محمد الحافظ ولد النحوي

محمد الحافظ ولد النحوي

إصلاح المناهج التعليمية مسألة سيادية تتعلق بهوية الأمة العالم والشاعر الموريتاني لـ«الشرق الأوسط»: المحاظر الشنقيطية مركز إشعاع  ثقافي وعلمي يغطي غرب أفريقيا.

الرباط: سكينة أصنيب

هو من أشهر علماء موريتانيا، وأحد مشايخ التصوف بها تلقى تعليمه بجامعات البوادي المنتشرة بالبلاد والمسماة بالمحاظر، وحصل على شهادة الماجستير في الحضارة الاسلامية، تتلمذ على يد علماء كبار وتقلد عدة مهام سامية بالدولة فشغل منصب وزير التوجيه الاسلامي، وهو حاليا نائب رئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، ورئيس التجمع الثقافي الاسلامي بموريتانيا وغرب افريقيا. له عدة مؤلفات أهمها: «تأملات في كتاب الله» و«الحق اليقين في تنوير قلوب المؤمنين» و«واحة الأخلاق الفاضلة»، إضافة إلى ديوان شعري في المحبة. شارك في العديد من الملتقيات والندوات العالمية. هو الشيخ العلامة محمد الحافظ ولد النحوي.

التقته «الشرق الأوسط» بالرباط خلال حضوره الدروس الحسنية الرمضانية وكان معه الحوار التالي:

* مرت موريتانيا بفترة عصيبة تخللتها انقلابات واتهامات ومحاكمات، كما نشطت التكتلات القبلية واستطاعت فرض سيطرتها على الساحة السياسية، ما رأيك بما جرى؟ وما هو دور العلماء ورجال الدين في تهدئة الوضع السياسي بالبلاد؟

ـ الواقع أن موريتانيا مرت بفترات عصيبة وحرجة حدثت فيها بعض الاضطرابات، رغم النهضة الاقتصادية والعمرانية بحكم أهمية البلد في منطقة غرب افريقيا والمقومات والطاقات التي يمتلكها، إضافة إلى الآفاق الاقتصادية المقبلة. إلا أن العمل البشري دائما تكتنفه بعض العراقيل والصعوبات، فجاءت هذه الاحداث المؤسفة والتي تتنافى مع المسار الذي تعيشه البلاد ومع الظرفية الحالية، لذا ينبغي التعاون بين الدولة ومختلف الفرقاء السياسيين لبناء وحدة وطنية صلبة فللمعارضة دور مهم ينبغي عليها ان تقوم به في نطاق الضوابط والقيم والثوابت والمحافظة على هذا الكيان المشترك الذي يفوق كل اعتبار، وهو مصلحة البلد، والسعي إلى المساهمة في بناءه وتنمية موارده والمحافظة على مكاسبه. أما العلماء فعليهم توعية وتثقيف المجتمع وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وهو دور مهم ومطلوب ومنوط بهم أكثر من غيرهم، وهو كفيل بالحيلولة من دون استمرار مثل هذا النوع من الاحداث والحد من تأثيراته السلبية على المستوى القبلي والجهوي. لذا على الجميع ان يسعى بشكل جاد ومنطلق شرعي في المساهمة في بناء وحدة وطنية صلبة على أساس ثوابت قوية وفي نطاق الممارسة الطبيعية للحقوق الديمقراطية وتنمية المبادرات الوطنية.

* هل يعاني العلماء في موريتانيا من مضايقات عندما يعلنون عن آرائهم ويتخذون مواقف مغايرة لمواقف السلطة؟

ـ لا بد من الموضوعية والانصاف في مثل هذا النوع من القضايا، فالعلماء في موريتانيا مثل العلماء في جميع أنحاء العالم الاسلامي لهم مواقفهم واجتهاداتهم والتي تنطلق من تمسكهم بكتاب الله وسنة نبيه، ومن مكانتهم الدعوية كعلماء.

ومن هذا المنطلق لا ينبغي ان يكون هناك تناقض بين مواقف العلماء ومواقف ولاة الامر لان المرجع واحد. وشخصيا أرى انه لا توجد هوة بين مواقف العلماء بشكل عام ومواقف ولاة الامر، لان للبلد منطلقا في دستوره هو التشريع الاسلامي، وهدفه هو إقامة دين الله على مبدأ التناصح، وان يعمل الجميع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة».

واذا حدثت في بعض الاحيان فرص لتباين وجهات النظر يجب وضعها في إطارها. فالبعض لديه أدلته الشرعية في مواقف معينة فيرفضها وينكرها على غيره، والبعض الآخر يعتمد على أدلة شرعية وباب في التأويل الشرعي فيجد ان ولي الامر له هامشه من النظر فيما يرى انه أولى بمصلحة البلاد والعباد طالما ان هذا الهامش لا يتنافى مع نص صريح وقطعي كتابا او سنة

* أعادت الكثير من الدول العربية والاسلامية النظر بمناهجها التعليمية سيما مواد الدين، هل توافقون على هذا التصرف؟

