوفك يا مهرج.. الأمر يتعلق بمضمون السؤال الذي طرحته.

قال المهرج: لم أفهم.

قال الحكيم: لا ألومك. ولكن ما دمت قد فتحت هذه النافذة، فلا بأس في أن تطلّ على ما وراءها. وحسبك أن تعلم بهذا الصدد يا عزيزي، أن الكثير ممن يعملون في السياسة اليوم، وربما في عصور متعاقبة، لهم نوعان من الأخلاق: الأخلاق الفردية، والأخلاق العامة..

أما الفردية، فأعني بها الأخلاق المرتبطة بالشخص ذاته، من حيث هو فرد له صفات معينة، كالصدق والأمانة، والنزاهة، والعفة، واللطف، والدماثة، وحسن العشرة.. وغير ذلك من الصفات التي يحتاجها الفرد في مجتمعه، ويحتاجها المجتمع من أفراده، والتي لو نقص بعضها أو ضعف، فإن النقص أو الضعف ينعكس سلباً على الفرد في مجتمعه، وعلى نظرة الناس إليه.. فيوصف مثلاً بأنه كذاب، أو خائن، أو غشاش، أو مخادع، أو سفيه، أو عديم الوفاء.. وهذا كما تلاحظ، مما يثلم مروءة الشخص، وينقص من قدره بين الناس، بصفته فرداً.

وأما العامة – ولنسمها سياسية، ما دام الحديث ينصب على الأخلاق في الإطار السياسي- فنعني بها تلك الأخلاق، التي يحتاجها الفرد بصفته صانع قرار سياسي، أو رأي سياسي، أو اتجاه سياسي، أو طموحات سياسية، أو منافساً في حلبة صراع سياسي، على مستوى الحزب أو الدولة، أو على مستوى الصراع بين الدول.. ويمكن أن نصف هذه الأخلاق، بأنها الأخلاق التي تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، (لحزب – لدولة - لحلف سياسي.. لتوجه ما داخل حزب ما..) وهذا النوع من الأخلاق يا عزيزي المهرج، قد يختلف قليلاً أو كثيراً عن النوع السابق. وقد يجد –في حدود معينة- بعض المسوغات لدى الفرد نفسه، ولدى بعض الشرائح الاجتماعية والسياسية في المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، وربما في بعض المجتمعات الأخرى التي يتعامل معها بصفته سياسياً..

فمن يكذب لتحقيق مصلحة سياسية لدولته، أو لحزبه داخل الدولة، لا ينظر إليه الناس، نظرتهم إلى من يكذب لتحقيق مصلحة شخصية لنفسه. وربما نظر بعض الناس إلى "كذاب المصلحة العامة" بشيء من الإعجاب والتقدير بصفته رجل دولة ناجحاً، أو بطلاً وطنياً أو قومياً، إذا حقق لحزبه أو دولته مصلحة ضخمة، من خلال الخداع والمناورة والكذب على الأعداء والخصوم والمنافسين. أما الكذاب العادي "كذاب المصلحة الشخصية" فقلما يحظى باحترام أحد، بل قلما يسلم من احتقار أحد ممن يعرفونه.

وكذلك الغيبة، يمكن أن تصنف الناس بموجبها إلى "مغتاب عادي" ومغتاب سياسي. فغيبة السياسي للآخرين، قد لا تدخل في نظر الكثيرين، في إطار الغيبة العادية المستهجنة، وإنما قد تسمى لدى بعضهم بأسماء عدة، مثل: تقويم الأشخاص –تحليل صفات الأفراد- سبر إمكانات الأفراد وطاقاتهم وأخلاقهم- معرفة هشاشة الفرد أو صلابته سواء أكان عدواً أم صديقاً أم منافساً.. وهكذا يجد الفرد الذي يمارس الغيبة ضد الآخرين، مسوغات كثيرة لنفسه، ويجد له الآخرون مسوغات أخرى. بل ربما يعد هذا النوع من الغيبة لازمة من لوازم العمل السياسي..

