الدكتور مصطفى عبد الرحمن

لقاء مع الدكتور مصطفى عبد الرحمن 

أجرى الحوار: أحمد بلح

الدكتور مصطفى عبد الرحمن

تعد ظاهرة هجرة العقول من بلد إلى بلد من الظواهر القديمة التي تتزامن بداياتها إلي مع بدايات تطور العلم ، فمن الطبيعي أن يهاجر الباحث عن العلم لبلد أكثر تقدماً في مجال تخصصه لينهل من ينابيع العلم والمعرفة. ولقد كانت البلدان الإسلامية في يوم من الأيام تلك القلعة التي يتوجه إليها العلماء ، وهو ما أسهم بدوره في تقدم ورقي الحضارة الإسلامية ، واليوم أصبحت هذه البلدان طاردة لأبنائها من العلماء الذين يبتغون العلم والرعاية والتقدير في بيئات أخرى تحقق لهم كل ذلك ، في وقت انصرفت فيه حكوماتهم عنهم إلى أهل الرقص والغناء تعقد لهم المهرجانات وتغدق عليهم الجوائز والهبات ، وتسخر لهم وسائل الإعلام طيلة الليل والنهار وتمثل هجرة العقول العربية للخارج أحد أسباب التأخر الذي يعانيه العالم العربي في مجالات العلوم والتقنية ، في وقت تتفوق فيه إسرائيل على العرب في كل شيء، لا سيما المجالات العلمية والتقنية،فيما يقبع العرب في ذيل القائمة.
وفى هذا الإطار يلتقي موقع محيط الطبيب السوري الدكتور مصطفى عبد الرحمن أمين سر اتحاد الأطباء العرب في أوربا ، ورئيس تحرير مجلة الطبيب العربي ، والمتخصص في طب الأطفال، حديثي الولادة والخدج ، للتعرف عليه وعلى الدور الذي يقوم به المهاجرون العرب في مهجرهم تجاه أوطانهم الأم ، ومدى الفائدة التي تعود على وطننا العربي من التشبيك فيما بينهم .

 

 في البداية ، نود أن نعرف ، كيف جاءت فكرة السفر إلى فرنسا ، وهل كانت لديكم النية بأن يتحول الأمر إلى هجرة دائمة ؟

 أبداً ، كأي طبيب عربي طموح ، عندما أنهيت الدراسة في كلية الطب ببلدي (سوريا ) ، وجهت وجهي شطر أوروبا بغية الحصول على درجة التخصص ، وكان أن أتيت إلى فرنسا.
وفى هذا الإطار ، أود أن أقول لك أنه لم يخيل لي عند وصولي إلى فرنسا أن أقضي كل هذه الفترة، فقد كنت أظن أنني هنا لأربع سنوات أو خمسة لا أكثر ، على أن أعود بعدها إلى بلدي، بل أصدقك القول أنني كنت استثقل الأربع أو الخمس سنوات
، ولكن يا سبحان الله ها أنا ذا قد أمضيت أكثر من عشرين عاماً من عمري في هذا البلد بعيداً عن وطني ، لكن ما زالت سوريا تعيش في قلبي وروحي وكل إحساسي ، والحقيقة أنني انتظر شهر العطلة السنوية فى كل عام بفارغ الصبر كي اذهب للوطن واستنشق عبير ترابه وهواء سمائه.

 

 متى بدأت رحلتك مع التخصص في فرنسا ، وهل كان طريقكم مفروشاً بالورود أم أن هناك عوائق اعترضت سيركم ؟

 

 وصلت فرنسا في ربيع عام 1984 ونصب عيني هدف واحد لا ثاني له ، وهو أن أحصل على شهادة التخصص الفرنسية المشهورة CES في طب الأطفال، وأذكر أنه حين تقدمنا لفحص القبول كان نصف المتقدمين من الفرنسيين والنصف الآخر من الأجانب، وكان هناك ( كوتا ) ، فالجامعة تأخذ 50% فقط من المتقدمين، وأذكر كيف كنت أذاكر 14 ساعة يومياً ولمدة شهرين ونصف، وبتوفيق من الله ورضاء الوالدين كنت من الناجحين، وأذكر أيضاً أن أجمل خبر هتفت به إلى والدي ووالدتي كان خبر قبولي ، فقد فاق هذا الخبر فرحة التخرج فيما بعد ونيل شهادة الاختصاص ذاتها.

