مع الدكتور جابر قميحة

أسئلة وإجاباتها

دكتور جابر قميحة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

وجه الأسئلة رئيس تحرير مجلة السراج

1ـ أنتم كدارسين للأدب العربي عمومًا كيف تنظرون إلى مكانة الأدب الموريتاني ضمن هذا الأدب؟

ج ـ مما يؤسف له هناك حقيقة مُرة وهي أننا ـ في بلاد المشرق العربي ـ وربما بلاد المغرب أيضًا نجهل أداب هذه الشعوب. بل بصفة عامة نجد أن الأدباء العرب منفتحون على آداب الآخرين، ويجهلون، أو يغفلون الأدب العربي أو الإسلامي، ومثال ذلك أننا نجد أن العرب يعرفون كثيرًا عن طاغور، ويجهلون كل شيء عن محمد إقبال. وهي ظاهرة تحتاج إلى توقف طويل، ووضع حلول لها.

س2: اشتهرتم من بين قلة آخرين بأنكم كنتم من اهتم بالأدب الإسلامي إبداعًا ونقدًا، وتنظيرًا، برأيكم هل بلغ هذا المنتج من هذا الادب مرحلة تمكنه من أن يكون مدرسة مستقلة في ذاتها وبخصائصها الفنية وبرموزها؟

ج: أعتقد حتى الآن لا، ولكن الذي يطمئننا أن هذا الأدب في تقدم مطرد، وهذا يبدو في مظهرين:

الأول: زيادة عدد الأدباء الإسلاميين وخصوصًا الشباب، وزيادة إنتاجهم.

الثاني: أن الآخرين الذين كانوا ينكرون هذا اللون من الأدب بدءوا يعترفون بوجوده وفاعليته، وإن كان العلمانيون يرفضون تمامًا هذا النوع من الأدب؛ لأنه يهز من مكانتهم، ويهدد غثاءهم الذي يسمونه أدبًا.

س3: تابعتم كغيركم من دون شك برنامج أمير الشعراء، وهو برنامج نظر إليه على نطاق واسع بأنه برنامج يراد منه إحياء الشعر، والنفخ في صوره، كيف نظرتم كنقاد ومشتغلين بالأدب إلى هذا البرنامج؟

ج3: حقيقة لم أفهم المقصود بالسؤال، هل أمير الشعراء شوقي؟ أم ماذا؟ آمل أن تزيد هذا السؤال توضيحًا وتفتيحًا.

س4: رابطة الأدب الإسلامي العالمية تشهد منذ فترة فتورًا كبيرًا، هل استطاعت القيام بدورها المنوط بها على أكمل وجه؟

ج: أنا معكم فيما ذهبت إليه، وقد يكون للأوضاع السياسية في بعض البلاد العربية والإسلامية، دخل كبير في هذا، فبعض هذه الحكومات ينظر إلى هذا الأدب بحذر، اعتقادًا بأنه صادر عن جماعة إسلامية سياسية معينة. وندعو الله أن يزيل من طريق الرابطة كل العقبات، ثم أحب أن أشير إلى أن الذي يريد أن يكتب في الأدب الإسلامي لا يحتاج إلى أن يكون عضوًا في رابطة.

س5: كتبتم كثيرًا عن الإسلامية منهجًا في الحياة، وتحدثتم عن كثير من التجارب السياسية، والفكرية الإسلامية، حسب علمكم كيف تنظرون إلى التجربة الإسلامية المغاربية بشكل عام وماذا عن التجربة الموريتانية بشكل خاص؟

ج: أيضًا مما يؤسف له أننا في مصر ننظر إلى التجربة المغاربية على أساس أن المقصود بها بلاد المغرب، وخصوصًا مملكة المغرب العربي، لأنهم أكثر نشاطًا، وأكرر أسفي لأننا لا نعرف كثيرًا عن التجربة الموريتانية.

بل هناك في مصر ـ وهذا شيء يؤسف له ـ من يعتقد أن الموريتانيين يتحدثون لغة غير العربية.

س6: ظاهرة المابعدات، ما بعد النهضة، ما بعد الحداثة، كيف تنظرون إليها، وهل تشاطرون من يرى أنه من المتوقع أن نشهد مرحلة ما بعد "الإسلامية.

