لقاء صحفي مع الأستاذ أحمد الجدع

لقاء صحفي مع الأستاذ أحمد الجدع

أسئلة التأصيل

أحمد الجدع

أجرى اللقاء : المداني عدادي

إلى حضرة الأستاذ الفاضل ، والأخ الكريم : أحمد الجدع -حفظه الله تعالى-

تحية طيبة مباركة . وسلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته ..

أما بعد :

يسعدني ، أخي الحبيب - أن أخط لكم - ولأول مرة - هذا الكتاب راجياً من الله جلّت قدرته أن يحل بكم وأنتم في أحسن حال ..

وامتثالاً لطلبكم التطوعي المعطاء .. الساعي إلى لحم الروابط الفنية والأدبية بين مختلف الفعاليات الإبداعية المشرعة عبر هذا الوطن الإسلامي الشاسع .. وتلبية أيضاً لنداء الصديق الأديب الناقد ، الأخ : سعيد ساجد الكرواني -حفظه الله- الذي حملني هذه المهمة .. أتوجَّه بجزيل الشكر على ما أسديتموه من أعمال مثمرة، ومن إسهامات فعالة في سبيل رفع لافتات هذا الأدب الإسلامي ، الذي تعاورته أنياب الزيف والمسخ والتغريب .. ولعل من أوجب واجبات الأديب المسلم اليوم هو أن يهتدي إلى السرب الذي ينتمي إليه .. وأن يتعرف أصواته ووجهته ، حتى لا يضل عنه ، وحتى لا يكون صوته نشازاً وسط هذا العالم الصاخب العفن .

ولعل عملكم هذا -أخي أحمد الجدع- خير وسيلة استهداء لهذه النوارس المهاجرة ، وفيض نور لهذه النوافذ المشرعة .. فجزاكم ربنا خيراً .. وإلى الأمام .

وبالمناسبة ذاتها ، وفي إطار سلسلة : "أسئلة التَّأصيل" التي أجريها -حالياً- مع العديد من الفعاليات في حقل الأدب الإسلامي الأصيل .. أتوجه إليكم بهذا السؤال . والذي هو في الأصل عصارة ما تقومون به في هذه الموسوعة المتميزة من جهد:

لو طلبنا منكم إحصاءً موجزاً ومجزّءاً لأدباء وشعراء الدعوة الإسلامية ، فهل هذا التواجد يتوافق واحتياجات الأمة عبر هذه الواجهة .. أم هناك قصور في جهة ما على حساب أخرى .. ما رأيكم ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

شعر المرحلة واحتياجات الأمة الإسلامية *

أود قبل أن أدخل في إجابة تفصيلية على هذا السؤال أن أجلي نقطتين هامتين:

الأولى : موقف الرسول r من الشعراء الأعداء .

الثانية : مهمة الشعر والشعراء في الحضارة الإسلامية .

وسوف يكون الحديث عن هاتين النقطتين موجزاً .. بالغ الإيجاز ، ذلك لأن تفصيل كل نقطة منها يحتاج إلى مجال رحب ومقال مُطَوَّل ..

لفت نظري وأنا أقرأ السيرة العطرة للرسول الأعظم -صلوات الله وسلامه عليه- أنه كان حازماً شديد الحزم مع شعراء المشركين ، فقد كان -عليه السلام- يهدر دماء الشعراء لمجرد تعرضهم ، ولو مرة واحدة للإسلام وأهله ، فقد أهدر دم كعب بن زهير في أبيات من الشعر عاتب بها أخاه بجيراً لأنه أسلم ، وقتل كعب بن الأشرف لأنه حض قريشاً بشعره على الانتقام لقتلى بدر .. والأمثلة على ذلك كثيرة ، ولعل هذا الموقف من رسولنا الكريم كان بسبب ما يمثله الشعر من سطوة على العرب وتأثير بالغ على نفوسهم ، وقد كان الشعر وسيلة الإعلام المؤثرة في ذلك الوقت ، وخطورة الإعلام السياسية لا يجهلها أحد ..

