أحمد سيف الإسلام حسن البنا في حوار شامل

أحمد سيف الإسلام حسن البنا في حوار شامل:

الإمام البنا في رأيي أعظم وأبلغ من كتب بالعربية وخطب بها في العصر الحديث

الإخوان المسلمون هم العصب الحي والعين الساهرة والأمل المشرق للأمة

لا يوجد إصلاح سياسي حقيقي بدون كفاح شعبي حر ولن يأتي من الخارج أبدا

حوار: بدر محمد بدر

[email protected]

يحظى الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا الأمين العام لنقابة المحامين، وعضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين سابقا، بمكانة مرموقة في أوساط السياسيين والإسلاميين والحقوقيين في مصر، ليس فقط بصفته ابن مؤسس أكبر حركة إسلامية عالمية، لا تزال مؤثرة في أكثر من ثمانين دولة، ولكن أيضا لأنه رجل سياسي مخضرم، وخبير قانوني وناشط حقوقي ونقابي بارع، ورغم بلوغه السادسة والسبعين من العمر، إلا أنه يعيش في قلب الأحداث، وله رؤيته الخاصة لما يجري على الساحة.

التقينا به في هذا الحوار الشامل والصريح، لكي تتعرف على رؤيته وتقييمه لما يجري من أحداث مهمة، تعج بها الساحة المصرية والعربية في السنوات الأخيرة، فكان هذا الحوار:      

· في تصورك لماذا تأخر الإصلاح السياسي في مصر؟ وهل من أسباب داخلية لذلك؟

ـ الإصلاح السياسي لا يعطي سلطة مطلقة للحكومة في أن تمارس الحكم وأن تستأثر به, فلا شك عدم رغبة الحكومة في إجراء الإصلاح السياسي هو سبب التأخير, لماذا تتنازل عن جزء من سلطتها، وهي تحكم بصورة مطلقة إلا بضغوط حقيقية، فالضغوط هي التي تجبر الحكومة أن تجري إصلاحا سياسيا حقيقيا, ولا بد أن تشعر السلطة بخطورة الوضع من الشعب المصري إذا لم تقم بالإصلاح المطلوب, ولذلك يجب على الشعب أن يتحرك, ولا يوجد إصلاح إلا بكفاح شعبي حر، لا يهدأ إلا حينما يصل ممثلو الشعب الحقيقيين إلى مكان السلطة.

· هل هناك ضغوط خارجية من أجل تحقيق الإصلاح السياسي في مصر؟

ـ لا لن يأتي الإصلاح السياسي من الخارج أبدا, فالخارج ما يهمه هو مصلحته، ولا يعنيه مدى تمتع الشعب المصري بحقوقه السياسية أم لا، والدليل على ذلك أنه الغرب قاوم الحركة الإسلامية في الجزائر، ولا يزال يقاوم الحركة الديمقراطية في حركة "حماس", رغم أن حركة "حماس" نجحت بالطريق الديمقراطي للإصلاح السياسي، ولكن الدول الخارجية الغربية لا تشجع هذه الخطوة, ويجب ألا ننتظر إصلاحا سياسيا من أي حكومة أجنبية.

· هل تؤيد تعديل الدستور المصري الحالي، أم الأفضل إعداد دستور جديد تقوم عليه هيئة  تأسيسية جديدة؟

ـ أعتقد أن تعديل الدستور الحالي أو إعداد دستور جديد يستويان، ولكن بشرط واحد أهم من التعديل أو التغيير، وهو ألا يغير نص الشريعة الإسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، سواء تم تعديل الدستور فلا تمس هذه المادة، أو تم بناء دستور جديد يجب أن ينص على هذه المادة أيضا، وهذه المادة الدستورية هي أكبر انتصار فكري للحركة الإسلامية في عصر الرئيس أنور السادات، لأنها أجبرته على وضع الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وكان هذا انتصار لرأي التيار الإسلامي، واعتراف الدستور بأحقية الشريعة الإسلامية بأن تحكم هذا الوطن، وهذا أغلى ما نعتز به, والمعركة الآن حول تطبيق هذا النص، وأخشى ما أخشاه أن يكون الحديث عن التعديل أو التغيير وراءه إلغاء سيادة الشريعة الإسلامية.

