عرس في زمن الثورة

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

يقبع الحاج زكي داخل محله في السوق العتيق  يقلب بعض الأوراق  ويعيد بعض الحسابات  ولا يلقي بالا لحركة الناس وسير المركبات خارج محله

أبو ابراهيم : السلام عليكم  كيف هو حالك يا حاج زكي

الحاج زكي :وعليكم السلام  الحمد لله رب العالمين  تفضل  ( جيت والله جابك )

ابو ابراهيم : خير .. خير يا حاج زكي ؟  يدخل ابو ابراهيم ويضع كرسيا بجانب الحاج زكي ويحلس

الحاج زكي : أين أنت يا ابن الحلال ( عاش مين شافك )  كنت كل يوم تصبح علينا أو تمسي   ولكنك انقطعت عنا منذ فترة  ما الخبر ( لا تكون زعلان مني )  كل شيء إلا زعلك

ابو ابراهيم : ( ما عاش اللي بيزعل منك يا حاج زكي ) لكن انت تعرف المشكلة التي حدثت بيني وبين جارك (ابو محمود) ( من يومها كتر الحكي والقيل والقال ) ففضلت الابتعاد إلى أن ينسى الناس   حتى لا نصبح ( عدم المؤاخذة علكة على ألسنة الناس )

الحاج زكي : خيرا فعلت يا (ابو ابراهيم ) ولكن وبدون يمين أن ابا محمود نعم الجار ونعم الرجل

ابو ابراهيم : يا حاج زكي  جارك تطاول علي  وشتمني  ونعتني بقلة الحياء وقلة الذوق  أما سمعت ؟ أكيد سمعت

الحاج زكي : يا (أبو ابراهيم ) كل ابن آدم خطاء كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام  والشيطان شغال  ونحن يجب أن نتغلب على وساوسه وتحريضه بالعقل والدين

أبو ابراهيم : والله صدقت ياحاج زكي   الله يلعن الشيطان

الحاج زكي : وأيضا يا أبا ابراهيم حتى الحياة تمشي والأمور تستقيم يجب على الواحد مننا أن يغلق أذنيه عن كثيرمما يسمع  ويظهر بمظهر ( كأن شيئا لم يكن ) ولو أن كل إنسان وقف عند كل كلمة يسمعها من أخيه ومن جاره ...تصبح الدنيا خراب وتعم البغضاء والشحناء بين الناس وينعدم الخير ويقل النفع    المسامح كريم  والمسامحه تجلب المودة

 أبو ابراهيم : والله كلامك جواهر يا حاج زكي  أستغفر الله   أستغفر الله العظيم الحاج زكي : يا أبا ابراهيم  الإنسا ن   إنسان  أحيانا يتضايق   أحيانا يقلق وأحيانا تجتمع عليه الهموم فيكون أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب والواجب أن نكون عونا له على الشيطان لا أن نكون عونا للشيطان عليه وعندما تصفو نفسه  ويهدأ باله سوف تراه يعود ويعتذر ويطلب المسامحه   أليس كذلك يا أبا ابراهيم ؟

أبو ابراهيم : نعم   نعم .. صدقت الحاج زكي : قل لي مذا تفعل إذا أخطأت معك بكلمه ؟  هل تفطعني .. هل تعاديني   وكذلك أنت لو زل لسانك بشيء ينال مني هل أهجرك أو ارد عليك بفحش  ؟ لا أبدا  كما قلت لك في البداية ( لم أسمع .. لم ألاحظ ) وبالكلمة الطيبة نصلح الخلل  وبالمودة كأن شيئا لم يكن أبو ابراهيم :  والله يا حاج زكي الآن أشعر بشيْ يدفعني إلى الذهاب إلى أخي ابو محمود فأقتحم عليه محله وأحضنه إلى صدري  وأبكي بين يديه وأطلب منه أن يسامحني  هذا ما أحس يه يدفعني دفعا

الحاج زكي : تعمل عين العقل  وهذا ما أرجوه منك  وأبو محمود ليس بالرجل الفاجر ولا الحاهل ولسوف يقدر لك هذه المبادرة ويرد لك التحية بأحسن منها   ولكن ..

