حوار مع الشيخ عبد الله الطنطاوي

د. عبد الله الطنطاوي

[email protected]

محمود القاعود

[email protected]

س1 – أكثر من عامين عانى خلالها السوريون أشد أنواع الظلم والتنكيل والإذلال، ما هي الدروس المستفادة من هذه المحن؟

ج1- أعظم درس: أن نعتمد على الله وحده، ثم على قدراتنا الذاتية، ولا نعتمد على من لا يرضون عنا، فلا يساعدوننا على عدونا، إلا إذا اتبعنا مللهم، وهيهات..

س2- كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول دور (جبهة النصرة) التي هي باعتراف السوريين أقوى فصيل معارض، ومن يؤلم الشبيحة ونظام بشار، وجاء اعتراف بعض قادتها بمبايعة الشيخ أيمن الظواهري بمثابة الشماعة التي يعلق عليها التقاعس والتخاذل عن نصرة الشعب السوري بزعم أن هناك إرهابيين سيسيطرون على الحكم، ما هي وجهة نظرك في هذا الأمر؟

ج2- جبهة النصرة تنظيم جهادي، تقاتل النظام الأسدي المجرم بضراوة وبإيمان، وهي قوة ضاربة أزعجت العدو الأسدي وأعوانه وحلفاءه بعملياتها البطولية واستبسال رجالها، الأمر الذي جعل إسرائيل وأعوانها وعملاءها يتنادون لإلحاقها بالقاعدة ووضعها على لائحة المنظمات الإرهابية.

وللأسف الشديد، أخطأ فريق منها بمبايعة الظواهري، وفريق آخر انشقّ عنها، ورفض مبايعة الظواهري.

في الجبهة مقاتلون مسلمون من جنسيات غير سورية، ولكن الشبان السوريين الذين التحقوا بها، وقاتلوا ويقاتلون تحت رايتها أكثر.. ثلاثة أرباع الجبهة سوريون التحقوا بها، ولكنهم يأبون، أن يصنَّفوا مع القاعدة ولذلك انشقوا عنها.

الشعب السوري المجاهد لم يستدعهم إلى سورية.. الذي استدعاهم لنصرة الشعب السوري: دينهم، وحب الجهاد، ونصرة إخوانهم في سورية، خاصة بعد أن تكالب على السوريين، صفويو إيران، والعراق، وحزب الشيطان، والحوثيون، والبحرانيون، والروس، والكوريون، وسواهم من أوباش الشرق والغرب، من الحاقدين على العروبة والإسلام.. وما أكثرهم الآن في كل بلاد العرب والمسلمين، وما يجري عندكم في مصر الحبيبة منذ سقوط الطاغية، دليل صارخ على استنفار أعداء العروبة والإسلام في كل مكان.. هؤلاء الأعداء من أدعياء الوطنية والقومية والعلمانية هم الذين يحاولون تشويه صورة المقاتلين المجاهدين، كما يحاولون تشويه الحركات الإسلامية في كل مكان، والمطلوب أن تعي الحركات الإسلامية حقيقة ما يدبَّر لها في العلن والخفاء، في الدوائر الاستعمارية والصهيونية والصفوية، التي هي أشدّ حقداً ومكراً وإجراماً من الاستعمار والصهيونية والصليبية التي ينشط أبواقها وعملاؤها في الإعلام وتوابعه من أدب وفن ضاربين بمصالح الأوطان والمواطنين عرض الحائط.. هؤلاء مردوا على العمالة والنفاق، وساروا في ركاب الأعداء في الداخل والخارج، عن سابق إصرار وتصميم، وليس غباء.. فلتفهم الشعوب هذا، ولتعرف أعداءها من أبناء جلدتها، من فلول الاستعمار والديكتاتوريات البائدة.. وهذا يتطلب تكثيف الجهود لتوعية الجاهلين بحقيقة أعداء الأوطان، وأعداء العروبة والإسلام.

