حوار الشاعرة فاطمة الزهراء فُلّا مع "رابطة أدباء الشام"

الشاعرة فاطمة الزهراء فُلّا لـ"رابطة أدباء الشام": عشقي لسماع القرآن أفاد موهبتي الشعرية

6248.jpg

الشاعرة فاطمة الزهراء فلا، لها مشوار طويل فى نسج الشعر وتلوينه حسب ما تريد، فهى تقرضه بعين الأنثى التى تخرج من مناقشة عذاباتها، خاصة فى البيئة الشرقية والعربية، إلى الرحاب الأوسع في فضاء الوطن.

وطنية فريدة حتى النخاع، لا تريد لوطنها أن يسرق أو يغتصب، أو حتى يسحب من تحته البساط تحت إدعاءات كاذبة.

فالزهراء تمتلىء قصائدها بمفردات الواقع والأنثى .. الوطن والوطنية.. فهى كما قال كافكا: إن كل كاتب يبدع ريادته.

ولأنها لأكثر من دورة شرفت برئاسة اتحاد كتاب مصر فرع الدقهلية ودمياط، وكتبت فى مجالات مختلفة، تارة عن المرأة كمبدعة، وتارة عن الأكلات الشهية المختارة، فإنها مع ذلك، وقبل ذلك، شاعرة وأديبة وناثرة جديرة بالاحترام.

لها باع طويل في إدارة الموائد المستديرة بالمؤتمرات ولها حضور بارز في الندوات، وبألقها المتميز وكاريزماتها الفائقة، تجد نفسك مشدوداً إليها، ومنجذباً لحديثها السلس العذب.

في حديثي معها أحالتني إلى مقولة ليوتار عن ما بعد الحداثة، "إن ما بعد الحداثة تقوم على التشكيك فى الأفكار والغايات الإنسانية الكبرى لمسيرة التاريخ"، وهو في ذلك يقترب من فيليب ستيفك الذي يعتبر الفن "قوة مضادة فى صراع مع بلادة وسخافة العصر".

سألتها عن المولد والنشأة وتكوين موهبتها الشعرية؟

فأجابت: الطفولة كانت جميلة، فالوالد أستاذ أزهري وقارئ للقرآن الكريم، منحني ثقة كبيرة حين كان يعطيني المصحف الشريف لأسمع له ما يحفظه، فبدأت أذني تتفتح علي معان غاية في الروعة والدقة والجمال. من هنا عشقت اللغة العربية.

كانت طفولتي ذاخرة بحب سماع الغناء، غناء الصيادين حين العودة من البحر محملين الخير، والجنية التي كانت تهبهم هذا الخير وتغني لهم وتقول:

آه يا ابو علي يا صياد

اصطاد واديني يا صياد

واملأ مناديلي يا صياد

وطرحت الشبكة يا صياد

طلعت لي ملكة يا صياد

وف ايدها الكنكة يا صياد

وهكذا تأثرت في صباي بالبيئة والطبيعة.. حيث ألوان الطبيعة الخلابة، والمياه الزرقاء، والسمك الأخضر، والجنية بذيلها اللامع وقد عشقت البحر وعشقت الصيادين.

 وهكذا تأثرت بنزار قباني وقصائده التى غناها عبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وغيرهما من نجوم غناء العصر.

هذه الخلفية، جعلتني أكتب أولي قصائدي في المرحلة الابتدائية، وتفننت في كتابة موضوعات الإنشاء، حتى أطلقوا عليّ في مدرسة المطرية (دقهلية) اسم الدكتورة فاطمة فلا.. وهذا جعل أمي تتهيأ نفسياً لأن أكون طبيبة الأسرة لكني أفاجئ الجميع بدرجات نهائية في اللغة العربية ودرجات قليلة في الرياضيات.  

التحقت بكلية الحقوق لكني لم أستمر بها، فاتجهت لأدرس بأحد المعاهد الفنية ودرست بمفردي الشعر دراسة مستفيضة.

تزوجت في إحدي قري مركز السنبلاوين وعملت أمينة مكتبة بمدرسة الزهايرة الاعدادية فأتاح لي عملي التفرغ للقراءة والكتابة بحرية.