وربما كان ثمة صواب، أو شبه صواب، في مثل هذا السلوك، في حدود معينة، وضمن ظروف معينة، ولتحقيق مصالح أو أهداف معينة. فمن المعروف مثلاً، أن معرفة الأعداء –على مستوى الفرد أو الجماعة- من الأمور الضرورية، بما لديهم من نقاط قوة أو ضعف. ولا يعرف مثل هذا، إلا من خلال معلومات تفصيلية في كثير من الأحيان، عن الأفراد في صف العدو أو الخصم. بل إن السياسي المتمرس، يجب أن يعرف حتى تفصيلات الطباع والأخلاق والإمكانات والميول، في صفه هو، سواء أكان ذلك على مستوى الدولة، أم على مستوى الحزب..

إلا أن المشكلة ليست في هذا كله، يا عزيزي المهرج.

قال المهرج: فأين تكمن المشكلة إذن يا سيدي الحكيم؟

قال الحكيم: المشكلة تكمن في نِسب الأخلاق وأنواعها، والضرورات الملجئة إليها، والظروف التي تمارس فيها، والأهداف التي تمارس لأجلها.. ثم في الخلط الفكري العجيب بينها في كثير من الأحيان، بوعي أو بغير وعي، ببساطة وعفوية.. أو بخث ومكر.

قال المهرج: هل يمكن إيضاح هذه النقطة يا سيدي الحكيم؟

قال الحكيم: بالطبع.. فإذا لم أوضح لك هذه النقطة وهي لب المشكلة، فلن أكون فعلت شيئاً، برغم الكلام الكثير الذي قلته.

قال المهرج: تفضل يا سيدي.

قال الحكيم: دعني أسألك أنا الآن، لأعطيك فرصة في اختبار ذكائك من خلال قدرتك على استنباط الإجابات بنفسك.

قال المهرج باسماً: لا بأس يا سيدي الحكيم.. وحسناً تفعل.

قال الحكيم: حسن.. سأفترضك الآن سياسياً متمرساً، تسعى إلى تحقيق مصالح عامة، لحزبك، أو لبلدك. وسأبدأ بسؤالك عن الكذاب.

قال المهرج: تفضل يا سيدي.

قال الحكيم: لو وجدت نفسك بين خيارين متساويين في النفع السياسي لحزبك أو دولتك: هما الكذب.. والصدق. فأيهما تختار؟

قال المهرج على الفور: سامحك الله يا سيدي الحكيم! أهذا سؤال تطرحه علي..؟ بالطبع أختار الصدق.

قال الحكيم: حسن.. فإذا وجدت نفسك بين كذبتين تختار إحداهما، كبيرة وصغيرة فأيهما تختار؟

قال المهرج: أختار الصغيرة طبعاً.

قال الحكيم: وإذا كانتا متساويتين في الحجم والمنفعة ولكن إحداهما تؤذي بعض الأفراد –غير الأعداء- ممن هم في مجتمعك أو مجتمع آخر. والأخرى لا تؤذي أحداً.. فأيهما تختار؟

قال المهرج: أختار الثانية غير المؤذية بالطبع.

قال الحكيم: فإذا توهمت، أو تخيلت أن الكذب يمكن أن ينفعك، نفعاً شخصياً سياسياً داخل حزبك، هل تكذب؟

قال المهرج: لو اعتقدت بشكل جازم أن الكذب ينفعني داخل حزبي، فلن أكذب، فكيف إذا كان الأمر توهماً أو تخيلاً!

