كاتب الأطفال المغربي أحمد بن سعيد ..

صاحب حكاية لكل يوم (حوار)

علي الرشيد

[email protected]

وهبَ قلمه كلَّية للأطفال، منذ نحو عشرين عاما، يكتب لهم ما يسعد أفئدتهم، ويسرّ خاطرهم ، صدر له حتى الآن  أكثر من مئتي عمل أدبي وفني، باللغتين العربية والفرنسية، توزّعت على القصة والرواية والمسرحية والأغنية، وكثير من مسرحياته المكتوبة تم تمثيلها فعليّاً في المهرجانات المدرسية، وجزء مُعَتبر من  كتاباته خصصها للأيتام والمحرومين، ليرسم الابتسامة على وجوههم، بحكم عمله في المجال التطوعي منذ نحو عشرة أعوام. 

ومع مستهل هذا العام رفع شعار :"حكاية في كلّ يوم"، والتزم به، ودعا كتّاب الأطفال ليفعلوا ذلك، إثراءً لمكتبة الطفل العربي التي تعاني من الشحّ.

إنه كاتب الأطفال المغربي المتميز أحمد بن سعيد، وقد أسعدنا أن يكون ضيفنا في هذه المساحة..متابعة شائقة نرجوها لكم .

تكتب القصة والرواية والمسرحية والأغنية للطفل ..أي من هذه القوالب الفنية تجد أنها أقرب إلى الأطفال وأكثر جذبا لهم، بحسب شرائحهم العمرية وميولهم ؟

كل ما ذكرتم يساهم في تنويع المائدة الثقافية للطفل، ولكلّ ممّا ذكرتم جمهوره من الأطفال  ومن مختلف الشرائح العمرية.. فالقصة لها جمهورها، والرواية لها جمهورها، والمسرحية والأغنية كذلك...ولعلّ القوالب الفنية التي تأخذ وقتاً في التخطيط والبرمجة والإعداد والضبط هي التي تنال إعجاب الأطفال وتجذبهم وتنجح في تحقيق التواصل معهم، طبعا أقصد النجاح المؤسّس والذي يدوم عبر الزمن وليس النجاح الشمعي الذي سرعان ما ينطفئ، ولوْ بدا لنا أنه نال إعجاب الصغار.

هناك تقصير كبير في الكتابة للطفل عموماً، لكن ربما يكون التقصير الأكبر في المسرحية والرواية ما السبب برأيكم؟

ـ ما ذكرتم صحيح مائة في المائة؛ فالتقصير واقع في الكتابة للطفل عموما، ولقد ركزتم على المسرحية والرواية ولا بأس أنْ أذكر بعض أسباب ذلك:

أما مسرح الصغار فتتكاثف مجموعة كبيرة جدا من الصنائع والفنون لتشكيل معاني ومضامين النص المسرحي على خشبة المسرح من تأثيث الخشبة و ألبسة وديكور وإكسسوار وموسيقى حية وموسيقى تصويرية وإنارة وماكياج وغيرها... ضفْ إلى

-         ضرورة التزام كلّ هذا الطاقم الكبير من الفنانين، ضرورة التزام الممثلين الصغار في التداريب برفقة مخرج متمرّس وحضور ذهنه مع ما كان يقصده الكاتب... من كلّ هذه الضرورات والمطالب تتضح صعوبة المسرحية الموجهة للطفل.

ـ وأما الرواية الموجهة للأطفال؛ فهي تتميّز بطولها، وغير بعيد عنا رواية (هاري بوتر) التي تبلغ آلاف الصفحات في مجموعها.. والأقلام عندنا فعلا قليلة لأنّ خطورة إملال القارئ الصغير وإضجاره واردة لغير المتمرسين بالكتابة للطفل، وبالتالي سيكون مصير الكتاب الطويل – من غير أهله - الفشل. فكيف يصل الكاتب إذن إلى إمتاع الصغير وتشويقه لدرجةٍ لا يحس معها بطول الصفحات؟ هنا مربط الفرس.  

