دردشة عن غرف الدردشة

سوزان نبيل الشرايري

سوزان نبيل الشرايري  *

[email protected]

يعد الشباب المحور الأساس الذي تجتهد كل الدول والخطط التنموية  للحرص عليه وتطويره لذلك فإنه كلما أريد بدولة سوء اتجهت عقول الشر نحو تشويه هذا الشباب من خلال العديد من محاولات التدمير والإحباط .

وأحيانا ما يقدم السم  لشبابنا ممزوجا بالماء الزلال الذي يغريك صفاؤه ونقاؤه فتظنه سبيل الحياة وما تعلم أنه سبيلك إلى الوأد والقبر .

ونحن شباب العالم الثالث فرحنا لما أيقظتنا الدنيا على تقدم وتكنولوجيا إتصالية مذهلة جعلت من هذا العالم العملاق في حجمه قرية صغيرة ما أن يحدث أمر في شمالها حتى تجد التفصيل والتحليل في جنوبها ليس عند فرد واحد بل عند أفراد كثر .

فمجموعات ترسل رسالة اتصالية معينة تستقبلها مجموعة أخرى على اختلاف طريقة العرض بين جميع المشتركين في هذه العملية الاتصالية  وبالتالي تغدو المعلومة كطائر حر يأبى إلا أن يظل محلقا في الفضاء الواسع دون أن يكون هناك من يأسر حريته  ويشل حركته .ولكن العقل الإنساني المبدع يحاول أن يجعل هذه المعلومة نظرا لكمها وتنوعها وتجددها محصورة في إطار معين هو الانترنت (الشبكة العنكبوتية الواسعة)وبما أن هذا الأسلوب ييسر الحصول على المعلومة قبلنا جميعا أن نكون عناكب ضمن هذه الشبكة دون أن ندرك أن هناك عمالقة يلتهمون الضعيف ويشلون حركته بحيث لا يتمكن من الحراك دون أن يكون هناك من يوجهه .

ونظرا  للأهمية الكبرى للانترنت كوسيلة اتصالية ذات دور تربوي في تشكيل السلوك الإنساني (للشباب خاصة)قررت أن أتناول هذا الموضوع كتحقيق صحفي وبالأخص أن شارع الجامعة أكثر مكان يشتمل على مقاهي الانترنت في العالم  (حسب إحصاءات كتاب غينتس العالمي).

وقد قابلت عددا من المعنيين في هذا الأمر وهم:

محمد طالب في كلية الآداب سنة ثالثة وقد دار بيننا الحوار التالي :

_كم تقضي من الوقت على الانترنت ؟

من ست إلى سبع ساعات يوميا .

_كيف تقضي هذا الوقت؟

اغلبه في غرف الدردشة  

_هل تدخل باسمك الحقيقي ؟

لا. هناك لقب معين أحبه لذلك أطلقته على نفسي أثناء المحادثة .

_لا بد انك تجري المحادثة مع فتاة .

هذا هو الواضح

_ماذا تقصد من ذلك ؟

عندما يقرر احدنا الدخول إلى غرف الدردشة يضع في حسبانه قاعدة انه ليس كل ما يقال صحيح لذلك قد تجدي  فتاة تنتحل شخصية شاب والعكس .

_ما الذي يجبرك على الاستمرار في هذه التمثيلية إذاً  ؟

الدخول إلى غرف الدردشة يشبه الإدمان إلى حد ما, لا تتمكن من تركه ببساطة ,أنا شخصيا بمجرد تركي للمحادثة اشتاق سريعا للعودة إلى إتمامها, لأنني في كل مرة أجد شيئا جديدا ومحبذا لأسمعه  .

_محمد .كم عدد الساعات التي تقضيها مع عائلتك؟

نتناول وجبة الفطور والعشاء معا أما الغداء فكل منا في عمله .ولكنني مع ذلك لا اشعر بأي اضطراب أو فراغ فوقتي ممتلئ كليا لدرجة أنني أحيانا اشعر بحاجة إلى النوم والاسترخاء

 _هل تشعر يا محمد بأن الوقت الذي تمضية في غرف الدردشة يضيع هدرا وجزافا؟

لا اعتقد ذلك  أنا شخصيا لدي عدد من الأشخاص تعر فت إليهم في غرف الدردشة والجأ لمشورتهم في كثير من أموري نتحاور ونتبادل الآراء والخبرات حتى نصل  إلى حلول لكثير مما يواجهنا من متاعب .

