كيف اتخذت قرار الذهاب للتحرير

وأسئلة صينية أخرى

د. محمد جمال صقر

[email protected]

ينبغي أولا أن أشكر السائلة على عنايتها بأخبار مصر والمصريين، ولا سيما أننا جميعا نعيش الآن في مجتمع دولي صغير وثيق التواصل ينفعنا فيه ما ينفع غيرنا ويضرنا ما يضرهم ما دامت ميولنا إنسانية أخوية طبيعية لا حيوانية عدوانية شاذة.

ثم ينبغي ثانيا أن أصرح لها بأن ما أذكره لها هنا يعرفه الكبير والصغير في مصر وجامعاتها لا يخفى على أحد ولا يخفيه أحد.

ثمت ينبغي ثالثا أن أصرح لها بأننا لا نرفض مبادرة غيرنا إلى الاقتراح علينا ما ينفعنا في حركتنا الثورية الإصلاحية، ولا نعده من تدخله فيما لا يعنيه الذي يجعلنا نسمعه ما لا يرضيه كما يفعل الخبثاء المتخلفون بل نعده من معالم تلك الميول الإنسانية الأخوية الطبيعية.

ثمت ينبغي رابعا أن تعلم أننا لا نقبل أن تتجاوز تلك المبادرة الإصلاحية حدود الاقتراح إلى المشاركة في أعمال التغيير الحقيقي؛ إذ نحن جميعا نؤمن بأن التغيير الخالص الصادق إنما يكون من الثوار أنفسهم لا من غيرهم وإنما ذكرت الثوار لأنه ينبغي أن يتبنى المصريون جميعا مبادئ الثورة الإصلاحية ويعملوا بها ولها.

تسألينني:

كيف اتخذت قرار الذهاب للتحرير؟

هل أنت راض عن وضع مصر؟

ما مدى تأثير الثورة فيك؟

كنت أغري الشباب بالخروج على النظام وأنا في مكتبي حتى لقد كتبت في ذلك قصيدة دعوت فيها إلى قتل الحاكم الغاصب الذي لم يحظ بقبول محكوميه ثم أحسست بتقصيري عنهم وأن حضوري تعبير مهم عن إيماني ومشاركتي.

لم أكن راضيا عن وضع مصر قبل الثورة، وأعرف أن وضعها بعد الثورة لن يستقر سريعا؛ فما زال أمامنا عمل كثير ، يحتاج إلى تعميم مبادئ الثورة، وإشراك المصريين جميعا.

ابتهجت بحدوث الثورة ثم باستمرارها ثم بما أنجزته من نجاحات وأطمح إلى تغيير نفسي وما حولي ومن حولي بما يناسب مبادئها، لتصل إلى مطامحها؛ فأنا مؤمن بأن "الله لا يُغَيِّر ما بقوم حتى يُغَيِّروا ما بأنفسهم"، صدق الله العظيم!

تسألينني:

ما أحسن العصور التي مرت بها مصر من وجهة نظرك؟

صفه.

عصر ولاية عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما!- فقد كان عصر تغيير ثوري كامل، تحولت به مصر من ظلام الظلم إلى ضياء العدل.

تسألينني:

هل أنت راض عن آخر عشر سنوات؟

لا لست راضيا وليس في مصر الآن شخص واحد يمكن أن يكون راضيا عن هذه السنوات العشر الأخيرة المتدهورة إلى غياهب قاع الزمان بل يختلفون فيما سواها أما هي فلا اختلاف على أنها كانت من الفساد والضياع والانهيار بحيث انهار بها النظام الفاسد البائد.

تسألينني:

ما سبب اشتراكك في المظاهرات رغم حسن حالتك المعيشية؟

ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط!

ثم حسن حالتي المعيشية حسن نسبي وغير شامل!

فأنا أطمح إلى حياة جديرة باسمها أتنسم فيها نسيم الحرية والعدل والإبداع العام الشامل المستمر ولم تكن بعد.

تسألينني:

هل أنت راض عن وظيفتك في جامعة القاهرة؟

ما المشاكل التي تواجهك في الجامعة؟

ما مطالبك لها؟

أنا مغرم بعملي، عن موهبة حقيقية، وعن اجتهاد فردي منظم قوي مستمر.

ولكن نظام التعليم المصري العام بمستوياته كلها العادية والعالية نظام فاسد كغيره؛ ولم يكن يمكن أن يكون في ظل النظام البائد إلا كذلك! ولو لم يكن كذلك لم يخرج خريجين جهلة يرضون بالظلم والفساد ويشاركون فيهما.

ومن ذلك ما أواجهه بجامعة القاهرة نفسها من فساد الإدارات الباقية من العهد البائد التي تفكر بعقل ذلك العهد فلا تخلص النية ولا تجتهد في سبيل الإصلاح ولا تقبل المخلصين المجتهدين المبدعين بل تراهم خطرا عليها.

وأطالب المجلس العسكري ورئاسة الوزراء في شأن الجامعات بخمسة المطالب الأولية الآتية:

إقالة إدارات الجامعات والكليات الباقية من العهد البائد -ولو كانت صالحة- ومنعها من توليها لأول مرة بعد التغيير، وإتاحة توليها بعد ذلك.

استحداث إدارات مشهود لها بالكفاية والخبرة والنزاهة والأمانة وسعة الأفق.

إحاطة الإدارات المستحدثة من إجراءات التخطيط والمتابعة والرقابة، بما يعينها على عملها، ويحميها من الفساد والإفساد.

إشراك جميع أعضاء هيئات التدريس والهيئات المعاونة التي تدير أمورها هذه الإدارات، في أعمال التخطيط والمتابعة والرقابة.

منع استمرار الإدارات مدة أخرى متصلة بالمدة المنقضية، وإتاحة توليها بعد تولي غيرها، استثمارا لما يكشفه اختلاف الإدارات.

وأوصي نفسي وزملائي، برفض كل إجراء يعطل تلك المطالب، بكل وسيلة رفض ممكنة لكل واحد منا، من الرفض الاعتقادي، إلى الرفض القولي، إلى الرفض العملي.

تسألينني:

كنتم تذهبون كل جمعة إلى التحرير

ما حالة نقاشك مع زملائك هناك في هذا اليوم؟

كنا مجتمعين على كلمة واحد: الشعب يريد إسقاط النظام!

وكنا نتقوى بالخطب والأشعار والقصص التي تذكرنا معاني الحرية والعدل والتغيير أو تمثل لنا فساد النظام الحاكم رجالا وأعمالا.

تسألينني:

لم أنجبت كثيرا؟

هل تستطيع الإنفاق على عائلتك مقارنة بالصينيين؟

لدي خمسة أبناء أحس أنهم عدد طبيعي لا قليل ولا كثير وقد وفقت إلى تربيتهم بحمد الله وشكره إلى الآن ماديا ومعنويا وأسأل الله أن يتم علي نعمته بهم.

وأرى أن عدد الصينيين الكبير هو نعمة الله الكبرى التي ينبغي أن تتقبلها الصين بقبول حسن فتحسن رعايتها وتوجيهها لتظل على مكانتها وتستمر إلى مستويات أعلى وليس الصينيون بأقل من اليابانيين الذي يفتخرون في كل مكان بأن اليابانيين هم ثروة اليابان الحقيقية فالصينيون هم ثروة الصين الحقيقية والمصريون هم ثروة مصر الحقيقية ومن فساد النظام المصري البائد جهله بقيمة هذه النعمة واشتغاله بالصراخ من تزايد العدد عن رعايته وتوجيهه إلى العمران.