قال الحكيم: ولم؟

قال المهرج: لأن الحزب هو أنا.. أهدافي.. مثلي.. قيمي.. طموحاتي. والأشخاص الذين في الحزب، هم شركائي في هذا كله، فهم أسرتي وأهلي الأقربون، وربما كانوا ألصق بي من أهلي، لأن رباط الحزب رباط فكري اختياري، يتعلق بصميم إرادة الإنسان، ويمثل ذاته المعنوية بكل ما فيها، وهذا ما ليس موجوداً في رابطة الدم. والأصل أن تكون العلاقة قائمة داخل الحزب على الصدق والوضوح وسائر القيم النبيلة، لأن أي تشوه في هذه العلاقات، يدمر الحزب، إذ ينزع الثقة داخل أفراده، ويزرع الشك ويدفع إلى التآمر والغش والخداع، فيصبح الرباط الحزبي هو رباط الاسم فقط.. وبالتالي ينهار الحزب، لأن الأسماء وحدها مجردة عن القيم، لا تدفع المرء إلى التمسك برابطة حزبية شرها أكثر من خيرها، وضرها أقرب من نفعها.

قال الحكيم: أيمكن أن تسمي هذا النوع من الكذب كذباً عادياً، لا سياسياً؟

قال المهرج: بل هو أرخص وأتفه بكثير من الكذب العادي. فالكذاب العادي يكذب على أناس، لا يفترض بالضرورة أنهم يثقون به ويصدقونه. والكذاب الحزبي هنا، يكذب على أناس يفترض أنهم يثقون بكل كلمة يقولها وكل حرف. ولا يتصورون أنه يمكن أن يكذب عليهم –وهم أسرته الفكرية والنفسية- ليحقق فوائد شخصية له على حسابهم. إن هذا أمر رهيب.

قال الحكيم باسماً: حسن.. يا عزيزي المهرج، ها أنت ذا قد لمست بعض المفاصل الحساسة في مشكلة الكذب، ويصعب استعراض كل ما فيها. فدعني أسألك الآن عن الغيبة.. الغيبة العادية، والغيبة السياسية، بمعانيها المذكورة آنفاً: "معرفة الأشخاص –الميول والاتجاهات- الإمكانات –التحليل- السبر..-" فكيف تجيب؟

قال المهرج: أما الغيبة العادية، فشأنها شأن الكذب العادي.. خلق ذميم يسقط المروءة. سواء أكانت لتحقيق هدف فردي خارج إطار العمل السياسي، أم كانت داخل الحزب الواحد، بين أفراد مترابطين متوادين –بحسب الأصل- وأما الغيبة السياسية، بمعانيها المذكورة، فلا بأس بها في حدود الأهداف التي تحققها، وضمن نسب لا تزيد على الحد المطلوب لتحقيق هذه الأهداف.

قال الحكيم: فإذا زادت؟

قال المهرج: ما يزيد منها يدخل في إطار الخلق الذميم.

قال الحكيم: فإذا سمعت شخصاً يصف آخر بضعف خبرته في مجال اختصاصه.. لتقدير إمكاناته وتوظيفها بالشكل المناسب.. ثم استطرد بلا داع، فوصفه بالنذالة والحقارة، وسب أباه وأمه!؟

قال المهرج: يكون قد أدى واجبه في تقويم الإمكانات بشكل موضوعي، وانزلق بعد ذلك إلى دائرة الخلق الذميم.

قال الحكيم: فإذا هون شخص من قدر آخر.. هون إمكاناته دون علم، أو بعلم وقصد.. وجرح أخلاقه بقصد.. لمجرد كونه يخالفه في الرأي؟

قال المهرج: هنا يخرج هذا الإنسان عن دائرة الفكر والرأي والسياسة، إلى دائرة أخرى، هي دائرة السفاهة، أو التفاهة، أو الإجرام، أو السقوط الخلقي والنفسي والاجتماعي. وأسهم لا في إسقاط نفسه وحسب، بل في إسقاط البنية الاجتماعية التي ينتمي إليها، سواء أكانت بنية سياسية، أم قبلية، أم أسرية..

