مقابلة مع الدكتور مأمون جرار

مقابلة مع الدكتور مأمون جرار

أجرت الحوار : نور  زيزان

المقدمة :

لماذا اخترت الكتابة عن الدكتور الشاعر مأمون فريز جرار ؟

وللإجابة على هذا السؤال أقول :

كنت أقلّب الكتب في مكتبة جدي عبد الله الطنطاوي، وهي مكتبة كبيرة ، فيها ألوان من الكتب الأدبية ، والدينية ، والسياسية ، والتربوية .

وفيما كنت أقف أمام قسم الشعر ، لفت انتباهي ديوانان للشاعر مأمون جرار، الأول هو ديوان : ( قصائد للفجر الآتي ) والثاني ديوان ( مشاهد من عالم القهر ) .

                            

لقد استهوتني قصائد الديوانين ، وخاصة قصيدة : ( العوالم المنسية ) من الديوان الأول التي قال فيها الشاعر :

ليتني  كنت  قصة  iiمنسيـــة
ليتني  كنت  في البراري iiفراشا
ليتني  كنت في السماوات iiروحا
ليت  نوري لم يحتبس في iiظلام
غرق  الكون  في  بحار الخطايا
ثقلت   تلكم   الرؤوس  iiفسارت
تدفن  العمر  في  ثرى  يحتويها
إرفع   الرأس   فالسماء  iiضياء
وزهور  المجرة  البيض  iiأشهى
فسراب   ذاك   البريق  iiوزيف
كل  ثوب  يزول يحترق iiالزيـ
ويناديـــك  للإياب  iiمنــاد
فيذوب  النسيان في حدقة iiالعيـ













 
وضبابا   في  ليلة  شتويـــة
يقطف  الحب  من  زهور  ندية
أو  ملاكا  في  الحضرة iiالقدسية
ودهاليز   شهوة   iiســــفلية
والبرايا   على  الهوان  iiجثيـة
لاترى  منبع  السنا  ،  iiمحنيـة
فهي   في  ربقة  التراب  iiشقية
ورحيب  أفق  السماء iiالعليــة
في  عيوني  من  كأسك iiالذهبية
وأمان   خداعة   iiوهميــــة
ـف فتعرى في اللحظة iiالحتمية
بعد   هجر   وغربة  (وأسيـة)
ـن تبدو العوالم المنسيــــة

ومن الديوان الثاني أعجبتني قصيدة ( الطفل وسر الوجود ) التي قال فيها الشعر :

عندما يسأل طفل أُمَّه : 

من أين جئت ؟

تهتف الأم بعنفٍ:

أيها الطفل تأدّبْ !

- لم أقل يا أُمُّ سوءاً

وأنا أبحث عن موطن روحي !

آه يا أُمّاه مِنْ أين أتيت

***

تُبهت الأم وتلوي رأسها !

من أين جاء ؟ !

وإذا قلت : حصاد الخصب أنت !

قال : من أين النماء ؟

ويظلُّ الطفل في أسر السؤال !

مثل ملاّح على شاطىء بحر

ما رأى في العمر مركب !

***

ويشبُّ الطفل والأغنية الحمقاء تعذو سَمعه !

" جئت لا أعلمُ من أين ولكنّي أتيت " !

ولقد أبصرت قدّامي طريقاً فمشيت " !

***

أعطني إن كنت تدري

بعض ما يسعد روحي

فأنا في وهج نارٍ تتلظى في جروحي

من تُرى يكشف عن سرّ شقائي !

***

جامحٌ ليس يرى إلاّ هواه !

وإلى كأس من اللذات تمتدُّ يداهُ !

حفر الشيطان في عينيه أخدودين فامتدّ شقاه !

ومشى حتى تهرّتْ قدماه

مُتعبٌ والشمس والصحراء ترعى في حَشاه !

أعطني ظلاً ظليلاً ..

غيمة أو فيءَ غُصنِ

ربّما يذهب حزني !

***

أيها الغارق في ضوء المدينة

قف قليلاً خارج الضّوء وحدّق في السماء

وارتقب يوم يناديك منادٍ :

آن أن ترجع يا هذا الغريب ..

يرتخي جفناك يطويك التراب

ويظلُّ العالم المجنون لا يعلم من جاءَ وغابْ !

***

كان لي يوماً حبيبٌ

كنت أهواه ويهواني وكنّا ملكين !