_ما الذي يجعلك تبوح بمشاكلك لمن لا تعرفه ؟

الجواب أن عدم معرفتي به يمنحني أماناً حيث أبوح له ,بكل ما عندي دون خوف أو خجل .

ليلى طالبة في تخصص نظم المعلومات الإدارية سنة رابعة تجلس أمام الانترنت خمس ساعات يوميا تمضيهن في المنتديات وتحتج على صحة ذلك :

بأن قضاء وقت في المنتديات وغرف الدردشة ,أفضل بكثير من التسوق أو النوم أو مشاهدة التلفاز

_ماذا تستفيدي من مشاركتك في المنتديات وغرف الدردشة  ؟

التسلية والتعرف على أصدقاء جدد, والحصول على معلومات كثقافة عامة 

_كم الوقت الذي تقضيه في الدراسة عادة؟

حقيقة ليس هناك كم محدد من الساعات,فالدراسة تحددها طبيعة الواجبات والنفسية وجو المنزل وكل الظروف المحيطة  ,لذلك لا التزم بساعات محددة .

_بصراحة ليلى لو أردت منك أن ترتبي هذه الخيارات الثلاث (الدراسة ,المنتدى وغرف الدردشة ,الجلسات العائلية)من حيث أولويتها لديك بماذا تبدئين؟

المنتدى ثم الدراسة ثم الجلسات العائلية

_ما سبب هذا الترتيب ؟

لا أنكر انه قد يبدو غريبا بالنسبة لك ولكن النفس عادة تميل إلى التحرر والانعتاق من كل ما يكبلها وأنا وجدت حريتي في المنتدى وغرف الدردشة, من حيث أن كل ما أسمعه أو أشاهده يسعدني, وأنا من يختاره, أما الدراسة فأنت ملزم بواجبات وبقيود كثيرة يفرضها عليك الدكتور,و العلامات ,والكلية ,والجامعة. فتشعر بأنك بحاجة إلى أن تتمرد على هذا الكيان التعليمي لا بأس إن حصلت على تقدير متدني المهم أن تجد متنفسا يريحك .

أما العائلة فالجميع يعلم أن معنى الجلسات العائلية لدينا:هو مناقشة كل مشاكل البيت والجيران والحارة والدولة والعالم وبالتأكيد دون الوصول إلى حل وأنا لا أريد أن أدخل في حوار طرشان منذ البداية لذلك فالمنتدى هو الحل على الأقل يسمح لك بأن تبوح بكل ما عندك دون لوم أو عقاب .

وقد أكد السيد فريد الطعاني أحد مشرفي مختبرات الحاسوب في جامعة اليرموك أن الاستعمال الطويل للإنترنت يؤدي فعليا إلى الإدمان عليه , وهو يعتبر أن استعماله أكثر من ساعتين يوميا يعتبر نذير شؤم يعلن أنك صرت من مدمنين الانترنت.

وقد أكد الأستاذ فريد أن نسبة الفتيات في الإقبال على مواقع الشات يفوق الذكور , ويعلل ذلك بالرغبة في البحث عن شريك الحياة .

وإن كان قد صرح بأمرين قد لا يدخلان السرور إلى قلبنا ,إلا أنه بشرنا بما قدمته جامعة اليرموك لطلبتها في محاولة لإتمام مهمتها في رعايتهم ,وذلك من خلال تشفير المواقع الإباحية التي تمنع منحرفي الأخلاق من تصفحها ,وهذه مبادرة فاضلة تجبرنا على مزيد من الانتماء لهذه الجامعة الفاضلة .

 أما ما ذكره البعض لي من أن ممارسة الشات لديهم لأسباب دعوية فهو أمر احتاج مني لمزيد من الاستفسار, ولذلك توجهت للدكتور :أسامة الفقير أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة اليرموك.

والذي بدا مرحبا بأي وسيلة سليمة يمكن استخدامها في الدعوة إلى دين الله, والنت يعتبر من الوسائل التكنولوجية الحديثة والمرغوبة لدى عدد كبير من الناس, إذا هي وسيلة دعوية قويه تحتاج لداع ومدعوين على قدر من الوعي والمسؤولية فضلا عن احترام الذات .غير انه أكد أن هناك عددا من الضوابط التي ينبغي مراعاتها لا سيما في عالم الشات, ومنها أنك عندما تمارس الدعوة يكون حديثك عن الدعوة وليس عن أمورك الشخصية ,لأن في هذا تجاوز يؤدي للتعاطف ابتداء ثم علاقة مشبوهة ثانيا.

