علي صدر الدين البيانوني

المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية

في حوار شامل مع "الشروق" الجزائرية

علي صدر الدين البيانوني

حاوره مراسل الشروق في لندن: حميد بن عمار

الرئيس الراحل حافظ الأسد قال في بداية التسعينات: لو كنت شاباً في هذا العصر لكنت أصولياً!

أكد المحامي الاستاذ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين المحظورة في سورية ان للجزائر خصوصية متقدمة في الشام، ارتبطت بذكريات الأمير عبد القادر الجزائري، وثورة التحرير.

وفي حوار اجرته معه "الشروق" في منفاه في لندن نفى البيانوني صحة ما تردد ان الحركة رفضت عرضا لاطراف سورية معارضة للمشاركة في مخطط لإدارة بوش للإطاحة بالنظام السوري على الطريقة العراقية عبر لعب الورقة الطائفية باعتبارها ممثلة للغالبية السُنية في مقابل الأقلية العلوية الحاكمة في سورية.كما رفض الطرح القائل أن العامل الطائفي " السني"  كان له دور في ترحيب الحركة و تحالفها مع نائب الرئيس السوري السابق المنشق عبد الحليم خدام.

وحول تناقض موقف النظام السوري تجاه تيار الإخوان المسلمين، حيث يمنع و يلاحق اخوان الداخل بينما يرحب باخوان الخارج ، أكد البيانوني أن "النظام السوري يقوم على سياسة اللعب بالأوراق. فمنذ فترة مبكرة في أوائل التسعينات قال الرئيس الراحل حافظ الأسد: لو كنت شاباً في هذا العصر لكنت أصولياً!!".

و اشار البيانوني ان الحركة أعلنت استعدادها لفتح صفحة جديدة بعد خلافة بشار الاسد لوالده غير ان قال "انه أصبح من العبث الاستمرار في الحديث عن الإصلاح ، بينما النظام يسير في الاتجاه المعاكس"...

لما رأى الرئيس الراحل حافظ الأسد أن الصحوة الإسلامية تعمّ الشارع العربي، في التسعينات، بدأ باستقبال ممثلي الحركات الإسلامية من جميع الأقطار، من بينهم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله.. ومع ذلك فقد ظل القانون الذي يحكم بالإعدام على أبناء جماعتنا ساري المفعول".

·  لا صحة لتلقيناعرضا من اطراف سورية معارضة للمشاركة في مخطط لإدارة بوش للإطاحة بالنظام السوري على الطريقة العراقية عبر لعب الورقة الطائفية باعتبارنا  ممثلين للغالبية السُنية في مقابل الأقلية العلوية الحاكمة.

·  هناك شعوراً متنامياً في العالم الإسلامي، بأن هناك جهة مركزية في طهران أو في قم، ترعى مشروعاً مذهبياً منغلقاً، يسعى للتبشير بالمذهب الشيعي بين ظهراني المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وأنها ترصد لهذا المشروع الكثير من المال.

·     اليكم نص الحوار:

حاوره مراسل الشروق في لندن: حميد بن عمار

* أولاً ماهو تعليقكم على انتخاب أوباما رئيساً لأميركا.. وهل تتفقون مع من  يرى أن انتخاب ابن راعي العنز الكيني الأسود دليل على "عظمة" أميركا مهما اتفقت و اختلفت مع سياساتها؟!

**لا شكّ أن انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، شكّل ثلاثة اختراقات للثوابت العملية في أمريكا؛ فأوباما قد اخترق حاجز اللون (الأسود في مقابلة الأبيض)، وحاجز العرق (الهجين في مقابلة الانكلوسكسون)، وحاجز المذهب، فمهما قيل عن باراك أوباما فهو ابن حسين أوباما المواطن الكيني المسلم. لا شك أن هذا الاختراق يمثل تحوّلاً هاماً في معطيات الديموقراطية العملية لدى المجتمع الأمريكي، إذ ينبغي التفريق بين المعطيات النظرية للديموقراطية والمعطيات العملية. لا شك أننا أمام إنجاز ديمقراطيّ يستحق التقدير والاحترام، فالشعوب عندما تمتلك إرادتها الحرة تستطيع أن تفعل الكثير.