صراع الحكومات مع شعوبها

· هناك دعوات تطالب بالتغيير السياسي، كيف ترى إمكانية وفرص التغيير في مصر؟

ـ أعتقد أن الصراع قائم بين الشعوب العربية وحكامها، منذ أن وقعنا تحت الاحتلال الغربي وبعد إسقاط الخلافة، وكل أنظمة الحكم في بلادنا جاءت بتدبير غربي، والشعوب العربية بعد هزيمة الخلافة الإسلامية لا تملك أمرها، وهناك قوى خفية خارجية تدير هذه الدول، وتؤثر على مستقبلها السياسي، وهناك حركات وطنية قامت في كافة أرجاء الوطن العربي والإسلامي لتحقيق الاستقلال.

هناك صراع قائم بين القوى الحرة والوطنية، وبين القوى الاستعمارية وأذنابها في العالم العربي والإسلامي, وبعض الدول تقدمت قليلا في هذا الصراع، وتخلصت من هذه الآثار إلى حد ما، ولكن الصراع في مصر في الفترة الأخيرة، وبعوامل خارجية وداخلية، أخذ ينشط للأفضل، والشارع بدأ يتحرك.

· هل المناخ السياسي في مصر الآن يهيئ لفرص تغيير أفضل؟

ـ نعم على الرغم من أن النار مازالت هادئة بعض الشيء، ولكن كلما ازدادت الأحوال سوءا والفساد انتشارا، وذاع ذلك وفاح، يزداد غليان الشارع، ويبدأ الناس يتحركون أكثر.

· كيف ترى مكان الإخوان المسلمين في مصر؟

ـ الإخوان المسلمون هم العصب الحي في هذا الوطن، وهم العين الساهرة والأمل وروح الإلهام لكل الشعب المصري، ولكل الشباب المصري الذي يعمل ويجاهد، والدليل على ذلك أن أجيالا من الشباب، عرفوا بما جرى للإخوان المسلمين في الخمسينيات والستينيات، من اعتقالات وسجن وتشريد واضطهاد وتعذيب، ولكنهم برغم كل هذا، انضموا إليهم، وتبنوا منهجهم، وحملوا لواءهم، بسبب تأكدهم من إخلاص هؤلاء الإخوان لوطنهم وأمتهم، ورغبتهم في الإصلاح الشامل، حتى لو كان هذا على حساب مصالحهم الشخصية، بل واعتقالهم ومصادرة حرياتهم وأموالهم، لقد تأكدوا من أن الإخوان هم شباب جاد ومثابر يحمل هموم الوطن والأمة.

· أين دور الإخوان في قيادة التغيير السياسي في مصر في المرحلة الحالية؟

ـ الإخوان المسلمون ليس أمامهم إلا سلوك الطريق القانوني للتغيير، والأفضل لهم ولدعوتهم أن يتشبثوا بالطريق القانوني وبالمسلك الدستوري، من خلال خوضهم لانتخابات مجلس الشعب وغيره، للحصول على سند من الشعب المصري, وعلى كل واحد من الإخوان أن يوجد القاعدة الشعبية التي ترفعه، ليلتصقوا بالشعب وهمومه، إلى حين يأخذوا شعبية ويرفعوا مستوى الوعي عند الرأي العام, وهذا هو الإصلاح الحقيقي, الأمثلة على ذلك كثيرة، مثلا فاز أحد شباب الإخوان المغمورين في مدينة كفر شكر ـ قليوبية، على رئيس حزب التجمع خالد محي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، وأحد الرموز التاريخية في المدينة، ونائبها على مدى طويل، والفائز شخص عادي من التيار الإسلامي، ليس له شهرة، ولكن تواجده في دائرته والتصاقه بأهلها ودوره الفعال جعله يكسب هذه  الدائرة.

هل ينجح الإخوان؟!

