عبد الرزاق عيد

عبد الرزاق عيد

 أجرى الحوار روحي عازار

الأجهزة الأمنية تعرف أننا نستخدم "السرفيس" ولذلك لم تصدق وزير الإعلام حين اتهمنا بأنا نقبض من السفارات!

برزت في سنة 2000 "لجان إحياء المجتمع المدني" في سوريا حين بادر الى تأسيسها مجموعة من الكتّاب والمثقفين والأكاديميين السوريين. وقد طالبت هذه اللجان بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية في سورية وقدمت محاضرات في منتديات ثقافية في مدن سورية مثل دمشق وحلب (منتدى الأتاسي ومنتدى الكواكبي). وبدت الوجوه المثقفة المعارضة وكأنها تنشط من جديد باسم مستعار هو "لجان المجتمع المدني" وهذا ما عبر عنه مراسل وكالة الصحافة الفرنسية ماهر شميطللي عام 2001 في تقرير له حول الموضوع والذي نال عليه جائزة الإتحاد الدولي للصحافيين.

وللوقوف عند واقع عمل لجان المجتمع المدني في سوريا، المعارضة والحوار مع السلطة، دور الأدباء والكتاب السوريين، والمستقبل السياسي السوري التقت "إيلاف" الناشط في هذه اللجان الدكتور عبد الرزاق عيد وهو كاتب ومفكر سوري معروف أصدر مؤخرا كتاب (يسألونك عن المجتمع المدني "ربيع دمشق الموؤد ") الصادر عن مركز الإنماء الحضاري في القاهرة ودار الفارابي في بيروت.

*بوصفك قيادي بارز في لجان المجتمع المدني ومن مؤسسيها، هذه الحركة المدنية ماذا قدمت حتى الآن في سوريا؟

-  لست قياديا بارزا في اللجان ولا في أي مكان، مثلي مثل أي عربي خرج ليس من عربة قيادة التاريخ فحسب بل من التاريخ ذاته، أظن أن علينا نحن العرب أن نقلع نهائيا عن استخدام مفردة (القيادة) شعوبا و(قيادات)! لقد وصلنا إلى درجة من المفعولية حد أن موقع الأمة بكاملها أصبح (مفعولا مطلقا) و(قادتها) أسماء مجرورة مكسورة لا رفع لها.
نعم إني من مؤسسي حركة لجان إحياء المجتمع المدني، أما ماذا قدمنا؟ فأقول : إنه الزاد المعرفي والثقافي الذي أغنى حقل التداول السياسي بمفاهيم ودلالات ساهمت بتوحيد المشترك الدلالي الثقافي الوطني بثلاثية (المجتمع المدني- الديموقراطية- حقوق الانسان)، ليس كمصطلحات سياسية فحسب بل كمفاتيح نظرية وأدوات مفاهيمية.

*لجان المجتمع المدني تضم مثقفين من مختلف الاتجاهات وأحيانا أسمع انتقادات لها حتى من قبل المعارضة ويقال ان مواقف بعض أعضائها لا تختلف كثيرا عن مواقف الحكومة، ما رأيك؟

 - اللجان مثلها مثل المعارضة التي تنتقدها، فيها الروح النقدي المستقل، وفيها التابع، الملحق، و(الحكومي) المرسل!

* اعتقل بعض أعضاء اللجان مثل الأكاديمي الاقتصادي عارف دليلة، ماذا فعلت اللجان من أجل معتقليها غير صياغة البيانات وتوزيعها؟

 - لقد فعلنا من أجل زميلنا عارف دليلة ما لم يتح لمعتقل سياسي في تاريخ الاعتقال السياسي في سوريا أن يفعل لأجله، وكتابي الأخير عن "ربيع دمشق الموؤد" يفرد فصلا أكثر من مئة صفحة حول قضيته، بالإضافة إلى توصيل محنته ومحنة الناشطين العشرة إلى أسماع المجتمع الوطني والقومي والعالمي من خلال نشاطنا الإعلامي والثقافي ونشاطاتنا في ندوات ثقافية وفكرية عربية، رغم اعترافنا بالتقصير!