 وأود من خلال تحقيقي هذا أن اذكر نتيجة لدراسة أجريت مؤخرا عن نسبة مستخدمي الانترنت في العالم العربي, حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي زاد من (16) مليون مستخدم في كانون الأول 1995م إلى (785) مليوناً في حزيران 2004 فزادت نسبة المستخدمين إلى سكان العالم من 0.4 % إلى 12.2%.

  في حين أن 60% من أولئك  يستخدمونه للمحادثة عن بعد (Chat).

وتشير دراسة أجراها الدكتور "محمد القضاة" الأستاذ بقسم الصحافة بجامعة اليرموك ,إلى أن الفئة العمرية من 18-22 عاما شكلت النسبة الأكبر من رواد مقاهي الإنترنت فى عمان وإربد _أكبر مدينتين فى الأردن_ حيث بلغت نسبتهم أكثر من 44% (35)، وأن أكثر استخدام للإنترنت بين الشباب هو المحادثة الالكترونية أو "الشات" , حيث تشكل ما نسبته 85% من أنواع استخدام الإنترنت فى الأردن.

أما بالنسبة لمقاهي الإنترنت ,فكما هو معروف يعتبر(شارع الجامعة) فى إربد، من أكثر الأماكن اكتظاظا بمقاهي الانترنت, حيث بلغ عددها إلى ما يزيد عن 130 مقهى يرتادها ما يقارب 120 شخص يوميا.

ولا ادري حقيقة  إن كان هذا مبشرا بالتطور أم بالانحطاط ؟؟

فهذه النسب العالية. لا ترافقها قوانين صارمة من الدولة ,تحد من الاستخدام الغير مسؤول وأنا لا احمل المسؤولية المطلقة لها ,فللأهل دور لا يمكن لغيرهم ان يؤديه وقد بينه لي ,السيد صبري (أبو أحمد) لديه ثلاثة أولاد وبنتان وهم في أعمار المراهقة ويملكون جهاز كمبيوتر متصل بشبكة الانترنت , وقد اعتبر أبو احمد أن انحراف الشباب عبر الشات سببه إهمال الأم وانشغالها, وضعف شخصية الوالد الذي لم يعزز لدى أولاده الرقابة الدينية المحافظة.

فضلا عن الفراغ الذي يشعر به الأبناء, والذي يدفعهم للبحث عن بديل ,وبديل سريع وبما ان التكنولوجيا تحيطنا من كل مكان, فاقرب وأسهل طريقة لإيجاد الصديق الذي يستمع لي كلما احتجته هو الشات .

في حين أكدت السيدة راويا _(أم عبدالله )_:

أن بقاء جهاز الانترنت في مكان مكشوف لكل العائلة ,سبيل جيد لتفادي أي دخول خاطئ لأي فرد في العائلة ,بالإضافة إلى التوعية المستمرة بخطورة هذا الأمر.

لذلك من الضروري الوعي من هذا العالم المجهول, فأنت عندما تدخل إليه, تأكد أن المشكلة تبدأ من عدم معرفتك الحقيقية  بمن حولك, فضلا على أن اغلب من هناك يتقنون التلاعب بالكلام والعواطف, لا بأس إن وافقت المبادئ أم عارضتها ,المهم أن تتسلى, وتتسلى ,وتتسلى, مخلفا وراءك هذا العالم الحقيقي بكل ما فيه من واجبات ومسؤوليات وحقوق للآخرين .

فتيقظ أخي قبل ان تتحول إلى مدمن شات ينتظر كلمات ,دون أن يدرك أن الكلمات في عالم الشات, تائهة, ليس لديها هدف محدد, فهي تذهب إلى هذا وذاك فطريقها مشتت الاتجاهات,فقد فقدت معنى الخصوصية ,وبالتالي ستفقدك معنى الشبع والرضا ,وإن أردت كلمات صادقة, فحولك الكثير ممن تحبهم ويحبونك ,وتعرفهم ويعرفونك ,وهم أولى بالتعاطف معك والتفاعل مع همومك.

                 

*ماجستير تربية إسلامية

جامعة اليرموك