· ما هي توقعاتك للانتخابات البرلمانية القادمة فيما يخص الإخوان؟ وهل يمكن أن تتكرر تجربة فوزهم ب 88 نائبا؟  

ـ الانتخابات الماضية التي أجريت على ثلاث مراحل كانت تجربة عملية، حيث أرادت القوى السياسية المعنية من خلالها أن تعرف على وجه الحقيقة مدى قوة الإخوان المسلمين في الشارع المصري, حيث توجد تقارير متضاربة عن حجم الإخوان، والغرب متخوف من هذه القوة، ولا يصدق التقارير التي تكتب عن طريق العملاء، أو تقدم لهم من سفرائهم أو من جواسيسهم, فأرادوا إجراء تجربة عملية للتحقق من ذلك، وطبعا لم يخاطروا بتجربة عملية يضيع فيها النظام لو تمت انتخابات حرة ونزيهة، وقالوا نترك المرحلة الأولى حرة ونرى الصورة, وعندما اكتسح التيار الإسلامي ممثلا في الإخوان المسلمين، عوضوا هذا بالتدخل في المرحلة الثانية ثم الثالثة بالتزوير والإرهاب واستخدام العنف، وحدثت الإصابات المعروفة، وعليها تيقن الداخل والخارج بالدليل العملي أنه لو التزم النظام السياسي بنزاهة الانتخابات فسوف يكتسح التيار الإسلامي، وطبعا حصلنا على 88 مقعدا.

أما الانتخابات القادمة (نوفمبر 2010) فهناك أصوات علت صراحة وعلانية في مجلس الشعب الحالي تقول لنواب الإخوان: لن يدخل المجلس منكم فردا واحدا بعد الآن، وكانت هناك تجربة عملية تؤكد ذلك، في انتخابات النقابات المهنية الأخيرة، ومنها نقابة المحامين بصفة خاصة، حيث تم تفتيت المجلس وتجزأت الأماكن ليصبحوا 38 وليس 24 عضوا، ليوسعوا الدائرة، وليتمكنوا من التزوير في بعض الجهات النائية والضعيفة والتي يمكن التأثير عليها، ومع ذلك كان هناك فوز كبير لتيار الإخوان.

· إذن هل تتوقع أن يواجه الإخوان معوقات كبيرة في الانتخابات القادمة؟

ـ أعتقد أن الحكومة المصرية عازمة على تزوير الانتخابات لأقصى درجة ممكنة، وأتوقع أن تبطش بكل معارض، خصوصا من مرشحي الإخوان المسلمين، ولكن هل ستتمكن من ذلك؟ وهل الظروف الخارجية ستساعدها؟ وهل ستنجح في ظل الأزمة التي صنعتها مع أعضاء الحزب الوطني نفسه، فهناك من أبناء وقيادات الحزب من سيقوم بترشيح نفسه ضد قيادات أخرى في الحزب، وظروف المعركة اليوم ليس من السهل تبريرها بالأساليب السابقة، بالإضافة لرقابة الصحافة الداخلية والعالمية أيضا، واستعداد الغرب لكي يراقب الحدث وتحفز جمعيات حقوق الإنسان, ومن هنا أقول إن المعركة الانتخابية القادمة ستكون مختلفة.

· هل تعتقد أن المعركة الانتخابية القادمة فرصة جيدة لفوز مرشحي الإخوان المسلمين؟

ـ كل ما أرجوه أن لا ينخدع الشعب المصري بالشعارات الجوفاء، ومن يقولون نريد الإصلاح, يجب أن يسبق هذا تأكيد عملي وكفاح ملموس وتضحية فعلية من أجل هذا الإصلاح, ولا أعتقد أن الشعب سيترك فئة ضحت من أجل الحرية.

· هل النظام يتعامل مع الإخوان مثلما يتعامل مع أي تيار يعارض الحكومة؟

ـ مع الأسف فإن الأسلوب الذي يتبعه النظام الحاكم في مصر الآن أنه يكيل بمكيالين، حتى في الظلم، فيتعامل مع الإخوان المسلمين بمنتهى القسوة، على أقل الأخطاء أو حتى بدونها، بينما الآخرون يرتكبون أخطاء مضاعفة، دون أن تمتد إليهم سطوة النظام, مثلا طلاب الأزهر يتم محاكمتهم من أجل استعراض طلابي، بينما أحد النواب في البرلمان يدعو إلى ضرب الشعب بالرصاص، جهارا نهارا تحت القبة، والمجلس يوجه له اللوم فقط لا غير !! وهذه مشكلة كبرى نعاني منها.

نقص فيتامين "الإخلاص"!

· لماذا تظهر خلافات أحيانا بين المنتمين للتيار الإسلامي عموما، والإخوان خصوصا؟!

