سوريا.. قبضة «المخابرات» تجعل «المنفى هو الحل»

سوريا.. قبضة «المخابرات» تجعل «المنفى هو الحل»

المراقب العام علي صدر الدين البيانوني

جمال شاهين

فقدت جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا مقومات وجودها داخل وطنها بقوة المخابرات وسياسة الحديد والنار ككل التيارات السياسية التى رفضت أن تفرغ من محتواها ومنهجها، إضافة إلى الابتعاد عن خط وفكر الجماعة تحت مفعول القانون سيئ السمعة رقم ٤٩ القاضى بقتل المنتسبين لها.

ومع تعذر الحديث عن الإخوان المسلمين أو معهم من دمشق، بسبب هذا القانون، أجرت «المصرى اليوم» الحوار التالى مع على صدر الدين البيانونى، المراقب العاشر للجماعة منذ نشأتها، المقيم فى لندن، والذى تولى رئاستها عام ١٩٩٦، فى محاولة لفهم مواقف الجماعة التى يعيش غالبية أعضائها بالمنفى.

■ ألهذا الحد يستحيل على أعضاء الجماعة فى سوريا الإقامة فى بلادهم؟

- لا يدرك الذين لم يتابعوا تاريخ جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا، حقيقة المحنة التى يعيشها أبناء هذه الجماعة وطبيعتها، لقد مرت جماعة الإخوان منذ تأسيسها بثلاث مراحل تاريخية أساسية، الأولى منذ التأسيس ١٩٤٥ وحتى الثامن من مارس ١٩٦٣، حيث كانت الجماعة تمثل شريكا وطنيا حاضرا وفاعلا فى الساحات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية،

أما المرحلة الثانية فبدأت منذ ٨ مارس ١٩٦٣ وحتى عام ١٩٧٩، حيث اضطرت إلى الدخول فى مرحلة العمل السرى، فى ظروف الإقصاء والمطاردة، ورغم هذه الظروف فقد كان دور الجماعة فى الحياة العامة يتنامى تحت عناوين ولافتات كثيرة، وبدأت المرحلة الثالثة بحلول ١٩٧٩ وحتى اليوم، حيث قادت سياسات النظام الاستئصالية والأحادية، إلى صدام مع المجتمع السورى بكل أطيافه، لكن النظام حمّل الجماعة مسؤولية هذا الصدام، وشن عليها حرب إبادة، واستعمل مع أبنائها وأنصارها ومؤيديها سياسة الأرض المحروقة، وأصدر القانون (٤٩) لعام ١٩٨٠ الذى يحكم بالإعدام لمجرد الانتماء إلى الإخوان،

ولذلك غادر كثير من أبناء الجماعة وكوادرها التنظيمية أرض الوطن، ومازالوا بأعدادهم المتزايدة يعيشون حياة الهجرة والتشتت، حيث يمتد هذا القانون وأحكام الحرمان المدنى المصاحبة له، إلى الأبناء والأحفاد والأقارب والأصحاب.

■ كم عدد الذى دفعوا حياتهم ثمنا لهذا القانون؟

- عشرات الآلاف من السوريين أُعدموا بموجب هذا القانون منذ صدوره، لهذا فهو معروف بأنه سيئ السمعة، وللأسف لا يزال نافذا ومفعلا حتى الآن، بل وتم تنفيذه بأثر رجعى على آلاف المعتقلين قبل صدوره، وكان هذا القانون، الذى تنفرد به سوريا، شبه مجمد فى أواخر عهد الرئيس الراحل حافظ أسد، وتم تفعيله من جديد فى عهد الرئيس بشار الأسد، حيث يحاكم بموجبه كل سنة العشرات، أمام محكمة أمن الدولة، ممن يشتبه فى انتمائهم للإخوان، وكثير من هؤلاء الذين حوكموا بموجبه ليسوا منتسبين إلى الجماعة، إنما هم أبناء أو أقارب أو أصدقاء لأعضاء بالجماعة.

■ الحكومة السورية أعلنت العفو مؤخرا عن كثيرين ليس من بينهم عناصر الجماعة.. ما رأيك؟

- مرسوم العفو اقتصر على بعض الجنح والمخالفات والحالات الخاصة المتعلقة بكبار السن، والمصابين بأمراض لا يُرجى شفاؤها، ولم يشمل القضايا السياسية، وبالتالى لم يستفد منه أحد من معتقلى الرأى والضمير على كثرتهم، من إسلاميين، وقوميين، وليبراليين، وعلمانيين، عرباً وأكراداً.

■ هل هناك هدنة قائمة بينكم وبين نظام بشار الأسد؟

- لم ولن تكون هناك أى هدنة بيننا وبين النظام، بالمعنى المعروف للهدنة، إذ لم تكن هناك حرب بالمعنى الاصطلاحى فى الأصل، لأن العلاقة بين الأنظمة والمعارضات إنما هى علاقة صراع سياسى مدنى، ولهذا الصراع أسبابه وقواعده ووسائله، وكل ما فى الأمر أن الجماعة خلال العدوان الصهيونى الأخير على غزة، الذى لا تزال تداعياته مستمرة، أعلنت تعليق أنشطتها المعارضة، توفيرا لجهودها للمعركة الأساسية، ودعت النظام السورى إلى المصالحة مع شعبه، وإزالة كل العوائق التى تحول دون قيام سوريا بواجبها المقدّس فى تحرير الأرض المحتلة، وفى دعم صمود الأشقاء الفلسطينيين.

■ وكيف توقعتم أن يكون رد فعل النظام على خطوتكم؟

- كنا نتمنى أن يستفيدَ النظام من هذه الخطوة الإيجابية، ويجرى مراجعة لسياساته الداخلية، ويقوم بخطوات عملية باتجاه المصالحة الوطنية، وبناء الجبهة الداخلية المنيعة، لكن يبدو أنه لا يسير فى هذا الاتجاه حتى الآن.