حوار مع المعتقل السياسي الكردي حسين داوود

حسين داوود

حاوره: بيروز- لاوكي مشكين

القضية التي اعتقلت من أجلها أكبر من الأفراد

حسين داوود

تجربة حسين داوود هي إحدى التجارب المريرة ,بل قد تكون الأقسى بين تجارب آلاف الشباب الكرد ، الذين هاجروا من الجزء الكردستاني الملحق بسوريا إلى أورباهربا من الاضطهاد القومي ،وسياسات الإنكار والإقصاء والضغط الاقتصادي الناجم عن الإفقار الممنهج ، وأملاً بالعيش في ظلال الحرية والانفتاح حيث لا تغيب ولااحكام عرفية ولا سجون.

ولد حسين داوود في قرية تل حبش عام 1971وانتقلت عائلته إلى مدينة عامودا حيث درس في مدارسها، وبعد إتمامه للمرحلة الثانوية استقر في دمشق ليدرس علم الاجتماع وقبل إنهاء دراسته الجامعية قرر السفر إلى ألمانيا ،وبالفعل هاجر حسين إلى بلاد الاغتراب وهناك تقدم بطلب لجوء إنساني لم يبت بأمره من قبل الحكومة الألمانية إلا بعد مرور خمس سنوات استغلها حسين داوود ليقوم بدور سياسي من خلال اشتراكه في نشاطات الجالية الكردستانية في ألمانيا .لكن طلبه قوبل بالرفض، وصممت الحكومة الألمانية على ترحيله إلى سوريا رغم علمها بأنه سيتعرض لمعاملة قاسية إن سلم إلى السلطات السورية، وبقي حسين في السجن الألماني مدة شهرين فشل خلالها في انتزاع ضمانات بعدم اعتقاله، أو تعذيبه في سوريا وتم ترحيله جواً إلى دمشق مرورا باسطنبول وفي مطار دمشق وجد في استقباله عناصر المخابرات مزودين بثلاث مذكرات توقيف (مذكرة من فرع أمن الدولة 330بالقامشلي، ومذكرتين صادرتين عن فرع 279 بدمشق بالإضافة إلى ثلاث مذكرات لمراجعة الفروع الأمنية (فرع إدارة المخابرات العامة 285، فرع فلسطين 235، فرع إدارة الهجرة والجوازات ) هذا مع العلم أن السفارة السورية في ألمانيا أكدت انه غير مطلوب امنيا؟!!!!!!!!!!

يعيش حسين داوود الآن في دمشق،ويعمل في إحدى معامل الألبسة كما يسعى إلى متابعة دراسته في علم الاجتماع .

واليكم نص الحوار الذي أجريناه معه.

- بعد أن وصلت إلى مطار دمشق، واستقبلك عناصر الأمن .... إلى أين أخذوك ؟وأين انتهى بك المطاف؟

قبل نقلي من المطار سمحوا لي بلقاء أخي لمدة لا تتجاوز خمس دقائق، ثم اقتادوني إلى الفرع 279 بدمشق، بقيت فيه 15 يوما تعرضت خلالها لتعذيب نفسي وجسدي ،حولوني بعدها إلى فرع امن الدولة 330بالقامشلي خلال رحلة نقلي من دمشق إلى القامشلي قضيت ليلة في فرع امن الدولة بحلب، ومع وصولي إلى القامشلي بدأت جولة أخرى من التعذيب والتحقيقات على إثرها ساءت حالتي الصحية ونقلوني إلى مشفى بنك الدم بالقامشلي بعد أن طلبت منهم ذلك...........

- هل قاموا بعلاجك؟

كان فحصا شكليا، ولم يسمحوا ببقائي في المشفى حتى أتعافى رغم معاناتي من مرض في الكلى ، ثم حولت إلى الفرع 285(فرع إدارة المخابرات العامة ) بدمشق وبقيت 14 يوماً لم تكن أفضل من سابقاتها وانتهى بي المطاف في سجن صيدنايا العسكري استقبلوني بـ (بوكس)على وجهي ، ووضعوني في المنفردة فترة ثمانية أشهر ومن ثم أودعوني في المهاجع ، وقد زارني آنذاك دبلوماسي ألماني.

- ما هي قصة زيارة الدبلوماسي الألماني لك في سجن صيدنايا؟

إن مفهوم حقوق الإنسان الذي ناضلت من أجله الحضارة الغربية الحديثة يلعب دوراً مؤثراً في الرأي العام الأوربي واتضح ذلك من خلال تعاطف الرأي العام الألماني مع مأساتي كما أن قيام الجالية الكردية في ألمانيا بمظاهرات واعتصامات ويضاف لذلك دور الصحافة في إثارة قضيتي ضغط على الحكومة الألمانية فقد قام الدبلوماسي الألماني بزيارتي في سجن صيدنايا بعد أن مضى على اعتقالي ثمانية أشهر و عائلتي لا تعرف عني شيئاً، و سألني أسئلة كثيرة حول تداعيات سجني واعتقالي بالطريقة المذكورة.

