فتاة البسكويت

تفتح لنا مساحة ود عبر مسيرتها الإبداعيّة

حاورها: محمد الكلاف - المغرب

زينب علي البحراني ... كاتبة وقاصة سعودية من المدينة الحالمة " الدّمام " ... دلفت المشهد الثقافي العربي " السردي" الواسع ، بكتاباتها المتألقة ، وأسلوبها المتميز ، وجرأتها المتفردة ... كتابة منحتها شهادة ميلاد وهوية ، بل جنسية لتبحر عبر آفاق الإبداع بدون تأشيرة ، حتى أصبحت أميرة من أميرات بلاط عرش الأدب في السّعودية ، بل في الوطن العربي الرحب ...

اقتحمت خلوتها ذات مساء عبر آفاق الأثير مع سبق إصرار مستضيفا إياها عبر هذه الدردشة الحميمية بكل ترصد ...لأكشف لكم عبرها أسرار هذه الفتاة :" فتاة البسكويت " / مجموعة قصصية/ ..

متواضعة جدا ، فهي رغم تألقها وشهرتها تعتبر نفسها لم تصل بعد إلى سلم التألق ، ويتجلى ذلك في مؤلفها الجديد : "مذكرات أديبة فاشلة " ، أو كما أسمتها ... كتابة غير قابلة للتصنيف ... وحتى لا أستحوذ على الكلمة ، أترك لكم فرصة التعرف إليها ، والحكم على إبداعها من خلال هذا الحوار ، الذي أتمناه مفيدا

* لو طلب منك أن تقدمي نفسك للقارئ الكريم ، كيف تفعلين ذلك ..؟.

يا أخي العزيز على درب الكتابة.. لا أظنّ أنّ القارئ المُنشغل بنفسه، وباحتياجات أطفاله، و تآكُل مفاصل والدته، وتقلّبات مزاج رئيسه في العمل، و غلاء الأسعار، وارتفاع ضغط الدّم، يُهمّه أن يعرف تفاصيل سيرتي الذّاتيّة. كلّ ما بوسعي قوله للذين سيضحّون بدقائقهم الثّمينة معنا أنني: الإنسانة التي سيُطالع صفحةً من صفحات روحها بين سطور هذا الحوار.

* من اقتحم من ... الكتابة اقتحمتك أم أنت اقتحمت الكتابة ... كيف ومتى كان ذلك؟

لا أحد يستطيع اقتحام الإبداع في أيّة صورةٍ كان. الشهيّة المشحونة بشوقٍ مجنون للكتابة هي التي تصطفي الموهوبين فعلاً، وتقتحمهم على غير ميعاد، وتُصرّ على استيطان أرواحهم شاؤوا أم أبوا. ولولا ذلك ما استطاع أيّ أديب أو كاتب الإخلاص لزواجه المؤبّد بها رُغم كُلّ مُحاولات الاغتيال النّفسي والمعنوي التي تُحاصره نيرانها من الجهات الأربع دونما رحمة. متى وكيف قرّرت الكتابة ضمّي إلى رعيّتها؟ خلال الحدّ الفاصل بين الطّفولة والمُراهقة من عُمري. في تلك الفترة اكتشفتُ أننا، في البيئة التي أنتمي إليها، نتنفّس حياةً مسمومة، غير صالحة للاستهلاك البشريّ الأنثوي. وقتها اكتشفتُ أنّ القلم هو أنبوبة الـ (أُكسُجين) اليتيمة القادرة على إنقاذ عقلي من الجُنون.. ومن هُنا بدأت مسيرة التورّط المؤبّد.

* يقولون بأن الكتابة لعنة موروثة ... هل هذا صحيح ... إذا كان كذلك ، فممن ورثت هذه اللعنة ..؟، أو بمعنى أصح ، بمن تأثرت؟

تشارلز ديكنز و توفيق الحكيم و ليلى أحمد والمنفلوطي وجبران خليل جبران وغازي القصيبي كان لهم السّبق في فتح أبواب شغفي على مصاريعها لاستقبال أعمال إليا أبو ماضي، ألبير كامو، نزار قبّاني، نوال السّعداوي، إبراهيم ناجي، غادة السّمان، يوسف إدريس، ميرال الطّحاوي، نجيب محفوظ.. وغيرهم آخرون.

