السلفيون والأسوة الحسنة

حسام مقلد *

[email protected]

من المصطلحات التي تستخدم بكثرة هذه الأيام في معظم وسائل الإعلام تقريبا مصطلح «السلفية» و«السلفيون» فهناك من يحاول أن يبث في قلوب الناس الخوف والهلع من الصعود الملحوظ للتيار السلفي بعد نشوب الثورات العربية مؤخرا، لاسيما مع وجود مؤشرات عديدة على نجاح هذه الثورات في إحداث تغير حقيقي وجوهري في وجه المنطقة، ينتظر أن نشهد نتائجه العملية في الفترة القريبة المقبلة بإذن الله تعالى، وللأسف الشديد تولدت بالفعل مخاوف وهواجس شتى لدى بعض أبناء المجتمع من الإسلاميين عموما والسلفيين خصوصا؛ وهناك مجموعة من العوامل شديدة التعقيد تتفاعل فيما بينها لتؤدي إلى هذه الحالة من الحيرة والإرباك والحذر والترقب والخوف والتوجس الشديد من المستقبل، ويدور بين الكثيرين حوارات ونقاشات كثيرة حول هذا الموضوع ربما بشكل يومي، ومن ذلك الحوار التالي الذي أسوقه كنموذج لما يدور بيننا من مناقشات وتساؤلات:

ما رأيك في السلفيين؟!

السلفيون أناس طيبون غايتهم نبيلة وأهدافهم سامية، وتركز دعوتهم على تعليم المسلمين أمور دينهم وفق منهج السلف الصالح الذي يتمثل في اتباع سنة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الأخيار الأطهار ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ ويسعون إلى استعادة الأمة الإسلامية لأمجادها وعزتها على أسس إيمانية راسخة.

وماذا عن علمائهم ومشايخهم؟

يأخذ السلفيون ـ فيما أعلم ـ عن كل علماء السلف المشهورين بالصلاح والتقوى والورع والبعد عن الابتداع، ولعل أبرز العلماء والمشايخ الذين تأثروا بهم وبأفكارهم: شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه النجيب ابن قيم الجوزية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ومن أبرز علماء التيار السلفي في العصر الحديث: الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، والشيخ العلامة محمد بن عثيمين، والشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني، وغيرهم... ـ رحمهم الله جميعا ـ.

هل السلفيون جماعة واحدة أم عدة فصائل ؟

السلفية الحقة هي كما أسلفت اتباع هديَ القرآن الكريم وصحيح السنّة النبوية الشريفة كما فهمها السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى هذا يكون أي مسلم متَّبِع لهذا المنهج الرباني سلفياً بهذا المعنى والمفهوم، وفي ضوء ذلك يمكننا فهم قول الإخوان المسلمين عن جماعتهم إنها "دعوة سلفية، وطريقة سُنيَّة،..." فهم يتمسكون بمنهج السلف ولا يدعون إلى البدع، ومع ذلك أعتقد أننا يمكننا نظريا تصنيف السلفيين المعاصرين كمدارس فكرية لكل منها ملامحه الخاصة إلى المدارس الثلاثة التالية:

1.   السلفية الرسمية:

وهي التي تدعو إلى اتباع نهج السلف الصالح في كل شؤون الحياة، وتستخدم في دعوتها الطرق السلمية، وتركز على استعمال الرفق في دعوتها للناس، والأصل عندها ألا تتدخل في السياسة، وترى أهمية التوافق على أسس مشتركة مع ولي الأمر الذي تنعقد له البيعة (وما يتفرع عنه من كل مؤسسات السلطة...) وتقوم بدعمه ونصرته والوقوف بجانبه وعدم نقده على الملأ، وهو في المقابل يسمح لها بحرية الحركة في حيز معين لا تتخطاه ولا تتجاوزه، بحيث تحصر جهودها الدعوية في جانب العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات اليومية بين المسلمين، والهدف النهائي هو تحقيق استقرار النظام السياسي والاجتماعي في المجتمع على نحو محافظ.

2.   السلفية العلمية (الإصلاحية):