س3- هناك علامات استفهام حول دور الائتلاف السوري.. ما رأيك؟

ج3- الداخل السوري لا يعوّل كثيراً على الائتلاف، وهناك صيحات تطالب الشرفاء بالانسحاب من الائتلاف، بعد أن قرفوا من المهازل التي تجري فيه.. الدماء روّت كل الأرض السورية، وبعض من في الائتلاف يتناكفون ويتصارعون على لا شيء، إلا شيئاً واحداً هو تخريب الائتلاف، والإساءة إلى المعارضة، ولهذا لم يعد الائتلاف يشغل حيزاً كبيراً من تفكير الجادين.. المعركة شرسة، وكثير من أطرافها لا يتقون الله بالشعب السوري العظيم وليسوا في وارد القضية السورية، لهم أطماعهم وطموحاتهم وخلفياتهم وأجنداتهم، وللشعب الثائر تطلعاته نحو الحرية والعدالة والكرامة..

س4- إذا انتقلنا للدور الأمريكي، نراه يتفق مع الدور الروسي أو بمعنى أصح تبادل للأدوار، كيف تنتظرون دعماً من الولايات المتحدة وهي في المقام الأول تريد مصلحتها ومصلحة إسرائيل والحفاظ الجولان المحتل كما هو؟ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن منذ أيام أنه مع إرسال مساعدات غير قاتلة للمعارضة، ما هو رأيك بهذه التصريحات؟

ج4- إنهم يتبادلون الأدوار.. الأمريكان لم يتقدموا خطوة عما كانوا أعلنوه في بداية الثورة السورية.. على العكس تراجعوا عما كانوا يصرحون به والسبب إسرائيل..

والله لولا إسرائيل لكان مصير الأبله المقود بشار كمصير القذافي المجرم.. وفي مدة زمنية أقصر ولكن الموقف الإسرائيلي، وتابعها الأمريكي والغربي، وحليفها الصفوي في طهران وقم ولبنان وبغداد، كل ذلك أطال من عمر الأبله ونظامه الطائفي العفن.

وأما الروس فهم لا يختلفون عن الأمريكان في موقفهم من إسرائيل.. فهم من سعى إلى (خلقها) على أيدي آبائهم السوفيات، وكانوا أول من اعترف بها، واللوبي الصهيوني في موسكو والكرملين، ليس أقل تأثيراً وشراسة من اللوبي المعشش في دوائر واشنطن السياسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية.. والاتحاد الأوروبي الذي كنا نظن فيه خيراً، وأنه لن يترك أمريكا تتصرف بشؤون العالم كما تهوى، وخاصة بعد انهيار المعسكر الشرقي.. الاتحاد الأوربي خيب آمال من كان يؤمل فيه خيراً..

روسيا تعلم علم اليقين أن النظام الأسدي صنيعة أمريكية خالصة، ومع ذلك تعاملت مع حافظ ثم وريثه بشار، والسبب أنها تريد لها موقع قدم في بلاد العرب، بعد أن طرد السادات خبراءها من مصر.. رضيت روسيا بالتعامل مع العميل الأمريكي، وبالتفاهم مع إسرائيل..

الشعوب سوف تعاني الكثير من هذا التفاهم الأممي، ولكنها سوف تنتصر بإذن الله، فهي مصرة على الكفاح الدامي حتى تستقل في أوطانها.. المعول – بعد الله – على الشعوب ووعيها، وإن استمرّ كفاحها زمناً طويلاً..

س5- كيف ترى خطاب حسن نصر الله وزعمه أنه يقاتل في القصير من أجل لبنان وفلسطين؟؟

ج5- خطاب نصر اللات كان الفاضحة التي عرته تماماً، وأسقطته وأسقطت حزبه العميل المجرم.. لو دفع العرب والمسلمون الملايين، من أجل فضح هذا الدعي، لما نفعتهم ملايينهم كما نفعهم هذا الخطاب.. الذي سيكون القاضية عليه وعلى حزبه وعلى سائر الصفويين المجوس بإذن الله.. هذا ما أتوقعه وأرجوه، ولكل أجلٍ كتاب..