وباختصار، حصلت على شهادة CES عام 1989 في طب الأطفال، ثم على شهادة CU في طب حديثي الولادة والخدج عام 1996 .

 

 وهل توقف طموحكم عند حد الحصول على شهادة فى التخصص ؟

 

 لقد عملت في مراكز رفيعة في باريس ومع أساتذة عظام تعلمت منهم أول ما تعلمت التواضع وأيقنت وأنا بقربهم أن الإنسان كلما زاد علماً زاد تواضعاً ويصدق في ذلك قول الشاعر :

 

ملآى السنابل تنحني بتواضع              والفارغات رؤوسهن شوامخ

 

وأنا من ذلك النوع الذي يعشق التعليم، وكدت في عام 1997 أن أنال درجة تعليمية أكاديمية من جامعة باريسية لولا أن أحدهم (بين سبعة أساتذة هم أعضاء لجنة التحكيم ) وقف معارضاً بدعوى أنني أجنبي وعائد إلى وطني(هكذا وبكل صلافة)، وللعلم فإن درجة الأستاذية في الطب في فرنسا صعبة للغاية فلا تنال بمسابقة ولا بأوراق وإنما بتزكيات ولذلك تلعب فيها العلاقات الشخصية الدور الأهم إن لم يكن الأوحد، وهذا غريب في بلد كفرنسا ولكن وبكل أسف هذه هي الحقيقة وكل من يعيش في هذا البلد يعرفها، ولذلك ترى في أي بلد غربي أسماء كثيرة لأساتذة من أصل عربي إلا في فرنسا فهذا نادر ونادر جداً بل واستثنائي.

وأنا أعمل الآن في أحد مشافي الضاحية الجنوبية لباريس كاستشاري في طب حديثي الولادة والخدج بالإضافة لعملي في عيادتي الخاصة.

 

 

- نود منكم إلقاء الضوء على نشأتكم في سوريا ؟

 

 أنا من أسرة بسيطة متواضعة، لأب عصامي أمضى شطراً كبيراً من حياته موظفاً مكافحاً ، وأنهاها تاجراً ميسوراً، وأم طيبة صابرة يقال أن جدها أتى سوريا مهاجراً من مصر.

كان والدي رحمه الله رجلاً جاداً ، لكنه كان رقيق العواطف والمشاعر، مكافحاً لكنه راضياً صابراً كان أمله أن يرى من أولاده أطباءً، وحقق الله له هذه الأمنية فأصبح ولداه الوحيدين طبيبين. .

وأما والدتي بارك الله لها في عمرها وأمدها بالصحة والعافية فكان لها أثراً كبيراً في حياتي الإيمانية رغم أميتها، فكانت تسهر على تأدية واجباتي الدينية منذ نعومة أظفاري وتقص علي وعلى أخواتي قصصاً إيمانية فيها العبر والعظات والتي لا زلت أحتفظ بمعالمها الرئيسية في حنايا ذاكرتي.

وكنت بحمد الله ومنذ صغري محباً للكتاب، عاكفاً على الدرس والتحصيل، متطلعاً أبداً إلى غد علمي مشرق، كنت أحلم منذ صغري أن أحقق شيئاً، أو أن أبدع اختراعاً، ولا زلت أشعر أني أحمل إبداعاً ما لم يقيض له الله سبحانه وتعالى حتى اليوم أن يولد، مدفوعاً بما كان يبثه فينا بعض أساتذتنا رحم الله من قضى منهم ورزق الصحة من لا زال حياً، فهم من علمونا حب العلم والإبداع وأن أمتنا بحاجة إلى طاقاتنا ومواهبنا وعطاءاتنا ، وعلمونا ألا نضيع الأوقات فيما لا يفيد، ولا زلت أذكر وصاياهم وأنا أودع المرحلة الثانوية إلى الجامعة وأنا مدين لهم ما بقيت حياً، وأعترف أيضاً أن كل ما حصلته فيما بعد من علم وحققت من أحلام وفكرت من مشاريع علمية تحقق بعضها والبعض الآخر لا زال حلماً، يعود إلى أفكارهم وتوصيانهم وإخلاصهم أمد الله بعمرهم ووهبهم الصحة والعافية.

