الروائي فؤاد قنديل

الروائي فؤاد قنديل

حوار: محمد رضا

ستون عامًا قضاها الروائي فؤاد قنديل في رحاب الثقافة والقراءة, أخذ فيها الطريق من أوله ولجتهد في أن يصبح رمزًا في الرواية العربية. فرغم بساطة نشأته في إحدي قري مدينة بنها محافظة القليوبية ومعظم أسرته الكبري من الفلاحين والتجار ووالده موظف الصحة الذي طلب منه أن يحصل علي دبلوم التجارة كما فعل مع أخيه, إلا أنه اجتهد فحصل علي الثانوية العامة في سنة واحدة وحصل علي مجموع أهّله للالتحاق بكلية الآداب حلمه الأول. وتتلمذ علي يد أساتذة قسم الفلسفة:  زكي نجيب محمود والأهواني وزكريا إبراهيم وإبراهيم مدكور والدكتور توفيق الطويل وغيرهم في كلية الآداب جامعة القاهرة.

"ثقافة وفكر" التقت الروائي الملتزم فؤاد قنديل وكان معه هذا الحديث:

. قال: البداية كانت مع الشعر الذي بدأت أنظمه منذ أواخر الخمسينيات وأخذ الشكل العامي والفصيح, ثم أحسست بأن الشعر لا يعبر عن نفسي وشعوري» فاتجهت إلي القصة القصيرة وكتبت عددًا كبيرًا منها نالت الإشادة في ذلك الوقت من الناقد الدكتور محمد مندور وتحديدًا في 1964م, وأخيرًا تركت القصة القصيرة واتجهت للرواية حيث إن الرواية أشعرتني بقدرتي علي تقديم عالم كامل أو رؤية كاملة.

. ما هو عامل الاستمرار منذ اللحظات الأولي في الكتابة؟

.. تشجيع النقاد لي كان وراء استمراري, كما أني اشتركت في عدة مسابقات, وفوجئت أني أفوز بمراتب متقدمة مثل الثالث والرابع, ثم احتلال المرتبة الأولي لمدة خمس سنوات منذ 1969م إلي 1973 علي مستوي نادي القصة بالقاهرة ونادي القصة بالإسكندرية, والهيئة العامة لقصور الثقافة وكان اسمها الثقافة الجماهيرية, وصدرت أول مجموعة قصصية لي عام 1978 بعنوان «عقدة النساء» والثانية «كلام الليل» عام 1979, وحصلت علي أفضل مجموعة قصصية في مصر لهذا العام. ثم توالت المجموعات: (العجز) و(عسل الشمس) و(الغندورة) و(زهرة البستان) و(قناديل) وغيرها. ثم كانت رحلة الرواية التي بدأت (بأشجان) و(السقف) و(الناب الأزرق) و(سفيقة وسرها الباتع) و(موسم العنف الجميل) التي ألفتها في ذكري أكتوبر 1973م.

. بدأت موظفًا صغيرًا معينًا بدبلوم تجارة, هل كان لذلك أثر في حياتك؟

.. الحقيقة أني بدأت موظفًا بدبلوم التجارة كما ذكرت في أستديو مصر, ولكني اجتهدت واستغللت الوقت وحصلت علي الثانوية العامة نظام الثلاث سنوات في عام واحد أهلني لأن أصبح مدير مكتب رئيس المؤسسة الدكتور عبد الحميد جودة السحار

الكاتب الإسلامي المعروف, كما أني أصبحت عضوًا في لجنة القراءة التي كان يرأسها نجيب محفوظ في وزارة الثقافة, وبعدها انتقلت إلي هيئة قصور الثقافة» حيث أسست إدارة النشر وإدارة المواهب, وتوليت الإشراف علي الثقافة العامة للشباب, ثم أصبحت المستشار الثقافي لهيئة قصور الثقافة..

ما السبب الأول الذي ساعدك علي الإبداع؟

.. بدأت في أواخر الخمسينيات وتحديدًا منذ أن لكزني أخي الأكبر في كتفي وقال لي: كيف تنام وأُطلق الرصاص علي عبد الناصر؟!وكان أخي شغوفًا بالسياسة وأمورها محبًا لقراءة الصحف والاستماع للإذاعة, ومنذ ما سمي بحادث المنشية 1954 وأنا أتابع السياسة التي دفعت بي إلي القراءة. تابعت الأدب وأشياء أخري فقرأت لسلامة موسي وطه حسين والمازني وأحمد أمين والعقاد وغيرهم.

