حوار مع الناقد السعودي سعيد السريحي

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

لأبي القاسم الشابي حضور عربي يجعل من المشاركة في هذه الفعالية واجبا على من كان شعر الشابي جزءا من تكوينه

حضوري هذه الندوة هو تجديد لهويتي التي يعتبر أبو القاسم الشابي أحد أهم مكوناتها .

الناقد سعيد مصلح السريحي  هو مساعد لرئيس تحرير عكاظ ومشرفا على الأقسام الثقافية المتخصصة ، عضو تحكيم جائزة بنلند الحيدري التي يمنحها مهرجان أصيلة للعرب المبدعين العرب . شارك في عدد من المهرجانات الثقافية والندوات العلمية التي عقدت في الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في مختلف مدن السعودية . شارك كذلك بأبحاث وأوراق عمل في مؤتمرات وندوات علمية عقدت في عدد من العواصم العربية والأوروبية منها الكويت والمنامة وأبو ظبي والشارقة  ودمشق والقاهرة والاسكندرية وتونس والجزائر والرباط والدار البيضاء وفاس وأصيلة وباريس وزيورخ .

صدرت له خمس مؤلفات :

- شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد

- الكتابة خارج الأقواس ...دراسات في الشعر والقصة

- تقليب الحطب على النار .. دراسات في القصة والرواية

- حجاب العادة .. أركيولوجيا الكرم من الخطاب إلى التجربة

- حركة اللغة الشعرية

كان من بين المحاضرين في ندوة " حداثة الشابي " ببيت الحكمة مؤخرا ، فكان لنا معه هذا الحوار :

- 1 - أغرت الندوة التي أقيمت حول شعر أبي القاسم الشابي أسماء نقدية مهمة من تونس والعالم العربي للحضور وإلقاء محاضرات حول شعر الشابي ، وانت منهم ، ما هو حضور الشابي في وجدانك ؟

لأبي القاسم الشابي حضور عربي يجعل من المشاركة في هذه الفعالية واجبا على من كان شعر "أبو القاسم الشابي" جزءا من تكوينه ، وقد أسعدتني هذه الدعوة لأنها تعيدني إلى شاعر كان رفيق صباي ، وقد امتلكت ديوانه وأنا لا أزال في الثالثة عشر من العمر ، وما زلت احتفظ بتلك النسخة وعليها خربشات تلميذ يبحث عن هويته في ما يقرأ . وحضوري هذه الندوة هو تجديد لهويتي التي يعتبر أبو القاسم الشابي أحد أهم مكوناتها .

- 2 - تركزت هذه الندوة على محاور ثلاثة وهي : عناصر الحداثة في شعر الشابي ، أبعاد الحداثة في مدونة الشابي الشعرية والنثرية ، والشابي في مرآة النقد الحديث ، ما هو الحد الفاصل بين الرومنسية والحداثة في رأيك ؟

ليست بين الرومنسية والحداثة خط فاصل . ليست بين دولتين متعاقبتين أو بلدين متجاورين ، إنهما نهر الشعر الذي يتدفق ويتغير . ففي شعر "أبو القاسم الشابي" شيء من كلاسيكية الشكل وفيه شيء من النبض العاطفي وفيه شيء من حداثة زعزعة الثوابت وهز المسلمات . وتكمن حداثة الشابي في موقفه القلق من العالم ، في إصغائه إلى أغاني الظلام وأغاني الوجوم  ، وإلى لحن الموت ، فللأغاني  وجه آخر في روض الحياة وأشواكها . لتصير الحياة أشد قسوة من الموت . ولتسعى الحياة نحو الموت ، ليرقص الموت في شعره كصور من الغد المروع . حداثة الشابي تكمن في لغة الشابي التي تنطوي على القلق والتوتر  ، علاقة تجتمع فيها المتناقضات ، و تنطوي على الهدم والبناء ، وتنقل من جمال صاف إلى جمالية القبح .

- 3 - في مداخلتك عن عناصر الحداثة في شعر الشابي ، قلت " لا بد لنا كي نتلمس عناصر الحداثة عند الشابي من أن نزحزح الشابي قليلا عن الأطر التي تم التعود على النظر إليه من خلالها وهي الأطر التي تجعل منه شاعرا وطنيا وثائرا قوميا في وطنه وعاشقا رومنسيا عند من احتفوا بتجربته خارج نطاق وطنه " ، هل من إضاءة ؟