أصدرت أول ديوان لي بعنوان: "هل يصدأ القلب؟"، وكتب مقدمته الشاعر أحمد سويلم ثم تبعته بديوان: "وشوشات الظلال"، ثم "المرأة بركان ثائر"، ثم "انتفاضة أنثي"، وانضممت عام 1990 لاتحاد كتاب مصر، ولأصبح أول سيدة في الدقهلية تنضم للاتحاد.

 استضاف صالوني الأدبي (الزهراء ) عدد كبير من الأدباء والشعراء، ولي أكثر من خمسين كتاباً عن المرأة، إصدار جزيرة الورد.

ـ ما مجهوداتك في الارتقاء بوضع المرأة في أقاليم مصر؟

عندما انتقلت إلى الإقامة في قرية زوجي عقب الزواج، لاحظت أن المرأة تعاني من الحرمان في أشياء ضرورية كثيرة أولها التعليم والثقافة، واكتشفت أن الأم الجاهلة تفرز مجتمعا مريضا لا نفع فيه.

من هنا جاءت فكرتي في تنظيم هذا الصالون الأدبي بالقرية وظل يعقد شهرياً ويستضيف كبار الشعراء والمبدعين للتحاور المباشر مع الجماهير وفي القلب منهم المرأة.

الفكرة نفسها التمستها من الأديبة الكبيرة مي زيادة التي أقامت في منزلها صالونا أدبيا واستضافت فيه عمالقة الأدب المعاصرون لها، أمثال العقاد، والمازني، وطه حسين وغيرهم.

 بفضل الله أحسست أنني أمتلك القدرة علي صنع حياة ثقافية جديدة، فزوجي ابن عمدة قرية ميت غريطة، وهو قدوة لأهل القرية، وكلمته مسموعة، وشخصيته محترمة، الأمر الذي وفر الإقبال المتزايد على أنشطتي الأدبية والثقافية والتوعوية.

 كما أنشأت أول مكتبة في المدرسة التي عملت فيها وتوليت أمانتها ومن خلالها زاد اطلاعي.

ـ كيف واجهتي تحدي مشاغل الزواج والأمومة؟

عندما بدأت أراسل الصحف والمجلات، قرأ عدد كبير من المحيطين بي، قصائدي، وشجعوني على الاستمرار، وعندما ألفت ديوان "هل يصدأ القلب؟"، كان من توفيق الله أن الذي يكتب مقدمته الشاعر الكبير أحمد سويلم وأن الذي يرسم غلافه الرسام المبدع إسماعيل دياب، مما جعلني أسير في طريق لا رجعة فيه، ألا وهو طريق الشعر والأدب وتثقيف المجتمع.

ـ من أبرز من استضافهم صالونك من الأدباء؟  

كثيرون، أمثال عبد العال الحمامصي، وشفيق سلومة، وأحمد سويلم، إيمان بكري، وفريد طه، والراحل الورداني ناصف الذي شجعني كثيراً، وكنت أتنقل بهم من قرية لأخري في السنبلاوين ومنها إلى مراكز أخري.

ـ ما دور صالون "الزهراء" في اكتشاف المواهب المدفونة في القرى والنجوع؟ أجمل ما في الصالون أنه استطاع أن يجذب إليه وسائل الإعلام، فتنقل أنشطته وفعالياته، وتعرف به من يكن يعرفه، على المستوى المحلي الضيق، وعلى المستوى المحلي الأوسع، وبالتالي استطاعت هذه الوسائل الإعلامية أن تسلط الضوء علي مبدعين كثر، ففي قرية طوخ الأقلام التقيت الشاعر الكبيرعصام زكي، وقدمت فاتن شوقي، ولمع حلمي ابراهيم، ومتولي زيادة، وغيرهم وهم الآن شعراء لهم أعمالهم وبصماتهم الفنية الواضحة.

