د. جابر قميحة يحلل أحداث 2005

د. جابر قميحة يحلل أحداث  2005*

- فوز الإخوان.. مؤتمر مكة.. زلزال باكستان.. الهجمة الدانمركية على الإسلام

 

أ.د/ جابر قميحة

- الفوز المدوِّي للإخوان أكبر دليل على نجاح دعوتهم وتغلغلها في المجتمع

- العمل الإغاثي الإسلامي بحاجة إلى فهم جديد لمواجهة حمَّى التنصير

عام رحل وآخر آتٍ، وبينهما العديد من الأحداث، والراحل هنا ليس عامًا ميلاديًّا فقط وإنما هجريٌّ أيضًا، أحداثه كثيرة، ما بين أفراح وأتراح، ضحك وبكاء، خطب ومقالات، ندوات ومؤتمرات، ولادة ووفاة، ولِما حمله هذا العام من أحداث كان لا بد أن نُلقي عليها الضوءَ مع أحد المتابعين والمهتمين بشئون العالمَين العربي والإسلامي، وكان لقاؤنا مع الدكتور جابر قميحة (الشاعر الإسلامي الكبير وأستاذ الأدب الحديث) والذي قدم عرضًا سريعًا لأهم أحداث العام المختلفة في هذا الحوار:

* ما أهم الأحداث الدعوية والإسلامية التي شهدها هذا العام؟

** أهم الأحداث الدعوية في العام المنصرم هو خوض الإخوان المسلمين للانتخابات، وفوزهم بهذا العدد من المقاعد البرلمانية، وكان من الممكن أن يرتفع العدد 88 ليزيد على الـ100 ولكنه التزوير المُخزي المؤسف، والبلطجة الخسيسة على ما هو معروف مشهور، ويُعتبر هذا الإنجاز أهم الأعمال الدعوية لا على المستوى المحلي فحسب ولكن على المستوى العالمي قاطبةً، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: أنه يُعد ضربةً للمسئولين المُنكِرين لوجود الإخوان لا تنظيمًا بل فعليًّا أيضًا، فوجدنا مسئولاً كبيرًا يصرِّح لصحيفة أجنبية بقوله بالنص: \"مفيش عندنا حاجة اسمها إخوان... مفيش شيء عندنا اسمه إخوان\".

ثانيًا: ومن أهم الأسباب كذلك إصرار من أُسميهم \"الفقاقيع\" من الصحفيين والكتَّاب على إلصاق كلمة \"المحظورة\" دائمًا بجماعة الإخوان، ولستُ أدري هل تعتبر محظورةً تلك التي تحصد من المقاعد أضعاف أضعاف ما يحصده عشرون حزبًا من أحزاب المعارضة؟! وتمثل 20% من أعضاء المجلس؟! أين الحظر هنا؟! وكيف يتفق الحظر مع هذا الوجود الفعلي القويّ الذي كان من الممكن أن يكون أقوى وأكثر اتساعًا لو أُجريت الانتخابات بلا تزوير أو بلطجة أو إرهاب وإفزاع.

ثالثًا: ساعد نجاح الإخوان على تصحيح المفاهيم التي حاولت حكومتُنا غير الرشيدة إقناعَ دول الخارج وحكوماته بها، وهي أن الإخوان إرهابيون، وأنهم حريصون على السطو على الحكم بالقوة، وأنهم لا يراعون دستور مصر وقوانينها.

رابعًا: الأهم من ذلك كله أن تقتنع أمريكا بصفة خاصة بأهمية الوجود الإخواني في الساحة المصرية، وقدرتهم على تغيير الموازين القائمة سلميًّا، وهذا طبعًا يهزُّ صورة الحكومة المصرية في نظر الولايات المتحدة الأمريكية التي تهيمن على مقدراتنا وتوجِّه حكومتنا كيفما شاءت.

