ضابط منشق يكشف لـ«القدس العربي» أسرار ارتباك النظام

ضابط منشق يكشف لـ«القدس العربي»

أسرار ارتباك النظام عند بدء الثورة في درعا

انطاكيا ـ «القدس العربي» التقت «القدس العربي» بضابط انشق عن جيش النظام السوري قبل قرابة ستة أشهر، بعد وجوده مع مراكز القرار العسكري بدرعا جنوب البلاد، وكشف الضابط المنشق سليم أبو عمر لـ «القدس العربي»عن معلومات سرية كانت تتداول بشكل سري للغاية بين قيادات الأسد العسكرية والأمنية، الذين يتمتعون بصلة قرابة من العائلة الحاكمة بسوريا، وتقع تحت أشرافهم غالبية المناطق في محافظة درعا جنوب البلاد. «الضابط المنشق» بدأ حديثه عن الأشهر الأولى من الحراك الشعبي بدرعا ضد نظام حكم آل الأسد قائلا: «لن أنسى تلك اللحظات التي تلت وصول خبر إسقاط تمثال «الأسد» في درعا، اتصالات مكثفة على الخطوط العسكرية وأوامر متضاربة، جل القيادات العسكرية كانت غائبة عن عملها، فلتان أمني كبير في الكتائب العسكرية».

يتابع «ثلاث ساعات فقط مرت قبل مشاهدة قافلة كبيرة من السيارات العسكرية المصفحة تدخل المنطقة من خلال «الطريق العسكري» الواصل بين السويداء ودرعا، وعند وصل تلك القافلة واستقرارها في «الملعب البلدي» القريب من البانوراما في درعا المدينة، أتت 4 طائرات مروحية إلى الملعب أيضاً، وفجأة تغير مكان الاجتماع إلى أحد الكتائب البعيدة قليلا عن المدينة».

وأضاف الضابط المنشق انه «قبيل هذه اللحظات خرج ماهر الأسد من الطائرة رقم 4، وبرفقته عناصر حراسة بأجساد ضخمة، ليترجل متوتراً باتجاه قائد لواء الدبابات وهو برتبة عميد، وصفعه بشدة وهو يسب ويشتم قائلاً للعميد يا حيوان، بدي قوصك واحسب الله ما خلقك، تمثال بوقع وانت تبقى عايش، والله تأحرقك انت ودرعا سوى».

يضيف: «هنا هدأت الأجواء قليلاً وغادر 26 ضابطا الملعب البلدي إلى المكان الجديد ومعهم ماهر الأسد، الذي بقي لمدة 4 ساعات متواصلة، وضعوا خلالها الخطة العسكرية للثأر من أبناء درعا بسبب اسقاطهم تمثال الأسد».

وذكر الضابط المنشق بعض اسماء الذين كانوا موجودين في هذا الاجتماع وهم «العقيد لؤي علي العلي رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا، العقيد جهاد محلا قائد الكتيبة 865، اللواء محمد خير بك ضابط له مناصب كبيرة في الحرس الجمهوري، العقيد سهيل الحسن من المخابرات الجوية، والعميد وفيق الناصر رئيس فرع الأمن العسكري بالسويداء، وضباط آخرون».

وبعد هذا الاجتماع، «بدأ العمل العسكري ضد الحراك الشعبي السلمي، وأصبحت تقارير ساعية ويومية ترفع إلى القصر الجمهوري بعدد القتلى، وهي تصل إلى بشار الأسد حصراً، وحصلت تنقلات عسكرية لبعض الضباط «السنة» من درعا، كذلك للمتطوعين والجنود العاديين».

يقول ان: «الدور الأكبر في العمل العسكري كان للعقيد لؤي علي رئيس الأمن العسكري في درعا، ولكن ما كنت استغربه في تلك الأوقات هو مشاركة عشرات المتطوعين بالأمن العسكري في العمليات، واضعين «الأقنعة التي تخفي وجوههم».

يتابع الضابط المنشق ان «الأوامر العسكرية طالبت القيادات بتسريب البنادق إلى الأهالي، واللباس العسكري رغم علمهم بامتلاك أهل درعا للأسلحة الخفيفة، ولكن الفكرة هنا هي توريطهم بالعمل العســـكري، على انه من مستودعات الجيش السوري، ونجحت الخطة وسربت عشرات البنادق إلى المدنيين، وبدء تحرك الدبابات، وقصف درعا، لكيلا ننسى الهدف من كل هذا وهو الثأر لتمثال حافظ الأسد».

يبين انه «بعدها أصبحت الأمور اعتيادية من ناحية القصف، وحتى الأهالي اعتادوا على ذلك، جيش النظام يقتل، وهم يشيعون قتلاهم ويتظاهرون، وسمحت قيادة الجيش حينها للمسلحين بقتل عشرات العناصر النظامية، بهدف الترويج إلى عملهم إعلاميا، وتغطيه ما يتم على الأرض». وفي منتصف عام 2012، وفي أحد الجلسات مع الضابط «العقيد جهاد محلا»، وهو برتبة «عقيد ركن»، وله صلة قرابة من بشار الأسد عائلياً، وكذلك من رامي مخلوف من جهة زوجته، قال للضابط المنشق «لك بتعرف غالب كلام العرعور، الموجه ضد العلويين حقيقة، وبيعرف كيف منفكر». يبين، هنا تغيرت ألوان وجهي وبدا علي الاضطراب، فقال لي: بيـــناتنا بعرف انك مــــتابعو للعرعــــور بالسر، وفي الأيام التالية بدأ «العقيد» يتابع كامل حلقات الشيخ «محمد العرعور»، ويطلب مني الحضور إلى مكتبه لحضورها معه.

يقول: «كان الخوف يسيطر علي طوال هذه الفترة، كنت خائفاً من «العقيد» الذي بدا يريد توريطي في هذا الأمر للتخلص مني، ولكن مع توالي الجلسات شعرت بنوع من الراحة النفسية والاستقرار».

وفي أحد الأيام جلست والعقيد أمام مكتبه، فقال لي: «يا سليم نحن من أربعين سنة تعبنا على حالنا، جهزنا كل شيء لمثل هذه الأيام»، فقلت له لم أفهم يا سيدي، فأجاب: «بلى لقد فهمت وتعرف ما أقصد، التزمت حينها الصمت والصمت الطويل وهو يكمل حديثه، نحن منعرف انه ما بدكن العلوية، وحاجة تقولوا ثورة وطنية، ثورتكم هي ثورة سنية».

ويتابع: ما تدعونها من «ثورة» ما هي الا «تمرد سني» ضد النظام العلوي، وهتافاتكم وشعاراتكم في الشوارع، ما هي إلا الوجه الآخر لشعارات «المقاومة» والممانعة، نحن وانتم نختبئ وراءها لتحقيق الغايات والأهداف

وأضاف «يا سليم، بشار لن يبقى طوال العمر رئيسا، ونحن متأكدون انكم لن تربحوا المعركة، بس وحياتك لن نجعلكم ترتاحون يوم، ولندفّعكم ثمنا كبيرا جدا، وهنا قاطعته قائلا: «ياسيدي لماذا توجه الكلام لي؟»، انا ما زلت أقوم بعملي ولن أتراجع، فأجابني: « انت معنا، لكن وين اهلك؟، كلهم من شلة العرعور، وكلهم يكرهون بشار والطائفة، ونحن نعرف هذا الشيء».

واستدرك قائلا: «والله لنحرق الأخضر واليابس قبل ما نروح، مفكرين الشغلة لعبة، نحن وانتو منعرف انه المعركة هي معركة سنية ـ علوية، لن نرحل قبل ما نقتل مئات الآلاف منكم، وحتى نجعل الغوطة وحمص تغرق بدمائكم، وتذكر كلامي».