وهذه تركز على نشر العلوم الشرعية الأصيلة، وتنادي بإتاحة الفرصة للعلماء وطلاب العلم الشرعي لدعوة الناس إلى التمسك بالأخلاق والقيم والفضائل الإسلامية، وتخليص عقيدتهم من الشوائب والبدع والانحرافات، وصيانة عقيدة التوحيد صافية خالية من كل ما يخالف منهج مذهب أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، وتركز على استخدام أساليب الدعوة السلمية، وتشجع على حفظ المتون العلمية الشرعية القديمة، وطلب العلم مباشرة على أيدي المشايخ والعلماء، ويدعو كل عالم وداعية تلاميذه ومحبيه إلى تبني النموذج النظري المثالي الذي يعتنقه ويجسد تصوراته عن الحياة الفاضلة وحياة المجتمع المسلم الملتزم، وهنا نرى تشبث كل مجموعة من التلاميذ بنموذج شيخها، وبعضهم يتعصب لفكر وأطروحات هذا الشيخ بشكل قد يدفعهم إلى نقد وربما حتى ازدراء النماذج الأخرى؛ ومن هنا تأتي المشاحنات والخلافات وربما الصراعات والنزاعات بين هؤلاء التلاميذ والأتباع، وتبلغ النفس مداها في الانتصار للذات ولو على حساب طهارة الفكرة ونقائها، ولا شك أن أغلب ما يقع من ذلك إنما يكون بين الشباب الصغير قليل العلم قليل الخبرة بمعترك الحياة، ومن الجور وقلة النصفة أن يؤاخذ السلفيون كلهم بمثل هذه التصرفات الطائشة التي تقع من بعض الفتية، وإن كان واجب التناصح يفرض علينا دعوة أخوتنا وأحبابنا من كل التوجهات إلى التغافر والتعاون والتغافل عن الزلات، والتخلص قدر الإمكان من حظوظ النفس، وإخلاص النية والعمل كله لله تعالى، وأنا على يقين تام بأن السلفيين الحقيقيين أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السائرين على هديه ومنهجه هم أحرص الناس على ذلك، وأبعدهم بإذن الله تعالى عن شهوة حب الظهور والانتصار للنفس.

3.   السلفية الجهادية (أو السلفية المقاتلة):

وهذا الاتجاه ينزع إلى العنف وتغيير المنكر باليد، وطبيعي جدا أن يتسم بالقسوة والشراسة في بعض الأحيان، بحكم التكوين النفسي والمحتوى الفكري لهؤلاء القوم؛ لأنهم يستبعدون ابتداءً فكرة اللين والرفق في الدعوة لأن ذلك عديم الجدوى من وجهة نظرهم، حيث أن المجتمع ـ بحسب رؤيتهم الخاطئة من وجهة نظري ـ قد بلغ حدًا من الانحراف والبدع والضلال لا يصح معه السكوت أو التعامل برفق وروية، ويرون وجوب إنكار المنكر في المجتمع بكل حسم ولو عن طريق القوة الجبرية، وغالبا ما نرى أصحاب هذا التوجه قساة متجهمين، يتعاملون مع الناس بشدة، وينكرون على المخطئ منهم بكل غلظة وفظاظة، وهذا كما أسلفت جزء من طبيعة استعدادهم الفطري وتكوينهم الفكري، ومظهر طبيعي من مظاهر صياغة وعيهم ونفسيتهم على معاني الشدة والقسوة والحزم، وأظن أن هؤلاء قلة وسط الاتجاه العام للسلفيين، وقد كان للكثيرين منهم في عدد من الدول العربية من بينها مصر مراجعات فكرية شهيرة جعلتهم أقرب إلى أهل القصد والاعتدال، وهكذا نرى أن أغلب السلفيين هم في المجمل أشخاص طيبون يمتلكون عاطفة دينية قوية، ويسعون إلى إرضاء ربهم، ونصرة دينهم، وحماية شريعته ويدعون إلى تنفيذها وتطبيقها في كل مجالات الحياة.

لكن ما دام السلفيون أناس طيبون وغايتهم نبيلة كما تقول فما سر الخوف منهم هذه الأيام؟!

في الحقيقة لا أفهم سر تخوف البعض من الإسلاميين عامة والسلفيين بصفة خاصة على هذا النحو الغريب المريب الذي رأيناه في الآونة الأخيرة عبر الكثير من البرامج التليفزيونية والمقالات والتعليقات التي تناولت هذا الموضوع!! ولو وسعنا زاوية الرؤية أكثر لتشمل دولا عربية أخرى غير مصر لتولد لدينا إحساس مؤكد بأن هناك حملة منظمة تهدف إلى بث الذعر والخوف من كل الإسلاميين بشكل متعمد ومبالغ فيه، وهذا الإحساس ما زال يتعمق لدينا يوما بعد يوم...!!

وما الدليل على ذلك؟!

الدليل أن نفس نغمة التخويف من الإسلاميين وبخاصة السلفيين (الأصوليين الراديكاليين المتشددين المتزمتين... إلخ!!) سمعناها من قبل في ليبيا وموريتانيا والمغرب، والجزائر ولبنان والأردن وفلسطين... وأحدث حلقة في هذه الحملة ما شاهدناه من زجِّ النظام السوري بالسلفيين فيما يلاقيه مؤخرا من احتجاجات شعبية واسعة، فبدلا من الاستجابة لرغبات شعبه الثائر المطالب بالكرامة والحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان نراه يراوغ  ويناور ويضرب شعبه بكل قسوة تماما كما يفعل القذافي، وللتلبيس على الناس في الداخل والخارج يتهم السلفيين بارتكاب أعمال العنف وإثارة الشغب والفوضى في البلاد، ويبرر ويسوِّغ ما يرتكبه من جرائم وبطش بالشعب السوري الأعزل وشبابه المسالم المطالب بالحرية والكرامة، بأنه يفعل ذلك حفاظا على سوريا من السلفيين وأفكارهم المتشددة!!

