الدكتور أحمد السعدنى وذكريات أدبية

أبو الحسن الجمّال

clip_image002_a383d.jpg

  أنشئت كلية الآداب بالمنيا سنة 1970 وضمت فى سنواتها الأولى ثلة من الأساتذة والمدرسين بل والمعيدين الذين صاروا - فيما بعد- أساتذة يشار إليهم بالبنان، ومنهم الأستاذ الدكتور أحمد محمد جودة السعدنى، الذى عين فيها مدرساً للأدب والنقد، سنة 1976، بعد أن حصل على الماجستير فى النقد الأدبى من كلية الآداب بالقاهرة فى رسالة بعنوان "الالتزام فى المسرح الشعرى المعاصر" سنة 1974، ورسالة الدكتوراة عام 1976 فى رسالة بعنوان قضايا المجتمع فى المسرح المصرى (1914- 1952) وكلا الرسالتين تحت إشراف الأستاذ الدكتور عز الدين إسماعيل، ومازال الدكتور السعدنى يترقى حتى عين أستاذاً ثم رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها من 1990- 2000، ووكيلا للكلية من سنة 1994- 1997، وتخرج على عدد كبير من أساتذة الأدب والنقد فى الجامعات المصرية والعربية.

 أثرى الدكتور أحمد السعدنى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والأبحاث منها:"نظرية الأدب..الجزء الأول مقدمة فى نظرية الفن"، و"أدب باكثير المسرحى الجزء الأول المسرح السياسى"، و"المسرح الشعرى المعاصر"، و"شكول الصراع فى مسرح شوقى"، و"منظور مجيد طوبيا بين الحلم والواقع"، و"القصة القصيرة المعاصرة فى السعودية"، وخلال إقامته فى محافظة أحدث بها نهضة أدبية خارج اسوار الجامعة فاستفاد منها المثقفون وعامة الجمهور، فأسس نأدى الأدب فى قصر ثقافة المنيا مع زميليه الدكتور عبدالحميد إبراهيم والدكتور على البطل، وخرج منه معظم الأساتذة والشعراء والقصاص والروائيين منهم: الدكتور جمال التلاوى، والدكتور محمد نجيب التلاوى، والدكتور منير فوزى، وأحمد عارف حجازى، ومجدى حجازى، وطنطاوى عبدالحميد، والدكتور شعيب خلف، وغيرهم كثير..كما تم عرض مسرحيات شعرية فى مسرح الجامعة منها مسرحية "محاكمة رجل مجهول" للدكتور عز الدين إسماعيل، و"منين أجيب ناس" لنجيب سرور.

(المصريون) التقته ليسرد لنا تجربته فى الحياة وفى الآدب، وكان حديثاً ثرياً لأنه من القلب طوفنا من خلاله موضوعات عدة منها نشأته فى مدينة الفيوم لأب كان واعظاً بالأوقاف وأسس فيها المعهد الدينى، كما تعرضنا للدوافع التى جعلته يلج مجال الأدب وقراءته لأمهات كتب الآداب العالمية التى كانت تنشر مترجمة فى سلسلة روايات الهلال وموضوعات أخرى سوف نطالعها من خلال هذا الحوار:

كيف كانت للنشأة دورها فى حياتك الأدبية والأكاديمية؟

 نشات فى مدينة الفيوم حيث ولدت بها فى 12 نوفمبر سنة 1937لوالد كان يعمل إماما وخطيبا فى وزارة الأوقاف، الوالد جاء إلى الفيوم من مديرية بنى سويف، بعد أن حصل على العالمية من الأزهر الشريف عام 1925 وقد شارك فى ثورة 1919 عندما كان يدرس فى معهد الإسكندرية الأزهرى ومن الذكريات المهمة فى هذا الشأن والتى قصها على ومازالت عالقة بذهنى هو أنه نجا من الموت بأعجوبة فى أحداث الثورة عقب اقتحام القوات البريطانية لمبنى الطلاب"سراى الطلبة" بعد أن قتل القائد البريطانى بواسطة الطلاب فانتقم البريطانيون لمقتل قائدهم بأنت فتحوا النار على الطلاب ونجا والدى من الموت بأعجوبة، وكان لوالدى علاقة حميمة بحمد باشا الباسل (ابن الفيوم) وصديق سعد زغلول، وهو الذى ساعده فى تعيينه بوازة الأوقاف بالفيوم، وفى الفيوم كان له نشاط ثقافى ممتد فقد قام هو ورهط من زملائه بإنشاء المعهد الدينى الأزهرى بالفيوم وواصل العمل أستاذا فيه إلى جانب عمله بالخطابة، وكان والدى مثلى الأعلى، هو الذى علمنى كيفية القراءة المنفتحة والاهتمام بالثقافة والجانب البحثى لأنه كان يطلب منى أن أقرا له فى كتاب يسميه، ثم يطلب منى أن اقرأ فى كتاب آخر يسميه وهكذا، كما كان يشارك فى الندوات الثقافية التى تعقد فى مدينة الفيوم، وأذكر مرة فى إحدى هذه الندوات أنها كانت بعنوان "عقوبة الإعدام بين التأييد والمعارضة"، هناك من كان يؤيد تطبيق عقوبة الإعدام وآخر يؤيد إلغائها أسوة بالدول الغربية، وكنت فى ذلك الوقت فى سن الخامسة عشر، وعقبت برأى بعد المناقشات ذهبت فيه أن الذى يعارض عقوبة الإعدام يعتمد على الجانب العاطفى لدى المتلقى، ويطرح كيف تنفذ عقوبة الإعدام، والمكان الذى ينفذ الإعدام، كان الوالد يعلمنا على إبداء رأيى دون حرج، وأذكر أيضا أن أول قصة قصيرة كتبتها فى سن السادسة عشر وقد اثنى عليها الوالد وشجعنى على السير فى هذا المسار.

ما هى الدوافع التى جعلتك تلج مجال الأدب والنقد؟

 كثرة القراءة، وكانت نواها مكتبة الوالد ثم فى مكتبة مجلس المدينة وكنت أصاحب أمينها وكان لا يضن على بشىء يسهل لى الاستعارة، وقد قرأت الأعمال العالمية لكبار الكتاب فى الآداب الغربية مثل: برنارد شو، وشكسبير، وجوجول، وتورجنيف، وديستوفسكى، وتولستوى وجوته، وبلزاك، وهوجو، وزولا، وغيرهم من خلال سلسلة روايات الهلال التى كانت تطبع فى طبعات فاخرة مزدانة بالرسوم والأغلفة الرائعة.. إضافة تجميع الأعمال والقراءة حول موضوع واحد .. مثلاً قرأت معظم ما كتب عن الرسول - صلى الله عليه وسلم- مثل معظم كتب التراث التى تناولت السيرة النبوية كسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبرى، وابن كثير، والسيرة الحلبية كما طالعت كتب المحدثين مثل حياة محمد لهيكل، وعبقرية محمد للعقاد، وعلى هامش السيرة لطه حسين وحياة محمد لأميل درمنجم ترجمة عادل زعيتر وغيرها ..

التراث وكيفية توظيفه فى إنتاج نصوص أدبية رفيعة؟

أرى إننا فى حاجة إلى عودة الوعى للعقل العربى وتقوم هذه الإعادة على محورين:

المحور الأول: العودة إلى التراث وأن ننظر إليه بعين معاصرة.

المحور الثانى: الأخذ من الحداثة بما يناسب ثقافتنا العربية الإسلامية دون انبهار بالغرب لأننا إذا انبهرنا بالغرب فإننا نأخذ بذرة مختلفة عنا ثقافياً ومعرفياً وحضارياً ونزرعه فى بيتنا فنصبح مسخاً وقد أعجب بهذا الرأى أستاذنا الدكتور عزالدين إسماعيل فى مؤتمر النقد الدولى الثالث، وهذا الكلام أغضب أحد حضور هذا المؤتمر كمال أبوديب (أحد المنبهرين بالغرب) الذى هاج وماج ، ولم يعجبه هذا الكلام...

كيف السبيل إلى إعادة الريادة الثقافية والأدبية لمصر مرة أخرى؟

عودة الوعى إلى العقل العربى كما ذكرت سلفا ويتطلب أيضاَ مجموعة من الأشياء:

1-    محو الأمية.

2-    الاهتمام بالتعليم لأن التعليم فى مصر سىء من الحضانة وحتى الجامعة.

3-  الاهتمام بالمناهج والأستاذ وحتى أستاذ الجامعة وكيفية تكوين أستاذ الجامعة لأن هناك تسيب فى إعطاء رسائل الماجستير والدكتوراه والتسيب أيضاً فى الأساتذة والأساتذة المساعدين.