ننسج الأحلام في عالمنا السحريّ

نزهو بالأماني !

غاب عن مسمعنا وقع خطانا

وغرقنا في هوانا

قال لي يوماً حبيبي :

كيف إن نحن افترقنا !

قلت : لم نأتِ لنمضي !

والهوى أطول من عمر الزمان !

قال لي يوماً حبيبي :

بعد حين سأعود !

لحظاتٌ من غيابٍ .. وأعود !

منذ ذاك اليوم ما عاد حبيبي ..

وأنا أبحث عن وجه حبيبي ..

***

آه يا أماه هل تدرين ؟

إني الآن أدري !

خطف الموت حبيبي .. وطواه في الخلود

وغداً يخطف روحي    وأرى سر وجودي

***

ولعلكنّ – يا أخواتي وزميلاتي – أُعجبتنَّ بهاتين القصيدتين ، ولعلكنّ معي في اختياري هذا الشاعر المبدع ، وإجراء مقابلة معه ، هي التي أقدّمها فيما يلي : 

* سعادة الدكتور مأمون جرار أرجو التكرم بتعريف نفسك لمحبيك وقرّائك .

-  أنا من مواليد عام 1949م في قرية صانور في قضاء جنين بفلسطين ، وفي جنين أتممت دراستي الثانوية ثم درست اللغة العربية في الجامعة الأردنية وأتممت فيها دراسة دبلوم في التربية ثم الماجستير في اللغة العربية . وحصلت على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ، وعملت في التعليم في المدارس وفي عدد من الجامعات . 

 

* دكتور .. ما هو عملك ؟

- عملي الحالي التعليم في جامعة العلوم التطبيقية ، وأنا عضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية.

 

* ما هي الأجواء المناسبة التي تفضل الكتابة بها ؟

-  ليست لدي طقوس خاصة بالكتابة ، وكل ما أطلبه العزلة والهدوء ، لأن الأفكار أو المشاعر عند الكتابة تكون كشلال الماء الذي يقطع تدفقه ما يعرض له من حواجز ، وأنا أعلم أن لبعض الأدباء والكتاب أحوالاً خاصة يخرج بعضها عن المألوف ، وهذا ما عوفيت منه ولله الحمد .

 

* تحدث لنا عن عائلتك ؟

- عائلتي مكوّنة مني ومن زوجتي وثلاثة من الذكور وابنتين . أما زوجتي فهي داعية إلى الله وهبت نفسها لدينها ، ولذا تشغل معظم وقتها بالدروس الدينية في المساجد ، وفي تجمعات النساء وبخاصة في مجالس العزاء حين تدعى إليها . وقد بدأت تجمع دروسها في كتب أخذت تنتشر وتلقى القبول .

وأما الأبناء فلم يكن لهم اتجاه إلى العلم كما كنت أحب وأتوقّع ، فأكبرهم خريج كلية مجتمع تخصص في الإلكترونيات ، والثاني أنهى المرحلة الثانوية ودخل ميدان العمل ، والثالث مثله . وأما البنتان فأكبرهما _ وهي البكر _ حصلت الماجستير ، والصغرى في الصف العاشر .. ولدى البنت الصغرى ميول أدبية للقراءة والكتابة .     

* قرأت لك مقالاً بعنوان الصحافة المراهقة في كتابك " نظرات إسلامية في الأدب والحياة تتحدث عن الإعلام الهابط ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل للحد من هذا الغزو الخطير وبالأخص بعد قدوم شبكة الإنترنت والمحطات الفضائية ؟

- العالم اليوم بخيره وشرّه كأنه ( سوبر ماركت كبير ) تعرض فيه الطيبات كما تعرض الخبائث . لم تعد هناك حواجز  تغطي ما لا نحب ، كل شيء يتكشّف ، ينزع ستر الحياء . والمطلوب الحصانة الداخلية ، ورفع قدرة جهاز المناعة على المقاومة ، وذلك بالصلة الله عز وجل . وبالوعي والإدراك ، ومعرفة النافع والضار ، وليت الأمر بقي في صحافة مراهقة ، فكما ذكرت نحن الآن أمام غزو دخل البيوت والمخادع ، واقتحم الأبواب والشبابيك! 