- هل مازالت أوربا حلما ورديا يحلم به حسين داوود على الرغم من تنكرها لك و إبعادك ؟

قط لم تكن أوربا حلما ورديا، فقد كنت أسعى لنيل فرصة أقوم من خلالها بتطوير نفسي وتنمية فكري، وتحقيق متطلبات العيش الحر الكريم، كانت أوربا المكان الأمثل لإعداد حسين داوود ثقافيا واقتصاديا لكن شاءت الأقدار أن يرفض طلبي لنيل حق اللجوء، ويتم ترحيلي وأن أصبح أول ضحايا هذا الإجراء المنافي لمبدأ عدم الرد المنصوص عليه في شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

- ما هي وسائل التعذيب التي استخدمت معك؟

مجرد احتجاز الحرية هو أبشع تعذيب فكيف إذا اقترن ذلك بالضرب المبرح بالكبل الرباعي ، واستخدام الكهرباء و الدولاب و الإهانات المتواصلة التي لا تليق بالإنسان ،وسوء المعاملة من قبل السجانين.

- حول ماذا كان يدور التحقيق معك؟

أسئلة كثيرة منها ما يتعلق بأسماء نشطاء الحركة الكردية و النشاطات التي يمارسونها ،وعن المظاهرات في الخارج وإعداد المشاركين فيها وأسمائهم والشعارات التي يتم رفعها و بالأخص مظاهرة بون 24/4/1997 كما استفسروا عن المعارضين السوريين في الخارج وسألوني عن أشخاص لم أكن أعرفهم.

- كيف تمت محاكمتك وما التهمة التي وجهت لك؟

تم تحويلي إلى نيابة محكمة أمن الدولة العليا في دمشق ووجهت إلي تهمة الانتماء إلى جمعية سرية تهدف إلى اقتطاع جزء من الأراضي السورية و إلحاقها بدولة أخرى لم يصرح عن اسمها ،و المشاركة في المظاهرة التي قامت بها الأحزاب الكردية أمام السفارة السورية في بون بألمانيا بتاريخ 24/4/1997 ،وصدر الحكم بتاريخ 20/3/2002 بالسجن لمدة ثلاث سنوات و خفضت إلى سنتين مع التجريد من الحقوق المدنية.

-هل فكرت بطلب تعويضات من السلطات الألمانية لأنها كانت مسؤولة بشكل مباشرعن مأساتك بالرغم من تأكيدك لها بأنك ستتعرض للاعتقال والمعاملة القاسية في بلدك؟

كلا لأنني لست ملماً بالاجراءت والقوانين التي تحكم مثل هذه القضايا ،حتى السفارة الألمانية لم تستمع إلي ولست هناك كما أنني لم استشر أي محام وأنا الآن ضحية من ضحايا عدم منحي حق اللجوء في ألمانيا ،وهذا يتنافى مع مبدأ عدم الرد وهو مبدأ مصون بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان حيث يحظر على الدول إعادة أو تسليم أي شخص إلى دولة أخرى إذا كان من شأن ذلك تعريضه لخطر التعذيب أو الاختفاء القسري ،و يشمل ذلك إعادة أولئك الذين ترفض طلبات لجوئهم التي يتقدمون بها من دولة اللجوء إلى بلدانهم رغم انه لدي الحق في رفع دعوى تعويض ضد السلطات الألمانية ولكنني لا أفكر بذلك في الوقت الراهن كوني ممنوعاً من السفر والحصول على جواز أيضاً .

هل لك أن تذكر لنا حادثة أثرت فيك خلال فترة الاعتقال؟

كان لقائي القصير بأخي التوأم في المطار حادثة هزت كياني و مازلت أتذكر تفاصيل الحوار الذي دار بيننا. كما جرت معي حادثة أخرى أثرت فيّ كثيرا عندما جاؤوا بأمراة كردية مقبوض عليها تدعى شيرين عثمان تحمل جنسية أوربية وكان برفقتها طفلان وقد قابلوني معها وسألوني عن معرفتي بها، وعن مشاهدتي لها في مظاهرة بون و أجبتهم بالنفي واخذوا مني تصريحاً خطياً بذلك.

