حوار مع الشاعر الإيطالي مينو روسو

الشعراء معنييون بتغيير العالم

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

كان لجمهور النادي الثقافي الطاهر الحداد بتونس لقاء مع الشاعر الإيطالي "مينو روسو" الذي استضافه الفضاء في عرض لما أصبح يعرف بالقصيدة البصرية . الشعر لم يكتب عبر اللغة فحسب ، بل إن تجربة الشاعر تنحو نحو الرمز والصورة المجردة بحثا عن المعنى . فالقصيدة البصرية قد تتراءى في صورة نقاط استفهام ، تليها نقاط تعجب ، فنقطة قد تعبر عن نهاية السؤال ، أو عن التلاشي والاندثار أو الحقيقة الثابتة للذات . القصيدة البصرية قد تتمظهر في لوحة معنونة بالآتي ، الآتي الذي ظل غائبا في هذا العرض إذ اقترن بالغموض في لوحة مشكلة من الأشكال الهندسية من خلال حكاية السيد " أو" ، فالشكل يحيل إلى الصفر ، إلى العودة إلى نقطة البداية حين يخرج الإنسان عن القالب الاجتماعي ، لكنه يتحول إلى كرة يتقاذفها الآخرون ليعود إلى تشكله الاجتماعي البحت . المتابع لهذه العروض يلاحظ انصهار فنون عديدة في فن واحد يعبر عن وجه جديد للمعنى الذي يبدو من خلال رؤية "مينو روسو" غير ثابت في شكل أحادي للفن ، فتلاقي فنون كالرسم والكتابة الشعرية والموسيقى يولد حالة هجينة معبرة عن رؤية حداثية للفن عامة ...

 "مينو روسو" الذي لا يميل إلى التفسير أو الإطناب في الحديث عن تجربته الفنية ، تاركا للمتلقي حق التأويل والتمعن وخلق وضعيات جديدة في التعامل مع عناصر الواقع أفادنا بهذا الحديث الخاطف  .

ـ 1 ـ الطريف والمبتكر في هذا العرض اختيارك لأكياس السكر الصغيرة لتكتب عليها القصائد ، كيف تبادرت إليك هذه الفكرة ؟ وهل اقترنت بتجربة معينة ؟

أكياس السكر تنخرط في سياق العادي واليومي ، تصل إلى كل الناس ، وعبرها يتم ايصال الخطاب إلى عدة أشخاص ، فليس بالضرورة أن يهتم الناس بكيس السكر ، لكنها دعوة للتفكير وكسر الرتابة ، وتقبل العيش بطريقة مختلفة .. الشعر لم يعد يقرأ كما من قبل . ظاهرة العزوف عن القراءة ظاهرة إنسانية عامة انتشرت في جميع المجتمعات تقريبا ، وقد سبب ذلك إهمال كتب الشعر وعدم الإقبال عليها من طرف الكثير ويعود سبب ذلك إلى نمط العيش الاستهلاكي في هذا العصر وايقاعه السريع ، وقد اكتسحت التلفزة حياتنا بشكل رهيب وخاصة لدينا نحن الغرب . وقد تبادرت إلي فكرة الكتابة على أكياس السكر لتقريب الشعر للمتلقي صدفة . ففي اجتماع حضرته اهتم بمناقشة كيفية جمع أكياس السكر ، تساءلت : لم لا نكتب عليها القصائد ولم لا تتحول هذه الأكياس إلى محمول للأشعار المركونة في الكتب البعيدة عن أيدي الناس العاديين وغيرهم ..

ـ 2 ـ  رغم اختلاف مضامين القصائد ( العاطفية ، الاجتماعية والفلسفية ) فإن شعر الحب بدا طاغيا على أكياس السكر . وأقتطف هذه القصيدة على سبيل المثال : " لو/ دخلت التاريخ/ فليس من أجل/ قصصي العاطفية /على العكس/ فقد عوتبت دوما/ لأني لن أصرخ أبدا/ أحبك /أمام العالم أجمع/ من خلف أي جدار/ أحبك /أقولها الآن /عبر غلاف سكر/ " . فهل هناك علاقة بين أحاسيس الحب والسكر ؟ وهل نلمس بين طيات شعر الحب خطابا اجتماعيا ؟

شعر الحب مع السكر يلقى اهتماما بالنسبة للجمهور ، إذ تلتقي حلاوة الحب بحلاوة السكر ، فينسجم الإحساس مع المادة ، ويختفي كل شعور بالملل اليومي ، ويحل محله التذكر ، ومن ثمة تتكون متعة هذه الأشياء والتفاصيل الصغيرة في نسيج حياتنا اليومية وتكتسب نكهة مختلفة ومميزة . شعر الحب شيء أساسي عبره تتنفس الروح ، تنعتق ، تتجلى ، فنشعر بتدفق الحياة ، ونكسر قوالب الحياة العادية . فالحب دعوة للتفكير في وضع الإنسان المعاصر والخروج من قوالب صور الوسائل البصرية المميتة للروح الإنسانية . والحب هو بالأساس خطاب اجتماعي ، إذ أنني لا أعبر عن الفن من أجل الفن ، بل الفن من أجل المجتمع ، من أجل إعادة العلاقات الاجتماعية على أسس الحب ، تلك هي غاية الفن الحقيقية .