و ماذا تمثل لك الكتابة القصصية والروائية؟

حياتي التي أتنفّس بها.. ولأجلها أعيش.

* لو كان بإمكانك العودة بالزّمن إلى الوراء، فهل ثمّة ما ترغبين بتغييره أو تعديله في خطواتك الأدبيّة حتّى اليوم؟

بالتأكيد.. فانضمامي إلى القسم العلمي في المدرسة الثّانويّة، على سبيل المثال، بدلاً من القسم الأدبي كي لا يظن مُجتمعنا المتخلّف أنني فاشلة، أو ينظر أحد الآباء أو الأمّهات إلى أبويّ نظرة شماتة تقول أنّ ابنتهما غبيّة، كان واحدًا من أفدح أخطائي السّابقة في الحياة، وعلى هذا الخطأ بُنيت أخطاء أخرى تتعلّق بحياتي الجامعيّة والمهنيّة، مما أثّر تأثيرًا سلبيًا على حياتي الأدبيّة وطموحاتي الفنيّة. باختصار؛ أظنّ أنني ارتكبتُ الكثير من الأخطاء بحقّ انطلاقتي الإبداعيّة خشية تسلّط تخلّف المُجتمع، ولولا ذلك لكُنتُ اليوم في مرحلةٍ أكثر تقدّمًا على جميع الأصعِدة.

* وما هو أكثر ما يُضايقك في مُجتمعك المُحيط؟

ضيق الأفُق، التطفّل، بالإضافة إلى كون الغالبيّة العُظمى من النّاس في السّعوديّة أشبه بختمٍ واحدٍ تتكرّر طباعته طوال الوقت، وحين لا يُشبه أحدُهم الآخر اعتبروه شاذًا مارقًا عن ناموس الخليقة الطّبيعي! ليس هُناك أدنى مساحة من الحُريّة الشّخصيّة أو السّماح بالابتكار. الجميع يُقلّدون بعضهُم إلى حدٍ مُستهلك في طريقة الكلام واللباس والطّعام ومُشاهدة المسلسلات التلفازيّة. هذا التّقليد المَرَضيّ يُحوّل الأطفال إلى أمساخ، كائنات بلا هويّة ولا طعم ولا لون ولا رائحة. ويجعل من المُبدعين في عُرف المُجتمع الفاسد إمّا مجانين، أو فاسقين، أو مارقين عن حُدود القانون! باختصار؛ إنّها بيئة صالحة لمُكافحة المُبدعين الأصلاء والإبداع بمُنتهى الشّراسة. لهذا نجد عددًا كبيرًا من أشهر المُبدعين والمثقّفين السّعوديين في مُختلف المجالات الفنيّة والأدبيّة والإنسانيّة يُغادرون تلك البيئة إلى أخرى تتسع لطموحاتهم أكثر، ومن هُناك تُضيء نُجوميّتهم المُتألّقة.

و لو مُنحتِ حرية الاختيار ، ماذا تختارين أن تكوني .. ولماذا؟

لو اخترت أن أكون كائنًا غير الإنسان، فسأختار أن أكون (طائر الفينيق)، ولو كان بيدي اختيار حياتي المهنيّة؛ لاخترت أن أكون مُذيعة ومُقدّمة برامج تلفازيّة، كان هذا حُلمي مُنذ أن كُنتُ في العاشرة من عُمري، ومازلتُ – ككلّ المجانين- أحلم بتحقيقه.

