مع المعارض السوري حسن عبد العظيم

المعارض السوري حسن عبد العظيم:

الأحكام بحق الناشطين السياسيين جائرة

بهية مارديني

المشهد السياسي السوري الداخلي لم يتغير منذ 45 عاماً

المعارض حسن عبد العظيم : الأحكام بحق الناشطين السياسيين جائرة

بهية مارديني من دمشق: اعتبر المحامي حسن عبد العظيم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ( المعارض ) الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي في لقاء خاص مع إيلاف ان المحاكمات والأحكام التي تصدر بحق الناشطين السياسيين في المعارضة الوطنية في العقد الاخير من القرن الماضي وفي العقد الحالي عن محاكم استثنائية ، محكمة امن الدولة العليا ، و عن القضاء العادي في السنوات الاخيرة هي أحكام جائرة لا تستند إلى وقائع جنائية ولا الى أدلة يقينية او قرائن قانونية والهدف منها قمع الرأي الاخر المعارض ومنعه من حرية التعبير والنشاط السياسي ، وقال ان المشهد السياسي الداخلي في سورية لم يتغير منذ 45 عاما ، فالنظام السياسي يقوم على فكرة الحزب الواحد القائد وعدم الاعتراف بالآخر والعمل على انكار وجوده وإلغاء دوره ورفض المشاركة السياسية للقوى الوطنية الفعلية ومنظمات المجتمع المدني ، والهيمنة التامة على المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وتحويلها الى هيئات شكلية ملحقة بالسلطة السياسية وأجهزتها الأمنية بدلاً من ان تكون ممثلة لفئات تدافع عنها وعن مصالحها ومطالبها وقضاياها وقد جرت محاولات لتغيير هذا المشهد مرتين ، وأضاف إن المعارضة الوطنية رأت في الانفتاح الامريكي على سورية عاملاً ايجابياً على ان لا يكون وسيلة لتكريس النهج الشمولي واستمرار التضييق على الحريات السياسية ، اضافة الى محاور اخرى مهمة تحدث عنها عبد العظيم:

ما هو خطاب المعارضة السياسي اليوم؟

الخطاب السياسي للمعارضة اليوم يتلخص في ضرورة التغيير الوطني الديمقراطي والانتقال بسورية الوطن والشعب من صيغة نظام شمولي يحتكر فيه حزب واحد السلطة والثروة والهيمنة على الدولة والمجتمع الى صيغة نظام وطني ديمقراطي يستند الى دستور جديد تضعه سلطة تشريعية منفتحة تمثل الارادة الشعبية الواسعة وتكون الملامح الاساسية لهذا الدستور والعقد الاجتماعي مرتكزة الى التعددية السياسية الفعلية لاطراف السلطة والمعارضة وتحالفاتها والى احترام القانون وسيادته على الجميع ، والى الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ،وضمان استقلالها وعدم هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ، وتمكين السلطة التشريعية من حق التشريع وحق الرقابة على السلطة التنفيذية المنبثقة عنها ، وحق محاسبة السلطة التنفيذية على ادائها عبر منح الثقة على اساس البيان الوزاري وحجبها عنها عند فشلها في تنفيذ برامجها الواردة في هذا البيان ، واهمية وضع دستور جديد او تعديله جذرياً ينبع من المتغيرات الكبيرة التي حصلت على الصعيد العالمي والصعيد الاقليمي والصعيد العربي والصعيد الداخلي.

فالدستور وضع في اوائل السبعينيات من القرن الماضي متأثراً بالانظمة الاشتراكية في النظام الدولي ، وبتجاربها وآليات عملها ، ثم جاءت التغيرات العاصفة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الشيوعية في أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين ، بالاضافة الى تحديات العولمة بتجلياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية لتطرح مسائل جديدة ووسائل جديدة للتكيف معها في جوانبها الايجابية ولمواجهتها في جوانبها السلبية مما يتطلب اعادة صياغة الوضع الداخلي لمجمله على اسس جديدة مغايرة ، بالانطلاق من ارساء بناء الدولة الوطنية ، دولة الجميع في السلطة والمعارضة والمجتمع ، وتفعيل دور الدولة الوطنية باعادة صياغة الوضع العربي المنهار المتفكك ، الذي وصل الى حالة (انعدام الوزن) وفقدان الدور في النظام الاقليمي والنظام والنظام الدولي وغياب الرؤية المشتركة والاستراتيجية المشتركة والعمل العربي المشترك وشلل الجامعة العربية وانتهاء التضامن العربي وغياب الملامح الاساسية للمشروع القومي والامن القومي الذي ادى الى حالة الفراغ المستحكمة في الفضاء العربي ، بحيث تتنافس عليه الدول الكبرى من جهة ودول اقليمية مثل ايران وتركيا ، والكيان الصهيوني من جهة ثانية ، وتتحول الساحات الوطنية في الوطن العربي الى ساحات اختبار وتنافس دولي واقليمي في غياب المشروع الوطني في كل ساحة وغياب المشروع النهضوي العربي.