أما عن مهمة الشعر والشعراء في الحضارة الإسلامية فهي مهمة كبيرة وعظيمة ، يدلنا على ذلك اهتمام الرسول بالشعر والشعراء ، ودعوته لهم للمساهمة في الدفاع عن العقيدة وأهلها ، واتخذ لنفسه شعراء ، جعل على رأسهم حسان بن ثابت t وقد أكرم -عليه السلام- الشعراء إكراماً عظيماً ، فبالإضافة إلى ما كان يغدقه على حسان ، فقد كان يدعو له .. ويسأل الله أن يؤيده بروح القدس (جبريل) ، ثم زاد في الإكرام إكراماً عندما أعطاه سيرين أخت مارية التي أنجبت لرسول الله ولده إبراهيم .. وأنجبت سيرين لحسان ولده عبد الرحمن ..

فالدفاع عن  عقيدة الإسلام إحدى المهام الكبرى التي تناط بالشعراء في الحضارة الإسلامية ، وهناك مهمة أخرى لا تقل أهمية عنها وهي تحسين العقيدة الإسلامية في نفوس أهلها بالشعر الذي يعلق بالقلوب ويسيطر على النفوس ويأخذ بالألباب .

$          $          $

هل نحن الآن بحاجة إلى الشعر والشعراء ؟ وهل برز في الساحة الإسلامية المعاصرة شعراء حملوا لواء الدفاع عن الإسلام ، وقاموا بتزيين مبادئه وشرائعه للناس ؟

بعد سقوط العالم الإسلامي في براثن الصليبية المعاصرة ، وسيطرتها على وسائل الإعلام بأنواعها ، واصطناعها لكل الوسائل القادرة على التأثير في عقول الجماهير المهزومة في ميادين القتال ، واستقطابها لعدد غير قليل من ضعفاء النفوس في هذه الأمة ، واتخاذها من الشعر والشعراء إحدى وسائل التأثير ومعاول الهدم والتدمير في هذه الأمة ، أصبح من الواجب العظيم على الغيورين من شعراء الأمة أن يقوموا بواجبهم نحو دينهم وأمتهم ، وأصبح الدفاع بالكلمة الشاعرة واحداً من أعظم الواجبات على أصحاب الحس الشاعري من أبناء المسلمين الغيورين .

وكما يولد الطفل ولد الشعر الإسلامي الحديث ، وكما ينمو الطفل نما الشعر الإسلامي الحديث ، وكما يشب الغلام شب الشعر الإسلامي الحديث ...

كان الشعر الإسلامي في أول عهده مختلطاً مع غيره من الشعر التائه ، فكنت ترى شاعراً يقول القصيدة العصماء التي تصنفها في الذروة من الشعر الإسلامي ، ولكنه لا يلبث أن يطالعك بعدها بقصيدة تائه تافهة ، تكاد تشي بهذا الاختلاط المؤذي بين السمو والهبوط بين البناء والانهيار .. ألم نسمع إلى أمير الشعراء وهو ينشد بردته وهمزيته ، ثم لا نلبث أن نسمعه يقول :

رمضان ولى هاتها يا ساقي

 

 

مشتاقة تسعى إلى مشتاق !!

 

وتعجب كيف ينطق صاحب البردة والهمزية بمثل هذا السخف .. بل الفجور الذي لا يجرؤ على مثله أكثر الناس فسوقاً !

ولكنه العصر .. والهزيمة .. والبداية التي اختلط فيها الخير بالشر والحق بالباطل.. ومع الأحداث الجسام التي وأنزلها الأعداء بالأمة أخذت تتبلور في الأذهان صورة الهوة التي هوى إلى قعرها أبناء الأمة التي وصفها الله بأنها خير أمة أخرجت للناس ، وأخذ الغيورون من أبناء هذه الأمة التي لا تموت يرفعون أصواتهم بالإصلاح .. والعودة إلى الينابيع العذبة الصافية ، وكان من بين هؤلاء الغيورين نفر من الشعراء حملوا لواء الدعوة الإسلامية ، وأخذوا بشعرهم يذكرون محاسن الإسلام ، وينادون الأمة بالعودة إلى هذا الدين والتقدم بالإسلام نحو التحرر والسيادة والبناء والارتقاء ..