في قصيد إرادة الحياة ثمة إزاحة للشعوب لتحل محلها النفوس ، الشاعر كتب الشعب ويستدعيه ليبقيه ، وهي إزاحة هيأ لها التركيب اللغوي للقصيدة نفيا وراء إثبات معلن   غير أنها تجعل من حقنا أن نرى خلف الظلام قولا آخر إذا لم يرد الشعب الحياة عجز على امتلاك إرادة الحياة  ، لتنذر لغة الشاعر بالويل يتساوق مع محو آخر كسر به الشاعر أفق التوقع ، فلم يجعل إرادة الحياة محصلة لآراء شعب مستسلم  لحاكم مستبد ، . والصراع لم يلبث أن يتحول إلى صراع بين قوى كونية من عدم وظلام  . هي قوى كونية غامضة ومهيمنة تتراءى في الريف والأرض والأزهار والنور و روح الكائنات المستمر . هي إزاحة للشعب : روح الشعب الغبية . الشاعر الفيلسوف عاش في شعب غبي ، عودة الذات الشاعرة إلى الطبيعة تحقق لها الغرابة . لم تكن العلاقة المتوترة مع الشعب حد القطيعة والنفي المتبادل ، كانت تجربة نفسية وهو العضو النشط في الحركة الثقافية تجربة روحية الاستغراق فيها تمنحه الشعور بالتميز . فيبدأ القصيد ب:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر . لينتهي : إذا طمحت للحياة نفوس فلا بد أن يستجيب القدر .

- 4 - ما هي  الأسماء الشعرية التونسية التي تدرك تجاربها بعد أبي القاسم الشابي ؟

بين الشرق والمغرب العربي ثمة ما يشبه القطيعة الثقافية فلا نكاد نتواصل إلا على استحياء ، وعبر ندوات عابرة أو أمسيات خاطفة ، ومع ذلك ففي تونس شعراء يعتز الإنسان بصداقتهم وبتجربتهم الشعرية ، غير أن صلتي كناقد أشد توثقا بأساتذة النقد وعلى رأسهم عبد السلام المسدي وحمادي صمود وحسين الواد ومحمد القاضي وفوزي الزمرلي ومحمد لطفي اليوسفي .

- 5 - انطلاقا من تجربتك النقدية ، هل ترى بأن النقد العربي واكب الشعر الحديث ؟

مواكبة النقد العربي للتجارب الشعرية أحد المواد التي تعامل معها النقد الأدبي فهموم النقد الأدبي أكثر اتساعا من أن تقتصر على الشعر ، فالنقد مسؤول عن فن الرواية والقصة القصيرة والمسرحية ، وهو مسؤول عن التجربة الحديثة ، كما هو مسؤول عن إعادة قراءة تجارب القدماء ، لذلك يظل الكثير من الشعر الحديث خارج إطار الدرس النقدي ويظل الدرس النقدي أكثر شمولا من الشعر الحديث . في السعودية هناك شعراء مهمون مثل عبد الله الغضامي وعادل القرشي وسعد البزاغي .بالنسبة لي انصب اهتمامي بدءا على إعادة قراءة حركة التحديث في الشعر العربي القديم ، وفي هذا الصدد كان لي كتاب شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد ، وكذلك كتاب حركة اللغة الشعرية ، وعشت بالتجربة الحديثة للشعر والرواية بين القصة وكان لي فيها كتابان .

- 6 - في إحدى مداخلاتك التي كنت قد شبهت فيها المشهد الروائي السعودي بالانفجار نظرا لتوفر كم هائل من الروايات حاليا في السعودية  وتسارع نسق نشر الرواية على حداثة ظهورها في المملكة إذ ظهرت قبل عقدين كما أشار لذلك عبده الخال ، نجدك تآخذ الرواية على عدم النضج الفني وهي تكسر المحرمات ؟

في التجربة الروائية السعودية هناك أسماء مقتدرة في كتابة الرواية مثل غازي القصيبي وعبدة الخال ، ورجاء عادل وليلى الزهني  لأنها تكتب الرواية المستوفية لشروطها الفنية ، أسماء تدرك كيفية بناء الرواية ، ونجحت في التعبير عن المجتمع السعودي الذي يشهد دينامكية  عاصفة في البحث عن حريته في الكشف عن المسكوت عنه . الموجة الحديثة لا تمتلك شرط الفن الروائي لكن تمتلك قوة الفعل الثقافي في تكسيرها للحدود وكشفها عما كان مسكوتا عنه من المحرمات في مجتمع يكشف عن دواخله المسكوت عنه وتكبير الصورة المثالية للمجتمع .  الرواية شكلت صدمة  لمفهوم الهوية في بعدها المعياري المحافظ ، ولكن هذا لا يعني أن جرأة البوح كافية لوحدها في تشكيل الرواية في غياب استيعاب التقنيات الروائية  .