حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009

حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009

لأسوأ رسام جورج بهجوري

قدم للحوار: د. أفنان القاسم

أجرى الحوار: أحمد عزمي

فاجأني صديقي جورج البهجوري في هذا الحوار فاجأني ككاتب ومن قبل منذ زمن بعيد كرسام كان كلما رآني يحمل قلمه ويخطط لي رسما وكان في كل مرة يعبر لي عن إعجابه بكتاباتي وفي كل مرة يستقبلني كجملة من الكتاب وفي كل مرة يهمه أمر إبداعاتي التي يريد أن يقرأها، وها هو هنا يلتقط الأساسي في فن السيرة الذاتية، ويقدم للقارئ صورة ذكية بالكلمات، بغض النظر عن نرجسية الفنان، وبوهيمية النحات، وشرارة بروميثيوس، وأعتقد أن جائزة أفنان القاسم 2009 لأسوأ رسام ذهبت إليه بسبب هذه اللمعة المعتمة في شرارة الإبداع لديه، فهي التي كانت من وراء ذهابه إلى إسرائيل دون مقابل، مجانية الذهاب أثرت في الفضاء الكبير الذي هو جورج البهجوري، وأنا أستعمل كلمة فضاء معتبرا إياه مشروعا دائما للرسم يدخل فيه جيل من الفنانين التشكيليين البهجوري ربهم وريشتهم وقواعدهم في البرق والتحويل، ولكنه ترك كل هذا في سرداب وعيه السياسي، يريد أن يرسم مبارك، ويريد أن يحقق السلام، ويريد أن يكون ماركيز، الإرادة شيء وكيفية تحقيق الإرادة شيء آخر، لأن شروط التحقيق إن لم تتوفر، وخاصة المكتسبات التي تعود على العام قبل الخاص، تؤدي إلى عكس ما يرجى منها، ومكافأة له على هذه اللوحات الفاشلة التي لا قيمة لها استحق الجائزة...

ما الذي دفعك لكتابة سيرتك الذاتية؟

- إقامتي في المنفي الاختياري، حركت في داخلي الحنين إلى الوطن والأهل والأصدقاء، لأنني أعيش في مجتمع قارس الوحدة والصقيع، أفتقد فيه الدفء الأسري، وكنت في حاجة إلى التحدث مع أحد، أي أحد، لأحكي له شجوني في الغربة، وعندما افتقدت هذا الشخص اضطررت لبث شجوني على الورق.

فيم تختلف السيرة الذاتية عن غيرها من فنون الكتابة؟

- السيرة الذاتية تنتمي إلى نوع من الأدب، اسمه أدب الاعتراف، ويتسم صاحبه بالشجاعة، وتنال كتابتها اهتمام القارئ، لأنه يستفيد منها، فالقراءة هنا لا تكون لمجرد التسلية وإزجاء أوقات الفراغ، والكتابة بالنسبة لي فتح جديد في عالم الإبداع، وإن جاءت متأخرة، وهناك اختلاف بيني - كرسام محترف - وبين الأديب، الذي يتخذ من الكتابة مهنة له، فهو قد يسرب جزءاً من سيرته الذاتية خلال كتاباته، من دون أن يعني ذلك أنه يكتب سيرته، مثلما فعل جابريل جارثيا ماركيز وغيره من الكتاب العالميين والعرب، وأنا ذكرت ماركيز لأنني مفتون بكتاباته وسيرته الذاتية على وجه الخصوص.

لكن هناك كثيرين كتبوا سيرهم الذاتية، ولم يلتفت إليها أحد لأن القراء أدركوا أنهم لم يكتبوا عن حياتهم بالصراحة المطلوبة؟

- لقد عاملت نفسي بمنتهى القسوة، لكن بدون أن أخدش حياء القارئ، أو أسئ إلى احد أيا كانت علاقتي به، ورغم ذلك انتقدت تجاهل أسرتي في الصغر لي، بدعوى عدم الوعي، عندما كانوا لا يتركونني أشاركهم الحديث في مجالسهم، وكنت أنزوي في ركن صغير، وأسخر منهم بعين الرسام، الذي لم يكن قد خرج بعد من داخلي.

ما الذي تحتاجه كتابة السيرة الذاتية حتى تصل إلى عقل وقلب القارئ؟

- تحتاج إلى الموهبة أولا، ثم إلى الاستعداد النفسي من المبدع، والتمتع بروح الشجاعة والحيادية حتى يتمكن من كتابة عمل أدبي، هو راضي عنه في المقام الأول، وإلا لكان في مقدور الحكائين الشعبيين كتابة سيرتهم الذاتية.

