الثقافة.. زمّارة الحي تطربُ!

قال صاحبي: أراك تجاهلت تعيين وزيرة جديدة للثقافة يسمونها مقاتلة الفلوت، ومفجرة الثورة ضد الإسلام ولإخوان؟

قلت له: لم أتجاهل الأمر. لأني لم أر جديدا في سياق عمل النظام العسكري الفاشي الذي لا تعنيه مصلحة الناس بقدر ما يعنيه أن يوظف عناصر الخدمة المطلوبة التي تسمع وتطيع وتنفذ دون مناقشة.

قال: على فرض صحة نظريتك، فهناك فرق بين العناصر المعنية، وبعضها يفضل بعضا!

قلت: الوزير السابق صنع عجين الفلاحة ليرضى عنه النظام ويُبقي عليه، وأنفق أموالا كثيرة من عرق المسلمين لتشويه الإسلام والمسلمين من خلال الندوات والمؤتمرات التي كانت تحضرها قلة تعد على أصابع اليد الواحدة، ونشر كتبا تفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة الحقيقية وأصول البحث العلمي واحترام الدستور الانقلابي الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام، ولم يسمح بالرد عليها أو تصويبها، فضلا عن تقديمه عرابين المحبة للنظام قبل توليه الوزارة بدعوته إلى فرض العلمانية الملحدة بالدم والنار! ومع ذلك كله تم طرده من جنة الانقلاب.

لم يعجبه كلامي وتركني صاحبي ومضى لأقلب في تاريخ الوزيرة الجديدة التي يبدو أنها لا تحسن اللغة العربية أساس الثقافة في بلادنا، ولذا فهي لا تتكلم كثيرا، وربما كان عقلها الأوربي يمنعها من التعبير عن نفسها وخططها. صحيح أنها لا تجيد سوى الزمر على أداة غربية اسمها الفلوت تشبه الناي أو القصبة أو السلاّمية كما نسميها في الأرياف.. ولكن الفارق بين الفلوت والناي كبير. الأول لا يستمتع به إلا أصحاب الهوى الغربي الذين يعيشون كما الخواجات، أما الناي فيتسلل إلى قلوبنا الحزينة دون وسائط أو تحايل. إنه ميراث الحزن الطويل الذي سببه الطغاة على مدى قرون للشعب المصري التعيس.

ثم إن الوزيرة الجديدة زمارة الفلوت، أو مقاتلة الفلوت كما يسميها الفسدة وخدام البيادة في كل العصور؛ لم تفجر الثورة ضد الإسلام والمسلمين، والتمرد على أنظف وزير تولى الوزارة، وأول من فرش سجادة الصلاة في تاريخها الضال، وأراد تطهيرها من اللصوص والمختلسين، الذين يسرقون بالقانون، بل كانت مأمورة مثل غيرها من أذرع النظام لإفشال أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ مصر الحديث بعد ثورة شعبية سلمية شهد لها العالم كله.

إن مقاتلة الفلوت ومفجرة الثورة المضادة لن تنحاز بالضرورة إلى الإنسان المصري، ولن تكون في صفه، ولن تحنو عليه أو ترفق به، فالثورة المضادة معادية للإنسان والإسلام والتاريخ!

ومهما يكن من أمر فالفارق بين وزارة الثقافة في بلادنا ونظائرها في البلدان الغربية يتمثل في أنها عندنا مجرد سبوبة لاغتراف الأموال التي يملكها شعب بائس، وفي بلاد الغرب مجرد منصة للإشراف على حركة الآداب والفنون، ودعمها معنويا، وتشجيعها رمزيا.

ترى لو أن مليارات وزارة الثقافة وجهت إلى حل مشكلة خمسة آلاف مصنع معطلة في أرجاء مصر، وتحميل كل مصنع عددا من موظفي الثقافة المتعطلين ألا يكون ذلك أجدى وأنفع؟ بالطبع أجدى وأنفع، ولكن النظام يقرر بذراعه ولا يفكر بعقله، ويظل في احتياج إلى من ينافح عنه من خلال حدوتة التطرف والتشدد والإرهاب بالسب والشتم والردح للإسلام والمسلمين!

لقد فرض الحكم العسكري منذ الخمسينيات على الثقافة والمثقفين نمطا خاصا من العلاقة غير الطبيعية، ومع بداية تولي اليوزباشي ثروت عكاشة أمور الوزارة، صارت هذه العلاقة دستورا يحكم سلوك من يسمونهم بالمثقفين. كان اليوزباشي على صلة ما بالفكر والأدب والفنون، ونال درجة الدكتوراه حول الناقد العربي القديم ابن قتيبة، ويذكر له جهده في إنقاذ آثار النوبة، ولكنه كان معنيا بالدرجة الأولى بإخضاع الثقافة والمثقفين لإرادة البكباشي ونظرياته- إن صحت أن تسمى كذلك- من قبيل الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية ورغيف الخبز قبل الحرية والوحدة العربية والحياد الإيجابي وعدم الانحياز والأدب الاشتراكي وفكرة الالتزام والرجعية والتقدمية..... وفي أجواء السيطرة الانقلابية على الصحف ودور النشر والسينما وتأميم شركات الاسطوانات والمسارح وإنشاء فرق الرقص الشعبي والباليه .. ، صارت لقمة الخبز بيد النظام فانطفأ المصباح وخمد التوهج، وفقدت البلاد ما يسمى بالقوة الناعمة لتحل مكانها قوة الهلس والابتذال. وهاهم بعض كتاب النظام يشيرون إلى بعض ملامح فساد الوزارة ودورها في إقصاء الإسلام:

يقول يسرى حسان في المساء1/22/2018 :"أكيد... تعاني الآن من إلحاح ومطاردة أصحاب المصالح والمشتاقين للحصول علي أي حاجة والسلام....

 هناك قيادات في الوزارة تحتاج إلي إعادة تقييم.. انتبهي إلي الشلل والعصابات.. فهي منتشرة في كل مكان.. وأفرادها معروفون بالاسم.. كان الله في عونك". ويطالب  اليساري أسامة الغزالي حرب في الأهرام 23‏/01‏/2018 بتغيير الإسلام، قائلا: "إن الثقافة، أو بتعبير أدق «التغيير الثقافى» هو أهم أسلحة مصر فى مواجهة سرطان التطرف الديني الذى هدد مصر أخيرا، أليس «تجديد الخطاب الدينى» مهمة ثقافية عاجلة وملحة، وهى أيضا أكبر وأهم من أن تكون مهمة المؤسسات الدينية فقط.؟"، ويتمنى سليمان جودة في المصري اليوم ٢٢/ ١/ ٢٠١٨ من الوزيرة أن تعيد مشروع القراءة للجميع الذي أنشأته سيدة مصر الأولى السابقة لمواجهة هجوم كل ما هو هابط، ومتدنٍّ، ورديء، على أذواق الناس؟!..

ويبقى السؤال: لماذا تهدر السلطة ثلاثة مليارات أو أكثر على ثقافة الفنكوش، نحن في أمس الحاجة إليها- أعني المليارات؟!

متى ما أشأ أسْمَعْ عِراراً بِقَفْرَةٍ ... تُجيبُ زِماراً كاليَراعِ المُثَقَّبِ

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! 

وسوم: العدد 759