* بعض اعتقال أعضاء اللجان ونشطاء آخرين أطلق عليهم " ربيع دمشق " هل يعني ذلك ان ما تبقى من نشطاء أوقفوا نشاطهم وعادوا لفترة خمول شتوية هي نفسها التي قضوها في العقود الماضية، حيث كان بعض أعضاء اللجان الحاليين يصمتون خلال عقود مضت عن اعتقال المعارضين؟

-  لقد تم وأد ربيع دمشق، بوأد الحراك الديموقراطي والسياسي، ومن ثم لابد من أن نجد انعكاس ذلك على مستوى فعالية وحراك كل أطياف الحراك الديموقراطي في سوريا بما فيها (لجان الإحياء) أما عن صمت البعض في العقود الماضية عن اعتقال المعارضين، فلقد كان المجتمع بكامله يغط في سبات "مملكة الصمت" على حد تعبير رياض الترك، والتي تخيم عليها "ثقافة الخوف" كما عبرنا عنها منذ ثلاث سنوات، ولا نزال نحال إلى القضاء العسكري ضريبة لهذا التعبير رغم أنه شمله العفو على حد تعبيرهم في ملف الادعاء!

* ما هي أجواء اللجان فيما بينكم.. من آراء و نقاشات.. وهل يمكن أن نتحدث عن تيارات مختلفة ضمنها من معتدلين الى راديكاليين؟

- أجواء اللجان ككل أجواء حياة (التقتير الديموقراطي) المنتزع والمتاح، فلا يزال الأصدقاء الذين يستقبلون اللقاءات والاجتماعات في بيوتهم عرضة للضغوط والاستدعاءات والتحذيرات والتهديدات، ولا يزال الـ 14 ناشطا في حلب تحت تهديد تنفيذ الحكم بالسجن، ولا يزال المكتب الذي يرعى نشاطاتنا سابقا ممنوعا ومهددا بمعاودة نشاطه حتى ولو تحت صيغة "منتدى الكواكبي" الذي يفترض أننا تقدمنا مع كل أطياف التمثيل السياسي والاجتماعي في حلب طلب ترخيص (قانوني) لشرعنة نشاطه أسوة بـ"شرعية" منتدى جمال الأتاسي في دمشق.

* خلال حديث الرئيس بشار الأسد لقناة الجزيرة مؤخرا تجاهلكم تماما، بينما عندكم من يبصم على مشاريع " الإصلاح " على العميانة.. هل فعلا هناك من يريد تحويل هذه اللجان الى هيئة رسمية تحمل أفكار السلطة؟

 -  نحن أبناء مجتمع اعتاد على التجاهل والإلغاء بكليته منذ أربعين سنة، فلن يتوقف الأمر علينا، أما أن يبصم بعضنا على مشاريع "الإصلاح" على (العميانة)، فهذا شأنهم، نحن لسنا حزبا، أو تنظيما موحد البرنامج والرأي، والموقف.
أما السؤال إن كان هناك فعلا من يريد تحويل اللجان إلى هيئة رسمية تحمل أفكار السلطة، فليس هناك ما يدعو للاستغراب، فهذا ديدن السلطة على مدى أربعين سنة، إلحاق ما يمكن إلحاقه، في اللجان وغير اللجان من أطراف المعارضة، وإلا ما معنى وجود الجبهة الوطنية التقدمية؟



* هل صحيح انه لولا صحيفة النهار اللبنانية لما سمع أحد بأخباركم وأوضاعكم؟

-  نعم صحيح، ولقد عبرت عن ذلك في مقدمة كتابي الصادر في القاهرة وبيروت (يسألونك عن المجتمع المدني –"ربيع دمشق الموؤد") إذ توجهت بالشكر إلى جريدة (النهار) ورئاسة تحريرها، وعبرت عن أننا مدينون لها بما مثلته من منبر شجاع وحر ونزيه، حيث شكلت لي ولعدد من الكتاب السوريين (بقعة ضوء النهار) الوحيد في امتدادات ظلام النفق الذي فيه نوغل...) كما عبرت في مقدمة الكتاب، لكن ينبغي أن لا ننسى أهمية المنجز الحداثي الكبير للانترنيت، حيث لم يكن للنهار التي أصبحت مقروءة أكثر من أي جريدة سورية وعربية، أن تقرأ إلا عبر الانترنيت رغم ضعف انتشاره في سوريا، بالإضافة إلى استخدام منجزات المعلوماتية السورية في خدمة حجب المعلومات، والمواقع كموقعكم، لكن عبقرية شبابنا وأبنائنا تنتصر في المآل على شيطانية الرقابة وتكتسب خبرات وهي تخوض معركة الحرية، ضد خدم الاستبداد.

