حكاية السيدة "نون"

حكاية السيدة "نون"

مسرحية ذات فصل واحد

محمد علي البدوي

المنظر : صالة الاجتماعات في مقر حركة تحرير الفتاة .

المشهد : السيدة نون تذرع المكان غاضبة بينما يدخل إليها الشاب وسيم حاملاً كوباً من الشاي .

وسيم : الشاي يا سيدتي .

نوال : هذا عاشر كأس أشربه ... ما هذا يا وسيم ؟

وسيم : هذا شاي يا سيدتي .

نوال : أبله ... أعلم ذلك .... ولكن ما هذا الذي يحدث في الحركة ؟

وسيم : كل شيء على ما يرام ، الأشياء مرتبة وصالة الاجتماعات أنيقة ..و..

نوال " تقاطعه " : أقصد العضوات .. الفاشلات .. لقد تأخرن عن حضور الاجتماع .

وسيم : اعذريهن يا سيدتي .. فلقد سهرن البارحة في الحفل الخيري .. حتى الثمالة .

نوال : الساعة الآن الثانية بعد الظهر .. و" ريد " على وشك الوصول .

وسيم : " ريد " !! لا تقلقي عندنا منه الكثير .. لقد اشتريت عبوات إضافية .

نوال : " ريد " يا جاهل هي رئيسة الاتحاد النسائي العالمي .. لقد هاتفني البارحة تبارك إنشاء الحركة .. ووعدت بتقديم الدعم اللازم .

وسيم : آه .. تذكرت .. جمعية المرأة الفرنسية أرسلت هي الأخرى تبارك وتدعوك إلى مؤتمر الاتحاد هذا العام .. ومجلة المرأة الجديدة تطلب تحديد موعد المقابلة .

نوال : " في زهو " أرأيت يا وسيم ؟ العالم كله يقف معنا .. وسننجح .. أليس كذلك ؟

وسيم : يا عزيزتي .. ما لنا وللعالم !!.... تعالي نعلن زواجنا للناس .. ونسافر خارج البلاد .. لقد مللت .

نوال : اصمت .. هل تريدني أن أخون مبادئي التي أجاهد من أجلها !

وسيم : أي مبادئ .. وهل نسيت الجنين الذي يتحرك في أحشائك .

نوال : " في هزيمة " آه .. لا تذكرني هذه الخطيئة لا أعلم كيف اقترفتها ؟

وسيم : ولكن أنا أعلم لأنك امرأة وستظلين امرأة ..

نوال : وسيم .. اصمت أرجوك .

وسيم : المال في حوزتنا وصندوق الحركة في أيدينا .. ما الذي ننتظره ؟

نوال : قلت لك اصمت .. اصمت ..

وسيم : أنا زوجك .. وطفلي في أحشائك ..

نوال : ولكنك خادمي .. والعصمة بيدي .

وسيم : وقلبك في يدي ..

نوال : أرجوك .. كفى .. " تنظر في ساعتها " سأذهب لاستقبال السيدة " ريد " .. وداعاً " تخرج " .

وسيم : اذهبي معها إلى جهنم .

(يشتغل وسيم بترتيب صالة الاجتماعات فتدخل إليه " هدى " إحدى عضوات الحركة) .

هدى : وسيم .. أنت هنا ؟

وسيم : نعم .. وسيم هنا .

هدى : ولوحدك يا عزيزي ؟

وسيم : لا .. الشيطان ثالثنا .

هدى : ولم هذا الظن السيء يا عزيزي ؟

وسيم : ولم هذا السؤال الأسوأ ؟

هدى : أبداً .. ولكنها فرصة حتى أعبر لك عن صدق مشاعري نحوك .

وسيم : صحيح .

هدى : وأقسم على ذلك .. فأنت في عقلي دائماً يا وسيم .

وسيم : شكراً .. يا عانستي .

هدى : أنت هكذا دائماً .. توبخني بالعنوسة .

وسيم : إنها الحقيقة .. ارمأة في الأربعين .. ولم تتزوج بعد .. ماذا أقول عنها ؟

هدى : كل عضوات الحركة عانسات .. حتى السيدة نوال ..

وسيم : عهدك قديم جداً بالسيدة نوار .. إذن ..

هدى : ماذا تقول ؟!