 

 من الواضح في حديثك أنك ما زلت تحتفظ بذكريات أيام الطفولة والشباب في سوريا ؟

 

 بالطبع مازلت أتذكر هذه الأيام جيداً ، وعن ذكرياتي عن هذه المرحلة أنني كنت شغوفاً بالأدب حتى أن أستاذ اللغة العربية كان يكرر على مسمعي دائماً أن لي مستقبلاً أدبياً رائعاً إذا لم تتخطفني كلية الطب كما كان يقول، بينما كان أستاذ الفيزياء يسميني بين أقراني بفيثاغورث، أما أستاذ الرياضيات فكان يقسم أن في رأسي ما يفوق الكومبيوتر وذلك لسرعة إجاباتي وتسليمي لأوراق الامتحانات بسرعة شديدة، أيام كنا لا ندري بعد ما لكومبيوتر ولا أين يوجد ولا نعرف شيئاً عن حجمه ولونه وشكله.

أما عن حبي للطب وشغفي أن أصبح طبيباً فيعود إلى عمر العشر سنوات تقريباً يوم أن سكن قريباً من دارنا طبيب شاب وسيم المحيا أديب التصرف والسلوك مهذب الكلمات عذب العبارات، كان الجميع يحبه ويحترمه لإخلاصه ومعاملته وإتقانه وتفانيه في سبيل مرضاه وكنت أصغي بشغف إلى والدي وأصدقائه حينما يتحدثون عنه فأحببته وأحببت مهنته وكنت إذا لمحته من بعيد توقفت عن اللعب ونفضت الغبار عن ثيابي ووقفت وقفة الجندي لأحييه وأسلم عليه يداً بيد، وكان يلاطفني ويبادلني التحية بأجمل منها وكان ذلك كله محل فخر عندي، وفي أحد الأيام سألت أبي رحمه الله وكيف أصبح طبيباً مثل الدكتور (ج. ن)؟.. فأجابني رحمه الله : يجب أن تبقى دائماً الأول في صفك، تحفظ كل ما يلقى عليك، ولا تنسى شيئاً مما طلب إليك.. فقط .. ورحت من يومها أغز السير نحو هذا الهدف.

وكان أن أكرمني الله عز وجل وتفوقت في شهادة الثانوية العامة لعام 1977 ونلتها بدرجة امتياز ودخلت كليتي الحبيبة، كلية الطب البشري التي طالما حلمت بها قبل ذلك طويلاً.

 

 وماذا عن دراسة الطب في سوريا ؟

 

 ست سنوات قضيتها في كلية الطب ـ جامعة دمشق، كانت أياماً جميلة وحلوة.

من أجمل ذكرياتي عن هذه الفترة أن دراستنا للطب كانت باللغة العربية الحبيبة، وجامعات سورية تتميز عن سواها في وطننا العربي الكبير بتدريس الطب وغيره من العلوم بهذه اللغة الشريفة، ولا أروع من أن تدرس بلغتك وتفكر بلغتك وتنتج بلغتك وتبدع بلغتك،إن أناساً من بني جلدتنا لا يزالوا يشككون بقدرة لغتنا العربية على استيعاب العلوم الحديثة، والإبداع بها، ولهؤلاء جميعاً أقول : قوموا بزيارة إلى جامعات سورية وأنا واثق أن كثيراً منكم سوف يغير رأيه..  .

وأما عن انتقاداتي على هذه الفترة أن علاقتنا كطلاب مع الأساتذة لم تكن كما يجب، وهذه مشكلة في معظم جامعتنا العربية فالأستاذ الجامعي بعيد عن تلامذته، ولا يشعر الطالب بالأمان قرب أستاذه بل يشعر بكثير من الرهبة والخوف والاحترام المرضي، فالعلاقة يشوبها شيء من التكبر والاستعلاء من الأستاذ نحو مريديه، وهذا على ما اعتقد عقبة أمام الإبداع والاكتشاف والتقدم وكذلك البحث العلمي.

كانت هذه المرحلة بالنسبة لي مرحلة البناء العلمي الطبي،بالإضافة إلى أنها كانت فترة غنية جداً بالمطالعات الإسلامية والتاريخية والأدبية، وأنا أدين إلى هذه الفترة بالذات ومطالعاتها الغزيرة (رغم انشغالي بمنهاج الطب الواسع) بما احمل اليوم من فكرة واضحة نقية وصافية عن الإنسان والكون والحياة.

