نجيب الكيلاني.. رائد الأدب الإسلامي

نجيب الكيلاني.. رائد الأدب الإسلامي

تنظيرًا وإبداعًا

لقاء مع الدكتور جابر قميحة

د. نجيب الكيلاني

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أجرى الحوار: أحمد عبد الحميد

يصعب أن نجعل الدكتور نجيب الكيلاني مستقلا بوصف واحد من الأوصاف الآتية ، فيقال إنه الشاعر الإسلامي ، أو رائد القصة الإسلامية ، أو منظِّر الأدب الإسلامي، فإطلاق هذه الأوصاف عليه كل واحد منها منفصل عن الآخر بخسٌ لحقِّه :

 ــ فهو الشاعر صاحب الدواوين التسعة : "الأمل الطريد" و"نحو العلا" و"لؤلؤة الخليج" و"كيف ألقاك؟" و"عصر الشهداء" و"مهاجر" و"أغنيات الغرباء" و"مدينة الكباائر" و"أغنيات الليل الطويل" . ــ وهومؤلف مجموعةً ضخمةً من الروايات والقصص القصيرة وفق التصور الإسلامي .

 ــ وهو" منظِّر الأدب الإسلامي" ــ كما قال عنه الأديب نجيب محفوظ ــ فهو ينطلق من رؤية إسلامية ليعبِّر بالوسيلة الفنية الإبداعية عن قيم ومثاليات دينه ومعتقده، ــ وهو المعبِّر عن هموم عامة، فخرج عن الإقليمية ليطرحَ قضايا تهمُّ الأمة الإسلامية متناولاً في ذلك أزمات وجروحا شتَّى في جسد العالم الإسلامي، فطرح في ذلك "عمر يظهر في القدس" ، و"ليالي تركستان" و"حبيبتي سراييفو".

 ولنجيب الكيلاني قصبُ السبق في ذلك على سائر الأدباء الإسلاميين.. فهو إذن رائد الأدب الإسلامي، ومع ذلك لم يحظَ بالشهرةِ الوافية التي نالها أدباء أقل منه قدرًا ومكانةً.

 والمرء في بلادنا عندما يدخل عالم الأدب في بداية العهد بالقراءة لا يطرق أسماعَه إلا أسماء كنجيب محفوظ والسباعي ويوسف إدريس وغيرهم، ولكنه لا يسمع باسم نجيب الكيلاني إلا بعد أمد طويل، مع أنه يأتي في المرتبة الأولى من حيث الكمّ قبل كثيرين .

.. فهل تمَّ تهميش نجيب الكيلاني من جانب الآلة الإعلامية، التي أرادت وأْدَ كلِّ مَن يحمل الفكرة الإسلامية أم كان لأسباب أخرى؟! وما المقصود بالأدب الإسلامي وارتباط الفكرة الإسلامية بأدبيات نجيب الكيلاني؟!

**********

 وكان لنا لقاء مع الدكتور جابر قميحة

 الدكتور جابر قميحة- أستاذ الأدب العربي ، وصاحب الكثير من الدراسات في أدب الكيلاني- يرى أن "مشكلة الدكتور نجيب أنه لم يتم تسليط الضوء عليه إعلاميًّا لما هو معروف عنه من توجُّهه الإسلامي، ثم المشكله الثانية ــ وهي الأهم ــ مشكلة التفريط من جانب محبِّيه وإخوانه الذين لم يعطوه من الجانب الدعائي ما يستحقه, وأستطيع أن أقول إن مشكلة الأدب الإسلامي بصفة عامة هي مشكلة إعلامية في المرتبة الأولى!! ويضيف أن هناك من الأدباء أقلّ مستوى من طلابي في الجامعة من الناحية الفكرية والأدبية والإبداعية، ومع ذلك يجدون مَن يطبِّل لهم ويزمِّر!!