4-  التركيز الشديد على البحث العلمى وكيف يكون هناك بحث علمى خاصة وإننا نمتلك من الطاقة البشرية العلمية ما يجعلنا نستطيع أن نتقدم تقدما كبيراً بدليل أن عدداً كبيراً من الأساتذة فى شتى التخصصات العلمية يعارون إلى الجامعات الغربية المتنقدمة علمياً (وقد رصدنا فى هيئة الطاقة الذرية 1969 أن عدد الأساتذة المعارون إلى الولايات المتحدة الأمريكية 16أستاذاً.

متى نرى نظرية أدبية أصيلة تنبع من تربتنا العربية؟

حين نعود إلى التراث بعين معاصرة ويدخل فى هذا الإطار التأصيل وأن نؤصل لهذه المفاهيم التى وردت إلينا على سبيل المثال:

السرد: وردت هذه الكلمة فى القرآن الكريم فى سورة لقمان (قدر فى السرد) ومعنى السرد حسب المعنى اللغوى هو اتقان الصنعة لأن هذا الحديث عن صناعة سيدنا داوود، والصورة الشعرية (اتقان الصنعة من كافة الجوانب خيال وصورة وموسيقى....)

النقد الثقافى: فلو رجعنا إلى مقولة ابن سلام الجمحى حيث يقول: (وللشعر صناعة وثقافة ، يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تتثقفه العين ، ومنها ما تتثقفه الأذن، ومنها ما تتثقفه اليد، ومنها ما يتثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت ، لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ؛ ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم ، لا تعرف جودتهما بلون، ولا مس ، ولا صراط ، ولا وزن، ولا صفة ، ويعرفه الناقد عند المعاينة ، فيعرف بهرجها وزائفها ، وكذلك يعرف الرقيق فتوصف الجارية ، فيقال ناصعة اللون ، نقية الثغر ، حسنة العين والأنف ، جيدة النهود، طريفة اللسان ، واردة الشعر ، فتكون في هذه الصفة بمائة دينار وبمائتي دينار، وتكون أخرى بألف دينار وأكثر ، لا يجد واصفها مزيدا على هذه الصفة) . وابن سلام في هذا النص يذكر الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد ، أو بالأحرى جسد لنا عوامل ثقافة الناقد ، ويتمثل العامل الأولعنده في ذوق الناقد ، فالكثير من أحكام الناقد تعتمد على ذوقه الشخصي ، وعليه أن يقرأ كثيرا للشعراء .

  ما الجديد الآن الذى تنوى تقديمه وكتابته؟

 أنا أعيد كتابة نظرية الأدب مرة أخرى فقد تحدثت فى الطبعة القديمة عن حازم القرطاجنى فى ثمانية صفحات إضافة إلى النقاد الغربيين وبعد التعمق فى قراءة النصوص القديمة عند ابن سلام الجمحى وابن قتيبة، ولما قلت أن الفن تخيل وقفت عند حازم القرطاجانى من ص86: 102 يعنى 16 صفحة فقط ، أنا الآن أعيد كتاب نظرية الأدب كما ذكرت وقفت أمام ابن سلام  وكتابه طبقات فحول الشعراء وتساءلت هل عرف العرب نظرية للأدب؟

 الإجابة نعم فقد عرف العرب نظرية للأدب.

عندما أقف عند نص ابن اسلام حينما ورؤيته للشعر حينما يقول: (وللشعر صناعة وثقافة ، يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات)، وماقاله محمود محمد شاكر أن الصناعة فى المعقولات وليس فى المحسوسات ، وأقارن بينها وبين ما نتجه الغرب، وأقارن بينها وبين الحضارة الإسلامية واتجاهها إلى التجريد والحضارة الغربية واتجاهها إلى التجسيد وأثرها فى الفراغ الروحى فى الحضارة الغربية، لم يقف أمامه أحد من قبل وكذلك طالعت "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، وأنا الآن أقف عند الآمدى ووصلت لصفحة 46 كلمة كلمة ورغم أن كتب عنه كتبا كله يتناول احتجاج الخصمين والإطار العام أنا أفصص الكلام هو هنا موضوعى أو لا موضوعى وسوف اتناول أبوالعلاء المعرى لأن له آراء رائعة ..

سوف أقف أمام العرب وأثبت أنه لهم نظرية أدبية.  

وسوم: 639