* قضيّة المرأة المُبدِعة جُزء من وجعك الكتابيّ، فهل لذلك علاقة بوجعٍ إنسانيّ شخصيّ يتعلّق بالبيئة التي وُلدتِ وترعرعتِ فيها؟

إلى حدٍ كبير.. فتلك البيئة تُكافح المرأة لمُجرّد أنّ الله خلقها أنثى، ولذا فإنّ مُعاناة المرأة المُبدعة تتفوّق في بشاعتها ومصاعبها على مُعاناة الرّجُل المُبدِع هُناك. تمرّ بي لحظات أشعُر خلالها أنّني يجب أن أسارع بالتمدد في أقرب قبرٍ مُتاح كي أخلّص المُجتمع هُناك من أزمة وجودي، وأتخلّص بدوري من هذا الموت اليوميّ الذي أدفعه بالتقسيط المُيسّر من دمي وصحّتي وأعصابي!!

ما تقييمك للنقد الأدبي في الوطن العربي؟

من دون نُقّاد لا يوجد نقد، ومن دون تشجيع معنوي ومادّي جاد لن يوجد نُقّاد. وهو ما تُعانيه الأوضاع الأدبيّة الرّاهنة في وطننا العربي، وخصوصًا بالنّسبة لجيلنا الشّاب. النّقد مهمّة صعبة ومُعقّدة وتتطلّب الكثير من الجُهد، والحرفيّة، والثّقافة الشّموليّة العميقة، وحين لا يتلقّى النّاقد ردود أفعال تشجيعيّة كافية على إنجازه فما الذي قد يُحرّضه على إفناء حياة قلمه في الكتابة عن كتابات الآخرين؟ هذا أحد أهمّ الأسباب التي أخلت السّاحة أمام قلّة من النّقاد المُتعالين والمُتغطرسين على أعمال الأجيال الجديدة، وآخرون يُسخّرون أقلامهم لـ (تضبيط) شؤون منافعهم وعلاقاتهم الشخصيّة، وفئة ثالثة مريضة تستغلّ تسوّل بعض الشعراء والقصّاصين والرّوائيين لرضاها، فتحوّلهم إلى رَعَايَا أذلاّء لا يرفعون بصرهم بنظرة أو يفتحون فاهم بكلمة إزاء تجاوزاتها على أيّ صعيد، ولم تبقَ إلا نُخبة نادرة جدًا حافظت على استقلاليّتها وضميرها لتأدية واجبها قد المُستطاع. البعض يُسرف في التّنظير بشأن ضرورة تدريب الأجيال الجديدة لأجل (صناعة النّاقد) المؤهّل، لكن السؤال هو: وماذا بعد؟ أعرف نُقّادًا جيّدين في مصر وبلاد المغرب العربي؛ اضطرّتهم الظّروف الماديّة لهجر النّقد في سبيل إيجاد الوقت الكافي لمهنةٍ أخرى تُطعم أطفالهم خُبزًا وكرامة. كيف أقيّم النّقد وهو يجتاز تلك الظّروف المُعقّدة؟ أكون ظالمةً لو فعلت.

الأخلاق دائما مرتبطة بالثقافة ، والعكس صحيح ، وبعودتنا إلى المثل السائد :" إنما الأمم الأخلاق ..."، فهل مرد التراجع الثقافي لدى بعض الدول ناتج عن فساد أخلاق شعوبها أم عن فساد أخلاق حكامها ومسؤوليها؟

بل فساد أخلاق مُثقّفيها، أو بالأحرى؛ فساد أخلاق المحسوبين على الثّقافة فيها. حين تلتهم الوساطات والمحسوبيّات و الـ (تضبيطات) الشّخصيّة، فُرصة الموهبة الحقيقيّة للانتشار، وحين يغدو النّفاق والتزلّف المُبالغ فيه لبعض المسؤولين هو أقرب الوسائل لوصول الواهمين والمُدّعين إلى مُبتغاهُم، سيستشري الفساد وتتفشّى الأنانيّة ويتفاقم التخلّف، ومعها لا يُمكننا توقّع إخلاصًا للثقافة أو حتّى عملاً جادًا على نشرها.