ـ 3 ـ  تواصل التعبير عن العاطفة في معرض الصور والرسومات وبالتحديد في لوحة " قبلة في الجيب " فكيف تلتقي الأحاسيس في هذه اللوحة المكونة من الشفاه ؟

الالتقاء عبر هذه الصورة قد يخلق المعنى بين طرفين ، فهو محمول لرسالة تصلهما عبر توظيف التفاصيل الصغيرة واليومية ، فالخطاب بسيط وعميق ، وذلك هو هدفي . أنا لا أقدم خطابا معقدا يتعالى على الواقع اليومي بل يجب أن يلتقي هذا الخطاب مع الناس في الشارع وأن يمس جوانب إقبالهم على الحياة .

ـ 4 ـ  هناك دعوة للتفكير من خلال القصائد البصرية المكونة من الرموز والنقاط والأشكال واكتفاء إحداها بطرح سؤال "متى" باللغة الأنقليزية . هل اللغة لوحدها عاجزة عن ايصال المعنى ؟

اللغة لم تعد مسموعة بما فيه الكفاية ، بل أصبحت تميل إلى الإقناع والتفسير في حين أن غاية المعنى التفكير المقترن بالغموض وطرح السؤال وبث الرغبة في كتابة المتلقي لقصائده الخاصة بما يستجيب لعوالمه والترميزات التي يراها كفيلة بتصويرتصوره الخاص ، كل ذلك في قالب بصري يوجه المشاهدة لما هو سطحي ومعتاد إلى ماهو عميق ومفكر فيه . فهذه القصائد البصرية تؤدي وظيفة نقدية ، تؤسس للتغيير . فتكمن  قدرة الفن على التغيير في رأيي ، ولا يعبر بالأساس عن ردة فعل آنية ، والشعراء أكثر من غيرهم معنييون بتغيير العالم عن طريق اللعب باللغة ، فاهتمامهم باللغة أكثر جدية وجدوى من غيرهم .

ـ 5 ـ  وهل لمست من خلال العروض التي قدمتها إشارات تؤكد وصول خطابك للمتلقين ؟

من خلال اصطحابي للكراس في كل العروض التي قدمتها في كل من من الجزائر ، فرنسا ، هولندا ، يوغسلافيا ... وحاليا تونس ليسجل عليها الجمهور ملاحظاته ،  لاحظت أنهم مهتمون ، وأنهم فكروا بالدرجة الأول . فالهدف تحقق . وما يسعدني حقا أن الشباب خاصة اهتم بالرسالة أثناء العروض . فالشباب هو الذي يجب أن يفكر ويخرج وضعيات للخروج من القوالب الثقافية الجاهزة إذ تتوفر فيه روح العطاء . وقد وجدت في تونس ، وبالتحديد في نادي "الطاهر الحداد" مكانا لتلاقي مختلف الثقافات وخلق حيوية ثقافية وذلك ما يثري ثقافة الإنسان ، كما وجدت شبابا مفكرا ومتفاعلا ، فقد لبى هذا النادي الثقافي حاجة الشباب للمعرفة ومنحهم فرصة للتفكير ، للنقاش ، وتبادل الأفكار .

ـ 6 ـ  الإقرار بقيمة الحب ودوره ، الدعوة للتفكير ، ثم عرض فكرة تحول الإنسان إلى شيء . كيف عبرت عن هذا الرفض ؟

يكمن ذلك من خلال لوحات " نجمات الصلبان " لأصور ثقافات في طور الاندثار والتعريف بثقافة الصحراء ومخزونها ، ومن خلال لوحة " السيد أو " المعبرة عن الصراع والتلاشي ، فهي دعوة لمعاودة الصراع ، لوحة " المستقبل " التي تصور البياض في قالب تعبر عن غموض الحقيقة الذاتية وربط البياض بالتفكير . القصائد البصرية التي تثور على كل ما هو تقليدي مع الحفاظ على الجذور الإنسانية  . هذا التزاوج بين الفنون ، وإبداع القصائد المرئية ، وسرد تفاصيل " قصة محلاة بسكر " وهي قصة الإحساس والدهشة والسؤال . كل هذا الخليط المتجانس من الفنون من شأنه أن يخلق " الحدث الثقافي " ويرصد العلاقة بين البصري والكتابي من خلال التزاوج بين الصورة والشعر ، فتزاوج الفنون يخلق معنى مختلفا .