ـ أتمنى لكل التيارات الإسلامي في كل البلاد العربي أن يكون عندها باستمرار نماذج في الإخلاص، والزهد في المناصب داخل التنظيمات أو في المناصب الحزبية، ويجب ألا تكون هناك انشقاقات لأي سبيل من السبل في التنظيم الإسلامي بصفة خاصة، لأنه تنظيم له سياج من الأخوة والقرآن الكريم، فيجب أن يكون التنظيم متوائما مع قضية هذا السياج وسقفه، وأقول عندما توجد خلافات يكون هناك نقص في فيتامين "أ" (الإخلاص)، وسر قوة الإسلاميين في الإخلاص لله سبحانه, فإذا كنا مخلصين فعلا تتلاشى الفروق والمناصب بين الأفراد، سواء داخل التنظيم أو خارجه، ولأجل هذا يجب أن نعتني بالناحية الروحية في التيار الإسلامي، ولا نهملها بأي حال من الأحوال، ولا يطغى عليها الاهتمام بالنواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية داخل المجتمع, فالناحية الروحية هي الأصل والأساس أولا.

· ما هي الأولويات والاهتمامات التي يجب أن تتحلى بها جماعة الإخوان المسلمين؟

ـ على قدم المساواة "رهبان بالليل فرسان بالنهار" كلاهما معا, لا افتراق بينهما ولا مساحة لإحداهما على حساب الآخر، وذلك بالمحافظة على الفرائض والنوافل والورد القرآني، وحضور النية في كل عمل من الأعمال، فإذا تم هذا سينتهي معه الكثير من المشاكل, والمجهود الدعوي المبذول يؤدي إلى السياسة بشكل طبيعي، فالأساس دعوي والقاعدة الشعبية للأساس السياسي دعوية، وهي التي تمد هذا النظام، وليس في الإخوان فقط، فحزب الأمة السوداني دعوته صوفية، ولكنه حزب سياسي، وحتى الصوفية الآن يقولوا إنهم سوف يؤسسون حزبا سياسيا لتحقيق أهدافهم، وهذا نصر للإخوان المسلمين، وانتصار لفكر الإمام حسن البنا بعد سبعين سنة من وفاته, فحركة الإخوان المسلمين أثرت بهم، لأن الظواهر الاجتماعية تنتقل من فئة إلى أخرى.

· هل تؤيد إنشاء حزب سياسي للإخوان المسلمين الآن؟

ـ نعم أؤيد ذلك ولكن بشرط أن يكون جزءًا من كل، بمعنى أن الجماعة تضم الحزب كجانب سياسي، وباقي الأنشطة موجودة بالجماعة فيكون فيها أقسام البر والخدمة الاجتماعية، والنشاط الاقتصادي والرياضي والدفاع عن الحريات وغيرها، بالإضافة إلى قسم سياسي يمارسه الحزب، وأتمنى أن يتم إنشاء نواد رياضية إسلامية، تتيح للمسلمين والمسلمات أن يقضوا وقتا طيبا فيها، واقترح أن تسمى باسم "نوادي القيم"، حتى لا تكون ملذات الدنيا قاصرة على السافرات وغيرهن، وينبغي أن توفر هذه الخدمة للأسرة المسلمة وبشكل أرقى، الحزب يقوم بمهمة الجانب السياسي، حتى لا تتخلى الجماعة عن باقي أهدافها لأن مهمتها الأساسية دعوية, والسياسية جزء من هذا الإصلاح.

· هل هناك جديد بخصوص تراث الإمام حسن البنا؟

ـ إن شاء الله سيظهر هذا التراث قريبا، ربما خلال شهور بإذن الله، في صورة جيدة وتحت اسم "الأعمال الكاملة للإمام حسن البنا"، ولن يكون الأمر قاصرا على المتن الذي تم نشره من قبل، بل قمت بعمل تقسيم موضوعي للتراث ثم علقت عليه، حيث رجعت إلى العصر الذي كتبت فيه هذه النصوص، وعشت هذه الفترة معها بالضبط، فأنا لا أريد أن أقدم هذا القسم بمقالات أدبية، فالإخوان المسلمون أعتقد أنهم أبرز ظاهرة أدبية في العصر الحديث، والإمام البنا في رأيي أعظم وأبلغ من كتب باللغة العربية وخطب بها في العصر الحديث، والإخوان أنشأوا مدرسة شعرية ونثرية، تستطيع أن تقول إنها أعظم مدرسة أدبية في العصر الحديث، فعندما تستمع إلى خطيب أو تقرأ لكاتب أو زجال، يمكنك أن تميز إن كان من الإخوان أم لا، وغيرها من الفنون الأدبية التي مارسوها، فهم ظاهرة كبيرة جدا، ليس في مصر وحدها بل في العالم الإسلامي كله، لأنهم نفس واحدة وروح واحدة ومعاني واحدة وصياغة واحدة وعاطفة واحدة ووجدان واحد يحرك هذه المشاعر، والإمام قلب هذه الظاهرة، فأبرز أدبه في هذه الصورة وقدرته الأدبية وعظمته وبلاغته، لدرجة أنها تحتاج إلى مدونات.