وسيم : ادفعي .. حتى .. تسمعي ..

هدى : أنت هكذا دائماً تعبد المادة " تخرج المال من حقيبتها وتناوله " خذ ...

(وسيم يأخذ المال ويسر لها في أذنها بالخبر) .

هدى " واجمة " : ماذا تقول ؟ الويل لها .

وسيم : امرأة وتبحث عن نفسها .

هدى : على حسابنا !

وسيم : يا عزيزتي .. الحياة فرصة .. والفرصة قد لا تعود .

هدى : الخائنة .. سترى .. سترى ..

" تخرج مغضبة "

وسيم : يجب أن أغادر الآن .. سينفجر الوضع حتماً .

" يخرج "

(تدخل نوال وبصحبتها ريد وبعض العضوات) .

نوال : تفضلن .. تفضلن .. سنبدأ الاجتماع الآن .

(يتحلقن حول طاولة الاجتماعات)

نوال : باسم حركة تحرر المرأة في بلادنا .. وباسم كل النساء المتحررات نرحب بالسيدة الكبيرة والمناضلة من أجل المرأة .. السيدة ريد .

(تصفيق حاد يملأ القاعة .. تدخل عندها العضوة حنان وهي في كامل حجابها الإسلامي)

حنان : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ريد : يا إلهي .. ما هذا ؟!

نوال : من .. من .. أنت ؟!

حنان (تكشف عن وجهها) : أنا أختكم حنان .. العضوة السابقة معكم .. جئت من أجلكم ..

نوال : ما هذا التخلف يا حنان ؟!

حنان : أخواتي .. أنتن في الطريق الخطأ .. عدن إلى الله قبل فوات الأوان .

نوال : توقفي .. أيتها الرجعية .

هدى " تدخل فجأة " : بل توقفي أنت .. أيتها الخائنة .

الجميع : من .. هدى ؟!

نوال : هذه مؤامرة .. مؤامرة ..

هدى : وما قمت به أنت .. تتزوجين وسيم سراً .. وتدعين أنك لن تتزوجي أبداً .. وأنك تزوجت قضية تحرير المرأة .. وستعيشين لها !

إحداهن : ولكن وسيم زوجي أنا .

إحداهن : بل زوجي أنا ..

إحداهن : حتى أنا .. لقد تزوجني سراً .

ريد (تنهض) : المعذرة .. يبدو أنكن ما زلتن صغيرات على قضية المرأة .. وداعاً (تخرج)

نوال : سيدة ريد .. توقفي .. توقفي .. أرجوك .

حنان : دعوها تذهب .. إنها داعية إلى باب جهنم .. دعوها ..

(تدخل إحدى العضوات مسرعة) .

العضوة : سيدة نوال .. سيدة نوال .. لقد هرب الشاب وسيم بعد أن استولى على صندوق الحركة وترك لك هذه الرسالة .

(تناولها الرسالة)

نوال : (تقرأ الرسالة واجمة) : لا .. لا .. لقد انتهى كل شيء .. كل شيء ..

حنان : لا .. لم ينته كل شيء .. ما زالت الفرصة قائمة .. اغسلن الخطيئة بدموع التوبة .. هيا معي إلى الله .. هيا ..

هدى : ياه .. كم كنت غافلة .. كم كنت واهمة !

حنان : هيا يا أخواتي .. ما أحلى العودة إلى الله ..

إحداهن : أنا معك يا حنان .

إحداهن : وأنا كذلك .

(تخرج حنان وتتبعها بعض العضوات بينما تقف نوال ذاهلة عما حولها وهي تهذي كالمجنونة) .

نوال " صارخة " : لا .. لا يمكن أن يحصل هذا .. إنه كابوس .. مجرد كابوس .. سيعود وسيم .. اليس كذلك ؟ .. إن طفله في أحشائي .. لا .. أنا نوال زعيمة حركة التحرير .. سيدعمني العالم .. وسأنتصر .. سأنتصر .. ها .. ها .. ها .

(تطفأ الإنارة)

صوت : وعاشت السيدة نوال بقية حياتها في ظلمات المعاصي تحاول جاهدة بعث هذه الحركة .. تجوب أرجاء العالم وترتمي في أحضان المؤسسات تطلب الدعم والعون .

ستارة