وأذكر أنني قررت التخصص في طب الأطفال وأنا في السنة الرابعة في كلية الطب، وذلك عند أول (ستاج ) أجريته في قسم طب الأطفال، عشقت هذا الاختصاص أيما عشق وقررت منذ ذلك اليوم أن أتخصص في هذا المجال مهما كلفني ذلك.

 أرجو أن تحدثنا عن حجم الهجرة العربية إلى فرنسا ؟

 

 في فرنسا اليوم حوالي( 10) آلاف طبيب من أصل عربي( هذا عدا الأعداد الهائلة التي تأتي لطلب العلم ثم العودة لأوطانها)، وذلك بين ( 200) ألف طبيب في فرنسا أي أننا نشكل حوالي 5%، والكثير منا في مراكز كبيرة وأقسام كثيرة تقوم على جهدنا وعملنا وعطائنا.

نعاني من شيء من العنصرية في هذا البلد، ولذلك أحياناً توضع عقبات لا تصدق حتى لا يصل أحدنا إلى مركز مرموق، وإن استطاع و كسر كل الحواجز ووصل، توضع كل العوائق أمام بروزه ولمعانه، وهناك أقسام كثيرة جداً يديرها (أحمد ومحمد وعبد الله) لكن واجهة الإنتاج دائماً باسم (جاك وميشيل وهنري وباتريك)؟!!!!... وهذه بكل أسف حقيقة مؤلمة لكنها الحقيقة ويعيشها كل طبيب عربي طموح يعيش هنا.

 

إذاً ألا تشعرون بأنكم في حاجة للتكتل والاتحاد بهدف استثمار جهودكم فى المهجر من أجل خدمة قضايانا العربية والإسلامية مثلما يفعل أبناء الأمم الأخرى ؟

 

 بدأت جموع الأطباء العرب تنتظم في جمعيات طبية، وكان من أقدم الجمعيات في فرنسا جمعية ابن سينا الطبية AMAF التي أسست عام 1987 وكانت هي فرع فرنسا لاتحاد الأطباء العرب في أوروبا، واليوم هناك جمعيات عربية أخرى كجمعية الأطباء الفرنسيين من أصل مغاربي، وجمعية الأطباء والصيادلة والبيولوجيين الفرنسيين المسلمين وإتحاد الأطباء العرب في أوروبا الذى أعمل لديه كأمين سر ورئيساً لتحرير مجلة الطبيب العربي الصادرة عنه.. وغيرها من التجمعات والاتحادات .

 

 وماذا عن إتحاد الأطباء العرب في أوروبا ، كيف نشأ ، وما هو الدور الذي يقوم به ؟

 

 نشأ الإتحاد في ألمانيا بهمة ثلة من الأطباء العرب القادمين إلى ألمانيا للاختصاص عام 1983 ويتميز الإتحاد اليوم بمميزات عديدة :

1. أنه أقدم جمعية طبية عربية في أوروبا WWW.ARABMED.de

2. أنه كان له ولا يزال نشاطين رئيسيين :

الأول : نشاط إنساني إغاثي : قدم ويقدم الكثير في هذا المجال وغطت نشاطاته أفغانستان والبوسنة والهرسك والسودان والصومال والعراق واليوم فلسطين الحبيبة، فيقدم الإتحاد أدوية وأجهزة طبية وكذل كفالة الطبيب في موقع الحدث لحمله على عدم الهجرة والبقاء في موطنه المصاب ليقدم خدماته الإنسانية.

 

وهناك النشاط العلمي الطبي : وذلك من خلال مؤتمر سنوي الذي يقام كل سنة في مدينة أوروبية وبالتناوب وتقدم خلاله خلا صات الأبحاث الطبية لعلمائنا العرب في أوروبا وسواها ومؤتمره القادم الواحد والعشرون سيعقد في مدينة استانبول بتركيا بين 6 ـ 12 أغسطس / آب لهذا الصيف، وأيضاً من خلال مجلته الدورية الفصلية مجلة الطبيب العربي التي كان أول عدد لها في فبراير/ شباط عام 1991 والتي أتشرف برئاسة تحريرها والتي تنشر من خلالها أهم ما تفرزه عقول أطباؤنا العرب في بوتقة التقدم الطبي والأبحاث العلمية المستجدة .

3. أن الإتحاد يتخذ من اللغة العربية لغة رسمية أولى لكل مؤتمراته وكذلك لمطبوعته الدورية.

