حوار مع الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه

القصة الواقعية الاجتماعية من أنضج ما كتبه كتاب القصة في ليبيا

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

عرف الكاتب أحمد ابراهيم الفقيه بغزارة كتاباته ، فأصدر سبعة عشر رواية ترجمت بعضها إلى الانجليزية ، وكتب المسرحيات  ، وقد عرض بعضها على مسارح لندن وهي "الغزالات" و"زائر المساء" و"غناء النجوم" ، وكتب قصص الأطفال والقصص القصيرة التي وقع ترجمة خمس مجاميع منها إلى الانجليزية أيضا . وكتب المقالات وشارك في عدد كبير من المؤتمرات العربية والدولية . ورغم قيمته الأدبية والفكرية فهو صاحب شخصية متواضعة ، يولي عناية كبيرة إلى أدب بلده ، ويقدمه في كثير من الملتقيات الأدبية العربية ، وبما أن تونس كانت إحدى محطاته فلم يدخر جهدا لإعطاء نبذة عن مسار القصة وبروز الرواية في ليبيا في هذا اللقاء الخاطف :

كيف تجلت ارهاصات القصة القصيرة في ليبيا ؟

منذ بداية القرن أتاحت السلطات العثمانية إصدار عدد من الصحف مثل "الرقيب" و"المرصاد" ، و"العهد الجديد" ، و"الكشاف" . هذه الصحف احتوت على بعض القطع الأدبية والصور القلمية التي تنتمي إلى عالم القصة ، لكن القصة بشكلها المتعارف عليها فنيا لم تصدر إلا في الثلاثينات وذلك في مجلة "ليبيا المصورة" ، وقد أصدر التونسي الهاشمي المكي صحيفة ساخرة "الطرائف" أين نشر هو وكتابات وهبي البوري وقاسم فكري واسمه الحقيقي أحمد راسم قدري القصص على سبيل الهواية .  ومع بداية نشأة الدولة الليبية الحديثة بدأت تصدر بعض المجاميع القصصية تأكد على تجذر هذا الفن وبلوغه مرحلة النضج والتطور مع عبد القادر أبو هروس ويوسف الأندلسي وطالب الربيعي وكامل المدور وخليفة التكفالي وغيرهم .

كيف تفسر تأثر القصة الليبية في بداياتها بآداب الشرق العربي ؟

في فترة الاستعمار الايطالي لم تكن هناك منافذ للثقافة غير الثقافة التي تأتي من الشرق نظرا لانتقال الكتاب الليبيين للشرق والتأثر الكبير بما يكتب في الشرق مثل "عبرات" المنفلوطي ، فظل التواصل قويا مع مصر وقد كان قاسم فكري معجبا بقاسم أمين وفكري أباظة .

ما نلاحظه أن الرواية لم تظهر في ذلك الوقت في ليبيا ؟

لأسباب عملية كثيرة لم تكن هناك صناعة كتاب يمكن من خلالها نشر الروايات ، والصحافة لم تشع على النشر . فلم يكن متيسرا في ذلك الوقت كتابة رواية بل قصة قصيرة تتطلب درجة أقل من التفرغ . فقد ارتبط الناس وقتها بمشاغل الحياة ، مع وجود أقلية متعلمة .

عرفت القصة الليبية بداياتها في مجتمع الواحات

عندما سجل حضور القصة الليبية بكثافة في الخمسينات ظهر الاتجاه الرومنسي في كتابة القصة ، فهل وراء ذلك أسباب اجتماعية ، وهل بالإمكان ذكر بعض النماذج من القصص والمواقف الرومنسية ؟