وكان يمكن أن يكون هذا الإنجاز الذي يفخر به الشعب الأمريكي، أكثر دلالةً على الرقيّ والحضارة، لو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت وفيةً لمبادئها في كلّ مكان، وارتضت هذه الحرية للشعوب الأخرى. فمشكلة هذه الإدارات، أنها تتعامل بازدواجية مع مبادئ الحرية والديمقراطية، فهي تحترم هذه المبادئ، وتعمل على تطبيقها في بلادها، بينما ترفضها في بلادنا، وتفضل التعامل مع الديكتاتوريات التي تحقق مصالحها على حساب هذه المبادئ وعلى حساب مصالح الشعوب. أعتقد أن هذه الازدواجية، هي التي تقلّل من قيمة هذا الإنجاز، وتشكّك في مصداقية أصحابه.

* هل تعولون على تغيير في السياسة الأميركية بعد انتخاب أوباما تجاه العالم العربي والإسلامي عموماً وسورياً خصوصا؟

**رغم أن السياسة الأمريكية الخارجية، لا تتأثر كثيراً بتغيّر الرئيس أو تغيّر الحزب الحاكم، لأن الخطوط العامة لهذه السياسة، تكاد تكون موضع اتفاق.. فنحن نتوقع شيئاً من التغيير في السياسة الأمريكية، وفي أساليب تعاطيها مع الأحداث في منطقتنا العربية والإسلامية، لكننا لا نعوّل كثيراً على هذا التغيير.

أعتقد أن المصائب التي حلت بالعرب والمسلمين نتيجة سياسات الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش، والنتائج الكارثية التي أسفرت عنها الحرب المزعومة على ما تسمّيه الإرهاب.. والتي أدّت إلى احتلال العراق وغزو أفغانستان، وما رافق ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان العربي والمسلم في كلّ مكان، وما انكشف من فضائح التعذيب المهين في سجن (أبو غريب) و(غوانتانامو)، والتأييد الأمريكي للجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.. بالإضافة إلى الحماية الأمريكية التي تمتع بها النظام الديكتاتوري في سورية، رغم جرائمه العديدة بحق شعبه، وبحق شعوب الدول المجاورة.. كلّ ذلك يجعل لزاماً على الرئيس الأمريكي الجديد أن يعيد النظر في هذه السياسات التي أساءت إلى صورة أمريكا عند شعوب العالم.

نتمنى أن يكون التغيير إيجابياً وعقلانياً وموضوعياً، وأن تعترف الإدارة الأمريكية الجديدة بشعوب المنطقة. وأن تعترف بصندوق الانتخاب في بلادنا كما يعترفون به في بلادهم. وأن يكون ملف حقوق الإنسان حاضراً عند التعامل مع الأفراد والشعوب والحكومات، وأن تكون هذه الإدارة أكثر وفاءً لمبادئها والتزاماتها الإنسانية والمواثيق الدولية. كما نتمنى أن تدرك الإدارة الجديدة أن (القضية الفلسطينية) هي جوهر الصراع والتوتر والقلق في المنطقة، وأن تعمل على إيجاد حلّ عادل يعيد الأمور إلى نصابها، والحقوق لأصحابها.

* ما صحة ما تردد أنكم رفضتم المشاركة في مساعي بعض الاطراف السورية المعارضة للمشاركة في مخطط لإدارة بوش للإطاحة بالنظام السوري على الطريقة العراقية عبر لعب الورقة الطائفية باعتباركم ممثلين للغالبية السُنية في مقابل الأقلية العلوية الحاكمة في سوريا.. وأن ما غير رأيكم في الأساس هو ما آلت اليه الأوضاع في العراق بعد الغزو الأمريكي؟

**نحب أن نؤكد أن شرطنا الأساس للتغيير داخل سورية، هو أن يكون التغيير بالأيدي الوطنية. وقد سبق أن أعلنا في ميثاق الشرف الوطني في شهر أيار (مايو) 2001، أننا نرفض الاستقواء على الوطن بأي شكل من أشكال الاستقواء، وأننا أدنّا أكثر من مرة من منطلق مبدئي، ما أقدمت عليه بعض الفصائل العراقية من استقواء بالأجنبي، مما أدّى إلى جر الاحتلال والخراب إلى بلادها. 

ومع تأكيدنا هذا.. نؤكد أيضاً أنه لا صحة للحديث المشار إليه في سؤالكم، فالأطراف السورية التي تتحرك تحت شعار الاستعانة بالأجنبي، هي محدودة العدد والتأثير، وهي مرفوضة على الصعيد الوطني.