قال الحكيم: حسن يا عزيزي المهرج.. فإذا مارس السياسي الكذب والغيبة، لمصالح سياسية عامة وأهداف عامة.. ثم صارا لديه عادة أو طبعاً، فصار يمارسهما بسبب وبلا سبب، ويستمرئ أو يستعذب كلا منهما، ويجد نشوة في الكذب تارة لمجرد كونه كذباً، وفي الغيبة حيناً لأنه يشعر في أعماقه أن تجريحه للآخرين في غيابهم يرفع من شأنه أمام نفسه وأمام الآخرين.. أقول: إذا فعل فاعل مثل هذا، فكيف تنظر إليه؟

قال المهرج ضاحكاً: كنت تسألني عن البشر يا سيدي الحكيم.. وأراك الآن بدأت تسألني عن الفئران والعقارب والأفاعي والذباب والبعوض.. فأية مروءة لإنسان هو بالصورة الأخيرة التي ذكرتها؟

قال الحكيم باسماً: أرأيت يا عزيزي المهرج..! ها هنا تكمن المشكلة.. السياسة ضرورية.. ومستلزماتها من المعرفة ضرورية.. والمروءة الشخصية ضرورية، ومستلزماتها من الأخلاق ضرورية.. والمشكلة هنا.. إنها تكمن في أمرين:

أ- ضعف الوعي الذي يمكن صاحبه من التفرقة بين ما يجب ومالا يجب، وما يجوز ومالا يجوز، وما تحتاجه السياسة، ومالا تحتاجه، وما يؤذيها..

ب- ضعف الخلق الذي يدفع صاحبه إلى تجاوز ما يلزم إلى مالا يلزم، بصورة عامدة، أو دون مبالاة بأثر التجاوز فيما حوله ومن حوله.. وهنا يمكن القول ببساطة: إنه كلما كانت اللبنات المكونة لمجتمع ما، سياسي، أو غير سياسي صلبة "في وعيها وخلقها" كان المجتمع أكثر قوة وتماسكاً، وأجدر بتحقيق أهدافه، والعكس بالعكس. فالسياسة ذاتها لا تضعف المروءة، إنما يضعفها، أو يسقطها ضعف الوعي، وضعف الخلق.

قال المهرج: لعلك لاحظت يا سيدي الحكيم، أن حديثنا كله كان منصباً على من يمارس الغيبة والكذب وسواهما. فما تقول فيمن يسمع ولا يدفع؟

قال الحكيم: كثير مما ينسحب على القائل ينسحب على السامع. فمن يسمع الحديث الموضوعي المبرأ عن الهوى، بقصد المعرفة، أو التقويم، أو التحليل.. لتوظيف ذلك في خدمة الأهداف العامة، حكمه حكم القائل في هذا الصدد.. وكذلك، من يسمع الافتراء، أو التجريح، أو الشتم.. ينطبق عليه ما ينطبق على الفاعل، من حيث قلة المروءة. إلا إذا اتخذ موقفاً رافضاً، على شكل نصيحة للمتحدث السفيه، أو على شكل زجر، أو تفنيد لشتائمه ومفترياته.. أو انسحاب من المجلس. فالغيبة لا تحقق إلا بوجود سامع. فإذا أصاخ بأذنه راضياً أو باسماً، أو مشجعاً، فهو شريك، في إيذاء الغائب بتجريح كرامته، وبإيذاء المتكلم بتشجيعه على الخلق الذميم، وبإيذاء البنية الاجتماعية (سياسية وغير سياسية) بتفكيك أواصرها النفسية وروابطها الخلقية. والرفض متعدد الأسباب، أو الدوافع، منها دافع المروءة، إذ لا شجاعة في تجريح غائب، ومنها دافع السياسة، إذ يدرك الرافض خطورة هذا الانحطاط الخلقي على مجتمعه العام أو السياسي، فيتصدى لمقاومته. ومنها دافع اجتماعي فلسفي، إذ الصمت على هذا الإفساد، يشجع أناساً آخرين، من ذوي مراتب دنيا، في السن، أو الوعي، فيقتدي الصغير بالكبير، والجاهل بالمتعلم في ممارسة هذا الانحدار الخلقي المدمر.. وهكذا. وهنا لا بد أيضاً من العودة إلى اللبنات القوية، في دفع الفساد عن المجتمع. وربّ قولة حق يقولها رجل في مجلس ما، تدفع خطراً ماحقاً، عن رجل غائب، أو أسرة، أو قبيلة، أو حزب، أو دولة..