ويلمع في سماء هذا الجيل من الدعاة شعراء أعلام كأمثال أحمد محرم وعمر الأميري ويوسف العظم ووليد الأعظمي ومحمد محمود الزبيري وأحمد فرح عقيلان ويوسف القرضاوي وعلي باكثير ومحمد إقبال ومحمد المجذوب وهاشم الرفاعي .. وغيرهم كثير وكثير .. ويجاهد هذا الجيل ليرسي قاعدة متينة للشعر الإسلامي المعاصر .. وتنجح جهودهم، ويسلمون الراية لجيل جديد ، ينطلق في ميدان الشعر الإسلامي، يحقق له السمو والرفعة والأصالة، فتلمع في سماء الشعر الإسلامي أسماء تحقق للكلمة المؤمنة أمجاداً رفيعة ، وتدفع إلى دنيا الأدب الإسلامي مجموعة من أرفع الدواوين وأعذب القصائد والأناشيد ، فنقرأ لشعراء منهم أعلام ، نقرأ لعبد الرحمن العشماوي ومحمود مفلح وأحمد الصديق وشريف القاسم ومأمون جرار ووليد قصاب وحسن الأمراني وحفيظ الدوسري وعصام الغزالي وأحمد حسن القضاة وأحمد الخاني وكمال رشيد وحسن الذاري وداود معلا وسعيد ساجد الكرواني وسليم عبد القادر وصالح الجيتاوي وعارف الشيخ وعبد الرحمن بارود وعبد القادر حداد وعبد الله السلامة وعدنان النحوي ، وكمال الوحيدي ومحمد الحسناوي ومحمد صيام ومحمد منلا غزيل ويحيى الحاج يحيى ويوسف أبو هلالة ، وغيرهم كثير وكثير ، ونطالع دواوين الأمجاد الإسلامية المعاصرة التي تخطو بثبات نحو تحقيق حلم الأمة في التحرر وفي بناء الدولة الإسلامية الواعدة.. القريبة بإذن الله ..

$          $          $

لقد ألفت قبل خمسة عشر عاماً مع أخي الأديب حسني جرار كتابنا شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث في عشرة أجزاء ، ضم أكثر من ستين شاعراً ، وعندما أردنا أن نعيد صياغته مرة أخرى وجدنا أن الساحة الإسلامية قد غصت بالشعراء المبدعين والشعراء الواعدين ، وأن كتابنا هذا سوف تتضاعف أجزاؤه ويتضخم حجمه . فنسأل الله أن يحقق لنا أمل إنجازه وإخراجه ...

وعندما ألفت كتابي : دواوين الشعر الإسلامي المعاصر ، دراسة وتوثيق ، قبل أكثر من عشر سنوات لم أستطع أن أحصي في ساحة الشعر الإسلامي المعاصر أكثر من مائة وخمسين ديواناً ، وأنا اليوم أستطيع أن أحصي أكثر من خمسمائة ديوان .. ولعلنا نستطيع أن نحصي أكثر من ألف ديوان بعد سنة أو سنتين ..

إإن الشعر الإسلامي المعاصر يواكب أحداث الأمة ، ويسير معها في طريقها إلى المجد ، ولا أستطيع إلا أن أحيي هذه الكواكب من الشعراء الذين نذروا نفوسهم للذود عن حياض الإسلام ولخدمة أهدافه الرفيعة السامية.

              

* مجلة الأدب الإسلامي ، المجلد الرابع ، العدد الثالث عشر ، رجب / شعبان / رمضان 1417 ، تشرين ثان / كانون أول 1996 - كانون ثاني 1997 ص46،47 .