نحن لا نعمل تحت أي لافتة طائفية، ولا نقبل أن نكون ممثلين طائفيين، نحن ننتمي إلى الكلّ الوطني، ونعمل من خلاله، ونطالب بتغيير وطني ديمقراطيّ، لتكون سورية لجميع أبنائها. وندين استخدام النظام السوري للورقة الطائفية، واستئثار الأقلية الحاكمة بالسلطة والثروة، على حساب الأكثرية المهمشة.

 *ما رأيكم في ما تردد أيضاً من أن العامل الطائفي " السني"  كان له دور أيضاً في احتضانكم و ترحيبكم و تحالفكم مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق المنشق عن النظام السوري على خلاف مثلا "حلفاؤكم" في إعلان دمشق... ؟

**أوضحت في الجواب على السؤال السابق رفضنا للمنطلق الطائفي في بناء المواقف أو في تفسيرها. نحن أعضاء مؤسّسون في (إعلان دمشق) وأعضاء مؤسسون في (جبهة الخلاص الوطني). ظروف الداخل والعمل فيه تفرض بعض المعطيات السياسية على (إعلان دمشق) وقواه، وظروف الخارج لها معطياتها. تحالفنا مع الأستاذ عبد الحليم خدام بُنيَ على معطيات سياسية محضة، توخّينا فيه مصلحة الوطن العليا في التغيير الديمقراطي. ونحن لا نمتنع عن التحالف مع أيّ شخصية أو فصيل لأسباب طائفية. ففي (جبهة الخلاص الوطني) كما في قوى (إعلان دمشق) أطراف غير سنية، ونحن متحالفون معها. وحين نمتنع عن التحالف مع أيّ طرف، فلا بد أن تكون هناك أسباب سياسية - غير طائفية - وراء هذا الامتناع.

* ما تعليقكم على ما اصطلح عليه مؤخرا الأزمة الشيعية السنية.. و ما رأيكم في تعالي أصوات سنية كثيرة ومن بينها في سوريا ذات الغالبية السنية التي ترى تصاعداً واضحاً لما تراه " تبشيراً" شيعياً وتدعو لوقفه؟

**يجب أن أؤكد - ابتداء - ثوابت نظرتنا إلى هذا الموضوع: نحن ننظر أولاً إلى الأشقاء الشيعة من أبناء إيران وغير إيران، على أنهم جزء من أمة الإسلام الواحدة. يجمعنا بهم اتفاقنا معهم على أركان الإيمان وأركان الإسلام. ونحن ننظر إلى (إيران) كدولة مسلمة جارة، لها علينا حق حسن الجوار وننتظر منها ذلك. ومن خلال هذه الثوابت نصوغ مواقفنا السياسية في ضوء المعطيات الواقعية.

لا يخفى عليكم أن هناك شعوراً متنامياً في العالم الإسلامي، بأن هناك جهة مركزية في طهران أو في قم، ترعى مشروعاً مذهبياً منغلقاً، يسعى للتبشير بالمذهب الشيعي بين ظهراني المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وأنها ترصد لهذا المشروع الكثير من الجهد ومن المال ومن الطاقات، ربما تكون ميادين أخرى للدعوة أولى بها، لا سيما إذا نظرنا إلى ما تثيره هذه الجهود من ردود فعل سلبية وانتكاسات في العلاقة الأخوية، أو إثارة للفتنة الطائفية، في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى الوحدة ورص الصف.

قد تكون الهجمة المذهبية على سورية أوضح، بسبب التحالف القائم بين النظام السوري وطهران وحزب الله، أو ما اصطلح على تسميته بالهلال الشيعي. فالمشروع المذهبيّ في سورية والنفوذ الإيراني فيها، بأشكاله الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.. بات يشكل خطراً واضحاً ليس على بنية المجتمع السوري فحسب، بل على دول الإقليم كلها. علماً بأن عدد الشيعة في سورية محدود جداً، لا تتجاوز نسبتهم إلى مجموع السكان واحداً في المائة. بينما تبلغ نسبة الأكثرية السنية حوالي خمسة وسبعين في المائة.

إن كسب بعض الأفراد من ضعاف النفوس أو الطامعين أو الطامحين.. لن يفيد المذهب الشيعيّ ولا جمهورية إيران،  بل سيزيد من عوامل الاحتقان والتوتر، وسيجر الفصام والشقاق على جملة الموقف الإسلامي.