ـ أعلم أن الصالون توقف لمدة ثلاثة أعوام، ما السبب؟

الذي حدث أنني انتقلت للعمل كمسؤول ثقافي في ديوان عام محافظة الجيزة، وبالتالي انتقلت بالصالون إلى نادي الصيد بالدقي وحقق شهرة عريضة، ولكن في عام 1998حدثت مشاكل كبيرة في محافظة الجيزة، انتهت بسجن المحافظ المستشار ماهر الجندي، وحدث أيضاً أنني شعرت بحالة من الخوف علي نفسي وعلى بناتي من جو النجومية التي عشت فيه بعد البرنامج الذي أنتجه لي الراحل مطيع زايد وأخرجته المخرجة الكبيرة فايزة حسين، وكان يحمل اسم "صالون الزهراء"،.. كل ذلك الصخب والضجيج دفعني دفعاً إلى العودة إلى القرية، حيث الهدوء والأصالة والنقاء.

ـ ما أقرب قصائدك إلى قلبك وأحبها إليك؟

القصيدة التي أثارت ثورة في القرية وهي قصيدة "هل كلهن امرأة العزيز؟" وكذلك قصيدة "هموم الأنثي" وقصيدة "لست أسيرة".

ـ ما الذي يمثله الشعر بالنسبة لك؟

الشعر هو ثورتي وانفعالي وتجاربي ومشاهداتي التي ترجمها خيالي إلى نظم مقروء، متحرية فيه الوصول إلى الحق والخير والعدل والجمال.

سقت في قصيدة هل كلهن امرأة العزيز، نموذجاً للأنثي التي كانت تحلم بالحب وفتي الأحلام، فلم تجد سوي كهلا لا تنعم معه بأية مشاعر سوي الأحلام الخائبة، فقلت:

وقفت أمام المرآة

ترسم الأهلة

في وجه القمر

وردة مقدسة

تفوح برائحة الثمر

وحرير شعرها

في كبرياء انسدل

وعقدها على الجيد المرمرى

يعلن الخطر

صاحت تحذر

الطير الذي هجر

وعشقها المعبأ

في حقائب السفر

وآهات تهفو

في اشتياق للمطر

وهذا الظمأ

بالخطايا ينتحر

إلى متى سأنتظر؟

صاحت في كدر

لست ملاكا ولست قلبا من حجر

فكيف لي أن احتمل؟

إننى بشر

يحيكون ضدي

مؤامرة الخطيئة

يقولون دعك من الذي هجر

أنى أخاف

الانزلاق إلى الخطر

شوق واحتواء

والخطر

بركان يغلى ويستعر

زلزال أنثى زلزلتها المشاعر

وأين يكون

منها المفر؟

وفي قصيدتي (خابت نبؤة جدتي) تحدثت عن الأفكار والموروثات التي ما زالت تعشش في عقول ومعتقدات البعض، فقلت :

كانت تتمنى أن يأتي عواد

لكن جاءت للدنيا سعاد

وبين الفكر الشارد

تسمع بعض النسوة

يزغردن ويعلن

قد جاء يا نينه عواد

فتقفز الجدة من رقدتها

وتأمر بذبح ديك البرابر الوحيد

وبين يديها تمسكه وتغني

لما قالوا دا ولد

أتشد ضهري وأتسند

ولما قالوا دي بنية

قلت غابت الأعياد

ضحكت كل النسوة عليها

وهللن في هم نافع

نينه وداد

عايزه النسوان

تخلف بس صبيان !!.

أيضًا قصيدة (موعود) أهديتها إلى العندليب عبد الحليم حافظ وفيها وصفت حب البنات للعندليب وآلام الشعب المصري بسبب نكسة يونيو 1967 ثم تهجير أهالينا من محافظات القناة، وفيها قلت :

لا زال حليم يغني للحب

وللذكريات

لما بلدنا على الترعة

تغسل شعرها

من الهم والأحزان

ونقدم ولادنا لنصرنا

قربان

ونصبح نارا

فوق فوهة البركان

علمنا حليم في شعره

أن الحب نزار

وأن اليهود هم تتار

وأن مصر

هى الحب الأول

وبين الظلام

هى زهرة النوار .

وسوم: العدد 624