في تلك الفترة كانت ليبيا من مجتمعات الكبت والحرمان العاطفي والتفريق بين النساء والرجال في الخمسينات وذلك لخلق نوعا من الانتصار على الواقع وتغيير هذا الواقع من خلال التعبير عن الحرمان بالحلم . وقد عرفت القصة الليبية بداياتها في مجتمع الواحات أين ساد الاتجاه الرومنسي العاطفي الذي يكشف عن النفوس الحائرة في ظل نسبة الأمية المرتفعة وقتها وهي 90 بالمائة ومعاناة الشباب من الكبت الاجتماعي . ومن التجارب البارزة في التجربة الرومنسية "عزيز وعزيزة " لعبد القادر أبو هروس حيث استعاض عن واقع الحرمان والبؤس بالهروب إلى الأحلام والعيش على الطبيعة بتشكيل قصة حب والتعايش مع الغزلان والشراب من الينابيع . أما في قصة " نجلاء الهاربة إلى دمشق " فهي تصور عائلة مهاجرة ، وذلك لتجاوز الواقع البائس عبر الحب المبكر والتوق إلى الجنس الآخر .

هل مثلت تجربة القص الواقعي الإضافة الحقيقية في كتابة القصة في ليبيا ؟

القصة الواقعية الاجتماعية من أنضج ما كتبه كتاب القصة في ليبيا بل تصل إلى أرقى مستويات القصة في المشرق العربي المقهور ، ومن روادها خليفة التلباني وتوفيق الهاشمي الذي أصدر مجاميع قصصية عديدة في هذا الاتجاه . ما يتصف به هذا الاتجاه القصصي التلوين والتنويع من حيث الايقاع والأسلوب . فجاءت التجربة القصصية الواقعية ناضجة حاملة لشحنات عاطفية واقعية تعبر عن الأدب الليبي تعبيرا قويا ونالت احتفاء نقديا بالمشرق مثل تناولات محمود العالم النقدية وصارت أكثر نضجا عند ارتباطها بالمد اليساري في المشرق وتصور معاناة العمال ، والمعاناة الاجتماعية بصفة عامة . وتطورت الواقعية إلى الواقعية الاجتماعية الجديدة فبرز الوجه الحداثي لمسار القص الواقعي .

صارت روايات ابراهيم الكوني عن الصحراء صوتا لبيئة لم يكن لها صوتا

تبدو القصص التي استثمرت الحكاية الشعبية في ذلك الوقت قليلة ولكنها متميزة ؟

بالتوازي مع القص الواقعي ظهرت الحكاية الشعبية المهتمة بالتراث الحكائي ومعالجته فنيا ، ومن أكثر الاسهامات القصصية تميزا في هذا الاتجاه الأدبي أعمال صادق النيلون الذي قام بمهمة حقيقية في القصة العربية  وكان عمله القصصي " قصص الأطفال " بصمة حقيقية ، نشر في مجلة " الجيل " وعبر عن قضايا مسكوتا عنها . وكان صاحب المجلة قد أطلق على هذا التناول القصصي الهام عنوان "قصص الأطفال " في حين أنه ليس موجها للأطفال ، وقد تراءى القص الشعبي في قالب عصري مع سليمة البارون سنة 1957 ، في عملها " من القصص الشعبي " .

حاليا ومع نضج الرواية في ليبيا التي اتخذت بعدا عجائبيا ووظفت الأسطورة ، ما هو تقييمك لهذا الاتجاه ؟

هو اتجاه أكثر حداثة وتقدما ، و من أبرز كتابه الروائي المعروف إبراهيم الكوني ، اتخذ منحى عجائبيا فنتازيا . وصار عدد كبير من الكتاب في ليبيا يسيرون في هذا المنحى . وقد استفاد هذا الاتجاه القصصي من المدارس النفسية عند تصوير المواقف الانفعالية ، وذلك ما أسس للقصة الحديثة في ليبيا : فهي تقارب الواقع وترى ما فوقه وما تحته باعتماد الرؤيا والحدس وكل ما هو عجائبي . وقد لمس هذا التطور ظهور الرواية الحديثة التي تنتمي إلى النوع الأسطوري وتستفيد من الاتجاه الروائي المتسم بالحداثة والتشظي ، وقد مثلت روايات إبراهيم الكوني البديل للحياة في بيئة لم تغط ثقافيا ، وصارت صوتا لهذه البيئة التي لم يكن لها صوتا . فالصحراء في رواياته لم تعد فراغا بل فراغا مملوءا بأصوات ونماذج وبشر وصراعات .