ج: في الواقع هو تطلع واستشراف للمستقبل، وبعضه يتحقق وبعضه لا يتحقق، فالمسألة ترجع إلى قدرة "الناظر" وإمكانته اللغوية والأدبية، والفكرية، ويحتاج ذلك أيضًا إلى نوع من الشفافية، ولأضرب مثالاً برؤية عباس العقاد، فقد كان يرى في حياته في النصف الثاني من القرن العشرين، أن الشيوعية مصيرها إلى الذبول، والإنمحاء، وأن الاتحاد السوفيتي مصيره إلى التفكك، وتحقق كثيرٌ من استشرافه هذا.

أما مرحلة ما بعد الإسلامية فأنا أعتقد أن ذلك لن يحدث؛ لأن الأدب الإسلامي وتوابعه من نقد وغيره ينطلق من الإسلام، وهو دين خالد لا يمكن أن يموت.

 

س7: كنتم من أبرز من قارع المد العلماني بشكل عام، والمد الحداثي بشكل خاص بعد كل تلك السنين المباركة ما الذي تريد اليوم أن تقوله للعلمانيين وللأمة المسلمة الأخرى؟

أقول للعلمانيين لقد أسأتم إلى الأدب وإلى اللغة إساءات بالغة، لما اتسم به كلامكم الذي ـ تسمونه أدبًا ـ من غموض وجناية على اللغة، وجمود، وتقليد أعمى لمعطيات الغرب، أقول لهم: كفى اهتراءً وجنايات وعودوا إلى حضن اللغة العربية، فمن كان عنده موهبة منكم، فليحاول أن ينميها ويربيها في حقل الدين والعقل، والفكر السوي، نعم كفى شذوذًا؛ لأنكم انكشفتم وانفضحتم  في عيون العقلاء، والعلماء والمفكرين الأسواء.

وأقول للأمة الإسلامية إن البقاء للأصلح: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17).

وأقول لوسائل الإعلام في البلاد العربية والإسلامية، واجبٌ عليكم أن تسلطوا أضواءكم على الأدب الإسلامي، فهو أدب الدين والدنيا، وهو أدبٌ تربوي بمعنى الكلمة، يحمل رسالة يريد أن يحققها في شعوبنا وخصوصًا بين الشباب.

س8: أزمة العلاقة بين طوائف الأمة المسلمة عادت بقوة إلى الواجهة، خصوصًا العلاقة بين السنة والشيعة، كيف تنظرون كمفكر إسلامي إلى تلك العلاقة واقعًا، وكيف ترون أنها يجب أن تكون؟

إنها ظاهرة مؤسفة وصلت إلى حد "التكفير"، وهذا مرفوض دينًا وعقلاً، وقد جاء في الأثر ما معناه: من كفر أخاه، فقد باء بها. وسئل الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ عن الخوارج: أكافر هم؟ فأجاب: "لا، بل من الكفر فروا، إنما هم إخواننا بالأمس، بغوا علينا اليوم، ولهم ما لنا وعليهم ما علينا ما أقاموا الصلاة".

وعلينا ـ أهل السنة والشيعة -  أن نتناسى كل خلاف فالخلافات مسألة تاريخية، وانتهت ويجب أن يوحد المسلمون جهودهم في مجابهة أعداء الأمة ، وأعداء الإسلام الذين يفيدون من اختلافاتنا وتضاربنا، فنحن متفقون على الأساسيات، فليعذر بعضنا البعض الآخر فيما اختلفنا فيه، فليس هناك خلافٌ بين أهل السنة وأهل الشيعة في تعريف العدو المشترك، وفي شرعة الجهاد، وفي دستورية القرآن، وفي قيمة السنة، وفي تبجيل أهل البيت. في هذه الحال إذا تمت هذه الوحدة ولو في خطواتها الأولى، ستقف القوى المضادة عند حدها، وتعمل للأمة الإسلامية ألف حساب.

س9: تصنف بشكل عام على أنك من أبناء حركة الإخوان المسلمين، وهي كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، ماذا عن خطاب الإخوان المسلمين بعد كل أكثر سبعين سنة ظهورهم إلى اليوم خطاب سياسة وبناء مجتمعيًا إلى غير ذلك؟

أنا أعتز بأنني تربيت في حقل الإخوان المسلمين منذ خمسة وستين عامًا، أي وأنا في العاشرة من عمري، ولهم الفضل عليّ في توجيهي الوجهة الصالحة، بل وفي تعلم الخطابة، وتزويدي بكل نافعٍ ومفيد من فكر وقيم.

وقد أثبتت الأحداث أن الإخوان المسلمين، هم كبرى الحركات الإسلامية في القرن العشرين، كما ذكر الدكتور إسحاق موسى الحسيني في كتابه "الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية في القرن العشرين"، وثبت أن الإخوان في ازدياد، وتقدم مطرد، فهم منتشرون الآن في سبعين دولة من العالم، وقدر الخبراء الأجانب عددهم بمائة مليون. وأنا أقول إن الإخوان بدءوا جمعية، ثم صارت جماعة، ثم صارت الجماعة تيارًا قويًّا، متجذرًا في قلوب كل من درس هذه الدعوة. وأصبحت هي الجماعة الأولى التي يخشاها أعداء الإسلام، ويعملون لها ألف حساب. (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 17).

س10: تشهد الساحة الإسلامية عدة تيارات فكرية داخل جسم الصحوة الإسلامية، أين أنتم وموافقة من هذه التيارات؟

كما قلت سابقًا أنا جندي من جنود الإخوان المسلمين في جيش الحق، والواقع أن التيارات الأخرى تعد فرعية ضعيفة، بالنسبة للتيار الأم المتمثل في الإخوان المسلمين.

س11: تعرض التراث الإسلامي لقراءات ومحاولات تفسيرية متعددة بدءًا بالمستشرقين وبالتيارات العلمانية وطوائف الإسلاميين برأيك ما هو المنهج الأصوب لقراءة التراث قراءة واعية تقدمه في صورة قادرة على التأثير في الحاضر والإسهام في بناء المستقبل؟

لا بد أن يتحصن دارس التراث بحصنين متينين الحصن الأول: هو التدين الصحيح، والحصن الثاني: هو الثقافة الموسوعية، والقدرة على التعامل مع التراث بعقلية فاعلة، لا عقلية قابلة على طول الخط، أو عقلية رافضة على طول الخط. ومن أخطر ما نرى أننا نحكم على المستشرقين حكمًا واحدًا عامًا وهو: رفض كل ما يكتبونه والنظر إليهم على أساس أنهم أعداء الإسلام والفكر الإسلامي، وهذاخطأ إذ لا بد من دراسة كل مستشرق على حدة،ً فمنهم كثيرون نفعوا العلوم الإسلامية، والفكر الإسلامي ومن هؤلاء: زيغريد هونكه في كتابها "شمس الله تشرق على الغرب". حتى لو كان إنتاج المستشرق متناقضًا فلنأخذ الجزء الذي يتفق مع عقيدتنا، فمثلاً توماس كارليل تحدث عن محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أساس أنه بطل مثالي، ولكنه بجانب ذلك، كتب عن القرآن كتابة سيئة، فلنأخذ منه الحسن ولنرد عليه الخبيث.

هذا هو المنهج الصحيح الذي يدعو إليه في قوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).

س12: كتبتم عن الإمام الشهيد حسن البنا مقالات تنضح بالعاطفة الجياشة والحب المتقد بعد 60 سنة من وفاة الشيخ البنا لو تصورت أنك لقد لقيته ما هو أول شيء ستقوله له؟

أنا كتبت عنه كتابًا بعنوان "الإمام الشهيد حسن البنا بين السهام السوداء، وعطاء الرسائل". كما أني كتبتُ حديثًا كتابًا بعنوان "الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد"، وقبل ذلك كتبت عددًا كبيرًا من المقالات، ونظمت عددًا من القصائد الشعرية في شخصيته. ولو التقيت به الآن لقبلت عينيه ويديه، وقلت له: خلدك الله يا إمامي في الجنة، فمبادؤك وتعاليمك هي سر سعادتي في الدنيا التي نتخذها ممرًا للآخرة.

س13: نصيحة عامة، وكلمة ختام تهديها إلى الموريتانيين أولاً وإلى الأمة المسلمة؟

أقول للأخوة الموريتانيين بارك الله لكم، وفيكم، وأقول كما قال سيدي رسول صلى الله عليه وسلم: "ألا أن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار" فكن مع إسلامك دائمًا، يكن الله معك. وتزودوا أيها الإخوة بعلوم الدين وعلوم الدنيا. وأقول للأمة الإسلامية: أفيقي أيتها الأمة، فأعداؤك يتكاثرون ويكثرون، أما أنتم فشعوبكم دائمًا في خلافٍ وتطاحن... التفوا أيها المسلمون حول راية لا إله إلا الله... محمد رسول الله عليها نحيا وعليها نموت، وفي سبيلها نقاتل وعليها نلقى الله.