 

 كم عدد الأطباء المنضمين إلى الاتحاد ، وماهي شروط ومزايا هذا الانضمام ، وماهى الدول الأوربية التي يمتد نشاط الاتحاد إليها ؟ .

 

 الإتحاد يضم اليوم حوالي خمسة آلاف عضو، على امتداد عدة دول أوربية فللإتحاد فروع في كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهناك فروع عدة قيد البحث في عدة دول أوروبية أخرى.

أما عن شروط العضوية في الإتحاد هي : أن يكون الطبيب من أصل عربي ولديه شهادة أوروبية سواء أكان لا يزال في أوروبا أو عاد إلى وطنه الأصلي أو إلى أي بلد آخر.

يعد الإتحاد عضواً مؤسساً لإتحاد الجمعيات الطبية الإسلامية العالمية FIMA .     

الإتحاد عضو في منظمة الأمم المتحدة عن الجمعيات الغير حكومية NGO منذ عام 1996.

للإتحاد صلات وثيقة بمنظمة الصحة العالمية وخاصة بفرعها الإقليمي لشرق المتوسط EMRO .

للإتحاد صلات وثيقة بهيئات أكاديمية وشخصيات علمية رفيعة عربية وعالمية تشرف الإتحاد بحضورها في كل مؤتمراته الدورية.

يحقق المنتسب للإتحاد عدة مكاسب أهمها : سيكون له بطاقة عضوية وأنه سوف يصبح عضواً في جمعية طبية عربية في المهجر يمكن أن يفجر طاقاته العلمية من خلالها ويدعى إلى كل مؤتمرات ولقاءات الإتحاد بأسعار مخفضة وقريباً نود أن نخصص صفحة لكل عضو على صفحة الإتحاد على الشبكة الدولية الانترنت يضع خلالها سيرة حياته العلمية ونتاجه العلمي الشخصي، وكما هو معلوم فإن إتحادنا هو جمعية علمية لا تهدف للربح فليس فيها ربح مادي وإنما قيمة علمية معرفية رفيعة ونحن أحياناً كثيرة نضطر لتغطية بعض نشاطاتنا من جيوبنا الخاصة وبكل أريحية، فمن يؤمن بما نؤمن ونعمل من أجله فعلى الرحب والسعة.

 

 بوصفكم رئيس تحرير مجلة الطبيب العربي في أوربا ، حد ثني عن طبيعة المجلة وما تتناوله من موضوعات ؟

 

 مجلة الطبيب العربي في أوروبا http://arabmed.de/magazin/index.html ، هي كما أسلفت مجلة فصلية نصف مقالاتها الطبية باللغة العربية والباقي باللغات الأوروبية الحية الإنكليزية والفرنسية والألمانية، المجلة موجهة للطبيب الممارس العام رغم أن أغلب مقالاتها تصلح لأهل الاختصاص، يوزع من المجلة ومنذ عام 1991 ثلاثة آلاف عدد في أوروبا، ومنذ فترة قصيرة عهدنا بها إلى شركات خاصة لنشرها في الوطن العربي فمثلاً العدد الأخير طبع منه 5000 عدد في سوريا ووزع على سوريا ولبنان وكذلك 5000 عدد وزعت في الإمارات ومثلها على مصر والسودان وليبيا.

 

 أرجو منكم أن تعقدوا مقارنة بسيطة بين طبيعة الرجل الغربي العملية ، وتراجع قيمة الجدية في العمل لدينا نحن العرب ؟

 

 إن العمل في الغرب يا أخي يتميز بالجدية فالعمل طويل يأخذ معظم اليوم، لكن يا سبحان الله فإن الله سبحانه يبارك للإنسان الذي يعمل في وقته فتشعر أن الله سبحانه يضيف أوقاتاً إلى وقتك ويمدك بالصبر والجلد وهذا الذي ينقصنا في بلادنا على ما أعتقد شيء من الجدية في العمل.

إننا نتطلع بحزن وأسى إلى بلادنا الحبيبة أنها لم تستطع النهوض في غيابنا، وكنا نتمنى لو نراها قد انطلقت مثل بقية الأمم.. إن ما يبكي قلوبنا ويدمع عيوننا هي تلك الدراسات الطبية والأبحاث العلمية التي تخرج من (إسرائيل) وتشارك في كل مؤتمرات الدنيا بينما هناك غياب شبه كامل لكل بلادنا العربية مجتمعة!!!... فلا تخرج من أي منها دراسة واحدة تبرد أعصابنا وتبيض وجوهنا أمام القوم، إن هذا أشد ما نأسف له.