. القراءة بدأت معك مبكرًا تقريبًا في العاشرة, وكيف كانت ممارستك لها؟

.. كنت أقرأ كتابين أو ثلاثة في اليوم الواحد وبالساعات أقرأ ما يزيد علي 18 ساعة في اليوم, ولم أكن أمارس أية هواية سوي كرة القدم يوم الجمعة بكامله, وفي الإجازة الصيفية أقوم وأصدقائي في فريق الجوالة بجولات سير علي الأقدام حول الدلتا زبان المرحلة الثانوية والدافع حبي للترحال والمغامرة والمعرفة والمعاناة في المعيشة.

ومن أهم المحطات التي كانت تدفعني نحو الإبداع استقبال الفتيات لشعري والذي شجعني أكثر وأكثر, كذلك حفاوة أساتذة اللغة العربية الذين يطلبون من الزملاء التصفيق لي بعد كل مرة أقرأ فيها موضوع المطالعة, والمحطتان الأخيرتان كانتا سببًا في أني أشعر بزهو خاص, وكأن هذا الطريق الذي أسير فيه يحظي برضا الجميع مما جعلني أهتم به أكثر, تُوج بنشر قصصي في الصحف والمجلات في جريدة المساء ومجلة الفكر المعاصر التي كان الدكتور زكي نجيب محمود يرأس تحريرها.

. ما مصادر المعرفة الإبداعية الأدبية لديك؟

.. الرحلات في حياتي مهمة جدًا ومصدر أساسي لديّ, فالدلتا كانت المستوي الضيق لها ثم توسعت إلي رحلات للدول الأوروبية والعربية فأحرص علي السفر ولو علي نفقتي الخاصة, وقليل منها ممثل لمصر في مؤتمرات دولية, كما أحب أن أجمع أشكال المعرفة المختلفة من التليفزيون والقراءة والجلوس مع الفلاحين والبسطاء والعمال وزقوم بزيارات للمصانع كذلك زيارة الأماكن المهجورة نسبيًا مثل سيوة وحلايب والوادي الجديد وتوشكي وسيناء.

. ذكرت أن أفضل الألوان تعبيرًا عنك الرواية ولكن ماذا عن المسرح والملحمة ؟

.. كتبت ثلاث مسرحيات لكني لم أتحمس لعرضها وإن كان هناك بعض المخرجين  حوّل قصة السقف إلي مسرحية وستمثل قريبًا, كما أني من محبي العروض المسرحية أكثر منها الكتابة للمسرح, وأتصور أن الكتابة للمسرح هناك من يصلح لها أكثر مني.

. أين موقع الرواية اليوم في أدبنا العربي؟

.. في رأيي أنها الآن علي رأس الأجناس الأدبية في جميع العالم العربي بفضل قدرتها علي احتواء العالم المعقد والمتشابك وكثير الأحداث, في الوقت الذي يقف فيه الشعر عاجزًا عن وصف هذا التشابك ويكتفي بالصور الرمزية والأسطورية,

والرواية يقرؤها أي مستوي من المتلقين.. أما الشعر فيحتاج إلي مستوي عالي من التلقي والوعي حتي يمكن فك الشفرات والرموز.

. أظنك تقصد قصيدة النثر؟!

.. مسميات عديدة لتلك القصيدة التي أثرت فيها الحداثة وهو صعب في تلقيه حتي لدي المتعلمين, والشعر في هذا الشكل كما يراه شعراء مدارس التفعيلة والنثر والكلمة الواحدة, وهو الجنس الأدبي للصفوة والنخبة, ولم يعد هناك إلا القليل الذي يَكتب ما يمكن أن تفهمه مثل: فاروق جويدة ونزار قباني وغيرهما.