 

* دكتور اذكر لنا موقفاً مرّ بك وترك  أثراً كبيراً في نفسك ؟

- ليس هناك في الذاكرة موقف محدد أستطيع أن أقول إنه أثّر فيّ تأثيراً بالغاً ، فأنا بطبعي (مقاوم للصدمات) أتعامل مع أقسى المواقف بشيء من العقلانية والواقعية، وقد يحتاج الجواب المطلوب إلى شيء من الاستبطان واسترجاع شريط  الحياة ، وذلك ما لم أقم به بعد، فلم أصل إلى مرحلة اجترار الذكريات .

 

* ما هي أكثر المراحل الدراسية  بروزاً بالنسبة لك ؟

-  من فضل الله عليّ أنني كنت من الموفّقين والمتفوقين في مراحل الدراسة المختلفة. ففي مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية كنت من الأوائل في صفي . وحصلت على منحة دراسية بعد إنهاء الدراسة الثانوية ، وفي المرحلة الجامعية الأولى حصلت على المرتبة الأولى بين زملائي عند التخرج . وذلك من فضل الله عليّ .

* برأيك من هو الإنسان القوي ومن هو الإنسان الضعيف ؟

-  الإنسان القوي هو الإنسان المؤمن الواقعي : المؤمن لأن الإيمان يعصم من السقوط في هاوية الضياع والضلال ، والواقعية تعصم من التحليق في عالم الأوهام .

والضعيف هو الذي لا يدرك واقعه ولا إمكاناته ولا يحدد هدفه ولا طريقه ، ولذا لا ينتج شيئاً ، ولا يصل إلى ما يريد .

 

* لدي سؤال أسأله لكل إنسان يملك موهبة ما وحبّذا لو تجيبني عليه ألا وهو من شجّعك على الكتابة وكيف نمت عندك هذه الموهبة ؟

- لقد خضت تجربة الكتابة والأدب بدافع ذاتي ، وربما كنت أفاجئ من حولي بخطواتي في طريق الكتابة والأدب ، ولا أنكر أن الجو الذي وفّرته لي أسرتي والدي ووالدتي ثم زوجتي بعد الزواج كان محضناً لنموّ موهبتي واتجاهي نحو الكتابة ، من توفير للكتب والمجلات والصحف ، والبيئة المناسبة لللإنتاج.

 

* دكتور قرأت لك كتاب نظرات إسلامية في الأدب والحياة ، وأصداء الغزو المغولي في الشعر العربي فلو تحدثنا عن باقي مؤلفاتك وكتاباتك ؟

- يمكن أن أقسم مؤلفاتي عدة أقسام : فهناك المجموعات الشعرية وهي أربع حتى الآن ، الأولى كانت بعنوان : القدس تصرخ وهي خمس قصائد طبعت في كتيّب صغير سنة 1969 وأنا في السنة الجامعية الثالثة ، والمجموعة الثانية : قصائد للفجر الآني طبعت عام 1981 والثالثة مشاهد من عالم القهر طبعت عام 1983.

        وهناك القسم الثاني الكتب والدراسات : أصداء الغزو المغولي في الشعر العربي _ وهي رسالة الماجستير _ والغزو المغولي أحداث وأشعار وهي من ثمرات رسالة الماجستير ، والاتجاه الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث وهو بحث قدم لمؤتمر للأدب الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1985 وطبع في كتيب . وخصائص القصة الإسلامية وهي رسالة الدكتوراه. ونظرات إسلامية في الأدب والحياة وهي مجموعة مقالات ودراسات جمعتها في كتاب .

 وهناك القسم الثالث : من قصص النبي صلى الله عليه وسلم (وهي صياغة أدبية لعدد من القصص النبوية) وشخصيات قرآنية ، وهي فصول تحليلية أربعة لشخصيات قرآنية . وصور ومواقف من حياة الصالحين ( عشرة أجزاء ). وصور ومواقف من حياة الصالحات ( جزءان ) ، وهما يجمعان بين القصة التاريخية والكتابة الأدبية التحليلية .

وهناك القسم الرابع : مجموعة من الكتب الدراسية الجامعية التي أسهمت في تأليفها مع عدد من الزملاء .

ومن الكتب التي صدرت أخيراً : نداء إلى حكماء الأمة / والعلاقات الأسرية رؤية إسلامية/ وفلسطين ميراث الأنبياء، وتحت الطبع كتاب: أحاديث الفتن والفقه المطلوب. .

