مع سعاد الصباح

حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009

لأسوأ شاعرة سعاد الصباح

قدم للحوار: أفنان القاسم

أجرت الحوار: أوتار

دافعت عن الدكتورة سعاد الصباح خلال مداولات لجنة التحكيم دون أن أفلح في حجب هذه الجائزة عنها، كانت التبريرات عديدة أولها أنها تكتب قصيدة واحدة تحت عناوين متعددة محورها الرجل، وأنها صوت صغير من أصوات نزار قباني، وأنها ذات شخصيتين متناقضتين شخصية المرأة اللندنية المتمردة وشخصية المرأة التقليدية المتحجبة. لم أقنع الأعضاء بوجهة نظري فيما يخص القصيدة المحور عندما قلت إن لقباني القصيدة نفسها فيما يخص المرأة، وللحيلولة دون الملل الأكيد من التكرار كنت أقرأ نزار وكذلك سعاد على دفعات متحايلا على الزمن الداخلي للقصيدة بعد أن أخضعه للزمن الخارجي الذي هو زمننا، وفيما يخص التهمة الجاهزة التي ترد عليها "أم مبارك" كما يجب في هذا الحوار، أنها تقلد نزار، وأنا سمعت أكثر من هذا، أن نزار كان يكتب لها قصائدها، أعتقد أن سعاد كصوت لنزار، هذا مديح لكليهما، أما أن يكتب لها شيئا مما كتبت، فهذا أمر دارج لدى كتاب هذه المهنة، مهنة الأدب، وعند كل الناس، فولتير وموليير، فيرلين ورامبو، وبتواضع أقول أفنان القاسم وفيصل دراج الذي كتب معي ولي فصولا كاملة من روايتي الشوارع والعديد من الدراسات النقدية... أما الحجاب فقد كنت موافقا مع لجنة التحكيم على كل ما أتت به من مبررات، والنموذج التمردي، النمط اللوكاتشي عندها يتمرد عليها كنمط حياتي، وأنا لما كنت معها في المربد لم أذهب للسلام عليها كما فعل صديقي دانيال ريغ وتصور أيضا معها لأني كنت ضد سيادتها للمكان بالسيارة المرسيدس التي وضعت تحت أمرها وتسيدها، وشتان بين الشاعرة والشيخة، علما بأنها لم تكن محجبة في ذلك الوقت، وكانت لها ابتسامة ساحرة. أريد بهذه المناسبة أن أكشف لسعاد ما لا تعلم: كنت قد ترجمت ديوانها "قصائد حب" إلى الفرنسية، وكان من المفترض أن ينقح النصوص دانيال ريغ كي ننشرها في إحدى كبريات دور النشر في باريس لكن مدير أعمالها قد أوقف كل شيء بعد أن بهدلنا نحن الاثنين لأننا لم نأخذ الإذن منه...

السؤال الأول: أي الألقاب أقرب إلى قلبك: الأميرة أم الشاعرة ؟

الجواب: الإمارة ليست لي والشعر نعمة الله و أم مبارك هو اللقب الذي أحب.

السؤال الثاني: هل نصفك النقد شعريا ؟

الجواب: لم ينصف النقد أحداً. بعضه يعطيك أكثر مما تستحق ومعظمه يعطيك الأقل. ترى هل صحيح ما قيل من أن الناقد شاعر فاشل .

السؤال الثالث: الملاحظ أنك لم تقتصري على كتابة الشعر بل تعديته إلى علوم الإقتصاد و السيرة والتأريخ فما علاقة الشعر بهاته العلوم ؟

 

الجواب: الاقتصاد هو اختياري الجامعي دراسة. السيرة واجب تحول إلى عمل كتابي، ومعه التاريخ. أما الشعر فلم أنزل على كوكبه لأنه نزل على صدري نعمة يمنحها الله لمن يشاء من عباده .