 ألححتَ على ضرورة تعليم الأطفال المسرح.. لمَ؟

نعمْ، ولكنّ إلحاحي هذا، مرتبط بالضرورة بشخص المسرحي المبدع المربي العارف بعناصر المسرحية وخصائص الصغار ومراحل نموهم الخ... ومن  خلال تجربتي المسرحية مع الصغار؛ تأليفا وإخراجا، فقد كنتُ أستقبل الصغير وهو يتهيّب الكلام وإنْ شئتَ فقلْ يتهيّب الحياة وممارسة الحياة... ولو استمرّ الأمر على ما كان عليه لحدثت مآسي حقيقية.. فالمسرح مدرسة لتعليم الجرأة واقتحام النجاح.. وهو كذلك فن مرهف يعلّم جمال الصورة وجمال اللحن الموسيقي وما شئت من جمال.. فالمسرح حياة مصغرة حقا وصدقا، بل هو مجموعة متنوعة من الحيوات؛ نبسطها للطفل، فيفقهها، ويواجهها، وفي كثير من الأحيان يضحك منها فيرتاح من ضغوط تلك التساؤلات التي كانتْ لديْه تسبب له الحيرة والارتباك...  

كل من يقرأ قصصك يشعر أنّ الطفل الذي يسكنك هو من يكتب ؟ ما سبب عدم مغادرة هذا الطفل للكاتب أحمد بن سعيد ؟

هذا الشعور من القارئ يسْعدني كثيراً، لأنه يبشرني بنجاح تواصلي مع الأطفال.. ولعلّ في كلّ منا - خاصة نحن المهتمّين بشؤون الطفل – طفلٌ يتحدث عنْ أحلامه وأشواقه وطموحاته... طفلٌ يحبّ الخير لكلّ الأطفال، طفل يرفض بلْ ويثور ضدّ آلام الأطفال... ولعلّ منْ أجمل ما وُصِفتُ به:" إن الطفل الذي بداخل الأديب أحمد بنسعيد فنّان يعبّر عن حاله بحروف ذهبية هدفه إسعاد الآخرين قبل نفسه" وإني فخورٌ بهذا، وأعتبر نفسي خادما للأطفال في كلّ مكان وزمان... وأما عن أسباب عدم مغادرة هذا الطفل لي فأنا لا أعرف لحدّ الآن. ولكنّ الذي يبْدو، أنّه لو غادرني هذا الطفل، لغضبَ منّي الأطفال لأنني لن أكتب لهم بعد مغادرته لي.

لك موقف متحفّظ على أن تكون نهايات قصصك بالضرورة سعيدة دائما ..ما السبب؟

أرى أنه إذا كان الجانب الفني والأدبي حاضرا في الكتابة، فالنهاية السعيدة أو الحزينة كلاهما ستكون ناجحة... ولكنّني رغم هذا لاحظتُ أن النهاية السعيدة في القصص هي مطلب شعبي فعلا؛ ففي إحدى رواياتي التي أعْجبَ بها الأطفال رفض عدد من القرّاء موت البطل في آخر الرواية، وطالبوا ملحّين بإعادته للحياة، لذلك كتبتُ الجزء الثاني من الرواية، وبحثت له عن حلول لعودته للحياة.. ولقد أخذ مني كتابة هذا الجزء ثلاث سنوات، وكنتُ أظنّ أنني سأنتهي منه في ثلاثة أشهر..

تكتب قصصك بالعربية والفرنسية ..لمن توجّه الكتابات التي تكتبها بالفرنسية ؟

لديْنا في المغرب اللغة الثانية هي الفرنسية؛ لذلك يسهل علينا بعض الشيء الكتابة  والتعامل بها... خاصة في إطار تواصلنا مع أبنائنا وأطفالنا الذين وُلدوا ونموْا في أوروبا، فهمْ أحوج ما يكون إلى كتب تخاطبهم بكنوز ما لديهم من ثقافة... وامتلاكُ لغة ثانية وثالثة يؤهّل الكاتب أيضا إلى ارتياد عملية الترجمة في واجهتيْها وهي: تصدير ما عنده، واستيراد ما عند الغير من ثقافة خاصة بالطفل، وطبعاً لديّ كتابات أيضا في هذا المجال..