 خامسًا: وهي مسألة تتعلق بطبيعة الإخوان أنفسهم، وأعني بها اقتناع الشارع المصري بعظمة الوجود الإخواني ومثالية دعوتهم ومسالكهم، بعد أن رأى منهم مظاهر الدقة والنظام ومراعاة الحق والحرص على الوطن والحرص على السلام الاجتماعي، ومن فضل الله أن الحملات المكثَّفة الوقحة التي تولت كبرَها القنواتُ التلفازية المصرية وجُنِّدت لها طاقاتٌ مشبوهةٌ من الصحفيين والكتَّاب والسياسيين وخصوصًا برنامج (حالة حوار) الذي كان يُذاع ثلاث مرات في اليوم الواحد في قنوات مختلفة وساعات مختلفة، وكله تشويهٌ وَقِح دميم ذميم للفكر الإخواني وتاريخ الدعوة.. قد أتت هذه البرامج بعكس ما كانت تهدف إليه، وهو ما يسمَّى بعلم النفس \"الإيحاء العكسي\".

سادسًا: تمكين الإخوان من التعبير عن آمال الأمة ومطالبها، ومحاولة تعديل الدستور بما يتفق مع العقل ومصلحة الشعب، وما كان للإخوان متسعٌ لمثل هذا التعبير إلا في المجلس النيابي.

مؤتمر مكة

 

شعار منظمة المؤتمر الإسلامي

* إذا اعتبرنا نجاح الإخوان بـ88 مقعدًا من أهم الأحداث الداخلية المصرية التي لها تأثيراتٌ عالميةٌ.. فما هي أبرز الأحداث العالمية بشكل محدد؟

** يعتبر \"مؤتمر مكة\" من أهم الأحداث الإسلامية، إلا أنني أخشى أن يكون هذا المؤتمر مثل بقية المؤتمرات السابقة، خُطب وتوصيات وقرارات، وفي النهاية.. لاشيء!! ولم يعجبني تخلُّف بعض الرؤساء عنه، فالمسألة ليست مسألةَ قراراتٍ تُؤخذ، ولكن ما يجب أن يكون هو: عزائم تُعقد بنوايا طيبة، وحِرصٌ على العمل، ومتابعةٌ لهذا العمل، وكنت قد اقترحت في مداخلة في أحد البرامج الفضائية إقامة ما يسمى \"البرلمان الإسلامي العربي الشعبي\" تُمثَّل فيه الشعوب المسلمة.. كل شعب يمثَّل بعشرة، وتُتخذ فيه قراراتٌ تُلزم الملوك والرؤساء، ويُعقد كل شهر أو كل شهرين مرةً، واقترحت كذلك إقامة \"السوق العربية الإسلامية المشتركة\"، وأنا حريص على تسميتها \"الإسلامية العربية\" فالعرب بالإسلام وليسوا بغيره، ومن هنا سوف يتم التكامل الاقتصادي المنشود، فهناك دولٌ إسلامية فيها مئاتُ الملايين من الأفدنة مثلاً التي تحتاج إلى الزراعة ولا تكلف شيئًا مثل باكستان وكذلك السودان، لكن يجب تكوين هيئات متابعة من الخبراء المتخصصين، وألا يُترك هذا الأمر إلا لخبراء مأمونين.

ليست الأولى

* هذا العام شهد اعتداءاتٍ واضحةً على الإسلام في أوروبا.. فما تقييمك لذلك؟

** بالفعل كان العام المنصرم أكثر الأعوام التي شهدت تهجمًا على الإسلام، وكانت أبرز حملة في هذا الإطار الهجمة الدانماركية على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعلى الإسلام عمومًا وما أحدثته من ردود أفعال، وكما أشرت هي ليست أول هجمة وتجريح لشخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- فمِن قبل نشرت إحدى الصحف الصهيونية رسمًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه تهكمٌ ووقاحةٌ، وهو ما حدث في الدنمارك، وإذا كانت هذه صورةً مرسومةً، فهناك الصور المكتوبة في تجريح الرسول- صلى الله عليه وسلم- في سلوكه وأعماله وزواجه، حتى إن المستشرق لامانس وصفه- صلى الله عليه وسلم- بأنه قاطع طريق، كما وصفه غيره بالوحشية في سلوكه- صلى الله عليه وسلم- مع اليهود.. إلى آخره!!