*انتم متحالفون مع قوى علمانية تختلف اختلافا جذريا معكم بل و تعارض بشكل واضح وصريح الافكار الاسلامية التي تؤمنون بها ..هل هذا ايمان مبدئي ام تكتيك مرحلي ؟!!

**أعتقد أن معظم القوى الوطنية في سورية، لا تشكّك في مصداقية الجماعة التي أثبتت خلال تاريخها الطويل ومشاركاتها في الحياة السياسية، التزامها بقواعد العمل الديمقراطي، بالإضافة إلى مشروعها السياسي المعلن، الذي يؤكّد على إقامة الدولة المدنية، والتعدّدية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع..

وإذا كان بعض الناس الذين تتحدث عنهم - على قلتهم في المجتمع السوري - يحكمون على نوايانا وفق أهوائهم، فنحن لا نستطيع أن نغيّر قناعاتهم. ومن حقهم ديموقراطياً أن يعتقدوا فينا ما يشاؤون، لكن ليس من حقهم - إذا كانوا ديموقراطيين فعلاً - أن يمارسوا عمليات الإقصاء، تحت أي عنوان أو تفسير أو تعليل. دائماً يجب أن يُحترَمَ خيارُ الشعب، وأن يتم الاحتكامُ إلى صندوق الاقتراع. أما أن يكون هذا الكلام ذريعةً من ذرائع الإقصاء، فهذا تدمير للديموقراطية، إذا استعمله كل فريق ضدّ الآخر أصبحنا من دعاة الفاشية التي تحكم تحت هذه الادعاءات.

*مار أيكم في من يرى ان هناك الكثيرين في سورية برغم معارضتهم الشرسة للنظام الحالي فانهم لو خيروا بين حكم النظام الحالي و حكم الاخوان المسلمين لاختاروا اقل الضررين ..النظام على احاديته لانه على الاقل لا يتدخل في حرياتهم الشخصية؟ 

 **الجواب على هذا السؤال هو استكمال للجواب السابق. سنحترم اختيار هؤلاء المواطنين، إن وجدوا فعلاً، ونحن أصلاً لم نقترح في برنامجنا قانوناً لاجتثاث البعث. سيكون من حق هؤلاء التصويت للأفكار أو المناهج أو الأحزاب أو الأشخاص الذين يفضلون. وعلينا وعليهم أن نحترم صندوق الاقتراع ونتائجه. أما بالنسبة للإشارة إلى أننا سنتدخل في حريات الناس الشخصية، وطرائقهم في اللباس أو في العيش، فربما من المفيد أن نعيد هؤلاء إلى مشروعنا السياسي الذي يمثل برنامجنا المستقبلي. المشكلة عند بعض النخب أنها تتعامل بطريقة نمطية، أيْ أن كلّ فريق يشكل صورة للفريق الآخر من معطياته الذهنية الخاصة، ثم يصدر الأحكام عليه، دون أن يتأمل حقيقة موقف من يواجهه. نظن أنه قد آن الأوان ليخرج أبناء أمتنا أجمع من أسر القواقع الذهنية، وأن نطالب بالانفتاح على الآخر الوطني والقومي، قبل أن نطالب بالانفتاح على الآخر العالمي.

*برغم انتقاداتكم للنظام السوري إلا أنكم تؤكدون دائماً على إيمانكم بالحوار والمصالحة الوطنية.. هل مازال هناك أمل في اعتقادكم لمصالحة بينكم و بين النظام السوري رغم "شلالات الدم" بينكم ( أحداث حماة) والقانون الذي يحظر حركة الاخوان المسلمين ويجرم الانتماء إليها في سورية؟

