حوار مع الشاعرة جنينة السوكني

في ذكرى وفاتها

القصيدة هي الملاذ

حاورتها : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

الشاعرة جنينة امحمد السوكني هي خريجة جامعة ناصر بليبيا ، تخصصها اللغة العربية ، أما مجالات الإبداع التي تشغلها فهي متنوعة ، إذاعية منذ 1990 بإذاعة الجماهيرية ، حيث أعدت وقدمت برنامج " آثارنا حضارة وتاريخ " بين 1990 ـ 1993 . وأعدت برنامج " أنوار " للتلفزة الليبية في رمضان 2000 ، وبرنامج " مصافحة " ويهتم بالإبداع النسائي في ليبيا والعالم العربي . وأشرفت في المجال الصحفي على الملف الثقافي بصحيفة "شمس" ، وقد أشرفت كذلك على الملف الثقافي بمجلة " البيت" ، وأعدت صفحة علمية بجريدة "شمس" ، وقد كانت بدايتها الصحفية مع الآثار والحضارة والتاريخ ، حيث كانت تعد صفحة أسبوعية وتشرف عليها .

نشرت لها نصوص شعرية وكتابات نثرية وحوارات صحفية في الصحف والمجلات الليبية وصحيفة "العرب" الصادرة بلندن ...

وتوزعت مشاركاتها الشعرية على مهرجان الشعر الفصيح ومهرجان المرأة في ليبيا ، مهرجان سيدي بوزيد ومهرجان ربيع الفنون في القيروان ومهرجان محمد البشروش بدار شعبان الفهري في تونس .. وقد مثلت بلدها في أكثر من مهرجان ثقافي عربي مثل "مهرجان الإذاعة والتلفزيون بالقاهرة" 2002 كعضولجنة تحكيم في الإعلان الاجتماعي ، والحضور ضمن وفد رسمي لمهرجان الفريق الثقافي " الأدب الكويتي في نصف قرن " بالكويت ، وحضور معرض القاهرة الدولي بدعوة رسمية . وصدر لها مؤخرا مجموعة شعرية " مسك الحكاية " ولها مخطوط بعنوان " القصيدة " .

التقيناها وكان لنا معها هذا الحوار :

تنطوي مجموعتك الشعرية " مسك الحكاية " على قصائد مكثفة جدا وأخرى مطولة ، كيف تفسرين هذا التفاوت ؟

كل قصيدة تفرض شكلها وزمانها وموضوعها ، فحين يكتمل لدي المعنى فهو يكتمل داخل القصيدة ، سواء تم ذلك في أسطر قليلة أو تطلب قدرا أكبر من الأسطر والمفردات اللغوية ، وقد نستطيع أن نقول قصيدة في أسطر اليوم نقولها في الغد في كلمات ثم إن الموضوع قد يلمع وقد يتمطط .

هل الشعر تلقائي بهذا المعنى دون صياغة فنية واعية تبلوره ؟

الشعر موقف وردة فعل يستجيب إلى الحالة الشعرية ، فما يعيش داخلي كإنسانة وشاعرة أجد في القصيدة الملاذ الذي يتشكل فيه ، وقد تحمل قصيدة الومضة لدي الفكرة وأبعاد التجربة وقد تحمل القصيدة المطولة التجربة مكتملة . والقصيدة تأتي وحدها في النهاية وفي الصورة التي تختارها .

أفهم من كلامك أنك ضد القصيدة العمودية التي تعتمد على القواعد العروضية والإيقاع الخارجي بما أن بناء القصيدة لديك أمر عرضي والقصيدة أشبه لديك بالحلم الذي يباغتك ؟

أنا شخصيا أحبذ الشعر العمودي بإيقاعه الخارجي وصوره ولغته العربية القديمة ، لكن الشعر العمودي في رأيي أشبه بالزي التقليدي ولكي نكتبه علينا أن نلتزم بكل مكونات اللباس ، لا أن نلبس الملاءة والخف مثلا ..

ألا تعتقدين أن اللباس التقليدي كاستعارة للشعر القديم أصبح مناسباتيا وخارجا عن العصر ؟

لعل الهم الأساسي الذي يشغلني في الشعر العربي القديم هو اللغة العربية الجميلة والأصيلة ، إن موقفي من القاموس اللغوي أنه لا يتغير سواء نعت بالقديم أو الرومانسي ، فأنا أتواصل مع ذاتي ومع اللغة الشعرية المعبرة عن هويتي الثقافية التي تمثلني ، بل اني قادرة على تحويل تلك اللغة في أشكال مختلفة فهي لينة ، ولدي ليونة في التعامل مع اللغة العربية وتطويعها بما تقتضيه الحالة الشعرية .

كأنك تستعملين لغة جامدة تحيل إلى معان معهودة في الشعر العربي للتعبير عن حالة مبتكرة ، أليس هذا مدعاة للنتاقض ؟

أسئلتك استفزازية حقا ! لكن تلك هي قناعاتي ولن أحيد عنها . فما يجمد القصيدة في رأيي النظم . واللغة القديمة تروق لي وتعبر عني ، وتخلي عن تلك اللغة كمن يتعرى من لباسه الشعري الأصيل دفعة واحدة .

ألاحظ في شعرك غياب مفردات الجسد ومشتقاته بل أجدك تحطمين في صورة شعرية آلهة العشق دون أن يعبر ذلك التغييب للجسد عن تجربة صوفية ؟

لم يحضر الجسد وإن كان ذلك بالغياب في شعري لأنني لا أكتب بالجسد ، وهو خارج عن تجاربي في الحياة ، كما أن العاطفة غائبة بإرهاصاتها وتجلياتها . إن الشعر رسم لملامحي فحسب .

 تشرفين حاليا على الملف الثقافي لصحيفة شمس ولديك زاوية في مجلة "الملتقى" لكتابة لا تنتهي ، وزاوية أخرى في مجلة " الغزالة " تحت عنوان " ظلال المساء " ، ألم يساهم نشاطك الإعلامي المكثف في التقليل من كتابة الشعر ؟

لقد أثرى النشاط الإعلامي تجربتي الشعرية . وخاصة تقديمي للمدن الأثرية ، ففي تقديمي للمدن الأثرية في برنامج "الآثار والحضارة " أدركت ما معنى أن تتعاقب الحضارات للترك آثارها على أرواحنا وكتاباتنا ، إننا ننتمي إلى تلك الحضارات ونعتز بها ، فلم ننكر التراث الشعري ، ولكن لم يبق من تلك الحضارات إلا الآثار في حين أننا نبني منازلنا وبناءاتنا وفق معمار حديث . كذلك الأمر بالنسبة للشعر : أراه بناءات مجسدة لا مجرد أطلال وهي رؤيتي الخاصة للأمور .

الملحق الثقافي لجريدة الصحافة التونسية 20 ماي 2005 ، العدد 492 ، ص 2