الإخوان مدرسة أدبية

· وهل ترى أن حركة الإخوان المسلمين كان لها تأثير واضح في الأدب العربي المعاصر؟

ـ بكل تأكيد أقرر أن هذه الحركة التي قام بها الإخوان كظاهرة أدبية، أثرت تأثيرا بليغا في الأدب المصري المعاصر، وأثر الإخوان في الأدب العربي حتى اقترب من التيار الإسلامي، فلم يكن مثلا الأديب عباس العقاد أو الدكتور طه حسين أو غيرهم ليكتبوا شيئا في الإسلام إلا بسبب القارئ الإسلامي الموجود، وهو الأنجح والأكثر رواجا، ودور النشر كلفتهم بالكتابة في هذا الميدان، برغم أن اتجاهاتهم كانت بعيدة عن هذا التيار، فتأثير الإخوان في هذا المجال تأثير حيوي داخليا وخارجيا.

وفي هذا الإطار ينبغي أن يوضع تراث الإمام البنا.. إطار خارجي يضم أثره، وإطار داخلي يفصح عن معنى كتاباته الحقيقية، خصوصا أنه كان يعمد في كثير من المسائل إلى الرمز، وكان يتكلم في بعض مقالاته عن نفسه بضمير الغائب، عندما يكون شخص عاصر هذا الأسلوب وتمرس فيه ويعرف كيف يقرأ أسلوبه، سوف يتذوقه بمذاق آخر، فلو وضعوا التراث في هذا الإطار بهذا الإيضاح، وسلطت عليه الأضواء، سيكون له مذاق آخر، فالناحية الأدبية للإمام تحتاج مابين 20 إلى 30 مؤلفا حولها.

يجب دراسة الوضع الحالي في مصر، والمدارس الأدبية التي ظهرت فيها ما قبل الإخوان المسلمين، وكيف أثر الإخوان في الأدب المعاصر، وما هي السمات والمميزات والخصائص، ولهذا شهدوا أن الكاتب الإسلامي الوحيد الذي لم يكتب مقالا واحد إلا في الإسلام، فقلمه كله مجند لله والإسلام, وباقي الإسلاميين كتبوا في الإسلام وفي غيره، حتى في الموضوعات العاطفية، الإمام البنا وحده كان مجردا للفكر الإسلامي، وليس هناك مقال واحد خارج عن الفكرة الإسلامية، الوحيد الملتزم بما دعا الناس إليه فهو مثال للصدق الفني الواقعي، في كتاباته وأدبياته واقتصاره على الأدب الإسلامي وتأثيره في الآخرين.  

· لماذا لم يتم خدمة تاريخ الإخوان المسلمين من وجهة نظرك؟

ـ أنت تعلم أن الأحداث والمحن في تاريخ حركة الإخوان متلاحقة، ولم تستطع الجماعة في مصر أن تبذل جهدا وافيا في هذا الجانب، ففي الماضي ذهبت إلى مكتبة الوثائق البريطانية، وصورت وثائق عديدة، منها ما كتبه السفير البريطاني في مصر عن جماعة الإخوان المسلمين، وهي وثائق مهمة جدا بالنسبة للتاريخ، وفيها يقر السفير بأن حركة الإخوان المسلمين كانت تمثل أكبر خطر على الإمبراطورية البريطانية، وقد أحضرت الكثير من هذه الوثائق، وستجد أن ما كتب عن الحركة، لو تمت ترجمته ونشره، فإنه يخدم الجماعة ويقويها في الداخل والخارج، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير، وأنا نبهت إليه ولكن لم تكن هناك استجابة قوية، فالملف الشخصي لزعماء العالم يتم الكشف عنه بعد خمسين سنة، وملف حسن البنا لم تكشف عنه الخارجية البريطانية إلى الآن، بل إن هناك وثائق قد أحضرتها في الماضي، ولكنها اختفت عندما ذهبت لأحضر منها صورا مرة أخرى، حتى لا تعطي زخما وقدرا للإخوان!