وحقيقة لا أفهم حتى الآن السر في حشر الإسلاميين والسلفيين حشرا فيما تشهده الدول العربية مؤخرا من مخاض لأنظمة حكم جديدة نتمنى أن تحقق ما تتوق إليه الجماهير من الحياة الحرة الكريمة القائمة على الديمقراطية والنزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية، ثم هل الإسلاميون والسلفيون تحديدا هم من صنع الكوارث والأزمات العربية المتلاحقة طوال العقود الماضية؟! هل السلفيون هم من ضيَّع القدس وهم السبب في احتلال أفغانستان والعراق؟! هل السلفيون هم من سرق ثروات شعوبهم وأغرقوا الناس في الهموم الاقتصادية والاجتماعية وكبَّلوا حرياتهم السياسية وجعلوهم يحيون في أوطانهم كالعبيد؟! هل السلفيون هم من أهدر طاقات الإنسان العربي وبدد إمكاناته وضيَّع مقدراته وعرَّض هويته لخطر الذوبان والتحلل في زمن العولمة؟! هل اقترف السلفيون كل هذه الجرائم والآثام في غفلة من أهلهم ومواطنيهم؟! ثم هل ظهر الإسلاميون والسلفيون فجأة هكذا بيننا الآن؟! أليسوا جزءا من المجتمع وبعض أبنائه؟! أليس من حقهم المناداة بالإصلاح والثورة على الظلم والقهر والجهل والفقر والمرض وكل الأوجاع التي أورثتنا إياها أنظمة الحكم الفاشلة التي احتلتنا بعد رحيل الاحتلال الغربي لبلادنا؟! أليس من حقهم كجزء من المواطنين الإدلاء بدلوهم والتعبير عن وجهة نظرهم في مسيرة الإصلاح المنشود؟! وهل من الصواب تهميشهم وإقصاؤهم من الصورة وإلغاء وجودهم؟! هل هذه هي الديمقراطية التي بُشِّرْنا بها طويلا، والتي قيل لنا إنها تستوعب الجميع ولا تخوِّل أحدا مهما كان إقصاء الآخر أو تهميشه والحجر عليه ومصادرة أفكاره؟!  

أفهم من ذلك أنك ترى صواب الرؤية السلفية وتتفق معها في كل الأمور؟!

ليس واجبا بالضرورة أن يتفق البشر في كل الأمور، واختلاف الرأي بين الناس سنة الحياة وناموس إلهي يتجدد مرارا وتكرارا، حتى إنه وقع بين الأنبياء وحواريهم، وها هو رأي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ اختلف مع رأي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشأن أسرى بدر، لكن ذلك الخلاف في الرأي لم يسفر عن أية قطيعة ولا تشاحن أو تدابر، بل ما كان من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن طيب خاطر الفاروق عمر بن الخطاب الذي ما كان منه ـ رضي الله عنه ـ إلا أن انصاع لرأي الرسول ونفذه بكل حب، ولم يجد في نفسه كِبْرًا ولا أنفة حتى بعد أن نزل القرآن الكريم مؤيدا لرأيه!!

وهكذا يعلمنا الإسلام أن مجرد الخلاف في الرأي لا يعني نشوب العداوة والبغضاء بين الناس، وينبغي للخلاف ألا يفسد للود قضية كما يقال، وتأسيسا على ذلك ـ ورغم أنني أعد نفسي سلفيا بالمفهوم الذي شرحته آنفا ـ فإنني أقر باختلافي مع أسلوب وطريقة بعض شباب السلفيين في التعامل مع أفراد المجتمع وفي رؤيتهم لبعض القضايا لاسيما السياسي منها، ومن حيث المبدأ أتمسك بحقي في الاختلاف في الرأي مع كل أو بعض ما يطرحه السلفيون أو الليبراليون... وغيرهم من أفكار نظرية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وتطبيقاتها العملية في مجتمع كبير ومفتوح كالمجتمع المصري؛ ففرق شاسع بين التنظير والتأطير الفكري النظري وبين الواقع والممارسة العملية على نطاق واسع، لكن يبقى هذا في إطار من الود والمحبة والاحترام المتبادل بين الجميع، مع التأكيد على وحدة الهدف والغاية والاتفاق التام في ذلك، فالاختلاف محصور فقط في الوسائل والتكتيكات وطرق التنفيذ، وليس في الغاية الكبرى التي نرومها جميعا وهي بناء مصر المستقبل على أسس راسخة تجعلها بإذن الله تعالى دولة قوية متحضرة تحقق لجميع أبنائها العزة والكرامة والحرية والعدالة والمساواة.