أبو ابراهيم :  ولكن ماذا ياحاج زكي

الحاج زكي : أريد أن أستغل هذه اللحظة السعيدة وأكلفك بأمر طالما فكرت فيه إذا لم يكن عندك مانع ابو ابراهيم : وما هو يا حاج زكي ؟

الحاج زكي : انت تعلم يا ابا ابراهيم أن ابني عماد الدين قد صار رجلا ومن الواجب أن يتأهل ويتزوج فالزواج كما تعلم ستر وحفظ من الشيطان ابو ابراهيم :  نعم ..نعم  هذا صحيح  وانشاء الله تفرح به وبأولاده أيضا

الحاج زكي: أريد منك يا ابا ابراهيم أن تسلم لي على أبي محمود __ بعد أن تتصافى قلوبكما __  وتقول له : السهرة عنده الليلة وأنت تعلم أن ابنته رحاب صارت ما شاء الله صبية وعروسة حلوة  وفهمك كفاية ابو ابراهيم : هذه فعلا مفاجأة سارة  على عيني .. على عيني تكرم يا حاج زكي سوف أخبره   أدع لي

المشهد الثاني :

أبو ابراهيم يقصد محل (ابو محمود ) الكائن بطرف السوق الشمالي وهو يكلم نفسه L يا ترى هل يستقبلني ؟ هل يسامحني ؟ لقد فسوت عليه بالمخاصمة وهو يحمل مني في صدره الكثير .. أرجو أن يبدل الله ما بيننا من خصومة إلى محبة ووداد ... سوف أدخل عليه وأحضنه وأطلب منه أن يسامحني .. حتى ولو نهرني وعنفني  فليس بالمؤمن الذي يخاصم أخاه على توافه الدنيا .. توكلت على الله

ابو ابراهيم : السلام عليك يا ابا محمود

ابو محمود يتفاجىء ويصيبه الذهول انه لا يصدق ما يرى .. ابو ابراهيم بلحمه وشحمه في دكاني ويسلم علي !!

لم يستطع أن يتكلم  ويرد السلام .. التحية بصعوبة

ابو ابراهيم : ما بك ابومحمود  ألم تعرفني ؟ أنا ابوابراهيم حبيبك وصديق عمرك

ابو محمود يمد يده إلى جيبه ويسحب منديلا نظيفا ويمسح دموعه وهو يقول : تفضل .. تفضل يا ابا ابراهيم ابو ابراهيم : لا عليك ابا محمود  العمر لحظه  هل ننهيها بالزعل والخصومة ؟  ها قد جئت أنا إليك نادما طالبا منك العفو

سامحني يا اخي سامحني يا حبيبي  سامحني يا صديق عمري ..

ابو محمود : والله يا ابا ابراهيم لقد نويت أن أنهي أعمالي الآن لأذهب إليك  لقد سبقتني  وفاجأتني

ابو ابراهيم : أعتذر إليك  أعتذر إليك  إني والله نادم .. معقول أن أهجر شخصا مثلك  صاحب مروءة ونخوة  صاحب فضل وكرم والله إني خجل من نفسي .. ثم يضحك ويقول اسمع يا ابامحمود ماذا يقول الشاعر :

يقول : هبوني يا أحبتي أسأت          وبالهجران قبلكم بدأت

       فكيف يكون لكم علي فضل    ( فداك نفسي ) إذا أسأتم كما أسأت

ابو محمود : استغفر الله أنت صاحب الفضل يا ابا ابراهيم ابو ابراهيم : قبل أن انسى  يسلم عليك الحاج زكي ويقول لك : السهرة الليلة عندك جهز نفسك --- ثم يهمس في أذنه –

أظنه سياتيك خاطبا والعلم عند الله  أستأذن الآن وسنلتقي في السهرة   السلام عليكم

ابو محمود : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الفصل الثالث

الحاج زكي وابو ابراهيم عند ابو محمود في منزله

ابو محمود : يا مرحبا يا مرحبا  نورتم الدار وشرفتوننا

الحاج زكي : زادكم الله شرفا وتسلم الدار وأهلها   أنتم اهل الشرف والكرم

أبو ابراهيم : إذن لندخل البيوت من أبوابها وبدون( لف ولا دوران ) الحاج زكي طالب القرب منكم ويريد أن يخطب كريمتكم المصونه لأبنه عماد الدين