وما أكثر التشويهات والأكاذيب والافتراءات، فما حدث في الدنمارك ليس جديدًا، وقد تكفَّل كثيرٌ من كتَّاب المسلمين بنقض أمثال هذه الأكاذيب والافتراءات، ومن هؤلاء الإمام محمد عبده في كتابه \"الإسلام والردّ على منتقديه\"، وكذلك عباس العقاد رحمه الله، وسيد قطب رحمه الله وغيرهم، فهذه الحملة ليست جديدةً وإن كانت تتعمَّد اختيار أوقات معينة.

 ولماذا نذهب بعيدًا؟ فهناك من العرب المسلمين بالهوية مَن يسلك مثل هذا المسلك الشائن، مِن هؤلاء \"طه حسين\" في كتابه (الشعر الجاهلي) وفي كتابه (رحلة الربيع والصيف) وكذلك نصر أبو زيد الذي يدَّعي أن القرآن من تأليف محمد، وكذلك خليل عبد الكريم في كتابه \"صناعة نبي\" الذي يدَّعي فيه أن الذي وجَّه محمدًا إلى النبوة هو ورقة بن نوفل وخديجة وكأن النبوة صناعة بشرية!!

وهذه الحملات لا تخيفنا أبدًا، فالحملة تتصاعد بقدر سطوع شمس الإسلام، والذي يتبين الحقيقة من هؤلاء الغربيين يكتب كتابةً طيبةً عن الإسلام ورسوله مثل \"توماس كار ليل\" في كتابه (الأبطال)، وكذلك بعض ما كتبه \"غوستوف لوبون\"، ولعلنا نذكر في هذا المجال أن بوش الابن قد اختار أحد معاونيه من أصحاب الثقافة العالية ليتوفر لدراسة الإسلام لمدة ستة أشهر ويقدم تقريرًا مفصلاً كبيرًا عما في الإسلام من مظاهر الإرهاب، واستغرق الرجل في دراسته حتى قرأ عن الإسلام كلَّ صغيرة وكبيرة، وبعد ستة أشهر التقى ببوش وأعلن له أنه قد اعتنق الإسلام بعد أن تبين منه ما لم يكن يعلمه!!

المسئولية

* مَن الذي يتحمَّل مسئولية هذه الإهانات للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم؟!

** لا شكَّ أننا نتحمل جزءًا قد يكون خافيًا من مسئولية هذا التشويه، وهي تتمثل في \"التقصير الدعوي\"، ويظهر ذلك فيما يأتي:

أولاً: قلة الدعاة المسلمين العالَميين الذين يُتقنون اللغات الأجنبية، وهم يُعدون بالمئات، في مقابل ربع مليون \"مبشِّر\" نصراني ينتشر في أحراش أفريقيا ومجاهل آسيا، و\"المبشِّر\" يكون ذا \"شخصية متكاملة\" فهو عالِم دين، طبيب، مهندس، عالم اجتماعي... إلى آخره، وتختار المنظمات الكنسية لكل بيئة مَن يناسبها من \"المبشِّرين\" فمثلاً: أرسلوا إلى قبائل الفولاني \"بأفريقيا\" \"مبشرين\" يتقنون الطب البيطري.. لماذا؟ لأن هذه القبائل كل ثروتها من الأبقار، فدخل هؤلاء \"المبشِّرون\" إلى قلوب الناس هناك بمعالجة الأبقار حتى زادت ثروتهم، وقلت نسبة الأبقار النافقة كل عام، ومن هنا تمكنوا من تنصير 8 مليون من قبائل الفولاني، وقد استطاع هؤلاء \"المبشرون\" أن يعلِّموا أطفال الفولاني في مدارس خاصة، ثم أرسلوا مئاتٍ منهم إلى أمريكا والدول الأوروبية ليتخرجوا رجالَ دين مسيحيٍّ، ومن العلوم الفرعية بجانب ذلك الطب البيطري.

ثانيًا: ضعف الإمكانات المادية وبُخل الحكومات الإسلامية على الإنفاق على الدعوة.