التأثير لأجل التغيير

تعمل في مجال العمل التطوعي لصالح الأطفال اليتامى .. ما انعكاس هذا العمل على كتاباتك ؟

الحديث عن اليتامى في كتاباتي لا يكون هدفه الإمتاع فقط، بقدر ما يكون هدفه التأثير من أجل التغيير.. وغالبا يقع المبتغى ويقع التأثير، ويقع معه التغيير؛ أتذكّر كلمة رئيس جمعية فرنسية سالتْ دموعه لمشاهد مسرحية - تتحدث عنْ يتيم حزين في يوم العيد بينما كلّ الصغار سعداء...- وهو يقول: "هذه أوّل مسرحيّة في حياتي أبكي فيها".. طبعا التعامل مع اليتامى، يجعل من الكاتب ريشةً مسخّرة لإسعادهم وإدخال الفرحة عليهم؛ كيف لا، وهو يرى أعينهم الصغيرة المحمرّة تخاطبه في كلّ حين أنْ تحرّكْ من أجلنا.

عروض مسرحية

ما حصيلة الأعمال قدّمتها لهذه الشريحة ( الأيتام) حتى الآن؟

طبعا لا يخلو زمان ولا مكان من الأطفال اليتامى... ولقد كتبتُ عددا من النصوص المسرحية صالحة لكلّ زمان ومكان باللغة الفرنسية بهدف تحسيس الجالية المقيمة بفرنسا بمعاناة هذه الفئة من أطفال بلادهم، وتحفيزهم لأجل التخفيف العملي من هذه المعاناة، وكلّ هذه النصوص مخرجة على الخشبة... من هذه العناوين أذكر على سبيل المثال:

-         لنغني لليتيم – Chantons Pour l’Orphelin

-         رجل الدار -  L’Homme de la Maison

-         زهراء الخادمة الصغيرة  -  Zahra Petite Domestique

-         طفولة معاقة  -  Enfance Handicapée

-         أوجاع طفل  -   Douleurs d’Enfant

وغيرها كثير .

ونحن مع بداية العام الجديد ..ماهي مشاريعك الجديدة وخططك الخاصة بالأطفال لـ  2014؟

هذا السؤال يعجبني لأنني قررت هذه السنة أن أبدأ تطبيق شعار :"حكاية في كلّ يوم"، ولقدْ بدأت فعلا تطبيق هذا الشعار؛ ولقد تجاوزتُ الحكاية الواحدة إلى الحكايتيْن والثلاث في اليوم الواحد. وإنني مسرور بذلك، وأرجو من المولى سبحانه أنْ يمدّني بالعون لإتمامه حتى آخر السنة لتكون لديّ حصيلة هامة من الحكايات تُضاف لما سبق... ومنْ منبركم الكريم أدعو جميع أحبابي الكُتّاب لمشاركتي هذا الشعار؛ حتى تُثرى مكتبة الطفل عندنا أكثر وأكثر..  

موقف مؤثّر في تعاملك مع الأطفال ؟

أذكُر في يوم كنتُ مدعوّا مع فريقي المسرحي الصّغير، للمشاركة بمجموعة أغاني ولوحات مسرحية ضمن برنامج حفل نظّمته إحدى الجمعيّات؛ واتصل بي رئيس تلك الجمعية المضيفة قبْل الحفل ومعه طفلة تبكي من ذوي الاحتياجات الخاصة (مرض المنغوليا) وطلب مني – إنْ أمْكن - أنْ أضيفها لفريقي لأنّ البنات في جمعيته رفضْن قطعاً أنْ تصعدَ معهنّ الخشبة.. ولا أنسى فرحتها وفرحة أمّها حينَ رحّبتُ بها، وتحوّل دموعها لضحكات، وإسْراعها للكواليس للباس ألبستها الجديدة التي كانتْ أعدّتْها خصيصا للحفل.