حسن وحزبه ما عمل يوماً لصالح فلسطين، إلا إذا عمل حافظ وبشار لصالح الجولان.. ومسرحيات المقاومة والممانعة وتحرير الجنوب اللبناني، هي مسرحيات سوداء بذلوا الملايين على الإعلام الذين اشتروه من أجل الضحك على الناس، وقد عمل الإعلام الصهيوني على تأكيد انتصار حزب حسن، ولكن المسرحية كانت مكشوفة، على الرغم من ذكاء اللاعبين الصهاينة وأتباعهم وحلفائهم في الكثير من البلاد..

حسن نصر اللات طرد المقاومة من الجنوب، طرد المقاتلين اللبنانيين، والمقاتلين الفلسطينيين، والمقاتلين العرب، واستولى على الجنوب، ومثّل اللاعبون بعض المسرحيات الفاشلة، ولكنها (مشت) على المغفلين.. وإن شئتم فاسألوا المقاومة اللبنانية والفلسطينية عما فعله ويفعله بهم حسن وتابعه بشار في سورية ولبنان.

س6- نظام الأسد يرتكب المجازر تلو الأخرى وكانت أحداث مجازره هي مجزرة عرطوز وبانياس والآن في القصير، قد نتفهم الصمت الدولي الموالي لهذا النظام، لكن برأيك لماذا لهذا الصمت المريب من الحكومات العربية والإسلامية؟

ج6- قال لي ياسر عرفات – رحمه الله – وكنت أجري معه مقابلة صحفية:

"تسعون في المئة من الشهداء الفلسطينيين قتلهم حافظ أسد، وعشرة في المئة قتلهم اليهود والعرب الآخرون.."

هذا ما فعله حافظ بالفلسطينيين وقد فعل هو وابنه المجرم الأبله في الشعب السوري، أضعاف ما فعله بالفلسطينيين.. ارتكب النظام الأسدي في مدينة حماة، وفي تدمر وحلب، وجسر الشغور وسواها في عام 1982 مجازر شنيعة قتل فيها أكثر من خمسين ألف مواطن سوري، ومع ذلك لم يتحرك العالم (المتحضر الديموقراطي، صاحب نظريات حقوق الإنسان).

ألا تتساءلون: لماذا؟

الجواب ببساطة: لأن حافظ في (ممانعته ومقاومته) سلَّم (الجولان) لإسرائيل.. ولذلك لا يريد العالم المتحضر الديموقراطي صاحب نظريات حقوق الإنسان، إدانة بشار، وحزب اللات، وقطعان الطائفيين الذين يغزون سورية ويستبيحونها من الشرق ومن الغرب.. إن ذلك العالم يعمى عن مجازره.. أما العرب فأخشى أن تلاحقهم لعنات أطفال سورية ونسائها وشبابها وشيوخها وشجرها وحجرها وترابها، على هذا الصمت العجيب الغريب المريب.

بعد المجازر التي ارتكبتها العصابات الأسدية الطائفية والصفوية أكاد أرى الدمار والدماء في ديار العرب قاطبة.. ولا أستثني بلداً.. وإذا كانت تبعية الحكام تجعلهم يصمتون، فما بال الشعوب العربية والإسلامية تخرس ولا تسمع أصواتها في مظاهرات ومسيرات مليونية في القاهرة، والإسكندرية، وفي الرياض، وفي مكة والمدينة ومدن الخليج، وفي صنعاء، وفي تونس وليبيا، والجزائر والخرطوم، وفي سائر المدن الأوربية والأمريكية؟

إذا لم يهب العرب لنجدة الثورة السورية فوراً، نجدتها بالمال والرجال والسلاح والسياسة والإعلام، فليقرؤوا الفاتحة على أرواحهم وبلادهم.

إن الصفويين الغزاة سيذبحون رجالهم وأطفالهم ويدمرون عليهم مدنهم وبيوتهم، فلا تقوم لهم قائمة بضعة عقود، أو قرون.