ثالثًا: التصرف الفردي في النهج الدعوي، فقد ترسل مصر بعض الدعاة والسعودية بعضهم وماليزيا آخرين، بينما يجب أن تكون هناك خطةٌ شاملةٌ مقننةٌ لإعداد هؤلاء الدعاة واختيارهم اختيارًا دقيقًا ليناسبوا البلاد التي سيرسلون إليها.

* ألا تري أن ردَّ الفعل الرسمي كان هزيلاً أيضًا؟

** على مستوى العالم الإسلامي هناك غضبةٌ، ولكننا بطبيعتنا لا نغضب إلا لننسى غضبنا، وبتعبير آخر \"إن غضبنا ليس غضبًا خلاَّقًا\" بمعنى أننا إذا غضبنا لإساءةٍ فإننا نصرف غضبَنا ونفرغه في مقالات احتجاج ومؤتمرات اعتراض، لكنَّ الإفادة مما حدث وتنظيم رد الفعل في عمل واقعي ناشط لا وجود له.

وعلى المستوى الرسمي أحب أن أقول: إن الحكومات لا تغضب ولا تحتج إلا لإرضاء شعوبها ومحاولة امتصاص غضبها، وبعد ذلك ينتهي هذا الغضب إلى لا شيء.

* شهد العام المنصرم العديد من الكتب والمؤلفات الغربية ضد الإسلام.. فما تقييمك لذلك؟

** أحبُّ أن أنوِّهَ إلى أن في داخلنا مَن يكتب أشد وأشنع من هذا، وكلها منشورة ومنتشرة، وأرى أن هذه الأعمال لو تُرجمت إلى العربية فليس هناك خطرٌ، بشرط أن تكون مصحوبةً بما ينقدها وما ينقضها؛ لأننا يجب ألا نعيش في قوقعة بل يجب أن نطلع على طروحات أعداء الإسلام حتى نعرف توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والعالمية، وهنا أقترح- حتى نكون عمليين- القيام بما يأتي:

أولاً: تكوين لجنة من كبار المفكرين الذين يُتقنون الفقه والإسلاميات والمذاهب الفلسفية والسياسية الحديثة واللغات الأجنبية، وتكون مهمة هذه اللجنة عرض الإسلام وتاريخه عرضًا يتسم بالعمق والوضوح في وقت واحد، على أساس أن تُنشر هذه الأعمال على نطاق واسع جدًّا بين الشعوب الأخرى

ثانيًا: تكوين لجنة أخرى بنفس المواصفات نسميها \"لجنة التصدي\"، وتكون مهمتها الرد على كل ما يثار عن الإسلام ونبيه وخلفائه من تشويهات وافتراءات وأكاذيب، وعلى الحكومات العربية والإسلامية أن تتكفَّل بالإنفاق على هاتين اللجنتين وبسخاء.. ففي ذلك نصرةٌ للإسلام، فنحن بالإسلام كل شيء... ونحن بلا إسلام لا نُعَد شيئًا.

الإغاثة الإسلامية

 

مواد غذاء إغاثية

لدول العالم الإسلامي

* شهد هذا العام العديد من الكوارث الطبيعية في العالم الإسلامي.. فما تقييمك لجهود الإغاثة بها؟

** يجب أن نعترف بأن الإغاثة الإسلامية قاصرةٌ ومقصِّرةٌ، ويجب أن يكون هناك صندوقٌ فعليٌّ مدعَّمٌ تدعيمًا ثريًّا باسم صندوق الكوارث، يكون له \"تخطيطٌ احتماليٌ\" حتى يكون جاهزًا لمعالجة آثار الكوارث.

وأعني بالتخطيط الاحتمالي وضع خطة للكوارث والزلازل المحتملة، فلو حدث زلزال في منطقة كذا ماذا ستكون آثاره وتوابعه؟! أو كيف يُعالَج تبعًا لفصول السنة من شتاء وصيف؟ إلى آخره.

ويكون هناك ما يمكن تسميته \"جيش الإنقاذ\"، وأعني به قوةً جاهزة مدربةً تدريبًا قويًّا على الإسراع لمعالجة آثار الكارثة من إسعافات وعلاجات وإطعام ونصْب خيام إلى آخره.

           

* إخوان أون لاين -  29 / 12 / 2005