ـ المناهج التعليمية هي مسألة سيادية، فالتعليم هو مرآة الهوية الثقافية والحضارية، ومن خلاله تتحدد بطاقة التعريف، فكيفية تعليم النشء مسؤوليتنا وليست مسؤولية غيرنا، وينبغي ان تصاغ من حيث نحن لا من حيث الآخر، وبالتالي فمسألة مراجعة المناهج التعليمة وإعادة تصحيح بعض المفاهيم ينبغي ان تكون مسألة ذاتية على مستوى المجتمعات الإسلامية. وبطبيعة الحال لكل بلد إمكانية تقديرية في النظر الى المناهج التعليمية حسب ظروفه وحسب ما يمليه واقعه، لكن ان تفرض علينا رؤية معينة من جهة خارجية، تتناقض مع ضوابط وثوابت الهوية، وان نطالب بمناهج تعليمية تتنافى مع هويتنا الدينية والحضارية، فهذا غير مقبول ولا مجال للمساومة فيه. أما ماعدا ذلك من مسائل اجتهادية اخرى فهي محل نظر الخبراء ورجال التعليم.

* التعليم العتيق بموريتانيا له خصوصية تميزه عن غيره من أنواع التعليم بباقي الدول ألا وهي «المحاظر» ما هي وضعيتها الحالية؟ وهل هناك خطط مستقبلية لتحديثها وعصرنتها؟

ـ التعليم المحظري، ظاهرة قديمة تعود إلى القرن السادس الهجري. وقد لعبت المحاظر دورا فعالا في الحفاظ على الهوية الحضارية والإسلامية لموريتانيا وعلى اللغة العربية إبان دخول الاستعمار الفرنسي، كما عملت على تعبئة الشعب وتوعيته بقضايا تهمه وأخرجت علماء كبارا على مر العصور، جابوا الدنيا بعلومهم وعملوا على نشر الإسلام وتعاليمه. والمحاظر شكل من أشكال التدريس لا يوجد إلا بموريتانيا فرضته حياة الحل والترحال، ويدرس فيها القرآن الكريم وعلوم الفقه و أصوله وعلوم الحديث والبلاغة وغيرها من العلوم. وتضم مختلف المراحل الدراسية من الابتدائي وحتى العالي. ويبدأ الطالب بتحصيل القرآن الكريم في سن الرابعة كمدخل أساس للتوجه لعلوم الشريعة، ثم تلي ذلك مرحلة اتقان المتون المتوسطة، فيبدأ بالسيرة والدواوين ثم يتنقل الى نوع آخر من المتون فيدرس النحو والفقه واللغة.

وكل هذه المراحل تشترط اتقان الحفظ واستحضار المعنى والاستدلال بالشواهد الكافية. وتنتشر المحاظر في كل أراضي البلاد وتنقسم إلى محاظر كبيرة ومشهورة تدرس جميع فروع العلم وتستقبل الكثير من الطلبة، وأخرى صغيرة تختص بتدريس القرآن الكريم. والمتخرج من المحاظر يظل دائما متفوقا على المتخرج من التعليم العادي. والفضل في ذلك يرجع إلى الأسلوب والمنهج المتبع في المحظرة، حيث أن التعليم المحظري معروف بثوابته وضوابطه، وهو يعتمد أساسا على الدقة في الحفظ والاحاطة بالمتون. وقد استطاعت المحاظر ان تصدر عددا هاما من علماء الدين الذين تركوا بصمتهم خارج حدود موريتانيا في افريقيا، نشروا الاسلام والعلم في مجتمعات نائية جدا كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي ومحمد محمود ولد التلاميذ. واليوم يتعرض التعليم المحظري لهزات بحكم التداخل الثقافي والتأثر بمناخ العولمة، حيث تعاني المحاظر من الواقع المعاش وهي تحتاج للكثير من الدعم والعمل لضمان استمراريتها، ولتبقى موريتانيا أرض العلم والعلماء. ومن الجهود الهامة في هذا الصدد إحداث

كتابة للدولة (وزارة للدولة) خاصة بمحو الأمية والتعليم الأصيل من اختصاصاتها تنظيم المحاظر وإدخال بعض التعديلات والتحسينات على المناهج المتبعة وإدراج بعض المواد التي لم تكن تدرس من قبل.

* تواظبون على حضور الدروس الحسنية الرمضانية، كيف تقيمون أهميتها ودورها بعد أكثر من 30 سنة على إنشائها؟

ـ الدروس الحسنية، لقاء علمي وثقافي متميز ينبغي الإشادة والتنويه به لأنه فرصة لتجمع العلماء وتكريمهم، والواقع ان هذا المنبر غاية في الأهمية بالنسبة للعلماء المسلمين فهو يتيح فرصة للتواصل بينهم وتبادل الخبرات والتجارب وإثراء المادة العلمية المشتركة لبعضهم البعض والإطلاع على الموضوعات التي تهم المسلمين. فهو منبر جامع يلتقي به العلماء من مختلف الدول الاسلامية.  

وشخصيا حضرت الدروس الحسنية لعدة سنوات وألقيت عدة دروس منها «منهج الوصول الى الله الواحد المنان عبر مقامات الإسلام والإيمان والإحسان»، و«الأمانة ومكانتها في الإسلام»، و«محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأثرها في زيادة الإيمان».