وبدلاً من أن نكرر لعن الظلام حاولنا أن نوقد شمعة وكان أن اقترح الاتحاد منذ أربع سنوات إنشاء كلية للطب نموذجية أوروبية ـ عربية مع مركز ضخم للأبحاث الطبية في إحدى بلادنا العربية الغنية تكون تحت إشراف الإتحاد وبمشاركة ثلاث كليات للطب رفيعة في كل من باريس ولندن وبرلين، وكانت ستكون مناراً لبلادنا لو هيئ لها أن تولد، وكم طرق صاحب هذه السطور مع إخوانه في الإتحاد الأبواب جميعها من الأمراء إلى رجال الأعمال إلى الجامعات الخاصة دون جواب حتى ساعة هذا اللقاء.

لماذا تزهد امتنا بأدمغتها وتتخلى عن عقولها وغير عابئة ولا مبالية أن تهدر طاقاتها؟ ... في حين يدلل الآخرون حتى الأدمغة التي تهاجر إليهم ؟.... ويغرون هذه العقول التي تأوي إلى بلدانهم؟...ويعرفون كيف يفجرن هذه الطاقات التي سعت لتلتحق بمراكزهم ومعاهد أبحاثهم وجامعات علومهم ..

لماذا تتخلى بلادنا عن عقولها هذه التي تعمل في ديار الغرب وقد ربت أكثرهم ودفعت عليهم وأنفقت على تعليمهم عقدين أو ثلاثة ثم ولوا وجوههم شطر الغرب ليستزيدوا في علومهم ويتبحروا في أبحاثهم .. ثم لاهم عادوا ولا أمتهم حاولت أن تعيدهم .

لماذا لازلنا نستثمر في كل شيء إلا في العقول والأدمغة؟ .. لماذا لازالت أموال أغنيائنا تضيع في الليالي الحمراء.. في تكريم غانيات الفيديو كليب وراقصات الباليه ومغنيات الكباريه.. وتغدق في الملاعب الخضراء وبسخاء.. على أصحاب الأقدام الذهبية والأهداف الخلبية؟! ..

أما أهل العلم والعلماء فلا نصيب لهم في شيء.. حتى هذه المحطات الفضائية تخجل من ذكرهم وتعرض عن استضافتهم وتتوانى حتى عن الإشارة إلى جهودهم وأعمالهم ونتاجهم.

أسئلة أضعها أمانة في ضمير كل مخلص في هذه الأمة، وفي يد كل غيور قادر أن يفعل شيئاً كي تعلو أمتنا وتتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم.

إن حال الأطباء والعلماء العرب في الغرب يمثل حالهم قول الدكتور فاروق الباز حفظه الله ( إن أشد ما يؤلمني أنني لم أستطع أن أعمل لمصر ما كنت أريد أن أعمله)، ونحن والله لم نستطع أن نعمل لأوطاننا ما كنا ولا زلنا نود عمله، هذه حالنا ونسأل الله الفرج والعافية .

 

  في النهاية، ماذا تريد أن تقوله فى هذا الإطار لأهل المسؤولية فى حكوماتنا العربية ؟

 

 أقول لهم : " إن هذه الطاقات العربية التي تعمل اليوم في الغرب هي طاقات كامنة يمكن لأي مخلص من أبناء أمتنا أن يستثمر بها" بدلاً من الاستثمار في (الفيديو كليب) و(الستار أكاديمي) و(البيج برا زر) وغيرها، وإنك والله لتحتار كيف يستطيع هؤلاء الخبثاء استنساخ هذه التجارب الهابطة ونقلها وبسرعة إلى بلادنا وهي غريبة عن عاداتنا وأخلاقنا وتراثنا، بينما يعجز أي عالم عربي أن يستنسخ تجربة علمية أو مركز أبحاث أو مصنع أفكار وينقله إلى بلادنا، وقصة كلية الطب التي حدثتك عنها لا زال ماثلاً أمامنا.

في الختام أشكر لكم اهتمامكم بالعقول العربية المهاجرة وأشكرك أخي الكريم على اهتمامك وبذلك الجهد لإجراء هذا اللقاء.. شكراً لكم وجزاكم الله خيراً .