إني بتّ أخشى أن يصمت العرب، شعوباً وحكاماً، وهم يرون الصفويين لا قدّر الله يدمرون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ويغرون اليهود بتدمير المسجد الأقصى، والعرب والمسلمون يكتفون بالحوقلة والاسترجاع وكفكفة دموعهم.

صمت العرب أعمق من مريب، وينبئ بأخطار وكوارث تنتظرهم، وهم لاهون عابثون عاكفون على شهواتهم وملذاتهم وتكديس أموالهم وتبذيرها فيما لا ينفع الأمة، في التطاول في البنيان والبذخ في الكماليات والمجوهرات وسائر أنواع الاستهلاك.

س7- هل لك أن تخبرنا عن إحصائيات دقيقة للشهداء والجرحى والمفقودين والمعتقلين، لا سيما وهنا إحصائيات تتحدث عن أكثر من مائة ألف شهيد؟

ج7- ليس لدينا وليس عند غيرنا إحصائيات دقيقة عن الشهداء، والجرحى ولكننا نحسبهم بمئات الآلاف فمئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين نحسبهم شهداء والله أعلم. وعندما يسقط النظام وسقوطه قريب جداً بعون الله، ثم بمساعدة الشرفاء من الناس، سوف يتبين الناس جرائمهم تفوق الخيال، في كل جوانب الحياة السورية.. الإعلام المضلل، يغطي على الكثير منها.

س8- هل من كلمة توجهها للعرب والمسلمين؟

ج8- أريد أن أسأل العرب والمسلمين:

- هل أدركتم خطر المشروع الإيراني الصفوي على العرب والمسلمين؟ وعلى عقيدة المسلمين؟

- هل قرأتم أو سمعتم ما قاله المفكر الكبير: محب الدين الخطيب، رحمه الله تعالى:

"فتشوا عن أسباب كل ما أصاب المسلمين على مدى التاريخ.. فسوف ترون اليهود، والمجوس، أو كليهما وراء كل الخراب الذي أصاب عقائدهم، وتاريخهم ومدنيتهم".

- هل قرأتم ووعيتم قول الله تعالى:

"لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا (كالمجوس فهم في حكم المشركين)".
وأهيب بالعرب والمسلمين والشرفاء والأحرار من كل الناس أن يسارعوا إلى النفير العام لنصرة الشعب السوري البطل، وثورته المباركة، قبل فوات الأوان، فأشرار العالم الغزاة، قد جمعوا جموعهم، وبذلوا مئات المليارات من أجل القضاء على الشعب السوري وثورته.

جاؤوا يحملون (ثارات الحسين) رضي الله عن الحسن والحسين وعن أبيهما وأمهما وعن ذريتهما الصالحة إلى يوم الدين، وأنقذهم من دعاوى الصفويين الأشرار الذين يظهرون محبتهم، ويضمرون كرههم، لأنهم عرب ومسلمون أطفؤوا نيران مجوسيتهم، وقضوا على امبراطوريتهم المجوسية الكسروية الغاشمة.

انتبهوا أيها العرب والمسلمون في كل مكان.. فالشر كل الشر قادم من الشرق..

انتبهوا فالثورة السورية تحارب عن القدس، وعن الحرمين الشريفين، وعن الخليج العربي، وعن مصر والسودان، وعن المغرب العربي ودوله وشعوبه.

الثورة السورية هي رأس حربتكم فاشحذوها..

الثورة السورية هي خندقكم الأمامي فحضنوا خندقكم بتحصينها..

لن تنفعكم أموالكم، وحدودكم، وحصونكم، وجيوشكم إذا تراجعت الثورة السورية، فلا تخذلوها فتخذلوا أنفسكم وتفرطوا بأوطانكم، وتضيعوا عقائدكم وأخلاقكم وقيمكم

ألا هل بلغت؟

اللهم فاشهد

               

نشرت في جريدة الفتح المصرية في 14-06-2013