· لماذا ترى تأثير حركة الإخوان وحسن البنا في الأدب المعاصر يحتاج لأكثر من 20 مؤلفا؟

ـ طبعا هذا صحيح ولكن للأسف خصوم الدعوة الإسلامية شيدوا صرحا كبيرا لأعداء الفكر الإسلامي، أما الإسلاميون فلم يفعلوا شيئا للتراث الإسلامي، ولو ضاع منهم أروع الخطباء والشعراء لا يذكرهم أحد، وهناك أسماء حتى اليوم، الجامعة الأمريكية والمؤسسات الأدبية وغيرها مصممة على اقامة احتفالية للدكتور "طه حسين" وتحتفي بذكراه والمعاني التي دعا إليها، من العلمانية والتغريب والحضارة الغربية، رغم أنه ثبت بالدليل القاطع فشل هذا الأسلوب، ولكن هذا الفشل يحتفى به، وبكثير من الآراء والاتجاهات التي انتهت وأثبتت فشلها، أما صوت الحق فما زال ضعيفا، والتيار الإسلامي إمكانياته محدودة بالنسبة لإمكانيات الدول التي تمول هذه الآراء وتتفق عليها، وأنا أقول للباحثين الإسلاميين أنهم مقصرون في هذا الجانب، من حيث الدراسة والأبحاث التي يجب أن تنشر، وبعد انهيار الاتجاهات والآراء العلمانية التي كانت متبعة في كثير من الدول، كان ينبغي أن تنهال مطارق الإسلاميين على هذه الانهيارات، وتدعم الوحدة الإسلامية، لكن للأسف رد الفعل ما زال ضعيفا جدا.

مسلسل الجماعة

· ما هي انطباعاتك عن مسلسل "الجماعة" للمؤلف وحيد حامد؟

ـ أنا لا أعرف شيئا عن هذا المسلسل، ولم يستشرني أحد في مضمونه، وقد طلبت من المنتج نسخة من السيناريو، وأنا بالفعل شعرت بالقلق حيال مضمون المسلسل، أولا: بسبب شخصية المؤلف نفسه، الذي لم يكن يوما من أنصار الرؤية الإسلامية، لأنه يساري علماني، وثانيا: لو كان حسن النية لاتصل بي وعرض علي السيناريو، وثالثا: صحيفة "المصري اليوم" نشرت مشهدا من مشاهد المسلسل، وهو غير حقيقي وغير صادق، والقانون اشترط على من يتناول حياة الشخصيات العامة أن يكون ذلك بحياد تام، ولا يذكر إلا الحقائق عن هذه الشخصية من الرؤية العلمية والتاريخية، وليس رأيه الشخصي.

· هل يعني هذا أن كل الأعمال الدرامية التي تناولت شخصية الإمام البنا راجعتها؟

ـ لا.. وأنا أقول هناك فرق بين الحقائق وبين تقييمها من وجهة نظري، فالحقائق لابد ان تكتب كما هي، والاختلاف يجب يكون في تقييم الحقيقة من وجهة نظر المؤلف للشخصية التاريخية، فينبغي أن أطرح الموضوع أولا كما هو بحقائقه، أما التعليق عليه فهو حرية شخصية، وكل ما أطلبه أنه ليس من حق أي شخص أن يسيء إلى الآخرين، أو أن ينسب لهم وقائع غير صحيحة.

· هل هناك مشروعات درامية عن الإمام حسن البنا سوف تظهر قريبا؟

ـ نعم هناك مشروع مسلسل عن شخصية الإمام وتاريخه وفكرته، وهو أشبه بمسلسل وثائقي، من خلال بعض المنتجين المحايدين من خارج مصر، وهم يسعون لإنتاج مسلسل محترم وذو قيمة علمية وتاريخية ووثائقية عالية عن حسن البنا، وأنا أدعم هذه الفكرة بكثير من الحقائق، والتصوير لم يتحدد حتى الآن، وأعتقد أنه سيكون قريبا إن شاء الله تعالى.