ديوان العرب

. الشعر عُرف أنه ديوان العرب, ولكن هناك من يردد أن الرواية هي ديوان العرب؟

.. الشعر مازال في مجده لا بأس به خاصة المتعارف عليه, ولكن الشعر حاليًا لديه بعض المشكلات الخاصة التي تجعله بعيدًا عن المتلقي, خاصة في الأساليب الفنية ومنها قصيدة النثر وأشكالها, وأري أن هناك إقبالاً علي الرواية لأنها تقدم الرؤية الشاملة للعالم من حولنا, كما يمكنها استيعاب عدد من الفنون الأخري كالمسرح والحوار والقصة القصيرة والشعر والفن التشكيلي» لأنها مليئة بالتصوير, كما يمكن للأمي أن يفهمها إذا سمعها أو قرأها له أحد المجيدين للقراءة.

. ولكنك ذكرت قبلاً أن غير المجيدين للقراءة قد يفهمون أغاني أم كلثوم العصماء؟

.. نعم يمكن فهم بعض الشعر ولكن الشعر الحداثي استعصي حتي عند المتعلمين علي الفهم وخاصة قصيدة النثر والصحف والمجلات التي تتبناها.

. عرفنا الحداثة في مجال الشعر, فهل تعاني الرواية هي الأخري الحداثة في إخراج المنتج الأدبي؟

.. عانت الرواية العامية ومنها روايات يحيي حقي وروايات أطلقها أدباء حداثيون أمثال يوسف القعيد, ثم عاد وتراجع عنها والتزم اللغة الفصحي في الكتابة والحقيقة أن الرواية لا تكف عن تطوير نفسها من خلال كتّابها, وهناك مدارس عديدة الأولي كانت تقليدية بحتة مجرد قصة تُحكي, وكانت اللغة فيها ذات البطولة والأهمية مثل: روايات أحمد تيمور وطه حسين. ثم تطورت لتأخذ أساليب فنية أخري كما حدث عند نجيب محفوظ وظهر أسلوب الواقعية وأسلوب الرمزية, والواقعية انقسمت إلي واقعية سحرية ورومانسية, كذلك تفكيك وتقطيع الرواية ورواية الشخصيات والأصوات بأن تتحدث كل شخصية في الرواية عن نفسها..

من حيث الموضوع هل تميزت الرواية حيث إنها فن أدبي غير قديم؟

.. حاليًا الرواية تتحدث عن القديم مثل الرواية التاريخية لجمال الغيطاني,  وروايات تسجيلية وتوثيقية مثل: روايات صنع الله إبراهيم, وروايات واقعية كما هو الحال عند يوسف القعيد وإبراهيم أصلان, والواقعية السحرية كما هي عند إبراهيم عبد المجيد, وتاريخيه عند سلوي بكر, وريفية كما هي عند يوسف أبو رية.

الأدب الإسلامي

. كيف تري الأدب الإسلامي ورموزه؟

.. بالطبع أعرفهم جيدًا وأبرزهم نجيب الكيلاني -رحمة الله عليه- وقرأت له معظم أعماله وهو كاتب جيد جدًا ومتمكن, وللأسف لم ينل التقدير المستحق والتكريم اللائق, فضلآً عن أن ظروفه الحياتية لم تتح له الفرصة ليقدم المزيد من الأعمال الأدبية التي تتوجه هذه الوجهة الإسلامية والأخلاقية, وفي النهاية يبقي دوره محفورًا لا يمكن لأحد أن ينكره وينكر وجوده, وهناك الكثير من أمثاله في العالم العربي وفي مصر خاصة.

. كيف تري وضع شباب الأدباء اليوم؟

.. الإمكانات متوافرة لديهم من حيث حظهم في المعرفة من تليفزيون وإذاعة وصحف عربية ودولية وإنترنت, في حين لم يكن الكتّاب في الزمن الماضي يعثرون ولو علي ورقة.

. ماذا عن المواهب؟

.. المواهب عفية جدًا وقوية وكل ما هنالك يتعرض الشباب في العادة إلي عدة مشكلات: الأولي التعجل في قطف الثمار في حين تكون الموهبة في نصف الطريق,  ثم يحاول أن ينشر إبداعه في مقالات ومجموعات قصصية» فيصطدم بمن يواجهه بضعف أعماله وأنها ليست علي الشكل المطلوب. الأخطر من ذلك هو قلة تنمية المعارف بالقراءة والأعتماد علي وسائل أخري إعلامية وصحفية ولكن قراءة الكتب المهمة قليلة وتحتاج منهم إلي مزيد من النظر في هذه المسألة, مسألة القراءة من الكتب نفسها تفسح المجال لإعادة صياغة العقل والخيال والوجدان.