في ضوء هذا الواقع كان خطاب المعارضة الوطنية ولا يزال ينطلق من التغيير الديمقراطي السلمي لاعادة ترتيب البيت الوطني من ناحية والعمل على تعزيز العمل العربي المشترك والتضامن العربي وتفعيل دور الجامعة العربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك من جهة ثانية ، بحيث يتحول النظام العربي على المستويين الرسمي والشعبي الى القيام بدوره الاقليمي الفاعل والى ممارسة دوره في النظام لدولي ، بعيداً عن التبعية والالتحاق ، وبذلك يضع حداً للتدخل الدولي المنحاز بطبيعته للكيان الصهيوني الذي يصمم في المرحلة الحالية على التحول الى (دولة يهودية) تعمل لتهويد القدس وطرد الفلسطينيين من الاراضي المحتلة في عام 1948 والسيطرة على الضفة الغربية والسماح بحكم ذاتي اداري بديلاً للدولة الفلسطينية ورفض حق العودة واعادة طرح الاردن كوطن بديل للفلسطينيين.

ما آليات عملها في المجتمع السوري؟
ان جميع قوى المعارضة على تعدد انتماءاتها الإيديولوجية قد توصلت الى الطريق الذي اختطه  وسار عليه التجمع الوطني الديمقراطي في سورية منذ تأسيسه في عام 1979 وسار عليه حتى اليوم وهو رفض العنف في العمل الوطني وعدم اللجوء اليه كوسيلة للتغيير الديمقراطي واعتماد الوسائل السلمية في النضال ، كالكلمة والبيان والنشرة والمقال والتمسك بحرية التعبير والاعتصام والمظاهرة كأساليب للضغط على السلطة السياسية والعمل المتواصل لنشر الوعي بين الجماهير وتعبئتها حول اهداف التغيير الوطني الديمقراطي ونقد الاوضاع القائمة على المستوى الداخلي وفي الواقع العربي وكل ما يمس مصالح الوطن والامة على المستويين الدولي والاقليمي ، وقد اكدت ازمة الثمانينات في القرن الماضي ان اسلوب العنف الذي اعتمدته بعض الاطراف حال دون توحيد المعارضة على اسلوب التغيير وشق صفوفها من جهة وانتهى الى الفشل من جهة ثانية ، واستغله الطرف المتشدد في السلطة لممارسة مزيد من العنف والقمع ، الذي طال المعارضة كلها بما فيها دعاة التغيير السلمي.

كيف تقرأ المشهد السياسي الداخلي؟ 
المشهد السياسي الداخلي في سورية لم يتغير منذ 45 عاما ، فالنظام السياسي يقوم على فكرة الحزب الواحد القائد وعدم الاعتراف بالآخر والعمل على انكار وجوده والغاء دوره ورفض المشاركة السياسية للقوى الوطنية الفعلية ومنظمات المجتمع المدني ، والهيمنة التامة على المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وتحويلها الى هيئات شكلية ملحقة بالسلطة السياسية واجهزتها الامنية بدلاً من ان تكون ممثلة لفئات تدافع عنها وعن مصالحها ومطالبها وقضاياها وقد جرت محاولات لتغيير هذا المشهد مرتين ، الاولى بعد ما سمي الحركة التصحيحية في 16/11/1970 حيث تضمن بيانها الاول إدانة الانغلاق والاستئثار والتسلط والاشارة الى الوحدة الوطنية والتعددية والديمقراطية ، وسيادة القانون والى التعاون والتنسيق مع الجمهورية العربية المتحدة والوحدة العربية والحركة العربية الواحدة ، وقد لقيت هذه الشعارات اصداء واسعة في صفوف المعارضة وترحيبا شعبياً بالحركة والقائمين عليها ، وشاركت في صيغ الحكم النتفيذية والتشريعية وفي تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية وصياغة ميثاقها ونظامها الاساسي كحد ادنى للانطلاق الى افق وطني جديد مفتوح على المستقبل بهدف التغيير والتطوير على الصعيدين الوطني والقومي ، غير ان التجربة مالبثت ان انتكست عند المباشرة في وضع دستور عام 1973 والاصرار على وضع المادة 8 التي اعادت الامور الى الوراء وشرعت لاحتكار السلطة ولانهاء صيغة التعددية السياسية والحزبية ،التي تعبر عنها صيغة الجبهة ، وتحولت بذلك الى تعددية شكلية وقد تم الاصرار على ابقاء تلك المادة بالرغم من رفض كل القوى المشاركة في الجبهة وتصويتها ضد المادة 8 بل والزام غالبية اعضاء حزب البعث في المجلس على التصويت ضد قناعاتهم .