**ينطلق موقفنا السياسي دائماً من المصالح العليا للأمة وللوطن. لدينا تاريخ طويل من المعاناة مع النظام الحاكم في بلادنا، ولقد تعرضنا كجماعة وتنظيم، وكتيّار وتوجّه، وكعقائد و أفكار وثقافة.. إلى حملة اضطهاد ظالمة وقاسية، ومع ذلك فقد بقينا - لما تمثله دعوتنا من قيم الحق والعدل في هذه الأمة - الأقوى والأبقى. من هذا المنطلق أيضاً نحن نطالب دائماً بالإصلاح، ونطالب بالتغيير الإيجابي، ونرصد كل المتغيرات على ساحتنا الوطنية، ونشعر بضخامة العبء الذي يتحمله المواطن السوري الذي ينوء بأعباء الظلم والاستبداد والحرمان من حقوق المواطنة الأساسية، كما ينوء بأعباء الفساد والفقر والحرمان من أبسط الحقوق في الفرصة الوطنية والثروة الوطنية.. ومع ذلك ولما كنا أبعد ما نكون عن الأهداف الشخصية، ولما كان شعارنا الأولي (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، فإن أيدينا تبقى دائماً مبسوطة إيجابياً لكل إرادة خيرة، تخفف من معاناة شعبنا وتوفر عليه مراحل في طريقه إلى الهدف المنشود. نحن نتبنّى شعار تغيير المناهج والسياسات، وهذا لا يعني بالضرورة تغيير الأشخاص والهيئات.

 *تفاؤلتم خيرا ببشار الأسد ريسا خلفا لأبيه الراحل حافظ الأسد و نقلت عنكم تصريحات تعلق آمالا كبيرة عليه في التغيير لكن يبدو أن حماستكم تلاشت نهائيا...؟

** في الحقيقة إننا بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، واستلام بشار الأسد للسلطة، أعلنا تحفظنا على الطريقة التي تم فيها توريث السلطة، بعد مسرحية تعديل الدستور. لكننا مع ذلك أعلنا استعدادنا لفتح صفحة جديدة، وأكدنا أن بشار الأسد لا يتحمل أوزار المرحلة السابقة، بكلّ ما فيها من محن ودماء. وأعلنا تفهّمنا لمبدأ التدرّج في الإصلاح، على أمل أن نخفّف من معاناة المواطنين، ونوفّر على وطننا أشكالاً من الصراع، في ظل هجمة خارجية مصطنعة تشنّ عليه. ولكن بعدما قاربت الفترة الرئاسية الأولى على الانتهاء، دون حصول أيّ تغيير مهم في السياسات والمناهج، بل إن بعض صور الفساد وأشكاله قد تعمقت وتجذرت في بنية الدولة والحياة العامة.. أصبح من العبث الاستمرار في الحديث عن الإصلاح ، بينما النظام يسير في الاتجاه المعاكس، فكان لا بد من خطوة وطنية تقرع ناقوس الخطر، وهو ما توافقت عليه معظم القوى الوطنية، فانتقلت من المطالبة بالإصلاح إلى المناداة بالتغيير، بعد أن تأكد للجميع أن هذا النظام غير قابلٍ للإصلاح، وغير مستعدّ للسير في طريقه.

*هل ترون تناقضاً في موقف النظام السوري تجاه تيار الإخوان المسلمين عموماً حيث تستقبل دمشق مثلاً قيادات حركة حماس الفلسطينية (الإخوانية) بينما تلاحقكم أنتم ؟!! وهل حاولتم توسيط حماس بينكم و بين الحكم في سوريا؟

**يصنف النظام السوري منذ عقود، على أنه نظام يقوم على سياسة اللعب بالأوراق. منذ فترة مبكرة في أوائل التسعينات قال الرئيس  الراحل حافظ الأسد: لو كنت شاباً في هذا العصر لكنت اسلاميا أصولياً!! وبدأ باستقبال ممثلي الحركات الإسلامية من جميع الأقطار، لما رأى أن الصحوة الإسلامية تعمّ الشارع العربي، فاستقبل الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، كما استقبل إخوان الأردن، وإخوان تونس ولبنان ومصر والمغرب.. ومع ذلك فقد ظل القانون رقم( 49/1980) الذي يحكم بالإعدام على أبناء جماعتنا ساري المفعول.

وجاء بشار الأسد ليكمل مسيرة والده على هذا الطريق. يحاول النظام أن يستفيد من علاقاته بالحركات الإسلامية، وأن يوظف علاقته مع قوى المقاومة العربية والإسلامية في صراعات إثبات الوجود ومد دوائر النفوذ. أعتقد أن كافة القوى الإسلامية التي تزور سورية متفهمة بشكل جيد لأبعاد هذا الموقف، وتحسن التعامل معه. نحن لم نطلب من أحد الوساطة، لكن بعض الشخصيات العربية والإسلامية - بدافع محبة الخير لسورية - تطوعت في هذا السياق، دون أن تصل إلى نتيجة إيجابية، بسبب إصرار النظام على سياساته.