وها هنا يكون التنافس.. في التسامي والترقّي الخلقي والنفسي، لا في التدني والانحدار.

قال المهرج باسماً: ألا تلاحظ معي أمراً غريباً يا سيدي الحكيم..

قال الحكيم: ما هو؟

قال المهرج: هو أننا تحدثنا طويلاً عن المروءة، دون أن تعرفها لي.

قال الحكيم باسماً: كنت أظنك تعرفها، حين سألتني بداية عما ينقصها أو يجرحها.. وما دمت سألت عنها، فأجيبك بأنها كما تعارفت عليها العرب: "جماع الأخلاق الحميدة".

قال المهرج: ولكننا لم نتحدث هنا، إلا عن الكذب والغيبة.

قال الحكيم: صدقت.. ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنهما مثالان صارخان للخلق الفاسد عند السياسي. ويدخل في دائرتهما بالطبع، الغدر، قلة الوفاء، الانتهازية، النفاق..

قال المهرج: وما تقول في السرقة، والرشوة، والزنا، والقتل – الذي ليس له دافع سياسي، بل نوازع إجرامية - والسطو على حقوق الضعفاء.. وغير ذلك من أخلاق فاسدة؟

قال الحكيم: إن هذه الأخلاق الفاسدة التي ذكرتها، إنما هي من النوع العادي، أي الذي يمارسه الفرد العادي غير السياسي. وما تعارف عليه الناس في أكثر المجتمعات تحضراً أو تخلفاً، أن العاملين في السياسة يترفعون في العادة عن مثل هذه الجرائم العادية، التي يتصورون أنها تحرجهم سياسياً، وتسقط مكانتهم في عيون الناس. إذ يبدو سائغاً لكثير من الناس، أن يروا رجلاً يكذب لخدمة أهدافه السياسية، أو ينكث بوعد قطعة لبعض الأحزاب أو الشخصيات السياسية، في مجال عمل سياسي، أو يغدر برفيق كفاح له، ليحل محله في موقعه أو يستأثر بمنصب ما، دونه. لكن الأكثرين يجدون صعوبة بالغة، في التصديق بأن السياسي الناجح المحترم فلان، هو سارق، مرتش، داعر، قاتل لأجل الثأر أو السرقة..

قال المهرج: هذا يؤكد فعلاً أن هناك دوائر مشتركة، في فساد الأخلاق أو نقص المروءات، بين الإنسان السياسي والإنسان العادي، كما أن هناك دوائر ينفرد بها الإنسان العادي، كالسرقة، والسطو، والنهب، والرشوة، والقتل الجنائي.. ونحوها.

قال الحكيم: نعم.. هذا هو الشأن الغالب. بيد أن ثمة استثناءات كثيرة.. فلطالما سمعنا أن الزعيم الفلاني سقط في جريمة زنا شكلت له فضيحة، وأن السياسي البارز فلاناً، وقع في جريمة رشوة أثارت حوله عاصفة هوجاء من النقد والاستنكار، وأن الوزير الفلاني سطا على مزرعة لأحد المواطنين مستغلاً نفوذه وموقعه الرسمي.. وأن رئيس الحزب الفلاني قتل أجيراً عنده –حارس بناية أو أرض- ليغطي على فضيحة مالية أو جنسية، وقع فيها الحزبي الكبير، وهكذا. إلا أن هذا كله من قبيل الاستثناء كما ذكرت لك.

قال المهرج: نعوذ بالله من قلة المروءة، ومن المبتلين بقلة المروءة، ساسة كانوا أم عاديين.