أبومحمود : غالي والله غالي يا حاج زكي وطلبك مجاب ونتشرف بنسبك أهلا وسهلا ومرحبا وابنتي ابنتك وهي من الآن تحت أمرك

ابو ابراهيم : إذن فلنقرأ الفاتحه .... بارك الله لكما ويسر لكما أمركما بكل خير

أبو محمود : الله يبارك فيك يا ابا ابراهيم  أخ عزيز

الحاج زكي :الله يبارك فيك ويجزيك خير الجزاء...ثم يلتفت إلى ابو محمود ويقول : نريد ان بتم الأمر قبل رمضان من بعد إذنك يا ابا محمود فما قولك ؟

كما تريد ياحاج زكي كما تريد

الفصل الرايع

في دكان الحاج زكي مع ابنه عمادالدين

الحاج زكي : اراك تتململ يا عماد  كأنك تريد المغادرة  إلى اين العزم انشاء الله ؟

عماد الدين : أريد أن ازور عمي ابو محمود يا أبتي هل تريد منه شيئا ؟ الحاج زكي :لا .. لاأريد شيئا اذهب مصحوبا بالسلامة ولا تنس أن تسلم لي عليه وعلى أم محمود عماد الدين : فقط يا ابي ؟

الحاج محمود : يضحك .. وعلى كريمته سعدى

عماد : نعم .. الآن وجب ... سلمك الله يا ابي

الحاج زكي : يودع ابنه بنظرات مشرقة مستبشرة .. والله غرق عماد .. غرق عند عمه

اتفق الحاج زكي وابو محمود على موعد العرس  مساء الخميس قبل رمضان باسبوع

ابو ابراهيم : السلام عليكم ياحاج زكي

الحاج زكي : وعليكم السلام  تفضل أدخل

ابو ابراهيم : هل سمعت بالذي يجري يا حاج زكي ؟

الحاج زكي : خير انشاء الله خير ما الذي يجري ؟

ابو ابراهيم : انفجرت البلد بالمظاهرات تنادي بالإصلاح والحرية.. فرد النظام بالرصاص الحي وقتل كثيرا من المتظاهرين

وتطورت الأمور إلى المطالبة بإسقاط النظام ( الشعب يريد إسقاط النظام )

الحاج زكي : يا لطيف اللهم اجعل العوافب سليمة  اللهم استرنا واحفظنا واحفظ شبابنا

ابو ابراهيم : الذي يجري غير معقول  وغير مقبول   شباب خرجوا بمظاهرات سلمية وزنود وصدور عارية يطالبون بحقهم في الحرية والحياة الكريمة فيواجههم النظام بالرصاص فيقتلون بهذه السهولة  هل أصبح دم الشباب السوري رخيصا لهذه الدرجة ؟

الحاج زكي : ومن الذي يقتلهم !! ؟ الذي يجب عليه أن يحميهم   لا حول ولا قوة إلا بالله ...

حان موعد العرس واستعد الجانبان للإحتفال بالعروسين

الحاج زكي : الوقت عصيب والظروف صعبة قاسية والأحداث الدامية تزداد ضراوة   اجعلوا الاحتفال بسيطا وانهوه بسرعة

ابو محمود : كما تريد ياحاج زكي

ابو ابراهيم : سأذهب لأعتذر للمحتفلين وأنهي الموضوع وأزف العريس إلى عروسه

في الوقت ذاته ظهرت مروحية عسكرية في الجو وألقت براميل الموت على الحفل وأنهت الموضوع فبل أن يصل ابو ابراهيم وكانت حصيلة هذه العملية سبع شهداء بينهم العريس عماد الدين وعشرات الجرحى غيرهم

الحاج زكي استقبل الخبر بإيمان قوي فلم يزد على قوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل .. إنا لله وإنا إليه راجعون ) وبدل أن يستقبل المهنئين  استقبل أفواج المعزين بصبر عجيب وإيمان أعجب .

انتهى 

وسوم: العدد 624