وماذا عن رأي السلفيين في الغناء والسينما والفن والسياحة والرياضة والبنوك...إلخ؟!

طبعا أنا لست متحدثا باسم السلفيين، ولا الناطق الرسمي باسمهم، وقطعا هم مطالبون بالإجابة عن كل هذه التساؤلات بكل صراحة ووضوح وشفافية؛ لتكتمل أمام الشعب معالم النموذج المدني الذي يدعون إليه للدولة الديمقراطية القوية المعاصرة ذات التنوع الفكري والديني، ولكن ينبغي أن تطرح الأسئلة بكل تجرد وإخلاص وحسن نية دون رغبة في توريط بعض رموز الإسلاميين والسلفيين كما دأبت وسائل الإعلام المغرضة على ذلك!!

بصراحة هل يتصف السلفيون بالعنف والتشدد؟!

ليس من الصواب إصدار أحكام عامة وإطلاق كلام مرسل على الأفراد والجماعات هكذا بشكل عام ومطلق، فهذا سلوك غير حكيم أبدا، والتعميمات في مثل هذه الأمور لا تكون دقيقة على أية حال، ومن الموضوعي أن أقول بوضوح شديد: إن صورة السلفيين ليست وردية ولا مثالية تماما كما يحلو للبعض رسمها؛ فهم بشر عاديون وغير معصومين كما قد يتوهم البعض، وبالتالي من الطبيعي جدا أن يصدر عنهم ما يصدر عن غيرهم من أخطاء، وصحيح أننا نتوقع منهم أن يكونوا صورة ناصعة لما يدعون إليه من قيم ومُثُلٍ وأخلاقيات، لكنهم بشر خطاؤون كغيرهم، وفي الحديث: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" (رواه الترمذي وحققه الألباني وقال حديث حسن) ولا أعتقد أن من العدل تحميلهم فوق طاقتهم ومطالبتهم بما لا يقدرون عليه؛ فهم في النهاية أبناء هذا العصر، ويعيشون في نفس المجتمع الذي نعيش فيه، وبالتالي سنرى منهم ما نراه في أنفسنا وفي غيرنا من السلبيات والعيوب الاجتماعية المتفشية بيننا، لكن الإنصاف يقتضي أن أشير إلى وجود ندرة نادرة من الأدعياء يندسون بين السلفيين ويتسمون بسمتهم الظاهري لكن قلوبهم أشد نفاقا من ابن سلول زعيم منافقي المدينة، وأعمالهم أشد ضلالا من أبي جهل زعيم مشركي مكة، ويكفي وجود أحدهم في أي مكان لتلويثه وبث الشر والفساد فيه، لكن من الظلم البين والغبن الشديد الذي يأباه الله ورسوله وتشمئز منه الفطر السليمة والنفوس السوية سحب أخطاء هذه الشرذمة الضالة المنحرفة على جموع السلفيين ذوي النفوس البريئة الطاهرة والنوايا الحسنة والضمائر اليقظة، ولو استعملنا هذا المنطق الجائر لما بقي على وجه الأرض ثقة بين اثنين من بني البشر!!

وكيف يدافع السلفيون عن أفكارهم ويدرؤون الشُّبَهَ عن نفوسهم؟!

وسط هذه الحرب الدعائية الشرسة والمنظمة التي تشنها جهات كثيرة على الإسلاميين والسلفيين، ووسط كل هذه الشائعات والدعايات المضللة لا أرى أمام الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة إلا الصبر والتحمل والاحتساب، والتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة، والتحلي بالروح الطيبة، والتعامل مع الناس بصورة جيدة، وضرب الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة لهم، فالسلوك العملي الحسن هو أشد وقعاً في النفس البشرية من آلاف الخطب والمواعظ والنصائح، فعندما يرى الناس رحمة السلفيين وحكمتهم وبشاشة وجوههم وصدق دعوتهم، وقولهم الحق ولو على أنفسهم، وعدلهم وإنصافهم وحسن تعاملاتهم خاصة المادية منها سيثقون بهم ويقتربون منهم ويتوددون إليهم، ويقتنعون برؤيتهم الإصلاحية التي ينادون بها ويدعون إليها، بعد أن يجدوا كلامهم نموذجا عمليا واقعيا، وليس مجرد كلام منمق غير قابل للتطبيق، وقد كان الرسول الكريم وأنبياء الله ـ صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ـ أفضل أسوة حسنة يقتدي بها المؤمنون في حياتهم، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" [الأحزاب:21] وقال عز من قائل: " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ" [الممتحنة:4] وقال سبحانه: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" [الممتحنة:6].

                

 * كاتب إسلامي مصري