 أما نجيب الكيلاني فلأنه أديب إسلامي لم يجد اهتمامًا من الدولة وإعلامها ، كما أن إخوانه وتلاميذه يتولَّون كبْرَ هذا التفريط ، ومما يؤسَف له أنهم لم يستطيعوا أن يحافظوا على تراثه حتى يخلَّد على مدى الأجيال، والسائل إذا سأل عن تراث نجيب الكيلاني لم يجد الجواب الشافي، وأجد في ذلك من ناحية أخرى أن أقول إن هناك ضعفًا في الوعي بالنظر إلى تراث الكيلاني.

 **********

 عدنا إلى مفهوم الأدب الإسلامي، فأوضح الدكتور قميحة أنه الأدب الشعري والنثري الذي يلتزم القيم الإنسانية ويعمل على خلق بناء قويٍّ متين يُراعي هذه القيم في مجال السياسة والاجتماع والتربية وغير ذلك، وهذا تعريف إيجابي، وهناك ما نستطيع أن نسميه بالتعريف السلبي أو" التعريف الرافض" والمقصود به الأدب الذي يرفض في قوة كلَّ ما يخالف القيم الإسلامية والإنسانية.

 * سألناه: ما الذي يميِّز أدب نجيب الكيلاني من الناحية الفنية عن غيره من معاصريه؟

** أجاب: أدب نجيب الكيلاني- دون مغالاةٍ- أدبٌ متميزٌ من ناحية، وفائقٌ من ناحية أخرى، فهو يتفرد بما يأتي:

 - سلامة اللغة، وهي مهمة؛ لأن اللغة هي عِرْض الأمة الدالّ على هويتها، ولا هوية لمن لا عرض له.

- براعة التصوير، وهو في منهجه التصويري يكاد يقترب من الواقع ، فهو في تصويره لا يجنح إلى الصور الشاردة والخيال المسرف المحلق بلا معقولية، أي نستطيع أن نقول إن منهجَه التصويري هو المنهج الوسطي بين المثالية الخيالية والرومانسية العقلانية.

 - قوة الوجدان أو الطاقه الروحية، وهو مع ذلك يجنح إلى الوسطية، فلا نعثُر له على عاطفة ملتهبة ووجدان متوهِّج، ولكنها ــ كما قلت سابقًا ــ الوسطية والمعقولية، وهو منهج لا يعيب صاحبه، بل يقف في صفِّه؛ لأن المهم أن يكون المبدع مخلصًا في منهجه ولمنهجه، بعيدًا عن الشطط والإسراف.

 - التماسك والتلاحم في صدقٍ بين عناصر الإبداع الفني مما يقرِّب إبداعَه من المنهج التكاملي في الفن.

 - قوة العقيدة، وهذا ما تعنيه بسؤالك عن تأثير الفكرة الإسلامية على أدبه، فكان هذا هو الجانب الذي ينهل منه أي من عقيدته ودينه؛ ليصبَّ في النهاية في أدبه ويجعله على رأس قائمة الأدباء الإسلاميين.

المنظِّر الإسلامي

* وماذا عن نجيب الكيلاني المنظِّر الإسلامي؟

** علينا أن نتذكَّر أن الكيلاني جمع بين التنظير والتطبيق، فلم يغفل القياسً على المذاهب الفنية الأخرى، مثل الكلاسيكية والرومانسية . وله من رواياته ونظرياته خمسة كتب كاملة عن مفهوم الأدب الإسلامي ، منها : "المدخل إلى الأدب الإسلامي" و"الإسلامية والمذاهب الأدبية" وغيرهما، وفيها يوضح علاقة الأدب بالدين، ومفهوم الالتزام الإسلامي والمقارنة بين المذهب الإسلامي وغيره.

 والخلاصة أن أيسَرَ ما يُقال عنه إنه كان واحدًا من أعظم الروَّاد في الإبداع والنقد الإسلامي ، دون إسراف أو إغراق في المبالغة.

 * ماذا لو أجرينا موازنة بين نجيب الكيلاني الشاعر ونجيب الكيلاني الأديب في الوقت نفسه؟

** نجيب الكيلاني مع أن له تسعة دواوين ممتازة يأتي في المرتبة الثانية بعد نجيب الكيلاني الكاتب بصفة عامة ، والروائي بصفة خاصة.

 * وهل هناك دراسات أدبية تُلقِي الضوءَ علي الكيلاني الروائي والشاعر؟!

** بالنسبة للدكتور نجيب الكيلاني هناك دراساتٌ أدبيةٌ معقولةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ، هناك على سبيل المثال لا الحصر رسالتان أكاديميتان نُوقشتا مؤخرًا، وهما: "الريف في روايات نجيب الكيلاني" و"المرأة في روايات نجيب الكيلاني" كما أن هناك رسالة ماجستير نُوقِشَت في كلية اللغة العربية عن "الرواية التاريخية عند نجيب الكيلاني"، وفي رأيي الخاص أن الدراسات الأدبية الكافية وعدم الكافية هي مسألة نسبية بالنسبة للشخصيات الأدبية.

 

* ألا ترى أن البَون ما زال شاسعًا بين أدباء يعبرون عن الفكرة الإسلامية عامةً وأدباء آخرين يعبِّرون عن فكرة مختلفة أخرى مغايرة، كالأدباء اليساريين أو المحسوبين على اليسار، فمنذ أواخر الخمسينيات وابتداء الستينيات وحتى الآن الصحف والمجلات والدوريات الثقافية المختلفة ووزراة الثقافة.. إلخ يسيطر عليها وبقوة مثقفون من ألوان الطيف المختلفة، فأين الأدباء الإسلاميون؟!

 ** هناك عدة أسباب لانضواء أو بالأصحِّ عدم بروز الأدباء الإسلاميين أمام قرنائهم من اليسار على سبيل المثال،

 فأُولى هذه الأسباب: مناوأة الدولة للحركة الإسلامية وكل ما يمتُّ للإسلامية بصلة، ومن ثمَّ إقصاء الأدباء الإسلاميين وتنحيتهم عن الساحة لحساب آخرين معبِّرين بشكل ما عن توجُّه الدولة في وقتٍ ما، كازدهار الأفكار الاشتراكية في العهد الناصري مثلاً، وإقصاء أدباء كـعبد الحميد جودة السحار وعلي أحمد باكثير ونجيب الكيلاني وهاشم الرفاعي.. إلخ؛ لتوجهم الإسلامي!!

وثانيها عدم اهتمام الحركة الإسلامية بكافة أطيافها بالجانب الأدبي، وعدم وضعه في بؤرة الاهتمام لشَغْلِها بالجانب العقلاني والفكر الإسلامي والاتجاه الدعوي على حساب الأدبيات والفنيات، مع أن الأخيرة مهمّة جدًّا في التأثير الدعوي فالنبي- صلي الله عليه وسلم- يقول: "إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمةً"، فالنبي ذكَر هنا مقوِّمات الأدب التعبيري وعناصره وهي:

"الوجدان- الأداء التعبيري الجمالي- الفكرة"، فتضمين الأدب الفكرة، سواءٌ أكانت الفكرة الإسلامية أو غيرها هي الوسيلة المُثلى لتوصيلها إلى الجمهور، وأضرِب على ذلك المثال بالشاعر الروسي "باسترناك" في رواياته ــ وخصوصا دكتور زيفاجو ــ وقف في مواجهة اليسارية، وكان لها أبلغ الأثر من أي أفكار أخرى يمينية!! 

 **********

 وما زال في الجعبة الكثير والكثير بالنظر إلى شخصية متعددة الجوانب والمواهب كشخصية نجيب الكيلاني رحمه الله. والحمد لله رب العالمين .