وبذلك انغلق الباب الذي فتح وعاد النهج الشمولي لمتابعة خطاه وادى الانسداد الديمقراطي الى ازمة الثمانينات وتداعياتها السلبية وفي تلك المرحلة تأسس التجمع الوطني الديمقراطي كصيغة للعمل الوطني تعمل لمواجهة الازمة الوطنية والخروج منها .

المحاولة الثانية التي جاءت لتغيير هذا المشهد بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد ، بدأت بعد تولي الرئيس بشار الاسد المسؤولية في اواسط تموز لعام 2000 والاشارات التي وردت في خطاب القسم حول احترام الرأي الاخر والنقد الموضوعي ودور المواطنين ومسؤليتهم في عملية البناء ، والاحاديث المتكررة عن (التطوير والتحديث) ، الامر الذي ترك انطباعات بالتفاؤل والامل لدى القوى السياسية وفي اوساط المثقفين ، واحدث تفاعلا ايجابيا نتج عنه حراك حراك ثقافي وسياسي واسع تمثل في ظاهرة المنتديات والبيانات والمقالات المعبرة عن الرأي الآخر ، غير ان هذه المحاولة التي سميت بربيع دمشق تم الانقضاض عليها من جديد ووئدت في مهدها باجراءات الاعتقال والاتهام والمحاكمة والاحكام الهادفة الى قمع حرية التعبير عن الرأي.

في ظل هذه الاجراءات يجري العمل المتواصل من جانب السلطة السياسية على تغييب الرأي الآخر والمعارضة ، ومحاصرته وفرض التعتيم الاعلامي عليه ، والمماطلة المتواصلة في العمل على اصدار قانون احزاب ، او تعديل قانون الانتخابات او الترخيص لجمعيات ومنظمات ولجان حقوق الانسان على الرغم من وجودها الفعلي وممارسة دورها بفعالية وشفافية.

وهل فعلا أساءت المعارضة السوريَّة تقدير الاحداث المستجدة في المنطقة؟

حركة المعارضة الوطنية ككل وفي غالبيتها الواسعة لم تخطئ في تقدير الاحداث والتطورات المستحدثة في المنطقة  ، وهي تنطلق في عملها من ركيزتين هما مناهضة نهج الاستئثار الداخلي الذي يحاول تبرير الاصرار على النهج الشمولي وعدم الانفتاح والاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي بالظروف الخارجية مثل الصراع العربي الصهيوني ، والغزو الامريكي للعراق ، والركيزة الثانية التي تنطلق فيها الاكثرية الواسعة من قوى المعارضة هي رفض العدوان والاحتلال الذي يمارسه العدو الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعلى لبنان وسورية والسودان ، ورفض العدوان والغزو الذي تمارسه قوى دولية كبرى كالولايات المتحدة الامريكية بحجة اسلحة الدمار الشامل والحرب على (الارهاب) او بحجة (نشر الديمقراطية).

على هذا الاساس فان حركة المعارضة لم تخطئ في تقديرها وجاءت مواقفها تجاه التطورات السياسية في المنطقة منسجمة مع مبادئها وقناعاتها ، ولعل البعض وهم افراد كانت لهم رؤية او قناعات مغايرة ادت الى الرهان على تغيير يأتي من الخارج ، وقد جاءت التطورات مغايرة لذلك ، وهذا لا يمكن تحميله لقوى المعارضة لانه لم يرد في وثائقها المعلنة او في مواقفها وممارساتها ما يشير اليه.