السيرة الذاتية تتناول لحظات ماضية فهل هناك علاقة بين الماضي والحاضر؟

- الحاضر يكمن في أنا، حين أطل على ذكرياتي الجميلة، بدافع الحنين إلى الماضي، وقد صدر لي كتاب، ترجم إلى الانجليزية بعنوان (بهجوري بريشة وقلم البهجوري) وأشعر بفخر شديد لأنني استطعت تسليط الضوء علي أمي، تلك المرأة الريفية البسيطة، التي لا يعرفها أحد، وقد انتشر اسمها عالميا من خلال الترجمة، وأشعر بالسعادة لأنني استعدت بهذا الكتاب ذكريات قديمة من طفولتي وهناك أشياء سقطت من ذاكرتي سهواً، وسوف أسجلها في كتاب يصدر قريباً بعنوان (أن تعيش لترسم) على غرار ما فعله (ماركيز) في سيرته الذاتية (أن تعيش لتحكي).

عندما يدور صراع في داخلك ما بين التعبير بالكتابة أو التشكيل.. فكيف تحسم هذا الصراع؟

- أشعر بأنني تحققت بشكل يرضيني في مجال الرسم، لكن الكتابة كانت مفاجأة لي، وللقارئ أيضاً، وقد أثنى عليها الكثير من النقاد، وعلى رأسهم الناقد الكبير د. على الراعي، الذي كتب عن سيرتي الذاتية (أيقونة فلتس) إن جورج البهجوري ارتاح من الرسم لحظة، لكي يصنع عملاً أدبياً رائعاً، كما لوحاته الفنية، ويشرح لنا من خلال سيرته الذاتية مشكلات الأسرة القبطية التي لا يعرفها الشعب المصري وأعتقد أنني استطعت المزج بين الكتابة والتشكيل، لكي أحقق ما يسمى ب(المشهدية) إحدى عناصر اللوحة، وحاولت تحدي نفسي لرسم اللوحة بالكلمات، لأنني أومن بأنه إذا تشابهت كتاباتي مع بقية المبدعين المحترفين، فلا داعي لها.

ما الذي تقدمه لك الكتابة عن الذات غير تفتيح المزيد من الجراح؟

- تقدم لي وعياً جديداً، بعد هذا العمر الطويل والخبرات المتراكمة، وربط ذلك بوعي سياسي واجتماعي وسيكولوجي.

هل تمكنت من خلع الأقنعة والتجرد أمام القارئ وأنت تسجل هذه السيرة؟

- أعتقد أن لدي الجرأة - الآن - للكشف عن حقائق ووقائع جديدة، لأول مرة، وستظهر في كتابي المقبل، لا سيما أن حركة المجتمع تسعى إلى الأمام، وتستوعب كل ما يطرح الآن سواء بالسلب أو الإيجاب، وأظن أن المبدع يتمتع بوجود شخصيتين في داخله، وينجح في حال وجود انسجام وتكامل بينهما.

لماذا يبدو المبدع كائناً هشاً؟

- لأنه لا يسلم من نقد الناس، الذين لديهم ميول واتجاهات وثقافات وقناعات مختلفة، وليست بالضرورة تتفق مع قناعات المبدع، ولكن للأسف بدلا من أن يكون ذلك وسيلة لإثراء الحوار بين الجميع، لا نرى سوى اتهامات من كل جانب للآخر.

ما الفرق بين (أيقونة فلتس) و(أيقونة باريس) و(بهجر في المهجر) وكلها كتب تتناول سيرتك الذاتية؟

- (أيقونة فلتس) تتناول سيرتي الذاتية حتى قبل الولادة، فالطفل يخرج إلى الحياة، ويكتشف جوانبها المختلفة، ويصف علاقته بالأشخاص الذين يلتقيهم، ويعلن عن رأيه فيهم. الكتاب يتحدث بلسان طفل رضيع، يمتلك خبرة رجل عمره ستون عاماً، لكن بمشاعر طفل لم يبلغ العام من عمره، أما (أيقونة باريس) فتعرض لكفاح فنان يجاهد من أجل الوصول إلى العالمية، وقد ترسخت لديه قناعة بعدم إمكانية العيش من دون فن، وهذا يختلف عن (بهجر في المهجر) فهو عبارة عن مذكرات ضاحكة، في كيفية تحويل الكاريكاتير إلى كتابة.

تمارس أكثر من عمل إبداعي.. أين تجد نفسك أكثر؟

- أتمنى أن أتفوق في النحت، الذي اكتشفته في سن الستين، رغم أنه يحتاج إلى قوة جسمانية، وقد شاركت في (سمبوزيوم أسوان الدولي) بجانب نخبة من النحاتين العالميين، واخترت أكبر قطعة جرانيت، للعمل عليها، وساعدني اثنان من رجال الجيل قاما بتنفيذ الرسم على الجرانيت، وكل ما فعلته هو أنني وضعت اللمسات الأخيرة بالصاروخ الكهربائي.

تعيش منذ سنوات بعيدة في باريس فكيف كان تأثير الغربة عليك إبداعياً؟

- الغرب منحنى الحرية والإبداع، فالمناخ هناك يسعد على ذلك، لوجود المتاحف والمعارض، مع أنني اكتشفت أن طلب أعمالي يأتي من الشرق لأن التشكيليين الفرنسيين أنفسهم يعانون من ركود بضاعتهم.

الجزيرة الثقافيةة