السؤال الرابع: هل توا فقين على وأد الشعر الفصيح مقابل ازدهار الشعر الشعبي بالخليج العربي ؟

الجواب: لا أحد يستطيع أن يئد الشعر الفصيح. هذا الشعر هو خزانة ذاكرتنا بالأمس واليوم وغداً. إنه لسان العرب ولا يضيره أن تعلو أصوات الشعر الشعبي هنا وهناك. ولا أحد يملك إلغاء الشعر العربي الفصيح لأنه يلغي اللغة .

السؤال الخامس: وهل ترين أن انتشار الأسماء المستعارة شيء يخدم الشعر العربي وشعراءه ؟

الجواب: لم أكتب يوماً باسم مستعار ولا أشجع أحداً على أن يفعل. لكن يبدو أن القيود الأسمنتية تضيق على البعض حتى في حرية النطق باسمه .

الاسم المستعار قبول بالاستكانة للإرهاب الفكري أرفضه ويجب أن نتحداه جميعاً.

السؤال السادس: هناك من النقاد من يرى أن قلمك الشعري هو تكرار أنثوي لما كتبه نزار قباني , فما ردك على هؤلاء ؟

الجواب: دعيني من هذه الدعابة التي بلغت من السذاجة حد السماجة.

النص الشعري وحده يملك الجواب وأحسب أن من قال ذلك لم يقرأ شاعرنا العظيم وبالقطع لم يقرأني .

السؤال السابع: تعتبرين من الأسماء الشعرية القليلة التي خبرت الشعر بكل أشكاله, فقد كتبت قصيدة النثر والتفعيلة والقصيدة العمودية, لكن أيهم أكثر سلالة وتوصيلا للرسالة الشعرية ؟

الجواب: شعر التفعيلة أصبح الأقرب إلى التعبير لمطاوعته روح العصر, أجمل ما فيه أنه لا يلغي سحر الموسيقى التي تولد مع الشعر العمودي بل يقاربه في مزيج نوراني .

السؤال الثامن: ترين أن رصيدك الشعري من الدواوين هو قليل مقارنة بتاريخك الطويل, فما مرد ذلك ؟

الجواب: جرحتني حتى الذبح حادثة رحيل ابني البكر فكان الصمت لساني. عندما عادت رياح الشعر تجتاح روحي نشرت ما هب من عواصفها في عشرة دواوين آخرها " والورود تعرف الغضب " الصادر عام 2005 . فضلاً عن أن الاهتمامات والهموم لا تنتج الشعر دائماً. كتاباتي في الاقتصاد والسياسة والتاريخ ظلمت الشعر إذ شغلتني عن تلقي شحناته الساحرة كثيراً .

السؤال التاسع: لو رجعنا بك إلى أول قصيدة كتبتها ماذا يمكنك قوله لنا عن شعورك وأنت تنتهين منها وترينها منشورة عبر الصحف؟ ولو سألناك الآن هل كنت ستختارين نفس الطريق لو عاد بك الزمن إلى الوراء ؟ أم ستختارين حياة أخرى بعيدة عن كتابة الشعر

الجواب: قصيدتي الأولى لم يقرأها أحد غير أبي، رحمه الله، لذلك لم أسعد بقراءتها منشورة. بعدها نشرت وغمرتني سعادة طفولية رائعة ومازلت أفرح لقراءة قصيدة جديدة لي منشورة وكأنها المرة الاولى التي أواجه فيها الحرف الأسود. والشعر لم يكن اختياري، ولو كان لي لاخترته اليوم وغداً وإلى ألف سنة تجيء .

السؤال العاشر: في إحدى حواراتك التلفزيونية قلت أن الرجل العربي يحب المرأة ذات الشخصية الكرتونية, في قصيدة من قصائدك قلت: هذي بلاد لا تريد امرأة تسير أمام القافلة …. ترى هل تغيرت لديك هاته القناعة بعد الاستحقاقات الأخيرة التي نالتها المرأة الكويتية أم لا؟

الجواب: قصائدي ليست نابعة من واقع كويتي فحسب. أن أحوال المرأة العربية متشابهة على امتداد الأرض العربية. لذلك فان حصول المرأة الكويتية على بعض حقوقها لا يلغي الواقع المر الذي تواجهه المرأة العربية في كل مكان، وبالتالي فان ما عبرت عنه قصائدي من غضب لا يزال مستحقاً هذا الغضب.