- بعد انقضاء فترة الاعتقال كيف تصف لنا شعورك وأنت تخرج من بوابة السجن؟

الإنسان بالفطرة يحب أن يكون حراً من القيود بكل أنواعها بعيداً عن الزنزانات المنفردة وجدران السجن المظلم الذي عشت فيه عامين وتسعة أيام كل تلك العذابات أصبحت ذكرى لحظة استنشاقي نسيم الحرية خارج سور السجن، لأنه شيء رائع أن تنعتق من القيود وقد خفف عليّ ألمي إيماني الراسخ بعدالة القضية الكردية كما كنت متلهفاً لمدينتي عامودا التي غرست في نفسي حب الإنسان والأرض والحياة.

- هناك معتقلون سياسيون يعتزلون السياسة بعد الإفراج عنهم أو يلجاْون للعزلة والانطواء ما هي سر هذه الحيوية التي يتميز بها حسين داوود حيث نراه مشاركاً في

معظم النشاطات و الحملات التضامنية والمظاهرات و الاعتصامات؟

 

لا شك هذا يعود بالدرجة الأولى إلى شخصية الإنسان ونفسيته، ومدى إيمانه بقضيته التي اعتقل من اجلها ،فبعض المعتقلين لا يملكون الإرادة الكافية والقناعة القوية كي يستمروا على نهجهم وهذا قد يعود إلى قسوة المعاملة أو إلى عدم امتلاكهم الوعي الكافي إزاء هدفهم الذي اعتقلوا من أجله ،ويعود أيضا لسوء معاملتهم وإهمالهم من قبل حركتهم وبالرغم من ذلك يجب أن يبقى السياسي المعتقل وفياً لالتزامه القومي والأخلاقي و فالقضية التي اعتقلت من أجلها أكبر من الأفراد.

- مازلت طالباً في كلية الآداب قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق كيف ترى الحراك الطلابي الآن وهل استمر هذا الحراك بنفس الوتيرة التي سادت في الفترة التي تلت إطلاق سراحك وصولاً لانتفاضة آذار 2004؟

للأسف تراجع الحراك الطلابي السياسي و الثقافي الآن، ولا أعتقد أنه يمكن مقارنته بالحراك الذي ساد المرحلة التي ذكرتها لأن تلك المرحلة شهدت بداية كسر حاجز الخوف من خلال النزول العلني إلى الشارع مضافاً إليه انعكاسات ربيع دمشق وظهور المنتديات وتبلور المعارضة و أتمنى أن تعود تلك الأجواء إلى الجامعات لأن حركة الطلبة إحدى الركائز الأساسية لتطور المجتمع.

- كونك من أنصار الفكرة القائلة بأن الحركة السياسية الكردية غير مقتصرة على الأحزاب فقط بل تشمل المثقفين والناشطين وشرائح مجتمعية أخرى ولأنك من الناشطين في هذه الحركة السياسية هل بمقدور الحركة الكردية أن تحقق انجازاً سياسياً على أرض الواقع بإمكاناتها الحالية.؟

كما هو مطلوب من السياسي أن يقوم بواجبه تجاه قضيته كذلك مطلوب من المثقف أيضاً وربما للمثقف دور اكبر من السياسي خاصة في بناء الإنسان الكردي معرفياً وثقافياً أما بخصوص الحركة الكردية فعليها استجماع قواها وإمكاناتها في بناء مرجعية كردية شاملة، حينئذ استطيع القول بأن الحركة الكردية بإمكانها أن تحقق للشعب الكردي في سوريا انجازات سياسية كبيرة.

هل ترى الطرح الداعي إلى تبني تسمية الكردستاني طرحاً واقعياً أم هو ضرب من المراهقة السياسية؟

من الضروري أن تخرج الحركة الكردية من النطاق الضيق لتسمية (الكردي) إلى نطاق أشمل مع الآخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا التوجه مجمعاً عليه من قبل كافة التنظيمات الكردية في سوريا حينئذ لن يكون قرار الحركة ضرباً من المراهقة السياسية.

هل تفضل تسمية السوري العربي بالأخ أم بالشريك في الوطن وهل ترى اختلافا بين الصفتين؟

 

صفة الشراكة في الوطن هي الصفة الأكثر تعبيراً فيما يتصل بعلاقة الكرد والعرب فقد غبن الكرد تحت تسميات كثيرة ولم يستطيعوا نيل حقوقهم رغم مناداتهم للعرب بصفة الأخوة أي أن صفة الشراكة تؤسس لعلاقة تكاملية بين الطرفين لا يتعدى أي طرف على حدود الآخر وحقوقه؟

وفي الختام أشكر القائمين على الحوار كما أتوجه بشكر خاص للإعلام الكردي الإلكتروني الذي أصبح متنفساً شبه وحيد لإيصال صوتنا ومعانتنا إلى الرأي العام.