هل تغيرت البنية الفكرية التي تقوم عليها المعارضة ؟

البنية الفكرية للاكثرية الواسعة من قوى المعارضة الوطنية وفعالياتها وشخصياتها لم تتغير وهي منسجمة مع مواقفها المبدئية المتمثلة في رفض الاستبداد واحتكار السلطة والنهج الشمولي ورفض المشاريع الاستعمارية المتحالفة مع المشروع الصهيوني التي تعمل على منع تجديد المشروع النهضوي القومي للامة انطلاقا من بناء المشروع الوطني الديمقراطي والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة كمنطلق للمشروع القومي الحضاري.

وعلى كل حال فأن ما طرأ من تحول فكري لدى بعض القوى او المثقفين من الليبراليين الجدد بعد احتلال العراق في عام 2003 والتصور ان الادارة الاميركية السابقة تريد تغيير نظم عربية عجزت شعوبها عن تغييرها وان ثمة تقاطع في المصالح يساعد على التغيير ، الا ان الاحداث والتطورات في العراق وفلسطين ولبنان اكدت خطأ هذا الرهان.

ان التحول الفكري لم يقتصر على الموقف السياسي المتكيف مع المشاريع الخارجية للقوى الدولية والمناهضة لفكرة المقاومة وقواها بل تعدى ذلك الى تبني الليبرالية الجديدة على الصعيد الاقتصادي والمالي واعتبرها الحل النهائي للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وادار ظهره للحل الاشتراكي ولدور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية ، غير ان الازمة المالية العاصفة التي بدأت في الولايات المتحدة في أواخر عهد المحافظين الجدد بقيادة بوش وامتدت الى ارجاء العالم بما في ذلك دول الجنوب ، لابد ان تطرح بالحاح فشل النظام الرأسمالي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بعد فشل النظام الشيوعي وانهياره في عام 1989.

ما هو موقفك من الأحكام الصادرة مؤخرا بحق معارضين، وكذلك موقفك من الافراج عن ميشيل كيلو؟

ان المحاكمات والاحكام التي تصدر بحق الناشطين السياسيين في المعارضة الوطنية في العقد الاخير من القرن الماضي وفي العقد الحالي عن محاكم استثنائية (محكمة امن الدولة) او عن القضاء العادي في السنوات الاخيرة هي احكام جائرة لا تستند الى وقائع جنائية ولا الى ادلة يقينية او قرائن قانونية والهدف منها قمع الرأي الاخر المعارض ومنعه من حرية التعبير والنشاط السياسي ، ومن حق النقد الموضوعي للوضع القائم ، واذا كنا نشكو ونعترض على مبدأ المحاكم امام القضاء الاستثنائي لعدم توفر امكانية حق الدفاع عن المحالين اليه وعدم توفر حق الطعن بالاحكام امام مرجع قضائي اعلى لمراقبة قانونية الاحكام وسلامتها وعدم توفر امكانية الحصول على حق المحكوم عليه بوقف الحكم النافذ بالنسبة لربع مدة العقوبة ، فان الوضع لم يتغير في القضايا التي احيلت الى القضاء العادي في مرحلتي التحقيق والمحاكمة بسبب غياب استقلال القضاء ووقوعه تحت هيمنة السلطة التنفيذية ، والمثال الحي على ذلك تجلى في القضية التي كان المفكر ميشيل كيلو احد الموقوفين فيها ، إذ انه عندما اُخلي سبيله اسوة بالباقين فوجئنا بعدم تنفيذ القرار،  وبصدور قرار بالاتهام وتنفيذ مذكرة القبض بحقه وبحق السيد محمود عيسى قبل تمكينهما من الطعن بقرارالاتهام.

كما انه عند صدور وقف الحكم النافذ من محكمة النقض بالنسبة لربع مدة العقوبة تم توقيف تنفيذ القرار بدعوى مخاصمة قضاة كانت الاسرع في تاريخ القضاء السوري.

ان موقفنا في التجمع الوطني الديمقراطي وفي حزب الاتحاد الاشراكي العربي الديمقراطي واضح من هذه المحاكمات والاحكام ، ونشارك كمحامين في هيئة الدفاع عن المعتقلين بجدية واهتمام وقد شاركت في اعداد الدفاع عن المعتقلين ميشيل كيلو ومحمود عيسى في الطعن بالحكم الصادر بحقهما وفي الزيارات التي نقوم بها بين فترة واخرى لعدد من المعتقلين والمحكومين ، ونطالب دائماً بالافراج عنهم ، وبطي ملف الاعتقال السياسي ، وكنا سعداء بالافراج عن المفكر الوطني والقومي ميشيل كيلو واعتبرنا ان ذلك من حقه بعد ان قضى كامل مدة العقوبة وبضعة ايام اضافية.

كيف تنظر المعارضة الى اعادة الانفتاح الأميركي باتجاه سوريا؟ وكذلك التطورات في المنطقة: العراق - لبنان - فلسطين – صعود نيتنياهو الى الحكم ؟

 لقد تميزت الانتخابات الاميركية الاخيرة برغبة جادة لدى الشعب الاميركي في التغيير ، بعد ان عانى طويلاً من سياسات المحافظين الجدد من حروب استباقية واخطاء استراتيجية وانتهاك للحريات الديمقراطية وحقوق الانسان في السجون والمعتقلات في العراق وافغانستان وحتى داخل الولايات المتحدة ذاتها ، وادى ذلك لصعود موجة عداء واسعة لسياسات الادارة الاميركية وبخاصة في البلدان العربية والاسلامية ، وبعد سقوط عهد المحافظين الجدد ومجيء ادارة ديمقراطية جديدة برئاسة باراك اوباما ، بدأت ملامح سياسة جديدة تقوم على الحوار بديلاً عن القطيعة والحصار والحروب الاستباقية.

ويتسق ذلك مع السياسات الاوربية العقلانية التتي تتبعها دول الاتحاد الاوربي وبخاصة فرنسا في عهد ساركوزي والمانيا وايطاليا وحتى بريطانيا بعد عهد توني بلير وفي هذا السياق جاء الانفتاح على سورية والحوار مع النظام السياسي.

إننا في المعارضة الوطنية نرى في الانفتاح الاميركي على سورية عاملاً ايجابياً على ان لا يكون وسيلة لتكريس النهج الشمولي واستمرار التضييق على الحريات السياسية. وبالنسبة للتطورات السياسية في المنطقة فالامور تتجه نحو الافضل وعلى الرغم من صعوبة الوضع في العراق وخطورته بسبب الاحتلال والتدخل الاقليمي فان الشعب العراقي استطاع بصموده ان يجتاز المراحل الاخطر في الازمة التي تهدد وحدة العراق ونسيجه الاجتماعيكما ان الوعي باهمية الحفاظ على فكرة العروبة ومخاطر الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي يتصاعد ويدفع باتجاه المصالحة الوطنية لتسهيل وتسريع خروج قوات الاحتلال.

اما لبنان فقد صمد في مواجهة حرب عدوانية شنها الكيان الصهيوني للسيطرة على انهاء دوره وتمكن بفضل صمود شعبه وموقف جيشه وبسالة مقاومته ان يدحر العدوان ويفشل اهدافه وان تتوصل قواه الوطنية الى اتفاق الدوحة بجهد عربي والى انتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة وفاق وطني ، كما تمكنت مخابرات الجيش واجهزة الامن الداخلي بالتعاون مع المقاومة من توجيه ضربة قاصمة لمخابرات العدو وتفكيك عدد كبير من شبكات عملائه ، ويبقى امام لبنان اجتياز محطة الانتخابات اللبنانية في نهاية الاسبوع الاول من شهر حزيران بسلام وهدوء ليبقى لبنان وعاصمته بيروت منارة للحرية.

اما فلسطين الوطن والشعب والقضية فهي مهدده بالضياع في ظل الانقسام الفلسطيني المتأثر بالانقسام العربي بين ما يسمى بتيار الاعتدال وما يسمى بتيار الممانعة والمطلوب من القوى الفلسطينية وضع حد للخلاف والصراع والانقسام ، وان يثمر حوار القاهرة عن نجاح تام وبخاصة بعد صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة وفشل العدوان الغادر على شعبها ، وبعد مجئ حكومة اسرائيلية جديدة في اعقاب الانتخابات بقيادة نتنياهو وليبرمان وهي الاكثر تطرفاً ودموية.

وثقتنا في الشعب الفلسطيني وقدرته على تجاوز ازمة الانقسام تدفعنا الى التفاؤل لا سيما ان الوضع الاستراتجي في المنطقة بدأ يتجه نحو التحسن لصالح شعوبها.