* ألا ترى ان إقامة مجتمع مدني كما ترغبون هو حلم كبير ليس لأن السلطة ترفضكم فقط بل لأن فيكم من يبدل مواقفه كل يوم ويريد التغيير من خلال بيان يراه الناس اليوم ويتم نسيانه غدا؟

-  المجتمع المدني لا يقام، وليس ثمرة رغبات مجموعة تبدل مواقعها كل يوم عبر البيانات، المجتمع المدني حقيقة قائمة في المجتمعات العربية خلال الحقبة الليبرالية التي تم وأدها شعبويا، انقلابيا، دون أن تحقق إشباعها التاريخي.
لقد انقلبنا بملء إرادتنا على النويات الأولى لمكونات مجتمع دولة القانون والحقوق والشرعية الدستورية، إلى مجتمع دولة العسكر والانقلابية الثورية بحسن نية تاريخية عبر عنها القوميون والماركسيون، وعلى هذا فإن المخلصين من القوميين واليساريين تبين لهم فداحة الخطأ الذي اقترفوه عندما اختاروا التضحية بالديموقراطية السياسية على مذبح الديموقراطية الاجتماعية، والشرعية الدستورية على مذبح الشرعية الثورية، لكن القسم الآخر من القوميين اليساريين الذين تحولوا إلى حيتان وضباع، كانوا قد تغولوا بتغول الدولة التي أصبحت أداة للسيطرة والنهب والسلب بأيديهم، فعندها لن تجد منهم أمام دعوتك لإحياء المجتمع المدني الذي كان قائما سوى المخالب والأنياب.



* ما هي وظيفتك في اللجان؟

-لا وظائف لنا في اللجان لأنا لسنا تنظيما، فوظيفتي فردية وهي أن اكتب وفق ما يفتيه علي عقلي وقلبي وضميري الشخصي.

* من يمولكم؟

-لا تمولنا سوى موازناتنا الشخصية الشحيحة والبائسة، لكنها –مع ذلك- تتيح لنا أن نسافر إلى العاصمة للقاء بعضنا بعضا أو إلى أي مدينة سورية على الأقل، والأجهزة الأمنية تعرفنا جميعا بأننا نستخدم المواصلات العامة (السرفيس) للوصول إلى مكان اجتماعاتنا،ولذلك لم يصدقو حينها وزير الإعلام الذي اتهمنا بأنا نقبض من السفارات!
كان بيننا (رياض سيف) من الأثرياء لكنهم (شلحوه) وأفلسوه وحبسوه...! لدينا بعض الميسورين من الفئات الوسطى نسعى من خلالهم لاجتذاب ممثلي الرأسمال الوطني المنتج، لكن يبدو أن الجميع شركاء الجميع (سماسرة القطاع الخاص ولصوص القطاع العام)، لقد دمر الرأسمال الاستثماري المنتج، ولم يبق سوى رأسمال ريعي، سوق سوداء، تهريب، وبيع وشراء بالقوانين والمراسيم لتحقيق التقاسم الوظيفي بين لصقراطية السلطة وطغم سماسرة المجتمع السفلي المستفيدين من غياب الديموقراطية ودولة الحق والقانون، ولعل سر بقاء حركتنا في إطار الطموحات النظرية والفكرية، يفسرها انهيار الطبقة الوسطى وغياب الرأسمال المنتج الوطني الذي يحتاج إلى مؤسسات المجتمع المدني، هيآت تشريعية وقضائية وحقوقية، وقانون، وصحافة، وأحزاب، ونقابات.

من يرأس اللجان؟

لا رئيس للجان، سوى رؤوسها المفكرة.