المهرج والحكيم(11)

عبد الله عيسى السلامة

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

الضلع العوجاء

قال المهرج للحكيم: قل لي يا سيدي الحكيم، لماذا تصر الحكومات على قراراتها ومواقفها حتى لو كانت عوجاء!؟

قال الحكيم ضاحكاً: ويلك.. تريد أن تدخلنا في السياسة!؟

قال المهرج: ومتى خرجنا منها أصلاً يا سيدي الحكيم!؟

قال الحكيم باسماً: إن الحكومة – أية حكومة - يا عزيزي المهرج، مثل المرأة.. خلقت من ضلع عوجاء.. إذا قومتها كسرتها..!

قال المهرج ضاحكاً: أحسن إلي يا سيدي الحكيم – أحسن الله إليك - واشرح لي معنى هذا الكلام.

قال الحكيم جاداً: الأمر غاية في البساطة يا عزيزي المهرج.. فالحكومة توجد أصلاً لصناعة القرار، فإذا لم تصنع قرارات للدولة والشعب، فهذا يعني أنها غير موجودة. وعلى هذا، فكلمة حكومة تعني (القرار) وكلمة قرار تعني (الحكومة).. هل هذا الكلام مفهوم أيها المهرج!؟

قال المهرج: حتى الآن مفهوم.

قال الحكيم: حسن، فإذا اتخذت الحكومة قراراً رأته صائباً، ورآه غيرها – الشعب، مجلس النواب..- أعوج، وطلب منها تعديله – بقرارات نيابية، أو احتجاجات شعبية - فماذا تكون النتيجة!؟

قال المهرج: لا أدري..

قال الحكيم: ستكون النتيجة يا عزيزي المهرج أن تكون الحكومة أمام إحدى حالتين من الكسر:

1- إما أن تصر على قرارها، فيقيلها مجلس النواب، أو أن تستقيل من تلقاء نفسها.. وتكون بهذه الحالة قد انكسرت..

2- وإما أن تتراجع عن قرارها (تكسر كلمتها) وفي هذه الحال، تشعر أن هيبتها قد ضعفت، لأن كسر كلمتها يعني كسراً معنوياً لها.

قال المهرج: وإذا لم يطلب منها تعديل القرار أو إلغاؤه!؟

قال الحكيم باسماً: بسيطة.. يظل القرار أعوج، ويطبق على الناس كما هو.

قال المهرج: أهذه سنة متبعة في سائر بلاد الدنيا يا سيدي الحكيم –أعني سائر حكومات الدنيا..!؟-.

قال الحكيم باسماً: أجل يا عزيزي المهرج.. إلا أن ثمة فرقاً بين الحكومة التي يوكلها شعبها لتصنع له قراراته، وبين تلك التي توكلها جهة أخرى على الشعب.. أي بين حكومة وكيلة (عن) الشعب، وأخرى وكيلة (على) الشعب..

قال المهرج: وما هذا الفرق يا سيدي الحكيم!؟

قال الحكيم: الفرق بسيط يا عزيزي المهرج، وهو أن الحكومة الموكلة من قبل شعبها، تخضع لضغط واحد فقط، هو ضغط الشعب وممثليه من النواب. لكنها في الوقت ذاته تشد ظهرها بهذا الشعب، أمام ضغوط الآخرين..

أما الحكومة الموكلة على الشعب من قبل الآخرين، فتخضع لضغطين، ضغط الشعب ونوابه، وضغط الجهة التي وكلتها على الشعب – أي بين المطرقة والسندان - إلا أنها لا تستطيع أن تشد ظهرها بأي منهما، لأن الشعب غير معترف بشرعيتها، ولأن الجهة التي وكلتها تريد منها أن تصنع قرارات لها (هي الموكلة)، ولو خالفت مصلحة شعبها.. ولا تبالي بها إن سقطت..

هز المهرج رأسه قائلاً: الآن فهمت.