السؤال الحادي عشر : أنت شاعرة الوطن والحب و المرأة تراك هل أنت راضية عما قدمته لوطنك بصفة خاصة وللثقافة العربية بصفة عامة أم أن لديك كلاما أخر؟

الجواب: نعم ولا. نعم صادقة أقول أنني حاولت أن أعطي ما أستطيع ولم أقصر عامدة في بذل كل ما يمكن بذله. ولكن القول أنني أعطيت بقدر ما تمنيت خطأ لأنني أتمنى اليوم لو استطعت أن أعطي ألف مرة بأكثر مما أعطيت.

السؤال الثاني عشر: كيف أتت فكرة تأسيس دار سعاد الصباح للطباعة والنشر ؟ وما أهدافها ؟

الجواب: ولدت هذه الدار لتكون نافذة الإبداع العربي وجسر التواصل بين المبدع والمتلقي. واليوم تفتح الدار بوابة واسعة أمام الجيل العربي الجديد للإبداع عبر مسابقاتها الثمان وهي مسابقات الشيخ عبد الله المبارك الصباح للإبداع العلمي ومسابقات سعاد الصباح للإبداع الفكري والأدبي. وباعتزاز أقول أن ما قدمته الدار عبر هذه المسابقات يفوق في أهميته ما نشرت من كتب .

كما أن المبادرة التي أطلقتها العام 1995 بتكريم رواد الثقافة العربية الأحياء تشكل الوجه المشرق الآخر لدور الدار على الساحة الثقافية العربية. ولعل ما قامت الدار وما تقوم به يعلن أهدافها بالوضوح والشفافية المطلقة .

السؤال الثالث عشر : توجت آخر كتاباتك الشعرية بديوان جديد تحت عنوان و الورود … تعرف الغضب – هل لك أن تقربينا من هاته التجربة؟

الجواب: هذا الديوان رسالة من امرأة إلى رجل بعشرة وجوه. إنه صرخة غاضبة لأن الرجل يجسد كل هذه الصفات وان كان لا يحتكرها، لأن في المرأة بعضها أيضاً.

إنه كذلك صرخة غضب قومية في وجه هذه الأعاصير التي تجتاحنا من الماء إلى الماء، تاركة جراحنا تنزف على شوك الهزيمة، وضوء الأمل.

السؤال الرابع عشر: من خلال قصيدتك – حب إلى سيف عراقي – يتضح لنا مدى حبك الكبير لهذا البلد, فما هو شعورك الآن وأنت ترين تمزق هذا البلد وجراحه الكثيرة؟

الجواب: كل كلمة قلتها كانت عن العراق الإنسان. العراق الشعب. العراق المرأة. العراق الحضارة، والعراق المدمى اليوم هو عراقنا كلنا وجرحه هو جرح العرب في كل مكان. إن نقطة الدم التي تنزف في بغداد هي نقطة الدم العربي فما الذي يمكن أن يتغير في القلب تجاه العروبة والتاريخ والوطن .

في ختام هذا الحوار الشيق , نقدم الشكر الجزيل لشاعرتنا العربية الكبيرة الدكتورة سعاد الصباح على قبولها دعوتنا لإجراء هذا الحوار , وعلى سعة صدرها لكل هاته الأسئلة التي شغلت بالنا و بال محبي ومتذوقي شعر الشاعرة . ونتمنى لها المزيد من العطاء الإبداعي الخالد .الذي يخدم الإنسانية جمعاء

منقول عن مجلة أوتار الإلكترونية .

منقول عن السعودية تحت المجهر