*يطلق عليكم صفة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ..ألا تعتقدون أن هذه الصفة "مراقب" تجاوزها الزمن وحان وقت إعادة النظر فيها.. وهي توحي دائماً بالرقابة والأبوية و لا تختلف في جوهرها عن الزعيم العربي الحاكم الأوحد "المراقب" للبلاد والعباد..؟!

**يقول علماؤنا لا مشاحة في الاصطلاح. منصب (المراقب العام) في نظامنا الداخليّ، يقابله عند الأحزاب الأخرى منصب (الأمين العام). لا أظن أن هذا المصطلح - في مدلوله وواقعه - يقترب من مصطلح الزعيم الأوحد. لو رجعتم إلى النظام الداخلي للجماعة - وهو منشور في الموقع - لوجدتم أن هيكلية الجماعة تقوم على المؤسّسات (المراقب العام - القيادة ومكاتبها التنفيذية - مجلس الشورى - المحكمة العليا)، ولكل مؤسسة مهماتها واختصاصاتها وصلاحياتها، والقرارات تتخذ داخل هذه المؤسّسات بالأكثرية. لا أتعصّب لهذا المصطلح، ولا أعتقد أنه مشكلة حقيقية للحركات الإسلامية. ثمة مشكلات قد تكون أولى بالتفكير والمعالجة.

* ماهو تقييمكم للحركة الاسلامية عموماً و الجزائرية خصوصا؟

** لقد تحملت الحركة الإسلامية عبئاً كبيراً خلال القرن الماضي، واستطاعت في أكثر الأقطار أن تصحّح الكثير من المفاهيم المغلوطة أو القاصرة عن الإسلام، وأن تكرّس القواعد العامة للحياة الإسلامية الرشيدة، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. ولولا القوى المعاكسة، وأساليبها الخشنة في مقاومة المدّ الإسلامي، لكان للحركة الإسلامية في العالم وللمسلمين اليوم شأن آخر، شأن إيجابيّ فعال، في إشاعة أجواء السلم والحوار والتعاون والتعارف بين بني البشر.

والطريق أمام الحركة الإسلامية مايزال طويلاً، لا سيما إذا نظرنا إلى وسائلها المحدودة، والرياح المعاكسة التي تهب عليها من الداخل والخارج. لكنها بالصبر والمصابرة والمثابرة، ستحقق أهدافها بإذن الله.

أما في الجزائر.. فإن للجزائر في صدور أبناء الحركة الإسلامية في الشام خصوصية متقدمة، ارتبطت بذكريات الأمير عبد القادر الجزائري، وثورة التحرير، ونهضة التعريب. نتمنّى أن يسود السلم الاجتماعي في الجزائر، وأن تنتفيَ نزعات الغلوّ، وأن يتقدم هذا المجتمع بالسير القاصد، نحو حقائق الإسلام ومقاصد الشريعة، وفق ترتيب الأولويات الخاصة بهذا الجزء من الوطن العزيز.

ـ ما رأيكم في الصراع الدائر داخل حركة حمس الجزائرية ( شقيقتكم الاخوانية!)  ..وما صحة ما تردد أنكم من بين الأطراف الإسلامية الإخوانية خاصة الساعية إلى الصلح بين طرفي الصراع؟

تُبتَلى الحركات والتنظيمات دائماً بمثل هذه الخلافات، ويظن كلّ فريق أنه - وحدَه - يمتلك الحق والصواب. العمل الجماعي يحتاج إلى روح الأبوة والأخوة والتعاون والإيثار، لذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ البيعة على أصحابه على السمع والطاعة (في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثَرةٍ عليّ) ولعل هذه الأخيرة (الأثَرة) تخفف الكثير من غلواء المتخاصمين أو المختلفين. ندعو الله لإخواننا باجتماع الكلمة وتآلف القلوب، ليكونوا دائماً كما يحب الله تعالى (صفاً كأنهم بنيان مرصوص).

ـ انتم من متتبعي صحيفة الشروق الجزائرية ..مارأيكم فيها؟

نعم.. أتابعها على شبكة الإنترنت، بمقدار ما يسمح به الوقت، وأعتقد أنها تمثل موقعاً متقدماً في ساحة الإعلام العربي، من حيث تنوّع أخبارها ومقالاتها، ومتابعتها للشئون العربية والإسلامية بالإضافة إلى الشأن الجزائريّ .