* أزمة القراءة برأيك ناتجة عن فساد الكتابة أم عن هيمنة العولمة ... وكيف يمكن التغلب عليها في كلتا الحالتين ..؟

أزمة القراءة في وطننا العربي ناجمة عن (فشل في التّسويق). والدّليلُ على ذلك أننا نجد منشورات دور النّشر التي تُتقن لُعبة استغلال وسائل العولمة الحديثة في الإعلان، والترويج، والتّوزيع تحظى بأعلى مُعدّلات القراءة مهما كان مضمونها تافهًا، سخيفًا، لا يستحقّ تكاليف الورق الذي يُطبع عليه. كما أنّ لُعبة العلاقات العامّة في الوسط الأدبي هي الأخرى لها دورًا شديد الخطورة في انتشار عنوان كتاب، ومن ثمّ الإغراء بقراءته.. يا سيّدي نحن نعيش في مُجتمع استهلاكي من الدّرجة الأولى، ولا بُدّ من مُخاطبته إعلانيًا على قدر عقله لإقناعه باقتناء الكتاب ومن ثمّ قراءته بمثل الطّريقة التي تُقنع بها الأمّ طفلها الصّغير بتناول وجبته المُغذية رُغم عدماهتمامه بها.

* يقولون بأن هناك أزمة حقيقية في مجال الإبداع الأدبي ... برأيك : - هل هي أزمة  قراءة أم أزمة كتابة أم أزمة نشر ... وما مرد ذلك ..؟

هذا الثّالوث يُغذّي بعضه بعضًا، إلى جانب الجهل الباذخ في فنّ التّسويق والإعلان. مردّ أزمة القراءة يعود إلى الجهل في التّسويق، بينما أزمة الكتابة يعود مردّها إلى قصور في القراءة، وأزمة النّشر هي مُصيبة إضافيّة لها أبعاد أخرى مردّها يعود إلى مشاكل إمّا ماديّة أو أخلاقيّة؛ أوالاثنتين في الوقت ذاته.

* إصدارُك الأدبيّ الأوّل.. ماذا كان؟ وكيف كان شعورك وقت صدوره؟

إصداري الأدبيّ الأوّل كان مجموعةً قصصيّة بعنوان (فتاة البسكويت)، وكانت سعادتي بميلاده غير مُكتملة لأسباب تتعلّق بالطّباعة والنّشر والتّعطيل المُبالغ فيه.

* على ذكر النّشر وفساد الأخلاق، سمعنا عن أزمةٍ تعرّض لها إصدارك الأوّل مع جهة النّشر.. هلاّ حدّثتنا عنها قليلاً؟

انتهاكات حقوق النّشر في وطننا العربي صارت (موضة) رائجة بكُلّ أسفٍ شديد، وأهمّ أسباب تفشّيها هو صمت الكُتّاب عمّا يتعرّضون له إمّا لأجل الخوف، أو لأجل ما يظنّونه ترفّعًا. رُغم أنّ أمانتنا الأدبيّة والفكريّة والإنسانيّة تُلزمنا بتحذير الآخرين من كُلّ خليّةٍ سرطانيّة تُهدد معنويّات المؤلّفين وجيوبهم. الزّملاء المؤلّفون (مروة رخا) و (محمّد سامي البوهي) و (محمد العرفي) من مصر سبقوني بشجاعةٍ مُنقطعة النّظير في إعلان تجاربهم المُفجعة مع ما يُسمّى في مصر احتقارًا (دور نشر بير السلّم)، وهي جهات غير مُحترمة تُنافقك في البداية، وتظهر أمامك بمظهرٍ لا ينمّ عن نواياها الخبيثة، ثُمّ تبزُغ الحقيقة عاجلاً أم آجلاً. كُل على من يرغب بمعرفة تفاصيل القصّة كاملة كتابة (تحذير من المدعوّة ( دار فراديس ) للنّصب والاستغفال واستغلال المؤلّف) في نافذة أيّ من مُحرّكات البحث الإنترنتيّة ليُدرك الحقيقة. باختصار؛ تلك الجهة لم تصلُح يومًا للانخراط في قِطاع النّشر من أي ناحية، فهي لا تمتلك أخلاقيّات هذا القطاع، ولا تقنياته الإنتاجيّة والتوزيعيّة والتّسويقيّة، وكلّ ما نالته من سُمعة مردّها يعود إلى تلك الكُتُب التي طبعها بصفة غير قانونيّة، ودون أن تمرّ على يد قطاع النّشر في وزارة الثّقافة البحرينيّة، ثمّ سكت أصحابها عن حقوقهم إمّا خوفًا أو مُجاملة لأشخاص يدعمون مالكها لأسباب شخصيّة بحتة.

* كيف كانت ردود أفعال الأدباء والمؤلّفين حين نشرت حكايتك ؟

وصلتني عشرات الرّسائل وعدد من الاتّصالات الهاتفيّة من المُحيط إلى الخليج، منها مؤازرة ومُتعاطفة وداعمة معنويًا، ومنها من مؤلّفين مُتضرّرين من الجهة ذاتها أكّدوا على كلامي وأخبروني بمعلومات أخرى مُرعبة لم أكُن أعرفها عن مالك تلك المكتبة البائسة التي يُسمّيها (دار نشر) دون ترخيص أو تصريح، وآخرون شكروني على التّحذير لأنّهم كادوا التورّط فعلاً مع تلك الجهة قبل نشر حكايتي، بالإضافة إلى أولئك الذين سَعوا للتأكّد بأنفُسهم من الحقيقة بسؤال مجموعة من المؤلّفين الذين ساقهم سوء الحظ للتعامل مع المدعوّة (فراديس) من قبل ثمّ اتّصلوا بي ليؤكّدوا تضامُنهم معي لصدق كلّ حرفٍ قلته، هذا عدا عن أولئك الذين تكفّلوا – مشكورين- بتمرير التّحذير كاملاً مع الحكاية المنشورة إلى بقيّة أصدقائهم من الكُتّاب والمؤلّفين سواءًا عبر البريد الإلكتروني، أو رابطها عبر تقنيات الـ (آي فون) و الـ (بلاك بيري). باستثناء القليل من أصدقاء مالك (فراديس) الذين طلبوا منّي الكف عن إجابة أسئلة الآخرين عن سوء المُعاملة التي تعرّضتُ لها كمؤلّفة كي لا يغرق صاحبهم في مُستنق فضيحة مهنيّة تُدمّر مُستقبل تجارته ، وتُعرّضه للمزيد من الخسائر.. الأمر الذي جعلني أتساءل في داخلي: ألم يكُن من الأجدر بهم تحذير صاحبهم من عاقبة أعماله من قبل بدلاً من اتّباع مقولة: "خلّه يترزّق الله، ويسرق فلوس خلق الله" ! ،

* يعتقد البعض أنّ مُناقشة المسائل الماديّة في مثل تلك القضايا أمرا معيبا.. ما رأيك ؟

السؤال هو: ولماذا يتستّر أولئك الـ (بعض) على المُذنبين والمُجرمين في قطاعات النّشر على اختلاف جرائمهم وتنوّعها بدلاً من حماية المجني عليهم وإغرائهم أكثر بالجشع وخداع الأبرياء؟ ولماذا يُطالب البعض المؤلّف بالصّمت عن حقوقه المعنويّة والماديّة حتّى وإن كان صاحب الحق بنسبة مائة بالمائة لأنّه تولّى دفع كامل تكاليف طباعة كتابه؛ بينما يُدافعون عن تلك الفايروسات التي تتغذّى على أعصاب المُبدع، وسُمعة اسمه، وأمواله، ثمّ تفترس كُلّ حقوقه وتُعامله باستهتار. بل ولماذا يتم التّعتيم على مسائل (الحقوق الماديّة) واعتبارها مما يُعاب التحدّث فيه رُغم أنّها جُزء حميم من مسألة النّشر مادام النّاشرين – لصوصًا كانوا أم مُحترمين- لا يعملون من دون ضمان حقّهم المادّي بطريقةٍ أو بأخرى؟. لماذا أتقهقر أنا إلى نُقطة ما وراء الصّفر لأدّخر الفلس فوق الفلس بصعوبةٍ شديدة لطباعة إصداري الجديد بينما تتورّم جيوب صاحب تلك الجهة من مال الحرام، وتتضاعف سنتيمترات كرشه على صور كلّ معرض كتاب، ويُدشّن –وبقُدرة قادر- لما يُسمّيها دار نشره موقعًا إلكترونيًا مُفاجئًا، ومقرًا في مبنى آخر لمكتبٍ جديد رُغم ادّعائه الدّائم للفقر والبؤس والخسائر المُستمرّة؟ لماذا يُضطر بعض الأدباء والمؤلّفين لاقتراض عشر دقائق (إنترنت) من صديق، وأجرة النّقل العام من صديقٍ آخر، ويحضرون لفعاليات الثقافيّة ببدلةٍ استعاروها من صديقٍ آخر لـ (يحسبُهم الجاهل أغنياء من التعفف)، بينما يرتع لصوص النّشر في رزق أولئك الضّعفاء دون أن يجدوا من يفتح دفتر التحقيق ليسألهُم: "من أين لكَ هذا؟". كُلّما سُئلتُ سأقول وأقول وأقول ولن أسكُت أبدًا، ولن أكون شيطانةً خرساء مهما يكون.

 * وبرأيك لماذا يستمر البعض في الدفاع عن جهات نشر مشبوهة أو التستّر عليها بعد كل ما يلفها من فضائح ؟

علاقات شخصيّة ومصالح ومُجاملات أوّلاً، وثانيًا خلل في الوازع الدّيني والإيمان الحقيقي بربّ العالمين. كثيرون لا يؤمنون في واقع الأمر بالرّب أو العاقبة الأخلاقيّة في الدّنيا والآخرة، فضلاً عن البعث والحساب والعقاب، لهذا لا يعنيهم سحق المظلوم على حساب مصالح الظّالم مادامت مصلحتهم مُرتبطة بمصلحته.

* كلمة تود أن توجهها الكاتبة (زينب) للمبدعين والمبدعات في الوطن العربي ...

أقول للكاتبات والكُتّاب المغمورين، الذين لم يجدوا فُرصتهم بعد رُغم اجتهادهم وإيمانهم بموهبتهم: استمرّوا، لا تيأسوا، ولا تستسلموا أبدًا. حاولوا مرّةً واثنتين وثلاث وأربع وعشر، وستصلون إلى مُبتغاكم ذات يومٍ بإذن ربّ العالمين. وأقول للواتي والذين وجدوا فُرصتهم في هذا الوسط بعد جُهدٍ وعناء: احذروا الإنصات لرُسُل الشّيطان من عُشّاق الغيبة، والنّميمة، ونشر الفتنة بين المُثقّفين، لأنّهم رأس أكثر المشاكل وأساسها. وأقول لمن ساعدوني، ونصحوني، ووهبوني مقاليد الفُرصة ذات يوم.. وحتّى اليوم: لا أدري كيف أشكُرُكُم، فأمثالكُم صمّام أمان هذاالعالم.

* وكلمة أخيرة لقُرّائك؟

أنتُم سرّ قوّتي الأكبر. أسأل الله أن يحفظكُم لي، وأن تنال أعمالي المنشورة المُقبلة استحسان أذواقكُم بمشيئة الله تعالى. كما أشكُرك بعمق على هذا الحوار الممتع بالنّسبة لي، وأتقدّم من خلالك بتحيّة كبيرة لجميع الأشقّاء والأصدقاء في المغرب الشّقيق.

* أشكُر المُبدعة زينب البحراني على رحابة صدرها.. ولها وللقارئ الكريم كلّ التّقدير.