عبد الله عيسى السلامة(2)

أجراها : محمد صالح حمزة   مع     عبد الله عيسى السّلامة

س1 – الحديث عن المشروع الإسلامي الحضاري يأخذ مساحة كبيرة من اهتماماتكم وأحاديثكم وطروحاتكم.. هل السينما والمسرح والتلفزيون... إلخ من وسائل تحقيق هذا المشروع.. أم ثمة محذور شرعي في التعامل معها؟

ج – المشروع الإسلامي هو مشروع دعويّ، أولاً وقبل كل شيء. والدعوة بحاجة إلى كل وسيلة متاحة ومباحة، لإيصال صوتها إلى أبعد مدى ممكن، من أرض الله، وبين عباد الله. وإذا كانت وسائل الإعلام الحديثة -ومنها السينما والمسرح والتلفزيون- عناصر أساسيّة في إيصال الدعوة إلى الناس، ونشرها بينهم، فاستخدامها من قبل الدعاة ضرورة لابدّ منها، فما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. على اختلاف في درجات الإيصال والتأثير، بين كل وسيلة وأخرى. فالتلفزيون الذي دخل البيوت، وخاطب المرأة والطفل والشيخ، والأميّ والمتعلم، أكثر أهمية وتأثيراً في قلوب الناس وعقولهم، وهو –بالتالي- أدخل في باب الحاجة الدعوية –بل الضرورة الدعوية- من السينما والمسرح، المتحيّزين في أماكن مخصوصة ترتادها شرائح معينة من الناس، وهذا بالطبع لا يلغي وجوب الإفادة منهما في إيصال الدعوة، عبر مضمونات فنيّة وفكرية ملائمة لأبناء المجتمع، في المرحلة التي هو فيها.

أما المحذور الشرعي فما أحسبه قائماً في وجه هذه الوسائل، إلا كما يقوم في وجه أيّة وسيلة أخرى يمكن استخدامها في الخير والشر، في النفع والضرر، في الصلاح والفساد.

وما أعلمه، هو أننا –بصفتنا دعاة- مندوبون لملء هذه الوسائل بالخير والنفع والصلاح، وإزاحة ما يمكن إزاحته من فساد فيها أو شرّ أو ضرر.

س2 – الجدل حول الأهداف والوسائل يأخذ حيزاً لا بأس به في صفوف الإسلاميين بين متساهل ومتشدد وتمترس من البعض ضد الميكيافيلية في هذا الصدد.. أين تقفون حيال هذا الجدل؟.. ما هي رؤاكم وتصوراتكم حوله؟

ج – ما أعلمه أن الوسائل تأخذ حكم الغايات، وأذكّر بالقاعدة آنفة الذكر "مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب"..

معلوم لدينا أن قطع يد الإنسان، أو جلد ظهره بالسوط، أو قطع رأسه، إنما هي أمور محظورة شرعاً، إذا أخذت على إطلاقها لكن حين تكون هذه الأعمال وسائل لردع الناس عن السرقة، وعن الزنا، وقذف المحصنات وشرب الخمر، وعن قتل الناس.. حين تكون هذه وسائل للردع، حفظاً لسلامة أموال الناس وأعراضهم وأرواحهم وعقولهم.. تصبح هذه الوسائل ضرورات لا غنى عنها، تأخذ أحكامها من أحكام الضرورات الأصلية التي شرعت لأجلها..

والحروب باقية في حياة الناس، ما بقي أناس على الأرض –إلا أن يشاء الله أمراً آخر- والمسلمون ليسوا بمنجاة من هذه الحروب، فلو استنكفوا عن قتل أعدائهم في الحروب، لاستبيحوا بشكل كامل، دماؤهم وأعراضهم وأوطانهم، ولما قامت لهم قائمة، وعلى هذا يكون القتل في الحرب وسيلة ضرورية مشروعة، لحفظ الضرورات الأصلية، التي أمر الله بحفظها لعباده.

وتبقى ثمة فروق بين إباحة الوسائل على إطلاقها، وبين تقييدها على إطلاقها..

ومن أهم هذه الفروق وأبرزها:

أ – المصدر: مصدر الإباحة أو التقييد، أهو ربّاني وضعته حكمة الله عزّ وجل، العالم المحيط بما يصلح الناس ويفسدهم في يومهم وغدهم.. أم هو بشريّ خاضع لأهواء البشر وتقلبات أمزجتهم، واختلاف مصالحهم؟

ب – النسبيّة: النسبيّة في إباحة الوسائل أو تقييدها، حتى الوسائل التي أباحها الله عزّ وجلّ، فقد أباح الله أكل لحم الميتة للمسلم، لحفظ حياته دون زيادة على ذلك "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" فالتوسع أو التضييق في الوسائل المحظورة أصلاً، تدخل فيه جملة من العوامل البيئية والشخصية، وهو بحاجة إلى حكمة وروية وعلم شرعي..

هذا فيما يتعلق بالإطار الإسلامي. أما الأطر الأخرى فضوابطها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح الشخصية والعامة، وقوانين الدول، وأعراف الشعوب وعاداتها.