* من هو أصدق صديق اكتشفته وقت الضيق ؟

-        لي أصحاب وليس لي أصدقاء ! فعبر رحلة العمر لم أستطع تكوين الصديق الذي هو أقرب من الأخ أحياناً ، وأحنى من الإنسان على نفسه أحياناً أخرى !

 

* ما هي السبل الصحيحة لبلوغ النجاح ؟

-  ليست هناك قواعد ذهبية للنجاح يمكن أن تقدم لكل الناس ، لأن مفهوم النجاح يختلف من إنسان إلى آخر ، يكون الإنسان ناجحاً إذا عرف نفسه ، وكشف قدراتها ، ووجهها في الدرب الذي تصلح له . وإذا استثمر وقته وذكاءه وماله وموهبته .

 

* من هو مثلك الأعلى ؟

-       المثل الأعلى لكل مسلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر [ .

 

* ما هي أمنيتك من الحياة ؟

- أمنيتي في الحياة أن أستثمر ما وهبني الله من القدرات ، وأن أرى أبنائي وقد شقّوا طريقهم في الحياة بثبات ، والأمنية الكبرى أن ألقى الله تعالى وهو راضٍ عني .

 

* عندما كنت في مثل أعمارنا كم ساعة كنت تخصص للمذاكرة ؟

- عندما كنت في مثل عمركم لم يكن لدي ولدى جيلي من الشواغل ما لديكم . فلم يكن هناك تلفزيون ولا إنترنت ، كانت وسيلتنا إلى العالم الإذاعة . ولذا كنت أعطي الدراسة حقّها ، وتختلف ساعات الدراسة من يوم إلى آخر وفق مقتضيات المواد والاختبارات . وإنني أنصح كل طالب أن يقرأ الدروس قبل أن يشرحها المعلم ثم يستمع إلى شرحه ثم يذاكره بعد ذلك .

 

* من أي سنّ بدأت الكتابة ؟

- بدأت الكتابة وأنا في الخامسة عشرة تقريباً حيث نشرت مقالاً في جريدة المنار المقدسية بعنوان (الآداب وشرطتها) تعليقاً على تشكيل شرطة للآداب .

وبدأت بقول الشعر في مرحلة قبل ذلك مع نهاية المرحلة الابتدائية وعمري قريب من اثني عشر عاماً ولم يكن الوزن مستقيماً بعد ، ومع مرور الأيام استقام، ونشرت أول قصيدة شعرية عام 1964 في جريدة المنار كذلك .  

 

* ما هو أول وآخر كتاب لك ؟

-  أول كتاب كان : ( القدس تصرخ ) المجموعة الشعرية الأولى وهي مختارات من مجموعة شعرية لم تنشر وضاع أكثرها . وآخر كتاب هو مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات في الأدب الإسلامي كتبت على مدى سنوات طويلة أرجو أن يأخذ طريقة إلى النشر

 

* ما هي الصفات التي يجب أن تتوافر في الكاتب ؟

-  لابد من توافر عدد من الصفات في الكاتب : فإذا كانت الكتابة أدبية فلابد من الموهبة ، ومعها لابد من المطالعة ، والتدريب على الكتابة حتى يستقيم الأمر له ، وأما الكتابة التأليفية فلابد من ( منهج ) ولابد لها من مطالعة وتحليل حتى يقدم الكاتب شيئاً جديداً للناس .

 

* كيف تقضي وقت الفراغ ؟

-       لا أستطيع أن أقول إن لدي وقت فراغ ، فبين العمل والبيت والكتابة يُملأ الوقت كله ، وقد يجور ذلك على حق النفس والأهل !

 

* ما هو أول إنتاجك الأدبي ؟

-       ذكرت من قبل أن أول إنتاج أدبي لي كان ( القدس تصرخ ) .

 

* كم كان عمرك عند طباعة أول كتاب لك ؟

- كان عمري عند طباعة أول كتاب عشرين سنة .

* ما كان شعورك آنذاك ؟

-  كان شعوري عند ذاك الفرح الشديد ، لأن للكلام المطبوع سحراً لا يجده الإنسان في الكلام المكتوب . وللكتاب سحراً لا يجده الكاتب في المقال المنشور . لأن الكتاب أبقى وأسير بين الناس .

  وفي الختام نشكر أستاذنا الدكتور مأمون فريز جرار على ما قدمه لنا آملين منه المزيد من الكتابات التي أحببناها .