فالمكيافيللية تتوسع توسعاً كبيراًُ في إباحة الوسائل المحظورة، وربما كانت "البراغماتية" الحديثة صورة قريبة منها في هذا الباب.. فهي تركز على "النفعية.. المصلحية" وترى العمل جيداً وناجحاً بقدر ما يحقق من منافع ومصالح مادية، بصرف النظر عن القيم والمبادئ الخلقيّة..

 س3 – هل تجدون تفهماً أو تغيّراً أو توجهاً في العقل الجماعي للتنظيم للاستفادة من هذه الوسائل الخطيرة!! والتعامل معها؟

ج – أجل. ثمة تغيّر كبير لدى الكثيرين من أبناء التنظيم، في النظرة إلى هذه الوسائل والتعامل معها، فقبل سنوات قليلة كان الكثيرون من أبناء الجماعة ينظرون إلى هذه الوسائل نظرة الشك والاتهام، ويرون فيها رجساً أو ما يشبه الرجس، ومن يتعامل معها يتّهم بضعف الخلق أو رقّة الدين..

أما الآن، فالأكثرية تنظر إليها على أنها وسائل تحمل في طيّاتها الخير والشرّ، وأن ترك توجيهها من قبل جهات فاسدة مُفسدة، إنما هو تقصير من جانب الإسلاميين، ولابدّ من المبادرة إلى ملئها بما هو صالح ومفيد، ومحصّن لأخلاق الأمة، وثمة محاولات جادّة في هذا الإطار، من قبل بعض الجهات الإسلامية، وقد ظهرت بعض ثمارها الطيبة في أطر ضيّقة.. وما يزال الميدان واسعاً، ويحتاج إلى جهود ضخمة، وإلى وعي كبير من قبل أثرياء المسلمين، ليدركوا خطورة هذه الوسائل في حياة أجيالهم، ويسهموا بأموالهم في إنتاج مشروعات إعلامية فنية، تعزّز مبادئهم وقيمهم وتحصّن أخلاق أجيالهم.

س4 – هل سبق أن قدمتم مادة لمثل هذه الوسائل؟ وهل في مخططكم مشروع كهذا؟

ج – لديّ مجموعة من الأعمال الأدبيّة، على مستوى المسرحيّة، والقصة والرواية التي يمكن إخراجها تلفزيونياً على شكل "دراما" وعلى صيغة تمثيلية أو مسلسل، إلاّ أن توظيفها في مجال الفن السينمائي أو التلفزيوني، ليس من شأني، بل من شأن رأس المال المنتج، الذي يطلب المادة الأدبية فتقدم له، فإذا غاب عن الساحة، أو عزف عن الطلب، ظلت المواد في أدراجها..

س5 – هل تملكون الصلاحية أو الشجاعة –عذراً- للإشارة إلى العصي التي توضع في عجلات قاطرة (الفن الإسلامي) إذا جاز التعبير؟

ج – هناك مجموعة من العصيّ، أبرزها وأقواها ثلاث:

اً – المحاصرة والتضييق من قبل أجهزة الإعلام الرسمي في الدول العربية، فأجهزة "التلفزيون" مملوكة للدولة، محكومة بقراراتها وسياساتها وتوجهاتها، لا تسمح بأن يعرض على الشاشات الرسمية سوى ما تراه مناسباً، وموظفوها العاملون في هذه الأجهزة مكلفون بعمليات الانتقاء..

2ً – الجهل بخطورة هذه الوسائل، من قبل الكثيرين من صنّاع القرار من الحركة الإسلامية، هذا الجهل، دفع بالكثير منهم، إلى جعل هذه الوسائل في الدرجة الثالثة أو الرابعة من سلّم أولوياتهم واهتماماتهم، وربما كان الخلل ناجماً في كثير من الأحيان، من عملية التفكير ذاتها، وقدرتها على قراءة واقع الساحة العالمية وما فيها من صراعات، وما تقتضيه من أساليب في ترتيب الأولويات.

3ً – الجهل –أو خلل التفكير- لدى بعض أثرياء المسلمين، الذين يؤثرون توظيف أموالهم في أعمال خيريّة بطبيعتها، لكنها أقلّ تأثيراً بآلاف المرات، من جهاز التلفزيون وحده، الذي يدخل بيوت المسلمين ويسهم في صياغة عقول الأطفال والنساء، وفي صناعة أفكارهم وأمزجتهم ونفسياتهم وتوجهاتهم.. الثريّ المسلم قد يدفع مليون دينار لبناء مسجد في حيّ لا يحتاج إلى مسجد، ويحجم عن تمويل عمل تلفزيوني يدخل ملايين البيوت فيفعل في سكانها مالا تفعله أحياناً آلاف الخطب.. وبحساب بسيط لعدد الذين يرتادون المساجد ويسمعون الخطب، ويتأثرون بها عقلياً ونفسياً، ثم لعدد الذين يشاهدون التلفزيون ويتأثرون ببرامجه0- لاسيما الدرامية منها- نقول: بحساب بسيط لعدد هؤلاء وهؤلاء، يظهر لنا الفرق المخيف بين الصنفين من ناحية، والخلل المخيف في عقلية الثريّ المسلم الحريص على فعل الخير من ناحية أخرى..

وسبحان الله القائل: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً".